“منذ عدة سنوات قمت بترجمة رواية الكاتبة الفرنسية الاسرائيلية فاليري زيناتي “عندما كنت جندية” بعد ان قرأتها بالانكليزية واثارت انتباهي شكلاً وموضوعاً.ورغم ادراكي للمواقف المعارضة لترجمة الادب الاسرائيلي الى العربية الا اني كنت، ولا ازال، اعتقد ان الاعتراضات بشأن نقل ذلك الادب الى لغتنا لا تتسم بالحكمة ولا بالموضوعية وهي تدخل اما في خانة الجهل والغباء او في خانة المزايدات المبتذلة التي عانت منها القضية الفلسطينة على مر تاريخها المرير.تقدمت الى احد الناشرين البارزين في القاهره بالترجمة لطبعها الا انه لم يتكلف حتى بالرد وعذرته لاني كنت متيقنا من خشيته من السهام التي قد تطاله، ولم اكرر التجربة.ثم جاءت الثورات العربية واخذت من مشاغلنا بها ومن حياتنا ما أخذت حتى نسيت تلك الترجمة وخشيت ان تختفي من ملفات الحاسوب او يطوي نسختها الورقية الغبار.وها انا اقدمها هنا على مدونتي متسلسلة، متحملا كل مسؤولية ادبية وسياسية واخلاقية عن ذلك.لقد عشت حياتي كلها لصيقا بقضية فلسطين ومأساة شعبها وفترات طويلة قريبا من فصائلها المناضلة ومن قيادتها التاريخية واخالي اجزم ان من ضيع فلسطين والحق بشعبها تلك الكارثة هي الحماقة التي اعمت اجيالا من العرب عن معرفة الاسرائيلي وكيف يفكر ويعمل وهي المقاربة التي كان ينبغي ان تصدم كل عربي منذ ان قال موشي ديان ان العرب لا يقرأون..
عندما كنت جندية
فاليري زيناتي
ترجمة
صلاح النصراوي
ج2 ف2
هزيمة أولى
مضى شهر على الدورة:إنها أشبه بمدرسة شديدة الصرامة.ندرس من الساعة الثامنة صباحاً حتى منتصف الليل، مع فرص للإستراحة، بينما نواصل واجباتنا في الحمامات، المطبخ، إضافة للساعتين اللتين نقضيهما في الحراسة لملء الفراغ…
قررت الا أكل مع الآخريات في المقصف.أخذ جبناً بالتوست مع قطعة شيكولاتة عند الظهيرة كل يوم، بينما أظل أراقب السماء التي تبقى زرقاء وسط هذا العالم الخاكي اللون.تحيا المقاومة!النتيجة:إزددت حوالي كيلوين وصديقاتي ينظرن إلي بشيئ من الحيرة، لكني أنهيت كتاباً، كما أني أكتب، أكتب عن الموت، عن الفراغ، عن السعادة التي تدوم لدقائق فقط، عن “جين-ديفيد” (رسائل لم أرسلها إليه).أعرف أنه لا ينتظر أي شيء مني، وأنه بالتأكيد لا يرغب بأن يعلم بأني أحبه أو أنه يراودني في أحلامي-والتي لاتزال تأتيني دائماً.كنت رأيت ذلك الملازم عدة مرات وهو يراقبني عن بعد منذ اليوم الأول.أطلقت عليه أسم “مكعب ج”، أي الجاسوس الذي يتجسس على الجواسيس.
نحن عشرة.تسعة من الضواحي الشمالية لتل أبيب:الأب سفير والأم محامية، الأب مدير تنفيذي للمعهد الإستراتيجي في “رامات-غان”، الأم صحفية، الأب عقيد، الأم تعمل في وزارة الدفاع، نحن نملك بيتاً من خمسة، ثمانية… عشرة غرف نوم، نحن نذهب إلى القاعدة بسيارة فارهة أهديت لنا بعيد ميلادنا الثامن عشر.
البنت العاشرة من بئر سبع.مدينة بعيدة جداً، أكثر من 120 كليو متراً، لم يطئها أحد، ولا أحد يمكنه التفكير بأن يذهب إلى ذلك المكب.البنت من بئر سبع تأتي إلى القاعدة بالحافلة، وأحياناً بالإشارة إلى السيارات المارة بالطريق.أبوها تقني في الصناعات العسكرية، أمها مساعدة صيدلانية لدى الصيدلية المحلية.البنت من بئر سبع لم تجتاز إمتحان السياقة، تضع السماعة على أذنيها طيلة الليل، ولا تهتم بالأكل في المقصف.عندما تكون مجموعتها بالواجب، أو حين يقمن بترتيب الغرفة الصغيرة إستعداداً للتفتيش فأنها تلتقط الكتاب وتطلب منهن أن يقمن بالشيء نفسه.”يمنحونا ساعة فقط، نتراكض مثل الذباب الأزرق، هذا ليس جيداً، علينا إعادة الأمر ثانية.لماذا نهدر طاقتنا لكي نقوم بكل شيء على وجه التمام اذا كان الضباط لا يرضون بأي شيء؟” تحدق البنات فيها بريبة، يعتقدن أنها لا تتصرف تماماً مثل جندي حقيقي، ولكنها فرنسية، وحتى الآن فأن ذلك كان كفيلاً بنجاتها من غضبهم.
في البداية ظننت بأني غلطة، بأني وضعت هنا بشكل خاطئ، أو لمجرد تكملة للعدد.الواضح أني أجبت إجابات جيدة في إختبار الحالة النفسية الذي أديته قبل التحاقي بالجيش.ما زاد الطين بلة، أني قمة شجيرة طماطة الكرز.احد الجنود (ذكر)، من دورة اخرى، قال لي أن تلك هي التسمية التي يطلقونها علينا، لأن معظمنا أقل من متر وخمسين سنتيمراً طولاً، ووزننا حوالي 60 كليوغراما.أشعر بإهانة من أن يربطوني بتلك التسمية.فطولي هو متر وأثنين وستين سنتيمتراً ووزني 55 كليوغراماً.وعلى إفتراض أني لست بعود الفاصوليا، لكن كان بالإمكان عدم مقارنتي بتلك الطماطة المدورة، والتي لا تترك لي أي أمل بالنسبة لمنظري.
في اليوم الأول للدورة تقول لنا العريف “تامار” بوقار “لقد تم إختياركن من بين آلاف المرشحات لكي تكن ضمن الخدمة السرية في الجيش.العمل الذي ستقمن به يومياً والمهمات التي ستتدربن على تنفيذها يقوم بها ضباط محترفون في جيوش أخرى في العالم.أمن البلد سيكون بين أيديكن.أية هفوة صغيرة من قبلكن قد تضع السكان في خطر.هل تعرفن أن حرب “يوم الغفران” إندلعت وسط صمت تام لأجهزة الإتصال؟فالطائرات المصرية إنطلقت ولم تكن الإتصالات فيما بينها سوى سلسلة بسيطة من الإشارات.هل تعرفن كم كلف ذلك البلد؟
نتذكر أكثر حروب إسرائيل دموية بصمت وإحترام.
“سيتم تعينكن” تقول “تامار” في وحدتين”، الإنصات والتحليل.سيتعين عليكن العمل بما لم تألفن به طيلة حياتكن، كي تهضمن خلال ثلاثة أشهر معلومات بحجم ما تفعلن خلال سنة في المدرسة.ليس من حقكن أن تكن سيئات، أو حتى متوسطات المستوى.يجب أن تكن ممتازات.الخطأ أو الإستسلام مفهمومان لا مكان لهما في عقولكن.من الصعب الدخول إلى الخدمة السرية، ولكن باب الخروج مفتوح أربعا وعشرين ساعة في اليوم.من المحرم عليكن الحديث مع أي أحد بشأن ما تتعلموه هناك.حتى أبويكما، أصدقائكم، أو حتى الجنود في دورات أخرى في هذه القاعدة.كل وحدة هي مستقلة بذاتها ويجب أن تبقى كذلك.في نهاية الدورة ستؤدين القسم إلى “أمان”، السرية هي وضعكن الطبيعي من الآن فصاعداً.
نبدأ العمل مباشرة:نحفظ خرائط عن ظهر قلب، في ليلة واحدة، مع مئات الأماكن التي عليها.علينا أن نعرف كل مدينة، قرية،نجع، تل، جبل، وأي أسم لمكان في البلدان المجاورة.وكذلك القواعد، محطات الرادار، الأسماء الشفرية للوحدات، الذبذبات المستخدمة، الأسراب، والطيارين.في غضون شهر تعلمت عن جغرافية الأردن، سوريا، العراق مئات المرات أكثر مما تعلمته عن أسرائيل.من المتوقع أن يتم تعيننا للإنصات على الطائرات.بفضل هدية صغيرة خلفها البريطانيون قبل عقود قليلة يتحدث الطيارون الأردنيون بالانكليزية.
هناك إختبار كل يوم لما تعلمناه في اليوم السابق.وكل يوم خميس هناك إمتحان للبرنامج الأسبوعي.هناك توتر دائم.لم أكن أتوقع أن بإمكاني أن أتذكر كل تلك المواد.كل يوم أشعر بأني وصلت إلى كامل طاقتي، ليس في عقلي المثقل أي مجال لأي معلومة بسيطة.حتى ولا إلى سطر واحد في أغنية ساذجة مثل:الشمس تشرق ببهاء/سألاقيك هذا المساء/يا طفلتي، أحمليني بين ذراعيك/أموت عشقاً بمفاتنك.أشعر بأني حين أترك هذا المكان سينتابني مرض النسيان، عدا كل ما يتعلق بجيران إسرائيل.
لكن لا.العقل لا يزال ماضياً بالتسجيل، مستمراً.تأتيه الإمدادات، وبين الفينة والآخرى يتم توسيع الذاكرة بقرص صلب جديد، وفي المساءات أجد نفسي أحلم بالبتراء، “الايتش فور”، “الايتش فايف”، الجيزة، عمان، بغداد، مدن وقواعد لم يتسنى لي مشاهدتها، ولن أذهب إليها، بسبب الحدود التي تفصل بين عدوين، ولكني أستطيع أن اؤشر عليها فوق الخارطة وعيناي مغمضتان.
90، 100، 98، 99، تأتي درجاتي، ممتازة أو تكاد.”تامار” و”رومي” يبتسمان كل مرة يناولاني أوراقي.أشعر بانه لن يمر وقت طويل حتى يسلماني جائزة بإعتباري الأمل المشرق للخدمات السرية.
يمنحوننا إجازة كل أسبوعين، لحد الأن ذهبت مرة واحدة، ولم أقابل “راحيل” التي تم تعينها سكرتيرة للكتيبة في مرتفعات الجولان بالقرب من الحدود مع سوريا.نكتب لبعضنا البعض تقريباًً كل يوم، أكتب لـ”فريدي” أيضاً فهو في حالة كآبة شديدة في السجن.”يوليا” تعمل في مكاتب عسكرية في بئر سبع وتذهب إلى بيتها كل مساء.تقول أنها تشعر وكأنها لا تزال في المدرسة، عدا انهم يدفعون لها مرتبا نهاية كل شهر.تبدو رائعة وتقول أنها تصرع الجنود قتلى.ليس لدى أي مشكلة في أن أصدقها.هي فعلاً رائعة الجمال.كنت سعيدة بان أراها ولكن وجدت من الصعوبة أن أبقي عيوني مفتوحة.
اليوم هو الخميس.لا أطيق الإنتظار ليوم الغد.”راحيل” ستكون هناك، وكذلك أختي التي لم أرها منذ شهرين.نخطط لكي نمضي كل عطلة نهاية الاسبوع في حفلات.”يوليا” حصلت على تذاكر لفلم “ترويض النمرة”.كما فكرنا أيضاً بأن نذهب إلى الشاطئ لكي نستثمر آخر أيام الشمس قبل حلول الشتاء، والذي عادة ما يطل بدرجات تقارب العشرين مئوية مع حلول ديسمبر.أعتقد أن بإمكاني أن أذهب أيضاً لكي أرى “جين-ديفيد”.مقارنة مع كم المعلومات التي بإمكاني أن أتلقاها خلال أربع عشرين ساعة، فمن المفروض أن بإمكاني أيضاً أن أحيا حياة شهر في غضون يومين.
الساعة السادسة مساء.”تامار” و”رومي” تأتيان إلى الصف لكي تعيدا أوراق إختبار هذا الصباح؟كانت حول قوة الجيش الأردني وتحليل بشأن معركة جوية خلال حرب الأيام الستة، وبدا أنه أكثر صعوبة من الإمتحان الذي سبقه.”نوا”، “هيدي”، “إينات” ذات الشعر الأحمر، “إينات” الشقراء، “راحيل”، “هيلا”، “إيماك”، “تسيلا”، “ميراف”، وأنا، نركض جميعاً بإتجاه معلميتينا.تبدوان مثل قائدين أدركا للتو أن جنودهما خدعوهم.
تمنيت الا يكون سوء الحظ قد أصابني ورحت أستعيد في ذاكرتي الدرجات التي حصلت عليها منذ بداية الدورة.على أسوء تقدير يمكن أن أحصل على 85 وهي أقل درجة يمكن أن يتسامحوا بها.دون ذلك سيمطرونك بالعقوبات، واجبات إضافية، المزيد من الإختبارات، الحبس مرة أو مرتين خلال أيام الإجازة.
تنفست البنات الصعداء وهن يستلمن أوراقهن واحدة تلو الاخرى.تقف “تامار” أمامي وعلى وجهها تعبير صارم.”نتيجتك سيئة، لقد خيبتي أملنا”، تتفوه ببرود.”نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة”، تضيف “رومي”.
(لقد كنت على خطأ، ما كان ينبغي لي أن أدعوهما “لورين وهاردي”، بل “ديبونت وديبوند”، من كتب تان تان.)
“80“، تقول “تامار” بصوت لا حياة فيه.
“؟80“، تتساءل “رومي”، وكأن “تامار” كلمتني باللغة الصربية-الكرواتية وإحتجت إلى مترجم.
“الأمر جدي، جدي تماماً، تقول “تامار”.”بإمكانك أن تفلتي من هذا الفشل مرة ولكن ليس مرتين.”
“لقد فكرنا بعقوبة”، تقول “رومي” متظاهرة بأسف لا يخلو من النفاق.”لن يكون لك أية إجازة هذا الأسبوع وستقومين بواجب الحراسة ثلاث مرات.وفي ما تبقى من الوقت يمكنك أن تأتي إلى هنا للمراجعة.وسيجرى لك إمتحان آخر يوم الأحد.”
كانت تلك أقسى عقوبة تم فرضها منذ بداية الدورة.تسعة أزواج من العيون بحلقت بوجهي.”هيدي” “إينات”، ذات الشعر الأحمر، “راحيل” و”هيلا” بدين مصدومات، ولكن لست أدري إن كن متعاطفات، أم أنهن يفكرن فقط بما قد يحدث لهن يوماً ما.”نوا” “إينات” الشقراء، “ايميك” ، “تسيلا” و “ميراف” بدين راضيات.أحدق بزاوية الطاولة، أعيد على نفسي”لايجب أن أبكي، لايجب أن أبكي.”يندفع الدم إلى رأسي، الدموع تنحبس في عيني، جاهزة لكي تنقذف.اذا ما ارتجف فكي، فتلك هي العلامة، لن أستطيع أن أحبس دموعي.لذلك أعصر فكي بين إبهامي وسبابتي وأبحث بيأس عن جملة من كتاب، بيت من الشعر، سطر من أغنية، لكي أهرب من تلك اللحظة التي لم أتهم خلالها وأدان، بل وجدت كذلك مذنبة.كل ما كان بإمكاني أن أجده هو أسماء القواعد، الأسماء الشفرية، بالعربية أو الانكليزية، كلها تتراقص وتدور أمام عيني بسرعة هائلة أصابتني بدوار.أحمل على نفسي، أبحث بعزيمة، وكأن الأمر هو مسألة حياة أو موت، الملم أجزاء وجه “جين-ديفيد” بعيني، في ومضة ضوء تعمي، وأسمع كورالاً يغني لي:
“الهي، امنحهم الراحة الأبدية ودع النور الأزلي، يشرق عليهم.يا الله تباركت دعواتهم إليك في صهيون.في القدس نضحي من أجلك، أسمع دعواتي إليك من يأتي إليه الفانون.يارب إمنحهم الراحة ودع نورك الأزلي يشرق عليهم.”
تراتيل “موزات”:بإمكاني أن أسمعها وكأن المئات من العازفين والكورال قد هبطوا في قاعدتنا كي يعزفوها لي خصيصاً .لقد نجوت، كما أني تمكنت من إراحة فكي، وأن أنظر إلى عيون معلمتي الأثنتين.
“لا عليكما”، اتمتم مع نفسي.”طبعاً، سأدرس طيلة عطلة نهاية الأسبوع وسأعوض عن ذلك يوم الأحد.”
تبدو “تامار” حائرة، في حين تبدو على محيا “رومي” علائم سعادة.قلبي يكاد يستسلم خلال ثلاثين ثانية، ولكني مصممة على الصمود هذا المساء، لوقت متأخر هذا المساء، حتى أتمكن من سماع التراتيل حقيقة.وأخيراً أبكي.
أتصل بالبيت.أحاول أن أبدو سعيدة.”لن تصدقوا هذا.سيمر شهر دون أن تروني، أو أن تغسلوا بزتي العسكرية، سيكون الأمر أشبه بعطلة صيفية للوالدين.”أمي كانت كما هي.إقترحت أن تكلم قائد القاعدة لكي تخبره بأن من العار حبس إبنتها التي حصلت على أفضل الدرجات في الدورة لحد الآن، وأننا لا نحكم من قبل هتلر أو ستالين، وأنني، موضوعياً، لم أرتكب جريمة، وأن درجاتي جيدة.
“أنه أمر يحدث للجميع”، أقول محاولة أن أهدئها،”ليس الأمر بالمأساة.لقد كنت في إجازة منذ أسبوعين.هناك أسبوعان آخران وسأكون معكم، سيمضي الوقت سريعاً.تظاهري بأني ذهبت إلى زيارة عبر الولايات المتحدة بسيارة جيب، أنا سأفكر بذلك أيضاًً.”
أتصل بـ”يوليا” التي تبذل جهداً لمواساتي.أقول لها أن تخبر “راحيل” بأني سأتصل بها عند الساعة السادسة صباحاً في الغد.
لم أتصل بـ”جين-ديفيد”.ما كان بإستطاعتي أن أتكلم معه.هناك جمل كثيرة انحشرت في بلعومي.كان لابد أن أكون قادرة على إخباره بأني أحببته، وأني وددت أن يكتب لي وأن يأتي ويزورني.ربما كان عطوفاً جداً معي، مواسياً.ولكنه لم يكن يحبني.لدي من القوة الكثير لكي أواجه الصمت أكثر من أن أواجه العطف.
العطف شيء تحمله البنات اللواتي يشاركني غرفتي بوفرة-حتى اللائي بدون سعيدات قبل قليل.”هيدي” عرضت علي أن تترك لي مخزونها من البسكويت.”نوفا” أعطتني شريطها المفضل.”هيلا” احتظنتني بقوة وقالت بصوتها الكارتوني (الذي جعلنا في الأيام الأولى ننفجر من الضحك)”هذا ليس عدلاً فجميعنا حثلنا على 80 بالمائة.ونحن لم نعاقب بهذه الثريكة.”
“بالضبط، لأنها هي الأفضل” تتلعثم، “راحيل”، الأكثر هدوءاً، الأكثر عمقاً وتأنياً منا جميعاً.
“سيكون السكن بكامله لك، كأنك مقيمة بجناح في “الهلتن.”، تقول “إيانيت”، ذات الشعر الأحمر بطريقة غنائية.
“وهل تعرفين أن الطاهي يتفوق حتى على نفسه أثناء عطلة نهاية الأسبوع”، تقول “إيانيت” الشقراء بخبث.
أنظر إليهن كأني أكتشفتهن للمرة الأولى.أشعر بقليل من الخجل، أدرك أني أعتبرتهن منذ البداية مجرد بنات مدلالات.صحيح، أن الحياة أفسدتهن، ولديهن كل الأشياء التي لن تكون لدي في العشرين سنة القادمة.الا أن ذلك لا يجعلهن عديمات الخيال، وأن كن لن يتمكن من فهم ما بي، على الأقل اليوم.
قررت أن أقوم ببعض الجهد وأن أقوم بمشاركتهم الطعام في المقصف في المرة القادمة.لدي كل الوقت لأكون وحدي في عطلة نهاية الأسبوع هذه.
ومع ذلك، فلم يكن من بد أن أشعر ببعض الضيق وأنا أراهن يغادرن بحقائب مليئة بالملابس المتسخة.مارقة، خروف أسود، طفيلية، كلها كلمات مشينة جالت في خاطري.وما هو أسؤ (ليس بإمكاني أن أسر بذلك الا إلى “راحيل”)، الخشية من أن أستبعد من الدورة اذا ما إرتكبت نفس الغلطة ثانية.الرعب اجتاح بدني كله:الجميع يرتعب من ذلك، أثناء كل دورة في الجيش.في الحقيقة، باللغة العبرية، تقول أنت “تسقط” بالدورة، تماماً مثلما تقول تسقط بمعنى تموت.قررت أن أمضي قدماً، أصك أسناني، وأن أدرس بكل ما أوتيت، مثلما قلت أمس.سوف أدفن ألم الا أرى الناس الذين أحتاجهم أكثر من أي شيء في الدنيا.لا أعرف أن كان سيعجبني الأمر، ولكني أعرف بأني فخورة بأني أنتقيت لكي أكون في الخدمة السرية.لذلك علي أن أبقى مهما كان الأمر.
***
عندما كنت جندية
فاليري زيناتي
ترجمة
صلاح النصراوي
الجزء الثاني
الفصل الاول
القدس، حبي
أشر جندي ضجر إلى بناية مغبرة بيده وأخبرني بأن أنتظر.
“كم؟” سألته.
“إنتظري فقط.” أجاب، بمنطق تام. “على أي حال، ليس لديك شيء آخر تفعلينه.”
أضع كيس متعلقاتي على الأرض وأجلس متكئة عليه.أخذ كتاباً من حقيبتي وابدأ بالقراءة، وكأني لم اقرأ شيئاً منذ فترة طويلة.ما أعنية هو أني لم أعد “فاليري”، بل أصبحت شخصية في الكتاب.
أتوقف عن القراءة لأني أشعر بأن أحداً ما يراقبني.كيف بإمكاننا أن نستشعر تلك الأشياء.ربما أننا معتادون على لامبالاة الآخرين مما يجعل أية إشارة إهتمام تصل إلى رؤسنا بشكل مباشر دون أي إعاقة في الطريق.
أتطلع إلى الأعلى، ملازم نحيفة في حدود الأربعين ذات شعر أشقر، تنظر إلي بإستغراب.أتساءل، ربما هي قائدتي، أقفز على قدمي، وأفكر في ما اذا كان على أن أقف في حالة إنتباه.ومن العجيب أن ذلك ما أربكها، وكأنها أرتكبت خطأ ما، فتبتسم لي وتمضي.أقبع هناك أفكر.رغم بزتها العسكرية ورتبتها الا أنها بدت غير متلائمة مع المكان.بدل رد فعلها وطريقة إعتذارها لجندية مبتدئة غريبة جداًً.فتحت كتابي ثانية ولكن ظلاً خيم علي.
“فاليري”؟ رقم 3810159؟”
كانت هناك رقيبة-امرأة قصيرة، نحيقة بشعر طويل وبوجه قبيح نوعاً ما هي التي سألتني السؤال بصوت لايخلو من اللطف.
“نعم.”
“أهلاً بك في قاعدتنا.إتبعيني.”
سحبت كيس أغراضي إلى غرفة قميئة.عريف تجلس إلى طاولة وهي تدخن مع ان عينيها نصف مغمضتين.طويلة، قصة شعر رجالية أنيقة، عينان لوزيتان، قوية البنية مع شعور بالثقة واضح.
“أهلاً، أنا “تامار” قائدة الدورة وهذه هي “رومي” نائبتي.
“لوريل وهاردي”، أفكر بينما أودي التحية لهن.
“هناك عشر منكن في هذه الدورة.الآخريات أمرن بأن يأتين صباح يوم غد.أنت طلب منك القدوم اليوم لأنك تسكنين في مكان بعيد.على أي حال، عليك أن تكوني خارج هذه البناية في تمام الساعة الثامنة غداً صباحاًًًًً .تقدمين نفسك إلى المشجب لأخذ سلاحك قبل أي شيء أخر.سأعطيك أمر الإستلام، ورخصة بمغادرة القاعدة.أراك صباح الغد.”
ياللهول!ماهذا الإحساس وهذا التعقيد في طريقة القائها.ظننت أن القبيحة ببساطة لا يمكن أن تكون لطيفة في حين أن الجميلة لابد أن تكون كذلك.سهل جد مثل هذا التنبؤ.لدي ثلاثة أشهر لكي أتعمق بالغلاف الخارجي لكل من “لوريل وهاردي”…دفعتني الفكرة للإبتسام.
رمقتني العريف “تامار” بنظرة إستغراب لكنها لم تنطق بكلمة.أديت التحية وخرجت.
بحسبة سريعة فان القاعدة قريبة من تل أبيب وعلى بعد 120كليومتراً من بئر سبع.على الناحية الأخرى القدس على بعد 60كيلومتراً.اذا ما أستيقظت مبكرة صباح الغد فبإمكاني أن أكون هنا في الموعد المحدد.
آن آوان المدينة المقدسة.ليس من أجل الصلاة، ليس من أجل البكاء، لا من أجل التظاهر، ولا لكي أتنفس من عبق الهواء الذي تنفس منه داود والمسيح ومحمد، ليس من أجل شراء مجوهرات السياح الكريهة من السوق في البلدة القديمة.القدس لانها المكان الذي يقطن فيه من أحب، كما أن هناك صوت رفيع يهمس في أذني انه هذا هو الوقت، الآن أو لا للابد.
حرة:اشعر بحرية لم أشعر بها من قبل في هذه الحافلة الممتلئة والتي تشق طريقها.ها نحن تجاوزنا المكان الذي يدعى “شعار هاغي”، العرب يسمونه باب الواد.كلا الأسمين يحملان نفس المعنى، بوابة النبع.هنا وقعت أكثر المعارك دموية في حرب الإستقلال عام 1948.العربات العسكرية تركت حيث توقفت على جانبي الطريق الشديد الإنحدار لكي تذكر الماريين بتلك الحقبة من التاريخ.هذه المرة لم أنم، كنت أفور بالأمل وبالأسئلة:لن يكون هناك، سوف يكون هناك، لن يكون لوحده، سوف يقول أن أحداً ما معه هناك، سوف يصطنع أعذاراً لكي لا يراني، سوف يشعر بالزهو حين يراني وقد ارتسم الحب على محياي، وسوف يضحك مني، سوف يأخذني بالأحضان، لن يفهم لماذا أنا هنا فجأة.سوف أخبره الحقيقة، ولكن اية حقيقة؟
أمرر أصابعي فوق سبطانة البندقية.بندقية “عوزي”، تلك التي يسلمونها للفتيات وللجنود المستجدين، ولكن “جين-ديفيد” لا يحتاج لأن يعرف كل ذلك.أريد أن أثير فيه الإعجاب، أن أبعث فيه السعادة، أن أغويه.أريد أن أغلب تلك البنت التي إنتزعته مني.هي فرنسية خالصة لم تؤدي الخدمة العسكرية أبداً، وتلك نقاط لاتحسب لها.بطريقة ما فأني أتعكز على الجيش لكي يساعدني أن أسترد حبي الأول.
في اللحظة الراهنة نحن الأن فوق قمة تلة، ولكن اذا ما أخذنا حجم التلال من حولنا فاننا نتحدث عن جبال.منذ وقت قصير مضى رمى فلسطيني بنفسه فوق سائق حافلة تسير على هذا الخط (400)، دافعاً بها تهوى إلى السفح.النتيجة:16قتلى مع شعور فضيع بالخوف خيم على البلاد كلها.دفع الحادث شركة “أغيد” لكي تصرف مئات الالاف من الشيكلات كي تحصن الحافلات بشبكات لحماية السائقين.تم بناء نصب تذكاري لاولئك الذين قتلوا في الحادث.نحن نسير بسرعة فائقة لذلك ليس بإستطاعتي قراءة أسمائهم.
نهبط من التل ثم نعود إلى قمة تل آخر.من أي إتجاه تحاول أن تدخل إلى القدس فأن الطريق يبدو طويلاً ومرهقاًً .
عند مركز المدينة المخصص للمشاة، الساعة الخامسة، تبدو المقاهي مكتظة بالناس، ولكن متى لم تكن كذلك؟اتصلت منذ خمسة دقائق فرد جهاز التسجيل فأغلقت التلفون.بعد ساعتين وثلاثة محاولات رد أخيراً .
“هالو”،(لايزال بنبرته الإسرائيلية الثقيلة.)
“جين-ديفيد، هذه أنا التي تكلمك.”
“أهلاً ايتها الجندية.هل لديك أخبار من الجبهة؟”
“ليس هناك جبهة، أيها المدني الجاهل.وعلى أي حال، فأن من الواضح أن الأخبار السرية للغاية هي الآن عناوين في كل الصحف.شغل التفزيون لكي تعرف عماذا يتكلمون.”
“من أين تتحدثين؟”
“من مقهى في شارع “بن يهودا”.”
تنتابه عبرة، أنا متأكدة أنه يختنق، أخيراً يتوقف.
“فــــي القد….؟”يتلعثم أما من فرط الرعب أو المفاجأة، ليس بإمكاني أن أخمن أي منهما.
“القدس، أو أورشليم اذا مارغبت، وفي كلتا الحالتين ليس بعيداً عن المكان الذي تسكنه، اذا ما كنت أتذكر بشكل جيد.لدي إجازة حتى صباح الغد، ليس لدي وقت لكي أذهب إلى البيت، فقررت المجيء إلى هنا.”
“هل تريد…..؟”
“أن أراك، نعم وربما المبيت لديك”، أقول وبهمس أضيف،”ان كان لديك متسع من المكان…”
“سوف نجد حلاً، اذا ما بدا الأمر سيئاً، الحمام ليس مريحاً بالكامل.سوف أذهب لأشتري شيئا لإطعامك.تعالي خلال ساعة.اذا كنت تحملين الكثير من الأمتعة خذي الحالفة رقم 9وانزلي عند الموقف الثاني عند شارع “عزرا”.هناك طريق فرعي إلى اليسار، شارع برلين.أنا في رقم 14 الدور الأرضي، بخدمتك.”
“شكرا لك، أراك قريباً.”
أغمض عيني، منتشية، متوترة، مرعوبة، متعجلة، مشتاقة، قلقة.حمداً أن هناك الكثير من المفردات التي يمكن التعبير بها عن مشاعري في تلك اللحظة.
16أكتوبر، الساعة السادسة وعشر دقائق صباحاً.
في الحافلة الأولى المتوجهة إلى تل أبيب.
فتح لي الباب وبرقت عيناه، مفاجأة البزة العسكرية.فتح ذراعية وكأنه يستسلم بسعادة.قبلته.اردت أن أبقى بين ذراعيه لساعات.ضيفني قهوة.أخبرته عن الدورة، بالغت بالأمر، فان لم يكن يحبني، فعلى الأقل بإمكانه أن يعجب بي!تناولنا الأكل في شقته.شيء جدير بزوجين أن يفعلاه،أن يأكلا سوية.لم أتجرأ أن اقول ذلك.
بين الحين والآخر كان يلمحني بتلك النظرات الغريبة.مستعدة أن أمنحه عشرين عاماً من عمري لكي أعرف مالذي يفكر فيه عني، وما هي مشاعره.
تكلمنا، صمتنا.وضع شريط إبتهالات” فوغيه” التي يحبها.قلت له أنها تجعلني حزينة. في حين أن “موزارت” يبعث بي إحساس بالسلام ويدفعني للغناء.نحو منتصف الليل سألته أين سأنام.
تضاهر بأنه يفكر، ثم سألني،” أين تحبين أن تنامي.”
لو كان بإمكاني لخنقته وقضيت بقية حياتي في عذاب الضمير لقتله.كل ذلك لمجرد سرير.اذا كان ذلك ما اقصده.
حملت شجاعتي كلها بين يدي الأثنتين.
“هناك شيء يدعى حق الجندي بالنوم.سأنام في سريرك، واذا ما رغبت فأني سأترك لك مكاناً صغيراً .”
وهكذا إنطلقنا.نحو السرير.أطفال.(نلمع كالذهب)، مرتدين قمصاننا.مشدودين تماماً، حذرين الا نلمس أحدنا الآخر.
مال نحوي لكي يقول تصبحين على خير.قبل جبيني، أنفي، عيني.قبلت جبينه، أنفه، عينيه.عانقنا أحدنا الآخر بشدة طيلة الليل.نخبط وجيهنا، ناعسين، عفيفين، مثل طفلين يحبان أحدها الآخر سراً، كان ذلك أقوى من أية علاقة غرامية، أكثر جمالاً من كل لحظات حياتي اذا ما جمعت سوية.
نظرت إليه طويلاً قبل أن أغادر هذا الصباح.فتح عينيه وقال:”إعتني بنفسك.تعالي لرؤيتي.”
أغلقت الباب بهدؤ وفكرت لو أني مت غداً فلن أبالي.لقد حظيت بما أردته من الحياة.
****
عندما كنت جندية
فاليري زيناتي
ترجمة
صلاح النصراوي
ج1 ف10
رمي
يصعب علي ان أعود لأصبح 3810159بعد كل تلك المتعة خلال عطلة نهاية الأسبوع.أنا على إستعداد الأن أن أمنح عشرة أيام من عمري مقابل بضعة أيام من الحرية.أن أكون مع “راحيل”، وأواسيها، ولماذا أكذب، أن أخذ الحافلة التالية إلى القدس.لكن لا شيء من ذلك ممكن.سأكون هنا حتى الجمعة وبعدها سأكون ضمن رعية عدد آخر من الضباط والرقباء.هناك يد خفية اختارت مكان خدمتي وقررت حياتي.هل هذا هو ما يعني أن تكون ناضجاً.درس الرمي الأخير سيكون ظهر هذا اليوم- قبل اليوم الكبير غداً-حين سنرمي طلقات حية للمرة الأولى.تدريب مكثف هذا الصباح:ساعتان من الجري حول القاعدة، تسلق الحيطان، الزحف بين الشبكات، كل ذلك ربما بهدف إعدادنا ليوم الحساب.بعد ذلك إجتماع كل القوة مع “أنبار كاتز”(تبدو الآن أكثر إثارة) حيث تعطينا الإرشادات التالية:“ايتها الجنديات، في ميدان الرمي من الضروري جداً إتباع الأوامر حرفياً.هنا لن يعد الأمر يتعلق بالأقدمية، بل هي مسألة حياة أو موت.الإهمال، عدم الإنتباه، والأخطاء البسيطة قد تؤدي إلى كوارث لايمكن معالجتها.يجب أن تضعوا في رؤسكن إنكن لسن مسؤلات عن انفسكن فحسب بل عن الآخرين أيضاً.هناك شيء مفزع في نبرات صوتها، جدية تقول:”انتبهوا هذه ليست لعبة.”أنتن لا تقمن بالتمثيل في فلم من تلك الأفلام التي تحوز على الأوسكار، أو حتى فلم من الدرجة الثانية.حين نطقت كلمتي حياة وموت، فأنهما تأخذان معنين متماثلين بطريقة خاصة، فالكلمتان تتعلقان الآن بطلقة صغيرة من عيار 9 ملم.ها هي الإثارة التي شعرنا بها منذ دقائق تختفي.ذلك بالضبط ما كانت تسعى إليه.نصعد إلى لوريات نقل الجنود، شبيهة تماماً بتلك التي نرى فيها الجنود ينقلون إلى الحدود مع لبنان.يسود الصمت.من المستحيل الكلام، على أي حال، لأننا القينا، دون أي إعتبار، في لجة هزات لاتتوقف.نحن في خطر التعرض للموت حتى قبل أن نرمي طلقاتنا الأولى.ميدان الرمي:تراب، حصى، أهداف مصنوعة من الكارتون مرسوم عليها صور بشرية، بحجم الأنسان.سنقوم بالرمي كل عشرة منا مرة واحدة-كل سرية مقسمة الى مجموعتين.الجنديات اللواتي لا يقمن بالرمي يقفن في منطقة أمنة.أي واحدة تتحرك من غير رخصة ستعاقب بالحبس شهراً.ألمح “اينايا” والتي تلوح لي مشجعة من بعيد.كانت هي من بين المجموعة الأولى التي بدأت الرمي، وها هي تعود بإبتسامة.أجلس بعيدة شيئاً ما عن الآخريات.الشمس حارقة والبدلة المضادة للرصاص التي أرتديها تجعلني أتصبب عرقاً.أسمع طلقات الرصاص ولكني لا أرى الفتيات اللواتي يطلقنها.أستعيد التعليمات التي أعطيت لنا بشأن إطلاق النار على “المشتبه به” بأننا نطلق لنقتل.أصغي إلى تلك الكلمات فتصبح التعليق للتقرير الذي شاهدته على التلفزيون يوم السبت الماضي عن الأراضي، مثله مثل التقرير الذي شاهدته قبل أسبوعين.حسناً تقريباً مثله، الصور كانت متشابهه،(حجر ينطلق من مقلاع، إطارات سيارات تحترق، إطلاقات نارية) ولكن ليس نفس الرجال الذين يسقطون موتى.الجنديات لايرسلن للقتال في الأراضي.الجنديات لايرسلن للقتال أبداً.مالذي يمكن أن أفهمه من درس الرمي هذا اليوم، حتى ولو كان أهداف من قطع كارتون، لايسعني النظر إليها؟تمتزج الدموع الآن بحبات العرق العذبة التي تنزل من جبيني.احداهن تضع يدها على كتفي.”كينيريت” تبتسم.
“هل أنت على مايرام؟”
“لا، لست كذلك.”“
هل أنت خائفة من الرمي؟”
“ليس الأمر أني خائفة، أنا أفكر فقط بتبعات ذلك.”
تجلس إلى جانبي.“أية تبعات؟”
“إنه أمر معقد، كنت أفكر مالذي علي أن أفعل لو أن على أن أطلق النار، على شخص بلحمه ودمه.كما أني أتساءل في أي جانب أنا، كنت أتمنى أو ان بإمكاني أن اتفادى هذا المعسكر أو ذاك.”
“مالذي تعنيه بمعسكر؟”
“أنت تعرفين مالذي أعنيه”، أتمتم “الحجر، أم البندقية.”
تأخذ نفساً عميقاً، وتقول،” لقد سألت نفسي نفس السؤال عندما قمت بالرماية في المرة الأولى، هنا بالضبط، قبل عدة أشهر.الإنتفاضة ساعدتني على معرفة الجواب.هل تعرفين مالذي تعنيه كلمة تسحال؟”
“نعم أعرف ذلك، أنها الحروف الأولية لجيش الدفاع الإسرائيلي.”
“بالضبط.ذلك ما عليك أن تتذكريه:جيش الدفاع.ليس عليك أن تستخدمي سلاحك ضد شخص، الا اذا كان ذلك الشخص يهدد حياتك.عليك الدفاع عن نفسك، لحماية نفسك ولحماية الآخرين.”
“ولكن لماذا يجب أن يكون هناك عدو يريد قتلي؟”
“لا تختبأي خلف تلك النظرة الماكرة.بالتأكيد فأنك في اللحظة التي ترتدين فيها البزة العسكرية لم تعودي فيها شخصاً عادياً، بقدر ما يتعلق الأمر بالآخرين.أنت تمثلين الجيش الإسرائيلي، الجيش الذي يواجه الفلسطينيين كل يوم…مهما كانت مشاعرك وقناعاتك.تلك هي الحقيقة، ولكن لا ينبغي أن تمنعك من التفكير.”
”لا أزال حائرة.“
“لا تقلقي، كل شيء سيكون على مايرام.”
بدؤوا الآن بالنداء على أرقام من السرية (د).نقف في خط مستقيم وراء صف من أكياس الرمل، مع بنادقنا المدلاة من الكتف إلى الخصر.يمنحوننا واقيات الأذن لحماية طبلات الأذن من دوي الإطلاقات.تقف “أنبار كاتز” على رأس الصف إلى يميني.
“ايتها الجنديات، من الآن ستنفذن أوامري حرفياً ومباشرة…انزعن الحامل من البندقية.”
نعمل ما أمرنا به، ضربات القلب تتسارع.
“وضع الإنبطاح، خذ.”
“ركبن المخازن، صوبن البندقية بإتجاه الهدف.لاتضعن الأصبع على الزناد.”
“صوبن نحو الهدف، انزعن مسمار الأمان، إقفلن على الهدف وفق خط النار.الآن إستعدن، لكن عليكن الإنتظار للأوامر ببدء الرمي لكل من الطلقات الخمس.”
“إنتباه …، إستعداد، إرمي.”
هناك برهة من التردد بعد صدور أمرها، ثم بعض الإطلاقات الخافتة (اذا كانت تلك الإطلاقات الصارخة تعتبر خافتة) يتردد صداها.أركز، أشد بندقيتي إلى كتفي وفكي لكي أتجنب أي جرح يمكن أن يسببه إرتداد البندقية.ثم أرمي.
“إرمي.”إطلاقة ثانية.لايسعك التفكير بأي شيء آخر عندما ترمي، إنها الشيء الوحيد الذي تفكر فيه.
“إرمي.” إطلاقة ثالثة، لابد أنها كانت قريبة من قلب الهدف.
“إرمي.”، إطلاقة رابعة.
أعتقد أن تهديفي أصبح أفضل من السابق.
“إرمي.”
تتساقط ظروف الإطلاقات على الأرض تحت أنفي.إطلاقة خامسة، وأخيرة.إنتهينا.
“دعن السبطانة بإتجاه الهدف.إنزعن المخزن.تأكدن من خلوه من الإطلاقات.اعدن مسمار الأمان.لاتتحركن.“
“الرقيب “كينيريت.”
“نعم سيدتي.
”فتشي صفوف السرية، عدي الظروف وتأكدي من خلو المخزن من الطلقات.”
لم أحرك جفناً.متسمرة وأنظر إلى الامام، ولكني متأكدة أن “كينيريت” أبتسمت وهي تلم الظروف المتساقطة مني.
“جنديات، أرضاً سلاحً.الرقيبة “كينيريت” تأكدي من الأهداف.”
“كينيريت” تنادي بالنتائج.صوبت طلقتان إلى قلب الهدف، باقي الطلقات إلى جانبه مباشرة.من الواضح أن تلك نتيجة جيدة لأول مرة وعلى مسافة خمسة وعشرين متراً.
11 أكتوبر، الساعة 6مساءً.
موسم الرمي أمس:أنا ممزقة بين أن أفتخر وبين أن أندهش.الواجبات تبدوا مختلفة هذه الليلة.واجبات حقيقية، أنا سأقوم بحراسة موقع إستراتيجي، المشجب، منذ منتصف الليل.كلمة السر اللية، بدر.بعض الناس ليس بإمكانهم الا أن يكونوا شاعريين.
12 أكتوبر، الساعة 2والنصف فجراً.
كان الأمر غريباً.اللية تبدو حالكة الظلام أكثر من المعتاد، وأكثر غموضاً، وخوفًا.كانت بصحبتي فتاة من خيمة أخرى يبدو أنها تخاف بسهولة، لم يكن الأمر صعباً أن تنتقل عدوى الخوف إلي.كان أي حفيف لأوراق الشجر، أو طنين بعوضة أكثر مما هو معتاد يجعلها تشك أن أحداً هناك.الأمر أشبه عندما تكون شاباً ويتركونك تقضي الليلة في البيت وحدك.
لبرهة كان الصوت فعلاً مقلقاً.بدا وكأن أحداً كان يتسلل قريباً منا.بدأنا بعبارات التحذير المعروفة، مرعوبتين بصدى صوتينا.لم أكن متأكدة أن كان علي أن أرمي في الهواء.أضأت مصباحي فأضاء كتلة من الخشب قريبة منا.كانت عائلة من الفئران تلعب بسعادة بين العيدان.صرخنا بقرف.لم نزل في حالة خوف حين جاءت الحارسات البديلات.
جاءت “كينيريت” لترانا، مازحتنا بلطف.
اليوم سنؤدي القسم.ننام متأخرات:منبه الساعة على الساعة السادسة صباحاً.
الساعة العاشرة صباحاً.
شيء غير عادي.نستبدل بدلات القتال ببدلات الإحتفال.تتجمع الكتيبة في ساحة الإستعراض.هناك صف طويل من الضباط من بينهم قائد القاعدة (الذي لمن نره ابداً).يلقي خطاباً من منصة، وخلفه كانت هناك حروف من نار تلتهب.تقول “أقسم”.
قال لنا إننا الآن جنديات حقيقيات، وإن الجيش والوطن يعتمدان علينا، إن كل واحدة منا بأهمية الآخرى، مهما كانت المهمة التي سنكلف بها.نمر به واحدة بعد الآخرى و”أنبار كاتز” تعطي كل واحدة منا كتاباً مقدساً وبندقية.نضع يدنا اليمنى على الكتاب المقدس واليسرى على البندقية،وبوقار نؤدي القسم:
“أقسم أن أكون مخلصاً لجيش الدفاع ولدولة اسرائيل.أقسم بأن أخدم بلادي وأن ألتزم بقوانينها.أقسم بأن أحترم الحياة وأن أحميها.”
بعد ذلك، وسط إنفعالنا بحروف النار تلك والتي لاتزال متوقدة نغني النشيد الوطني، هاتفيكا-الأمل.
نسلمهم معداتنا ومن ثم يقيمون لنا حفلة صغيرة نضحك ونبكي خلالها كثيراً.من الصعب أن يمضي كل منا في طريق بعد تلك الفترة التي قضيناها سوية.
أعلم، من غير أن أفاجئ بأني عينت في الخدمة السرية.علي أن أتقدم بنفسي إلى القاعدة يوم الأحد الساعة الحادية عشر، وعلي الا أخبر أحداً أين تكون القاعدة، سواء عن طريق الكلام، أو كتابة.سوف أمضي ثلاثة أشهر في التدريب هناك.تم تكليف “إينات” في وحدة رادار.كانت محبطة الا أن الجميع قالوا لها أنه عمل ممتع.هم يحسدوني لأن في كلمة “الخدمة السرية” شيء من الغموض والإثارة.سوف نرى فيما اذا كان ذلك صحيحاً حين نكون هناك.
ربما سأذهب إلى القدس هذا الأسبوع، ومن الممكن أن أمارس الحب مع “جين- ديفيد”، لكن لن تكون هناك علاقة بيننا.من الواضح أننا في وحدتنا الجديدة سنمنح إجازة كل ثلاثة أسابيع مرة.هو لم يخلق لكي يكون زوجة بحار (من سؤ الحظ ليس بالإمكان الحديث عن زوج جندية!)
أشعر وكأني امضيت مائة عام في هذه القاعدة.إنها بالكاد أربعة أسابيع.بقي لي ثلاثة وعشرون شهراً في البزة العسكرية، في قواعد أخرى، مع أناس آخرين.
ربما ذلك هو معنى أن تكوني ناضجة، أن تعتادي أن تعيشي حياتك، أن تغادري مسكنك والناس وأن تبدأي حياتك في مكان آخر.
****
عندما كنت جندية
فاليري زيناتي
ترجمة
صلاح النصراوي
ج1 ف9
حيث لا يموت أحد من الضجر
أشعر أنني أخذت بالتعود على حافلات شركة “أيغيد” الحمراء التي تقطع بخطوطها الطرق عبر البلاد بطولها وعرضها.أصبح لدي روتيني الخاص، أطلب مقعداً إلى جوار الشباك، إن أمكن، أضع سماعة الموسيقى في أذني، أنظر إلى الريف، أخضر قياساً بالنقب.إنه الريف الذي يغنون له في الأغاني التي تتحدث عن إسرائيل الجميلة، أرض الطلائع الأجداد:عمال أقوياء، أصحاء ذوي نظرات مملوئة بالثقة والعزيمة، لكن بملابس رثة (لكنهم لايهتمون بتوافه الأمور، التي لا يأخذ بالهم منها الآخرون).ما يميز شخصياتهم، أنهم يحبون الغناء الجماعي،في المساءات، حول المواقد في المخيمات، غالباً أغنيات ثورية روسية تم ترجمتها إلى العبرية.
في كل مرة كنت أغطس في مقعدي، أسند ركبتي على المقعد الأمامي، وأغمض عيني.
يقولون أن السفر بالسيارة يدفع الأطفال إلى النوم ….وكذلك الجنود.
أصحو وسط الصحراء، كما المرة الأخيرة.أدرك من خلال مصنع إلى اليسار بأني سأكون في بئر سبع في غضون ربع ساعة.كأن تلك البناية المتهالكة القاتمة هبطت هناك لكي تكون علامة طريق للمسافرين.كم من المرات خلال السنتين القادمتين سيقول لي ذلك المصنع بأني أعود الى بيتي؟
أشعر بالراحة، أو بالأحرى كأني خارج نفسي،غريبة.نصفي في القاعدة ونصفي الآخر في البيت.وان القسمين لن يعودا واحداً مرة ثانية، أنا متأكدة من ذلك.لاشيء بإمكانه أن يوحد بين هذين العالمين وأن علي أن أرتب حالي كي أتعايش مع حياة مزدوجة… دون أن أصاب بالشيزوفرينيا.
مرة قرأت بأن المساجين، بعد أن يقضوا عقوبتهم لا يستطيعون أن يتمتعوا بحريتهم المستعادة.لا يعرفون مالذي يفعلون بها، يرتعدون منها، يغرقون فيها ثم يصابون بالكأبة.ذلك حين يرجعون إلى إرتكاب الجريمة ويعودون للسجن.
أختي “سونيا” ليست في البيت، وأنا بدأت افتقدها.والدي يقيمون عرضاً لإظهار كم أنهم سعداء بعودتي بعد أسبوعين من الغياب، لكنهم يبدون غريبي الأطوار نوعاً ما، تائهين.ينظرون إلي وكأني قد كبرت ثلاثون عاماً بين عشية وضحاها.هل تغيرت إلى ذلك الحد؟هل هي أنا، من داخلي، أم أن الأمر يتعلق بسحر البزة العسكرية؟
أنت لا تتكلم مع جندي بنفس الطريقة التي تتكلم بها مع مراهق.لا أحد يأمرهم بأن يرتبوا غرفهم، أو أن يخفضوا صوت الموسيقى، أو يتوقفوا عن الكلام بالتلفون.بعد الآن لن أسمع تلك الكلمات التي رافقت حياتي مع والدي حتى أسابيع قليلة ماضية.
أشعر بأنه تغير قاسي.
الجندية إنسانة ناضجة لديها مسؤوليات أكثر من الوالدين.فهي تحمل على عاتقها مسؤوليات الأمن القومي،ذلك ماقالته الرقيبة “كينيريت” لنا ذات ليلة.
أتصل ب”راحيل” و”يوليا”، لا أطيق الإنتظار لرؤيتهما والحديث اليهما، حتى لو كانتا لاتفهمان شيئاً.
أراهما في غاية الحماس.العد العكسي لهما قد بدأ:تم إستدعائهما للخدمة يوم 17أكتوبر.من المحتمل جداً أن تكونا في نفس القاعدة مثل الآخريات وحتى في نفس السرية.أية آلية غامضة للحظ تلك التي في الجيش، والتي قررت إرسالي للخدمة لوحدي في حين أنها جعلت أعز صديقاتي يذهبن سوية؟
اليوم، ربما بسبب أن يومهن المصيري قد أزف، فأنهن يبدين إهتماماً أكثر بكل شيء أقوله.ولتعديل التوازن في علاقاتنا فقد جاء دوري لكي أكون غير مبالية، خبيرة، وأيضاً متكلفة رغماً عني.أنا أسبقهم قليلاً في عالم الجيش.مثلما كنت العام الماضي الأسبق في أن أمضي ليلة مع شاب، ولأشهر بقيت أمتلك خبرة لم يمكن بوسعهن أن تدركاها.
تغادر “يوليا” لأنها تريد أن تأخذ حماماً عميقاً بالفقاعات.تلك هي نقطة ضعفها الكبرى.قبل سنتين قرر كلانا أن نكتب مائة حلم أو رغبة أو خطة نبغي أن نحققها في حياتنا.عندما أتذكر ذلك أضحك.مائة، ياله من رقم طفولي.واحد من أحلام “يوليا” كان أن تأخذ حماماً بالشمبانيا.من الجائز أنها أخذت الفكرة من مقالة حول “مادونا” أو “اليزابث تايلر”، فهي تعتاش على تلك الوجبات التي توفرها لها مجلات المشاهير.
أنا قلت أني أريد أن ألتقي برجل حياتي وأن يكون لنا طفلين.أريد أن أكتب كتاباً، أسافر إلى إيطاليا واسبانيا ونيويورك وكذلك إلى “أوسشيفتز”.اما رغبتي الخامسة والعشرين فكانت ان ابقى صديقة “يوليا” لعشرين عاماً.
خمسة وعشرون، تلك هي الفترة التي بإستطاعتنا أن نتخليها، وحتى ذلك، فليس بالأمر اليسير.
قررنا أن نؤشر على كل حلم كلما تحقق واحد منها، وأن نسجل إحصائية:عدد الأحلام التي تتحق في كل عام نؤشرها على لوحة حتى يتسنى لنا بلمحة أن نعرف السنوات الجيدة من السنوات الرديئة، ونسبة تحقق الأحلام لكل منا خلال خمس سنوات، خمسة عشر، وخمسة وعشرين.
صمت “راحيل” يمزقني ويأخذني بعيداً عن أحلام اليقظة.هناك شيء ما.
“هل أنت على ما يرام؟”
“لابأس” ترد.أوتار حنجرتها مشدودة.
“حسناً، ذلك يعني أنك لست كذلك”، أقول بلطف، وهي لاترد.
“ماذا هناك؟هل أنت خائفة من الجيش؟لا تقلقي.في اللحظة التي ستكونين فيها هناك، لن يكون هناك لديك وقت حتى لكي تفكري.ستشعرين بنفسك كأنك روبوت، ليس بإمكانك أن تفعلي أي شيء بخصوص ذلك، لكنه ليس بالأمر السيء.ثم قد تكونين مع “يوليا”…”
تعض شفتيها وتشيح بنظرتها إلى الجهة الأخرى.أشعر بأني لم أنجح.أحياناً أرمي بنفسي في أحزان الآخرين وأريد أن اعزيهم بأسرع ما يمكني، ربما أسرع من اللازم.أعانقها.
“راحيل”، مالأمر؟”
تظل صامتة بعناد.أعرف أنها تريد أن تتكلم، والا كان بإمكانها أن تجد طريقة لكي تخبأ مشاعرها.”راحيلنا”، إنها سيدة الاخفاء.لكني أحبها أكثر حين تكشف عن ضعفها.
لحظة إيحاء خاطفة.
“إنه “فريدي”؟”
يجيئني الجواب مخنوقاً، “نعم”.
يا للعنة إنه يهجرها لكي يعود إلى “أنبار” زوجته السابقة التي يتحدث عنها وفي نبرات صوته الكثير من الإعجاب….التي يتحدث عنها كثيراً.نقطة.
أن يفعل ذلك لـ”راحيل” وهي تتهيأ لخدمتها العسكرية (صوت ما لئيم يهمس في أذني:وما المشكلة؟ لقد رماك “جين-ديفيد” في منتصف إمتحانات البكلوريا، لكنك تمكنت من إجتيازها، ألم تفعلي ذلك؟”لا ليس الأمر كذلك،لا أريد التفكير بأنهم جميعاً أوغاد.”جين-ديفيد” ليس وغداً، فأنا لازلت أحبه.كما أن “فريدي” صديقي).
“متى؟ أسئلها، مباشرة، لكي أجعلها تثق بي أخيراً.”
“غداً مساءً.
“غداً مساءً؟” (لا أفهم، أنه يعلمها بموعد فراقهما.شيء مقرف.لم أكن أعلم أنه…يحسب حساباته هكذا.)
“نعم غداً في المساء.إنه لا يرغب بأن تمضي الأمور هكذا.ليس بوسعه الإستمرار بهذه الطريقة.الشرطة العسكرية تبحث عنه بجد هذه المرة.إنه يختبئ عند “رافي” منذ أسبوعين، والدي رفضا أن يستقبلاه عندنا.لذلك قرر أن يسلم نفسه، أن يمضي العقوبة وأن يعود للجيش.
لم أجرأ أن أقول لها أنه شيء مختلف تماماً.على أي حال تنفجر بالبكاء وأخذها بين ذراعي.أقول لها أنني هنا، أننا كلنا هنا، وبأننا جميعاً نحبها، وأن ذلك كان سيحدث آجلاً أم عاجلاً، وأنها كانت تعرف منذ شهر بأنه يوماً ما سيقدم على التخلي عن حريته المسروقة.وبعده أحاول طمأنتها بأنه لن يعاني-وأنه اذا ما أخذنا الأمور على علاتها- فلا أري أي فرق بين قاعدة عسكرية عادية وبين السجن.لابد أن يكون هناك أشجار “يوكالبتوس” أيضاًَ، والواجب في المراحيض، المطبخ، الخيام، وأكياس النوم.أسكرها بكلمات التعزية، أشعر بأني أقرب إليها حين أدرك أنها تحتاجني.
نبقى هناك فوق العشب لفترة طويلة، نتكلم بطريقة لم أظن أنها ممكنة.
ونحن نودع بعضنا البعض، أسأل، “هل لديكم أية خطط لهذا المساء؟”
“سنذهب لمشاهدة فلم “البرتقالة الآلية” لـ”ستانلي كيبرك”، “إيلان” يقول أنه فلم نخبة.
“أي ساعة ستغادرون؟”
“كوني مستعدة عند الساعة التاسعة؟”
“حسناً، أحبك، أنت تعرفين ذلك؟”
أقبلها، وأعود لكي أتناول أول وجبة تستحق هذه التسمية.
العودة إلى أصدقائي تجعلني في مزاج جيد.”فريدي” ثرثار جداً، أهمس في أذنه ان “راحيل” أخبرتني عن الغد.سنكون هناك من أجلك ومن أجلها.
تعبير جدي يلتمع في عينيه ويعصر يدي.يبدو أن الجميع يتكلمون أكثر مما هو معتاد، ينهمكون في أحاديث عن أشياء غير محددة.ربما يحاولون تفادي التفكير بالمحتوم، من المؤكد أنهم يحاولون تفادي الإشارة إلى ما سيحدث غداً.في السينما أجلس بين “إيلان” و”راحيل” وهي تجلس إلى جوار “فريدي”.الإثنان صامتان ولكن ملتحمان ببعضهما أكثر من المعتاد.هي تبدو ضئيلة إلى جانب جسمه الضخم.
فجأة أشعر بالحزن:بالأقل هما يحبان بعضهما بعضاً.سينفصلان لفترة وجيزة.
أستدير نحو “إيلان” الذي يلعب دور الأخ الأكبر لنا البنات، خاصة في الأوقات الصعبة.
“كم طول الفلم؟”
“ساعتان وسبعة عشر دقيقة بالتمام.”عيناه تلمعان.كان ينتظر رؤية “البرتقالة الآلية” منذ وقت طويل، لكنه ممنوع لمن هم دون السادسة عشر، كما أنه لايعرض بشكل دائم.
أتثائب.الإعلانات لاتتوقف.تطفئ الأضواء.تسري رجفة في القاعة المملوئة بأشخاص معدل أعمارهم بالعشرين.البعض يطلب ممن يجلس أمامه أن يخفض رأسه.آخرون يطلبون بنفاذ صبر أن يصمتوا.أشعر بتوتر غير طبيعي.لم يسبق لي أن شاهدت أي من أفلام “ستانلي كيبريك” فلمي المفضل هو “الطفل” لـ”شارلي شابلن” وكذلك فلمه “الدكتاتور العظيم”.
هناك مشهد قريب لشخص ما أعور محاطة بأهداب صناعية، ويلبس قبعة كبيرة.تدور الكاميرا وتكشف رجلين متشابهين ونساء عاريات مستخدمات كطاولات.دمى منفوخة.تبدأ شكوكي بذوق “إيلان”.
الرجال الثلاثة في مرآب السيارات، يوبخان رجلاً مسناً بعنف شديد.”إيلان” يميل إلي ويقول.”شيء عظيم، أنهم يتكلمون بالروسية الدارجة.”
لا أكترث اطلاقا للروسية وأشعر، حقاً، حقاً، بالإنزعاج.ليس هذا تماما ما كنت أتوقعه من الإجازة، عنف، حتى لو كان ذلك يحدث بعيداً.
أكتاف “إيلان” قريبة جداً، جداً.لقد استيقظت الساعة الثالثة والخامسة والأربعين هذا الصباح، وليس لدي مشكلة أن أغمض عيني لو وضعت رأسي في مكان ما.
نصف نائمة أسمع “أغني في المطر” على خلفية صراخ، لكنه ليس “جين كيلي” من يغني.أنا أشاهد كابوساً،لابد أني مرهقة جداً.
هناك أمسيات لاتحتاج فيها إلى أفلام النخبة.
أستيقظ في الليل لكي أغزو الثلاجة، لكن طعم الأكل يبدو غريباً، لأنه بارد.حقيقة لا أفهم هذا الشعور:أنا لست جائعة ولكن لدي شعور بأني أحتاج أن املئ معدتي دون أي شعور بالمتعة، بسرعة، كأن هناك فجوة بحاجة لأن تمتلئ.
أمضيت بعض من النهار مع “راحيل”.لم نتكلم كثيراً، نضع بعض أشرطة الموسيقى ونغني سوية.أقول لها بأن الأغاني تتحدث عن الحياة أفضل منا.ماجدوى محاولة أن نكون أفضل منها؟
هي و”فريدي” اتفقا أن يتقابلا عند السادسة مساءً ليمضيا وقتاً قصيراً قبل أن نتوجه معهما إلى قسم الشرطة العسكرية.الظلام حل مبكراً.أسأل “راحيل” أن كانت ترغب بأن ترافقني لكي نذهب لمشاهدة مغيب الشمس.
مشهد بناية مدرستنا (مدرستنا القديمة) المستطيلة، الداكنة تطل كالظل فوق الصحراء.إلى اليسار القرص الذهبي يهبط ببطئ، كأنه يغرق في الصحراء.السماء تغير لونها في كل لحظة.مشهد في منتهى الروعة، يسلب الألباب.نقف متماسكتان، توحدنا كل حالات الغروب التي راقبناها سوية من قبل، وبالسؤال الذي لم تسأله أي منا:متى سيكون الغروب القادم؟
مع تضارب مواعيد إجازاتنا فقد لا نرى بعضنا بعضاً لفترة طويلة.
“سنتكب لبعضنا البعض”، تهمس “راحيل”.
“نعم”، أرد “ولكن من سيراقب الغروب حين لن نكون هنا.”
في البيت تستقبلني أمي بدمعة وسط عينيها.”احزري من تكلم في الهاتف؟”، تسألني كمن يخالجه شعور بالإنتصار.
“لا ادري.”لست في وارد من يلعب لعبة التخمين.تنظر الي بشيء من الإحباط ولكنها لا تزال تحمل تعابير طفل في محل الحلويات، تعابير شخص يحمل سراً رائعاً.
“جين-ديفيد.”
“ماذا؟”
“في الحقيقة، يجب أن تقولي من وليس ماذا.”جين-ديفيد” اتصل منذ عشر دقائق يريد التكلم معك.”
أغمض عيني وأدع السعادة تغرقني.وأبتسم كما لم أبتسم منذ وقت طويل.
“يقول أن بإمكانك أن تجديه حتى الساعة السابعة”، تقول أمي وهي لاتزال تبدو سعيدة.
أهجم على الهاتف في حين تغادر أمي الصالة وهي تمشي على أطراف أصابعها.قلبي يدق بقوة:مالذي سأقوله له؟لماذ يتصل بعد أربعة أشهر من إنفصالنا.
يدق الهاتف مرة:يداي ترتجفان.فجأة أشعر بأني مرعوبة لأني سعيدة جداً وبأني في غضون لحظات سأسقط من علو شاهق.
يدق ثانية.اذا لم يرد بالدقة الرابعة فسأغلق الهاتف.
يدق للمرة الثالثة.
“هلو؟”
إنه صوته، العلامة المسجلة، نبرة السخرية المعتادة التي أعتقد أن بإمكاني إكتشافها (لكن ربما أكون على خطأ).
“انا فاليري.”(صوتي يتقطع، أجاهد أن أبدو طبيعية)
“يا للمفاجأة”، يقولها بالعبرية ولكنه يلحن قليلاً.
“لا يجب أن تنطقها بهذا الشكل.”أقول له متحصنة بتفوقي الأكيد عليه باللغة التي يسعى لتعلمها منذ أشهر قليلة.”وعلى أي حال فأنها ليست مفاجأة فأنت الذي أتصل لمكالمتي.
“نعم، نعم، أنت على حق”، يقولها بصوت أجش والتي يظن أنها لكنة اسرائيلية.يبدو كمن يهرج، هناك واحد من تفسيرين، أما أنه تغير، أو أنه لايعرف ماذا يقول.ليس الأمر بحسن.
“كيف حالك؟”
أشعر برغبة بصفعه على وجهه، لذلك أرد عليه بحماس لا يتناسب مع طريقته.
“على أحسن مايرام.أقضي أروع عطلة هناك في الشمال.أصحو عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً كل يوم لكي أتأكد بأن كل شيء يسير على ما يرام.إنه منتجع بأربع نجوم، فيه كل ما لذ وطاب، الرمل تحت قدميك، الحمامات جنبك ودرجة الحرارة التي تهبط إلى عشر درجات في الليل.هل تريد العنوان؟”
أواجه بصمت مطبق من الجانب الآخر.إدرك بأني لم أكلمه بمثل هذه الحرية من قبل، دون أن أفكر بكل كلمة أقولها، دون أن أبغي أن أبدو متذاكية، أهم من أي شيء آخر.ينتابني شعور بأني حققت نصراً ما.(لكن أي نوع من الألعاب تلك التي نلعبها؟)
صوته يصبح أكثر رقة.”إسمعي كنت أفكر بك حقاً.أظن بأن … لا ، لا أظن.أود أن تخبريني.هل بإمكانك أن تمري بالقدس أثناء إجازتك؟”
أمر بالقدس!ألمح عينيه الضاحكتين مرة ثانية، يديه، أقبله، حتى ولو فقط على وجنتيه.كان بودي أن أقول له نعم أنا قادمة، الأن-من المفارقة أني سأذهب إلى القدس لأسباب عسكرية-(شيء غريب لأنه لا يمكن أن يكون على علم بذلك.) أشعر بأن لدي جناحين وأن ليس هناك ما يمكن أن يوقفني.
لكن؟
“فريدي” سيسلم نفسه هذا المساء و”راحيل” تحتاجني.
لذلك أقول نعم، بإمكاني المرور بالقدس، ربما بعد أسبوع حين أنتهي من الدورة ولكن قبل بداية أي شيء آخر، دورة أخرى، أو قاعدة أخرى، ربما.تحدثا لدقائق قليلة أخرى، شعرت بإرتياح وأنهيت المكالمة مع أمل بان أبعث له بإشارة حياة قريباً جداً.
تطحن رأسي الأسئلة.أرن لـ”يوليا” وأنقل إليها الأخبار، وأسمع عبر الهاتف صراخ السعادة.”أنا في طريقي إليك” تقول، بل ها هي في غرفتي، تجبرني على إعادة المكالمة كلمة كلمة، تسأل عن نبرات صوته، وصوتي حين كنت أتكلم معه…هي خبيرة تحليل علاقتنا، تقرأ كل الأشياء عن القضايا التي تهتم بها، فهي راكمت لديها معلومات من خلال المسلسلات التلفزيونية التي تشاهدها.
بعد ساعة من الزمن تعلن حكمها.
هو يريد أن يراكي بالبزة العسكرية.تلك رغبة معروفة لدى الأمريكان والأوربيين.عليك أن تذهبي لكي تري بشكل مباشر كم من النقاط كسبتي.ولكن لا تصنعي آمالاً كبيرة، فقد يكون الأمر مجرد …”
تلك جملة كان من الأفضل لو أنها احتفظت بها لنفسها.
يكلمني “إيلان”.
“سنلتقي جميعاً بعد عشرة دقائق خارج بيت “راحيل”.”
ألبس بزتي العسكرية آملة بأن يسهل وجود جندية بين المرافقين مصير صديقنا.
هناك خمسة عشر واحداً منا، انقسمنا في ثلاث سيارات.”رافي” يدخل بجدال مع “راحيل”:هو لا يريدها أن تقود السيارة (لا يقول في الحالة التي هي عليها ولكن ذلك ما كان يعنيه)، ولكنها مصرة على الا تدع أحداً يقوم بذلك.أومأ لـ”رافي” بشكل خفي، فيتوقف عن محاولة إقناعها.
يضع “فريدي” أغنية حزينة عن وفاة “جون لينين”.
تنذرف دموع فوق خدودي.أعتقد أن “راحيل” تقود السيارة والدموع في عينيها كذلك.
يقع قسم الشرطة العسكرية في نهاية شارع مترب، في مكان أشبه بمنطقة عازلة.جندي الحراسة على البوابة يلقي نظرة مستغربة على المجموعة.ربما هو يفكر في ما اذا كان عليه أن يطلق طلقة في الهواء.نقف على بعد أمتار قليلة، متراصين بشيء من العصبية.يتقدم “فريدي” بخطوات إلى الأمام مع “راحيل” التي تستند إليه.
“أنا هارب من الجيش”، يقول بصوت ينطوي على الجد، “جئت أسلم نفسي.”
لا يبدي الجندي أي عاطفة.
“سلمني أوراقك”، يأمره، “ثم إتبعني.”
نحيد بنظراتنا بعيداً لكيلا نرى مشهد الفراق.أحدهم يتلعثم بكلمات”، إلى اللقاء “فريدي”، ثم ننظم جميعاً “إلى اللقاء “فريدي”.نراك قريباً.”
لا يكترث الجندي بالنظر نحونا.يختفي “فريدي” دون النظر إلى الخلف بينما نقف نحن دون حراك.لا شيء آخر يمكن أن نفعله، ولكن مع ذلك لا يمكننا المغادرة بسرعة.
الصمت لا يطاق.
يتوهج وجه “راحيل” باللون الأحمر وكأنها على وشك الإنفجار.أمضي نحوها وأهمس.”تعالي إلى السيارة.”
في طريق العودة استذكر تلك القطعة عن نيوزيلاندا التي قرأتها لنا “كينيريت”، أقول لنفسي إننا مجرد بنات في الثامنة عشر، وكما نقول بالعبرية، إنه شيء أكبر منا.
***
Al-Maliki in Washington
Facing political uncertainty and a fierce Sunni rebellion at home, Iraqi prime minister Nuri Al-Maliki is seeking help in Washington
Salah Nasrawi, Thursday 31 Oct 2013
US president Barack Obama and Iraqi prime minister Nuri al-Maliki will meet in Washington on Friday as the beleaguered Iraqi nation faces existential challenges amid surging sectarian bloodshed and an ever-worsening political crisis.
The meeting will also test US commitments toward Iraq nearly three years after the last American soldier withdrew from the country and whether the Obama administration is ready to take concrete steps to avert the catastrophic disintegration of the violence-battered country.
Al-Maliki is visiting Washington as the Al-Qaeda terror group wages a fierce battle against the country’s security forces and Shia-led government in an attempt to secure a safe haven for its fighters around Baghdad similar to the one that exists in neighbouring Syria.
Before his arrival in Washington, al-Maliki voiced concerns that the violence in Iraq was turning into “genocide” and urged concerted international efforts to combat terrorism. He has also accused unnamed neighbouring countries of fuelling the Sunni insurgency.
Iraq’s envoy to Washington, Lukman Faily, who belongs to al-Maliki’s Dawa Party, has been lobbying for weeks “for the approval and quick delivery of military sales” to Iraq and for “increasing the depth and width” of Iraqi-US cooperation.
However, Al-Maliki’s meeting with Obama comes amidst a rising spiral of sectarian violence in Iraq, which has killed more than 6,000 people this year alone, including hundreds in October.
Most of the attacks are believed to be being carried out by Al-Qaeda’s affiliate in the country, the Islamic State of Iraq and Syria, a spill-over from the civil war in Iraq’s western neighbour, which now operates on both sides of the border.
The violence underlines the fragility of al-Maliki’s coalition government and how badly the security situation in the country has worsened since the withdrawal of US forces in December 2011.
Since then, al-Maliki’s government has failed to build up effective armed forces, and in a sign of the serious deterioration in security Al-Qaeda has been gaining footholds and imposing territorial control in many of the country’s Sunni provinces, especially in the vast desert area along the Syrian border.
Given the commitment of the United States to the Strategic Framework Agreement (SFA) it concluded with Iraq before its withdrawal in order to help Baghdad fight terrorism, al-Maliki hopes that Washington will assist his government in curbing the violence.
Baghdad has been seeking Washington’s help for its fledgling security forces to fight the Sunni insurgents. In August, al-Maliki sent two high-level delegations to Washington to plead for weapons and intelligence cooperation.
According to various media reports, Iraq is seeking a military and security package from the US that would include Apache helicopters and the prospect of sending US intelligence officers to Iraq to help the security services target Al-Qaeda operatives in the country.
Press reports have also suggested that Iraq is also asking the United States to send drones that could be used in counter-terrorism operations, including the fight against Al-Qaeda.
Washington has already agreed to sell Iraq US$4.7 billion worth of military equipment, including F-16 fighters and an integrated air-defence system that includes radar, missiles, guidance systems, training and support.
In August, US secretary of state John Kerry said that the United States would help Baghdad deal with the spill-over from the Syrian conflict and in combating Al-Qaeda in Iraq, but there has thus far been no sign that Washington has shipped the requested military capabilities.
In contrast to the positive expectations floated by al-Maliki’s aides, US officials have been tight-lipped about US weapons supplies or military cooperation with Iraq.
A White House statement said the Obama-Maliki meeting on 1 November will “highlight the importance of the US-Iraq relationship,” but it was short on details about the discussions.
Observers are expecting few breakthroughs on new weapons sales to Iraq during the visit, and some have suggested that Washington will attach certain conditions to the deal, if one is made.
On 3 October the US magazine Foreign Policy quoted US experts on Iraqi counterterrorism as saying that “there are any number of reasons why the US might be reluctant to engage” in Iraq.
As for the hot-button issue of sending unmanned planes to engage Al-Qaeda in Iraq, US officials have been leaking reports that Washington is not about to open a new front in its global drone campaign, which has already drawn world-wide condemnation.
The question arises of why al-Maliki has been so keen to travel to Washington at a time of political crisis and spiralling violence if the Obama administration is in no mood to commit itself to any direct involvement on the ground in Iraq or even to al-Maliki’s shopping list of weapons.
The trip comes during the run-up to the parliamentary elections scheduled in Iraq in the spring, in which al-Maliki intends to run for a third term in office despite increasing opposition to his candidacy and the series of setbacks his government has suffered since his re-election in 2010.
For many observers, this is not a coincidence, and Iraq’s Machiavellian prime minister, who persuaded the United States to back him to retain the premiership despite his failure to win the 2010 elections, seems to have timed his visit to Washington to use the event in support of his re-election.
In 2006, the Bush administration publicly declared its support for al-Maliki, defending him against Iraqi and US critics who accused him, among other things, of lacking political experience and the ability to forge consensus, being a conservative, too close to Iran, and having a sectarian agenda.
Al-Maliki’s government is now teetering, being blamed for incompetence, the ruthless monopoly of power, and a failure to stop the country’s unrelenting descent into chaos.
This month, al-Maliki drew wide criticism after he boasted in a televised interview that his son, who has no security portfolio, is fulfilling police duties under his instructions.
Last Thursday, a small group of protesters in the holy city of Karbala, which hosts the shrine of the Imam Hussein, the Shias’ most revered religious figure, shouted pro-Saddam Hussein slogans, an unprecedented expression of anger since the fall of the former Iraqi dictator in 2003.
Karbala is also the home town of the Iraqi prime minister and of several of his Shia ministers, which makes the chants a personal insult to al-Maliki.
At the heart of Al-Maliki’s troubles has been the deep-rooted Sunni resentment against their potential marginalisation, this increasingly turning violent and triggering fears of the collapse of Iraq’s fragile political system.
Al-Maliki bears the blame for his failure to comply with a partnership agreement, under which his coalition government was formed, to allow the Sunnis to govern Iraq jointly with the Shias and the Kurds.
Even many Shias detest his autocracy, and lately two of his main Shia rivals, Muqtada al-Sadr and Ammar al-Hakim, have reportedly started acting to boost their own groups’ status ahead of the parliamentary elections next year.
On Monday, al-Sadr, leader of the Sadrists Group which has 40 seats in the 325-seat parliament, criticised al-Maliki’s “greedy” bid for a third term in office.
Now the Kurds are also objecting to a new election law that al-Maliki’s bloc has proposed, considering it to be unfair as it does not give the Kurds their deserved share of seats in the federal parliament.
President of the Kurdistan Regional Government Masoud Barzani has warned that the Kurdish Region will boycott next year’s elections if a new and more favourable elections law is not enacted.
A Kurdish boycott of the national elections would be disastrous and would plunge the country into further turmoil.
It is highly unlikely that al-Maliki will use his meeting with Obama to discuss the apparently irresolvable dilemmas confronting Iraq and its steady decent into chaos precisely because he himself is part of the problem.
Obama should also be using his encounter with al-Maliki to reinforce the US commitments toward Iraq consistent with the SFA, which mandates helping Iraq to enhance its security and stability and strengthen its democratic institutions.
Obama should bring up the fundamental issues that have underpinned the protracted government crisis with al-Maliki, including the failure of the security forces and his own responsibility for the sectarian polarisation and exclusion of the Sunnis in the country that has been behind the recent spiral of violence.
Obama should make it clear to al-Maliki that he views making credible progress on national reconciliation and the inclusion of all Iraqis in an inclusive, democratically elected government to be an essential part of any cooperation with his government, including military supplies and assistance.
Moreover, Obama needs to take concrete measures against al-Maliki’s government for its rampant corruption, mismanagement of Iraq’s huge oil resources, and violations of human rights as catalysts to instability in Iraq.
The United States bears a special responsibility for Iraq’s dilemmas, first through its invasion of the country in 2003 and second in helping al-Maliki assume power in the first place.
The least it can now do is to send al-Maliki a clear message that there will be no cooperation with him as long as he maintains his greed for power and continues his policy of monopoly and exclusion.
This story was first published in Ahram Weekly.
