الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (10)
                                                                                       صلاح النصراوي

اريد ان اكتب هذه الحلقة استجابة لنداء اصدقاء اعزهم واجلهم بالتوقف باعتباراني قد عرضت وجهة نظري بما فيه الكفاية، في مقابل أخرين ممن اعرفهم او تعرفت عليهم، شجعوني بالمؤازرة النبيلة بمختلف السبل، ونادوني بالاستمرار حتى افرغ ما في جعبتي في النقاش بشأن هذا الموضوع الحيوي الذي اعتبروه قضية وطنية ملحة.
اقول للجميع بان ليس بيني وبين “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” اية خصومة او مصلحة شخصية على الاطلاق كما اني لست ممن تستهويهم المعارك الدونكيشوتية او ممن تمتلكهم نزعات الضغينة والثأر.ما بدأت بتسطيره هنا لا اعتبره بمثابة معركة مع اي مسؤول لا بصفته الشخصية ولا الحزبية او القومية او الطائفية.ان معركتي الحقيقة هي مع القمع والاستبداد والفساد ومن اجل الحرية والعدالة التي أمنت بها بصدق ودافعت عنها باستماتة ودفعت من اجلها ثمنا باهظا ولم ازل.
لقد سبق وان تعرضت خلال رحلة عملي الطويلة والمضنية الى مواقف عديدة مشابهة ولم اشعر ازائها بغضب او حتى ان تعتريني رغبة بالرد، غير ان ما اثار استيائي حقا هذه المرة هي انها جاءت من اناس كنت اظن اننا تشاركنا ذات يوم تجربة الصراع من اجل الحرية وهماً وطنياً وآمالاً عريضة بعراق جديد حقيقي يبنى على ركام الدكتاتورية والطغيان.
ما انا بصدده من خلال هذه المقالات هو ان اضع الامور في نصابها الصحيح سواء ما يتعلق بجوهر القضية المطروحة، الا وهي السياسة الخارجية العراقية، او ما يمس شخصي من سهام سددت لي لا لشيء الا لانني مارست حقي في حرية الرأي والتعبير والنقد والمشاركة في الشؤون العامة.
في المسألتين فان الباب سيبقى دائما مفتوحاً امامي لكي اعبر عن رأيي في مختلف المنابر والميادين بما يمليه علي ضميري الاخلاقي ومسؤوليتي كمثقف ومواطن، خاصة ازاء الوضع المآساوي الذي تمر به بلادنا نتيجة سياسات التدميرالمنظم على الاصعدة المادية والسياسية وممارسات النهب والفساد التي خلفها الغزو والاحتلال وصنعيته دولة المحاصصة الطائفية والعرقية.
ما وفره لي “معالي وزير” الخارجية هو الفرصة لكي اعود الى تاريخ طويل من العمل الصحفي والكتابة والنشاط السياسي والى تجارب مماثلة في سنوات خلت منعني تواضعي ان اتحدث بها طيلة كل هذه السنين، وانا حين اذكربعضها هنا فاني لا اعتبرها الا كونها امثلة بسيطة اقتديت من خلالها بشجاعة وجسارة اجيال من الصحفيين والكتاب والناشطين الاحرار، ليس في العراق فحسب، بل في العالم كله الذين يستبسلون في قول الحقيقة ويرفضون الخنوع للظلم وللطغيان والقمع والابتزاز.
في سجلي الكثير مما افخر به ويشهد باني وقفت متحديا نظام صدام  في عقر داره وفي عز مجده وفي احيان كثيرة كان ثمن رؤيتي الحرة المستقلة تلك معاناة والما وعقابا، وكل ذلك من اجل ان اُبقي مثال المثقف الحرفي جمهورية الخوف الصدامي حياً وضميره صاحياً وباذرا للامل ومنتجا للخيال باستمرار.
خلال سنوات عملي في اجهزة الاعلام والصحافة العراقية واجهت بكل ما اوتيت من حرص وتروي وجلد وقوة شرور نظام صدام، رغم اني بقيت اعارض واقاوم ذلك النظام من خندق الوطن وليس من خندق اعدائه.
وبعد ذلك يذكر لي زملائي من المراسلين العراقيين والعرب والاجانب الذين عملنا معا في احلك الظروف المهنية واقساها اثناء الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت وحرب الخليج الاولى اني كنت ممن ابى الخضوع والاستسلام حتى اخذت نصيبي من قمع النظام وانتهاكاته.
لا اعتقد ان هناك صحفي عراقي ناله من وزير ثقافة واعلام صدام لطيف نصيف جاسم ومن مساعديه وباقي اجهزة النظام ما نالني من تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية وحملات التخويف والرعب التي طالت اسرتي والتي تركت في حياتنا جروحاً وندوباً تستحق ان تروى في مجال اخر.
في اخر يوم عمل لي كمراسل ومسؤول مكتب وكالة انباء الاسوشيتدبريس في العراق وهو يوم 21 اذار عام 1991 وكنت قد عدت لتوي من رحلة منظمة سريعة الى كربلاء بعد ساعات من قمع الانتفاضة فيها دخلت في اشرس صراع يمكن ان يدخله صحفي مع مسؤولي نظام فاشي حين رفضت ان استسلم لاملاءات وكيل وزير الثقافة والاعلام انذاك ناجي الحديثي.
هل انا في حاجة لكي اشرح مالذي يعنيه كل ذلك في سياق الزمن والظروف العصيبة تلك.
استطيع ان امضي في تعداد الكثير من المواقف المشابهة في حياتي الصحفية، لكن النقطة المهمة بالنسبة لي تبقى ان ما اشير اليه هنا هو ليس تمجيدا للذات، بل احتفاءً بالقيم العظيمة التي عبرت عنها الكتابة دائما وهي قيم الحق والشجاعة والحرية، لا غرابة ان من جلسوا في مقاعد نظام صدام لا يكترثون بها كثيراً.
اذن من يعتذر لمن يا “معالي الوزير”؟
انا على استعداد كامل ان اعتذر لك حين اجدك او احداً من زملائك في “العراق الجديد” يعتذر لي ولعراقيين مثلي عن بلادهم التي دمرت وعن ثرواتهم التي نهبت واحلامهم التي سرقت وحياتهم التي ضاعت.
  

                         الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (9)
                                                           صلاح النصراوي
في الحلقة الاولى من هذه  السلسلة التي جاءت ردا على الهجوم الصاعق الذي شنه “معالي وزير” الخارجية علي كنت قد سجلت ان هدفي هو فتح باب النقاش بين العراقيين حول السياسة الخارجية لبلدهم وجهاز الوزير الدبلوماسي  كما اعلنت انني على استعداد كامل ان اقف مع “معاليه  في اي محفل علني يريده لمناقشة سجل سياسة وزارته وادارتها للدبلوماسية العراق انطلاقا من مبدأ الشفافية والصراحة والعلنية، وبالتأكيد كمصلحة وطنية.
ماذا فعل “معالي الوزير” بدل ذلك قام بتوريط “سعادة سفيره” في الجامعة العربية في رد ثاني هذه المرة على سلسلة هذه المقالات نشره في احد المواقع الالكترونية يوم 25 تشرين الاول 2012  واختار له عنوانا تجاريا اشبه باعلانات مساحيق الغسيل “فعالية الدبلوماسية العراقية”.
واريد قبل ان اسجل هامشا بشأن مقال “سعادة السفير” ان اعود هنا الى نماذج من بعض ردود القراء على مقال سعادته والتي وردت في نفس الموقع.
يقول سرمد انها “فعالة جدا” وهذا الدليل … ثم يسرد تصريحا شهيرا لعضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي طلال الزوبعي يكشف فساد التعينات الاخيرة في وزارة الخارجية.اما ابو نصيف البصراوي فانه يصف المقال بـ”التهريج” ويتساءل “لمن يقدم (سعادة السفير) المديح”.اما ابراهيم المتوكل فانه يشير الى “المغالطات المفضوحه والباطلة” التي يزخر بها مقال “سعادة السفير” ويسخر من الانجازات التي عددها  بانها “لن تدخلهم موسوعة مريدي”، اي سوق التزوير والخردة الشهير في بغداد.
من البديهي ان يكون السؤال هو مالذي دفع “سعادة السفير” لكي يشمر عن ساعديه الان لكي يدبج تلك المقالة في مديح معالي الوزير” وفعالية دبلوماسيته والتي يبدأها بشتيمة الاعلام العربي الذي يقول انه “لعب دوراً سلبياً للغاية في تناول اخبار العراق، فاظهر وعظم كل ابعاد الصورة العنفية والخلافية، وعتم ، ما استطاع ، كل جهد ايجابي.”لاحظوا ان “سعادة السفير” هو سفير في الجامعة العربية وعضو قيادي في حركة قومية عربية وقضى جانبا طويلاً من حياته ما قبل “العراق الجديد” في تدبيج الكلام عن العروبة ومشتقاتها كما انه يرأس تحرير صحيفة لا تزال تصدر في بغداد باسم الحركة وله طبعا علاقات عربية معروفة.
ليس من اهتمامي الان ان اتناول مقالة “سعادة السفير”، رغم انه يحمل من الادانة اكثر ما يحمل من التبرير، حتى لو كنت اعتبره استكمالا للخدمات الشخصية التي تقدم لـ”معالي الوزير” في الحملة القمعية، غير اني اود تذكيره فقط بان اي سفير لاية دولة (يبدو ليس في “العراق الجديد”) هو سفير لبلده وبان اعتماده صادر من رئيس الدولة، وفي حالته هو بموافقة البرلمان، وانه يدين بالولاء والطاعة للبلد وليس لوزيره.
لننظر ماذا يقول “سعادة السفير” بعد ان  سطر الامجاد التي حققتها الدبلوماسية العراقية وخاصة غزوة ليما التي استطاع بجهوده فيها ان يجلس “معالي الوزير” على المنصة متناسيا هذه المرة ان العراق هو رئيس القمة العربية الدورية والذي كان اجدر به ان يقدم النصيحة الى رئيس جمهوريته او رئيس وزرائه بحضور القمة العربية اللاتينية، بالاقل لاضافة ذلك الى النتائج العبقرية لقمة بغداد ذات الخمسمائة مليون دولار.
وبالمناسبة، هل كان جديرا ايضا ان يسأل “معالي الوزير” او “سعادة السفير” عن تكاليف القمة العربية اللاتينية التي تحملتها بيرو لمقارنتها مع قمة بغداد ليطلع العراقيون على ما انفقوه من اموالهم التي كان الاجدر ان تصرف على  الملايين من الفقراء والايتام والارامل والمرضى والمحتاجين في “العراق الجيد”.
يقول “سعادة السفير” في ختام قصيدة المديح تلك وبابلغ ما تفتق به يراعه من وصف للدبلوماسية العراقية “غالباً ما نصاب (اي الدبلوماسيون العراقيون) باحراج شديد من جراء تناقض قولنا مع واقع التفجيرات التي تهز هذا الاستقرار .. اقول هذا لكي ابين حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الدبلوماسية العراقية.”
هل هناك اي تعليق على هذا الكلام الدبلوماسي ابلغ من روح السخرية تلك التي عبر عنها المعلقون العراقيون على مقال “سعادته” بعفوية ولكن بذكاء وقاد.
لا زلت اجدد دعوتي لنقاش وطني موسع وجدي بشأن السياسة الخارجية العراقية وجهازها الدبلوماسي وليس محاولات كاريكاتورية في الانكار مثيرة للشفقة والهزء في آن واحد.

                            الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (8)
                                                                                         صلاح النصراوي
مثلما صرخ ارخميدس ذات يوم “ايرويكا” وهو يكتشف القاعدة الفزيائية المعروفة باسمه فقد وجد “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” ضالته في الامساك بي متلبسا في مقالي بـ”الاهرام ويكلي” عن سياسته الخارجية.
في رده وجدتها… وجدتها.. يركز “معالي الوزير” على اشارة وردت في نهاية المقال عن تصريح منسوب اليه الى جريدة لوموند اقسم الوزير بانه لم يصرح به للجريدة الفرنسية.
ما نقله المقال مقتبسا من التصريح المنسوب لـ”معالي الوزير” هو ان الاكراد “سيكونون فخورين بان تكون لهم دولتهم الخاصة بهم والتي أمل ان تتحق قريبا” مضيفا “ان بامكان الاكراد ان ينفصلوا عن العراق، ولكن في هذه المرحلة فان الضغط الدولي لن يسمح لهم بذلك.” انتهى الاقتباس.
هذه الفقرة جاءت توضيحا لفقرة سابقة مني تقول “ان العديد من العراقيين يعتقدون ان زيباري ربما يخدم اجندة كردية طويلة المدى للانفصال عن العراق مستهدفين تحقيق ذلك الهدف عندما يأتي اوانه.ويلاحظ بعض العراقيين ان كردستان بدأت تظهر فعليا كـ”بلد اجنبي معادي ” على حدود العراق.”
لاحظ اني اقول ان “العديد من العراقيين” وان “بعضهم”، وهو ليس قولي بل قول موثق نشر على لسان زملائه في العملية السياسية.
اكتشفها “معالي الوزير” كما اكتشف ارخميدس قاعدة الازاحة الفيزيائية وراح يقسم باغلظ الايمان بانه لم يدل بهذا التصريح وجعل من ذكري له تهمة ذهب يطلق بعدها اتهاماته ومطالبه بالاعتذار..
في ردي على رده المنشور الاسبوع الماضي في “الاهرام ويكلي” اوضحت بان الاقتباس جاء من تصريحات موسعة نسبت اليه ادلى بها الى لوموند ظهرت بالعربية والانكليزية على عدة مواقع كردية وعراقية ذكرتها بالاسم  وساذكربعضها  هنا للفائدة.
Kurdistan Tribune: “Hoshyar Zebari advocates a Kurdish state http://kurdistantribune.com/2012/hoshyar-zebari-advocates-kurdish-state/
-Alaazadi: “Its an a honor to be foreign minister of an independent Kurdish state”
-Shababek: “Kurds have full right to have a Kurdish state and I will be honored to be its foreign minister”
 Sotaliraq: “Zebari: Kurds have right to set up their independent state and I will be proud to be its foreign minister
 -Buratha: “In interview with Le Monde: Zebari, I am a Kurdish
minister in the Arabs’ government
 لا يوجد ابدا ما يشير الى ان “معالي الوزير” نفى تلك التصريحات اوعلق عليها ولابد انه ثار ثورته تلك لانه يدرك مدى مصداقية الكاتب والجريدة وهي التي حاول في رده ان يدمرها تدميرا.
لن ادخل مع “معالي الوزير” في جدل المهنية والقواعد الصحفية في التأكد من المصدر او قواعد اسناد الاحاديث ومتونها وفرز الصحيح عن الحسن والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والغريب فلي في ذلك رجل راسخة، وعليه الا ينتقي ويختارما يشاء من اجزاء المقال لـ”دحض النصراوي” بل ان يناقش المقال جملة وتفصيلا.
ومع ذلك فسؤالي هل ينسخ هنا “معالي الوزير” مواقف حزبه وحركة التحرر القومي الكردية التاريخية في نفي مضمون الاقتباس مثلما اراد حين يقول في رده “بعد سنوات من خدمتي العراق في مركزي هذا، ومع خبرتي الطويلة، فانني سأكون مستاء جدا في ما اذا تخيل احد انني يمكن ان اعطي تصريحا مثل هذا.”
وهنا ايضا لا ارغب في الدخول بجدل سياسي حول اهداف الحزب الذي ينتمي اليه الوزير والتناقض الذي ينطوي عليه كلامه حين يحاول ان يفرق بين منصب  “معاليه” وبين انتمائه الحزبي والقومي؟
ما ورد على لسانه في مقالي هو ان ” الاكراد “سيكونون فخورين بان تكون لهم دولتهم الخاصة بهم والتي أمل ان تتحق قريبا” و “ان بأمكان الاكراد ان ينفصلوا عن العراق، ولكن في هذه المرحلة فان الضغط الدولي لن يسمح لهم بذلك.” اليس هذا مجرد تحصيل حاصل وان كل من يلم بما يجري في العراق من عراقيين وغيرهم يعرف، بل سمع ذلك مرارا وتكرار على لسان القادة الاكراد.
هنا تأتي العلاقة بين السند والمتن في تصريحات “معالي الوزير” واذا كان “معاليه” يستنكر بغضب ما نسب اليه فأنه يستحق التصحيح بل وحتى الاعتذار، لكن فقط حين يقول ذلك بلغة كردية وبلهجة بهدنانية واضحة كي لا تتواتر عنه احاديث مشكوك في صحتها.
ومع ذلك فان “معالي الوزير” يطرح هنا قضية في غاية الاهمية تطرح بدورها سؤلا جوهريا عن كيف يكون وزير خارجية دولة متعددة المذاهب والاعراق منسجما مع ذاته اذا ما اختلفت اراؤه الشخصية والسياسية ومواقف واستراتيجيات حزبه وقوميته عن مواقف باقي الاطراف في العملية السياسية، وكيف يؤثر كل ذلك في ادارة وتوجيه السياسة الخارجية؟
بمعنى اخرهل بامكان هذا الوزير ان يخدم سيدين في وقت واحد، او هل يستطيع ان يرضي زوجتين في الآن ذاته؟
هذا السؤال يحتاج الى اجابة لانه يدخل في صلب الموضوع.

                             الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (7)
                                                            صلاح النصراوي
لا يريد “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” ان يقتنع ان مقالي عن السياسة الخارجية العراقية في الاهرام ويكلي هو جزء من اهتمام كاتب ومثقف بشؤون بلده السائر في دروب الحيرة والضياع وانه مساهمة في الجدل العام بشأن مستقبله المحفوف بالمخاطر والتحديات وانني مستعد ان انقل هذا الجدل الى صفحات الجرائد العراقية بغية حشد وعي العراقيين باحدى اهم مشكلات بلدهم الحقيقية.
في 12 ايلول الماضي انتهزت فرصة نشر الزميل محمد عبد الجبار الشبوط  رئيس تحرير الصباح مقالا يتناول فيه موضوع السياسة الخارجية ويدعو فيه الى مساهمة النخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل وارسلت اليه مقالا كمساهمة مني في تشجيع باب النقاش حول الموضوع عراقيا الا انه لم ينشر المقال لاسباب لم يحاول حتى ان يذكرها.وتلك قصة اخرى من حكايات العابرين في حياتنا في “العراق الجديد”.
وهنا انشر المقال المذكور.
                                    مطلوب سياسة خارجية فعالة
                            تعزيز الدور العراقي في حل الازمة السورية
                             
حفزني مقال الزميل العزيز محمد عبد الجبار الشبوط عن “الطوفان السوري” قبل ايام ومكالمة تلفونية من احد السفراء العراقيين قبل ذلك ينقل لي فيها شكوى قيادي في الحكومة عن اراء جاءت في سياق مقال لي في جريدة “الاهرام ويكلي” عن السياسة الخارجية العراقية ان ادلي بدلوي من جديد وفي صحيفة عراقية في هذا الموضوع الذي تناولته في فترة مبكرة اثر التغير الذي اطاح بنظام الطغيان عام 2003.
كنت قد جادلت في كتاباتي وفي ندوات فكرية قبل الانسحاب الامريكي والاستلام الحقيقي للسلطة بان من الصعب الكلام عن وجود سياسة خارجية عراقية مستقلة لاسباب لا اظن انها خافية على احد.كما جادلت بعد ذلك بان صياغة سياسة خارجية بناءة وقوية تقوم على صيانة مصالح العراق الحيوية تحتاج الى توافق، واستراتيجة امن وطني متفق عليها من قبل القوى السياسية النافذة، وبعد ذلك كله جهاز سياسي ودبلوماسي محترف وكفء وجسور وملتزم قادر على تحويل كل ذلك الى مبادرات ومشاريع خلاقة في المحافل الاقليمية والدولية.
اريد ان استثمر دعوة الزميل الشبوط للنخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل، بالاقل بالنسبة لي، في الحوار بشأن السياسة الخارجية العراقية فاسئل بحسن نية اولا:هل ان البنية السياسية للنظام العراقي وللطبقة الحاكمة تسمح للنخبة الثقافية وللخبراء والتكنوقراتط المتجردين من الانحيازات والعصبيات ان يساهموا في تقديم رؤى وصياغة استراتيجيات وطنية في وقت يجري الصراع على هوية الدولة والمجتمع وتتم ادارة الشؤون العامة بطريقة المحاصصة في السلطة وفي الثروة؟
من خلال خبرتي ومتابعتي للدبلوماسية والسياسة الخارجية العراقية في محافل دولية واقليمية عديدة استطيع ان اجيب على هذا السؤال بلا قاطعة.ان جوابي هذا ينطلق اولاً من خصوصية التجربة العراقية التي انبنت على اساس المحاصصة السافرة، وليس التوافق او المشاركة، كما تشير ادبيات الجماعات المتحاصصة، وثانيا من طبيعة العلاقة العضوية بين السياسات الداخلية والسياسة الخارجية لاية دولة.ان اي مجموعة استشارية سوف تجتهد لتقديم رؤى وافكار او ترسم سياسات خارجية سوف تواجه في الحالة الراهنة احتمالين، اما انها ستنقسم داخلها الى اتجاهات تمثل كل واحدة منها مكوناً محددا سيتبنى مصالح مكونه واتجاهات قياداته، او انها ستقدم برنامج وطني، هو حصيلة موضوعية لقراءات الواقع، غير انه لن يجد توافقاً عليه في المستويات الحكومية او السياسية العليا كما سيواجه عرقلة التنفيذ، او بالاقل الافتقار للحماس في تنفيذه، في المستويات الدنيا.
وكي لا اقصر كلامي على الجانب النظري اجدني مضطراً الى الادلاء بشهادة شخصية في هذا المجال.لقد اطلعت خلال السنوات العشر الماضية وبحكم عملي في الصحافية الدولية في عواصم عديدة على نماذج مهولة من “دبلوماسية الاتصال” قام بها مسؤولون عراقيون مع نظرائهم او مسؤولين اخرين في الدول الاجنبية كانوا ينقلون لهم من المعلومات ما هو نقيض ما يتحدثون به علناً، او ماهم مكلفون بنقله من المركز.ان بعض ما اطلعت عليه من وثائق ومنها تسجيلات صوتية ومحاضر اجتماعات كان تحريضاً او استرخاصاً او نفاقاً يثير اشمئزاز حتى مستمعيه، غير انه كان في الحقيقة تعبيراً صادقا عن توجهات قائليه.
لن اتحدث هنا عن وزارة الخارجية وعن السفارات في الخارج فذلك مكانه مواقع النميمة على الانترنيت.
هل يمكن القول بعد ذلك بامكانية صياغة رؤى واستراتيجيات موحدة للسياسة الخارجية للعراق، وهي اليوم اصحبت حاجة ماسة اكثر من اي وقت مضى؟
هناك بلدان عديدة في العالم تتميز بالتنوع الاثني والمذهبي وهي مضطرة لكي تعكس هذا التنوع ليس فقط في هيكلة جهازها الدبلوماسي وانما ايضا في توجهات سياستها الخارجية، ولعل لبنان خير مثال على ذلك.كما ان هناك بلدان يتناوب على حكمها احزاب ذات توجهات سياسية متباينة تقوم بتغيرات جوهرية في السياسة الخارجية عند توليها السلطة وتعين اهل الثقة سفراء ومبعوثين لكي ينفذوا تلك السياسات، ومنها على سبيل المثال ايضا الولايات المتحدة الامريكية.وفي حين ان المجموعة الاولى تبقى محكومة بالتوازنات والتوافقات الداخلية الظرفية، فان دبلوماسية المجموعة الثانية، والسياسة الخارجية التي تنفذها، تبقى ملتزمة بالستراتيجات الكبرى والمصالح القومية العليا للدولة، مهما تغير فيها الرئيس او الحكومة.
ان معضلة صياغة سياسة عراقية خارجية فعالة تعكس المصالح الوطنية تبقى مرتبطة الى حد كبير بمشاكل العراق، وخاصة تلك العابرة للحدود منها، بسبب اتصالها ببلدان الجوار والتي تستخدم  بدورها مدفعية دبلوماسيتها الثقيلة ومواردها السياسية والاقتصادية لتعطيل او شل اي سياسة خارجية عراقية مستقلة.هناك تحديات عديدة واجهتها السياسة الخارجية العراقية وادواتها الدبلوماسية منذ انتهاء الدور الامريكي، ومن بينها أزمة ميناء مبارك مع الكويت والازمة المتواصلة مع تركيا، غير ان صياغة ستراتيجية واضحة المعالم ونشطة تجاه الازمة السورية تحافظ عن المصالح العراقية الاساسية تبقى التحدي الاكبر بسبب ما هو مدرك من نتائج خطيرة سوف يتركها انهيار سوريا على الداخل العراقي.
لا يعني هذا الركون الى المبادرات بشأن سوريا التي اطلقت لحد الان والتي لم تجد طريقها للتفعيل لاسباب معروفة، ومنها عجز الدبلوماسية العراقية عن بلورتها في مشاريع عمل وبرامج خلاقة واتصالات نشطة سواء مع الاطراف السورية المعنية او الاقليمية والدولية الفعالة.بل ان من الضروري وضع تصورات وخطط عمل متكاملة تخلق زخما للعمل السياسي والدبلوماسي العراقي على كافة الاصعدة.ان من البديهيات في العلاقات الدولية هو ان العالم لا يقبل مناطق الفراغ التي يملئها عادة من يمتلك المبادرة والجسارة، خاصة اذا كان الفراغ جيوستراتيجيا، كما هو الحال في سوريا.
ما هو واضح في السياسة العراقية تجاه سوريا، اذا صح وصفها بذلك، هي انها سياسة احترازية ودفاعية وحذرة، بدلا مما هو مطلوب وهو ان تكون فعالة وجريئة وذات خيال وافق واسعين.فالسلبية ليست سياسة حينما يكون العالم يتداعى من حولك وحين تكون انت في موضع الخطر وحين يتسابق كل من حولك لكي يدفعك في آتونه.ادرك الصعوبات الداخلية والخارجية التي تعتري التوصل الى موقف وطني عراقي موحد تجاه الازمة السورية، كما ادرك ان البعض يراهن على ان سوريا مغايرة ربما توفر فرصا افضل في مساومات العملية السياسة المتعثرة، غير ان تلك رهانات خاسرة ان لم تكن خيارات انتحارية.
ان جوهر المعضلة العراقية هنا هو كيفية مواجهة القوى الاقليمية والدولية التي تحاول مستميتة ان تحول الثورة السورية من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية الى اداة لاعادة صياغة المنطقة انطلاقا من العراق.ما هو مطلوب من العراقيين هو ان يدركوا ان ثمن سياسة عراقية قوية وفاعلة تجاه الازمة السورية هو اقل كثيراً من الثمن الذي سيدفعونه في حال التقاعس عن القيام بالدور البناء المطلوب لانقاذ سوريا الوطن والشعب من مصيرها المجهول.
لذلك ففي الوقت الذي ارى ان دعوة الزميل الشبوط للعمل على جبهتين لبلورة موقف عراقي تجاه الازمة السورية دعوة بناءة، فاني ارى ان الانتظار الى ما بعد ان تجلس القوى السياسية على الطاولة لكي تحل خلافتها سيكون أمراً عبثيا في ظروف تفاقم الوضع المأساوي في سوريا وازدياد التدخلات الخارجية.ان حداً ادنى من التوافق ضمن لجنة السياسات الخارجية التي شكلت مؤخراً سيكون مفيدا لبناء ستراتيجية عراقية متكاملة تجاه الازمة السورية يساعد في صياغتها خبراء معنيون.
هناك الكثير الذي يمكن الحديث عنه بهذا الصدد، ولكن لذلك مجال أخر.
                   الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (6)
                                                                    صلاح النصراوي
لم يذهب “معالي وزير” الخارجية الى المحاكم ليقاضيني اسوة بما فعل مع زميله في “العراق الجديد” سامي العسكري في القضية الشهيرة ولكنه طالبني بالاعتذار عوضا عن ذلك.هناك فرق جوهري بين الحالتين وهي ان المناكفات السياسية في “العراق الجديد”، كما في الحالة الاولى، تستدعي ديكورا ديمقراطيا وقضائيا لاحكام قواعد اللعبة، في حين انه في الحالة الثانية يلجأ مباشرة ودون مواربة الى القمع وفرض شروط الاذعان والاذلال والمهانة على الصحفي الحر المستقل.
لماذا يطلب معالي الوزير الاعتذار؟ لانه حسب قوله “عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.”هذا طبعا بعد ان يتساءل “من اين اتى (الصحفي)  بالالهام لكل تلك الفنتازيا؟”
هنا نأتي على مقالي المعنون “المالكي يتولى المسؤولية” واذا اخذنا الامور باي معيار مهني، او حتى غير مهني، فان العنوان لا يدل على ان “معالي الوزير” هو اساس الموضوع المطروح.لكن وزير خارجية العراق الجديد يعتبر نفسه مستهدفاً فينهض للدفاع عن نفسه ووزارته، لكن لا تأخذه النخوة والحمية للدفاع عن “حكومة الشراكة الوطنية” التي هو عضو دائم فيها ولا رئيس وزرائه، وذلك لعمري بحد ذاته دليل دامغ على جوهر القضية المطروحة في المقال وهي ان الوزير في واد ورئيس الحكومة في واد اخر بما يتعلق بالسياسة الخارجية.
اقول في مقدمة مقالي ان رئيس الوزراء المالكي “قرر انشاء فريق حكومي لكي يتولى الاشراف على سياسة البلد الخارجية وهو ما يعني انه يتجه بقوة اكثر نحو احكام قبضته على السلطة السياسة في وقت يزداد فيه القلق بشأن فشل سياسة العراق الخارجية وسط الفوضى التي تشيع في المنطقة.”
في الفقرة الثانية اقول ان المالكي امر ايضا بتشكيل لجنة حكومية لاعادة النظر في العلاقات مع تركيا على ضوء سلسلة من النزاعات مع جار العراق الشمالي القوى من ضمنها الوضع في سوريا وتزايد تدخلات انقرة في الصراعات المذهبية والعرقية في العراق.”
في الفقرة التالية هناك جزء تحليلي يقول ان “المناورة (مناورة المالكي) ربما ستؤدي الى تحول اساسي في موازين القوى في وجود مقاومة من الاكراد لرئيس الوزراء الشيعي لاندفاعه في تركيز سلطته بشكل اوسع في بلد تقوده حكومة ائتلافية هشة منذ الغزو الامريكي عام 2003.”
وهكذا يمضي المقال في ان “هناك مخاوف من ان تؤدي خطة المالكي الى تدهور سيزيد من الانقسام في البلد الذي يخشى العديدون فيه من احتمالات الصراع الاثني والطائفي في المنطقة نتيجة الوضع في سوريا.”
ويستمر المقال في شرح ابعاد تشكيل اللجنة العليا للعلاقات الخارجية والموقف من تركيا التي فجرت مواقفها الاخيرة ومن ضمنها زيارة وزير خارجيتها لكركوك دون علم او تنسيق مع الحكومة المركزية.
“معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” يقول انه عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.حسناً يبدو ان “معالي الوزير” يقرأ الامور بالعين التي تروقه، مستنكفاً حتى من ان يرى الحقائق البسيطة امامه، فكيف اذن سيقتنع بحق الكاتب في التحليل والتعليق والكشف وقراءة ما بين السطور.
وزير خارجية “العراق الجديد” يكره التحليلات السياسية الصحفية ويراها مجرد “فنتازيا” و”خيالات” و”فبركات” و”خداع”.في المقال اجادل بانه “مع استمرار الاضطرابات في سوريا فان القلق يزداد مع اعتقاد الكثير من العراقيين بأن بلادهم تفتقر الى دبلوماسية واضحة وفعالة للتعامل مع المشكلات السياسة العديدة مع العالم الخارجي”.كما اجادل ايضا بان تشكيل لجنة وزارية لدراسة اعادة النظر بالعلاقات مع تركيا يعني ” تضاؤل” دور وزير الخارجية.
هل افتريت هنا على “معالي الوزير” عندما قلت ان اللجنة ستكون على حسابه استنادا الى البيان الذي اشار الى تشكيلها بانها تتولى رسم السياسات الخارجية والاشراف على تطبقها من قبل وزارة الخارجية.
الا ان مايستثير “معالي الوزير” هو كلمة “تضاؤل” دوره، كيف لا وهو الذي يسطر امجاد الوزارة التي اعادت العراق للمجتمع الدولي وجعلت مندوبيه يجتمعون مع مندوبي اعضاء مجلس الامن الدولي، وكأن العالم لا يعرف من اعاد العراق (هذا اذا كان عاد حقا) الى الحظيرة الدولية او ان مندوبي “بليتز” و”سان مارينو” و”تفاليو” لا يعقدون مثل تلك الاجتماعات مع مجلس الامن.
احدى فقرات المقال تقول ان احدى الانتقادات التي توجه لزيباري هو انه اخفق في الاستفادة من موقع العراق في رئاسته الدورية للقمة العربية في احراز اي تقدم في المجالين الدبلوماسي وفي العلاقات الخارجية وانه بعد ستة اشهر من القمة التي كلفت بغداد 500 مليون دولار فانه ينظر الى زيباري بانه لم يتخذ المبادرات التي تضع العراق في مركز السياسة العربية والاقليمة ورعاية مصالحه الوطنية.
ليجيبنا “معالي الوزير” عن النتائج والفوائد التي تحققت للعراق من ذلك المؤتمر الذي صرف عليه نصف مليار دولار بلغة الحقيقة لا بلغة التشكيك والطعن والتكذيب الذي امتلأ بها مقاله ولا بلغة الفتوح المبينة للدبلوماسية العراقية.
من حقي ان اقول  ومن خلال خبرتي وتجاربي في مؤتمرات القمة العربية واجتماعات الجامعة العربية التي حضرت منها العشرات خلال اكثر من ثلاثين عاما، ومن خلال عملي الصحفي في  دهاليز الجامعة العربية وفي العديد من الدول العربية، ان اي قمة لا تساوي قرشا واحدا يصرف عليها وانها وراء الكوارث والمآسي التي حلت بالمنطقة ابتداء من هزيمة العرب الكبرى في فلسطين وحتى تسلط نظم الاستبداد والفساد التي هاهي نتائج حكمها تؤدي الى دمار المنطقة وتفسخها وتشرذمها.
فهل من حق ا”معالي الوزير” ان يصادر رأيي هذا ويضمه الى الاتهامات بالفنتازيا والخداع؟انتظر مثلما سينتظر العالم كله مالذي سيقوله هو بالذات للتاريخ حول الاجتماعات والقمم العربية والعمل العربي المشترك بعدما يترك منصبه هذا ويستقر بعيدا عن مقعد العراق في بيت العرب. 
في مقالي اشارات الى “اتهامات” بسؤ الادارة وغياب التنسيق مع الجهات الحكومية الاخرى كما ان هناك “انتقادات” بانه “حول وزارة الخارجية الى وكر للمحاسيب عديمي الكفاءة والمعينين سياسيا والفاسدين.”
هل أتيت هنا بشيء جديد؟هل يريد “معالي الوزير” فتح هذا الملف الذي تغاضى عنه تماما في رده واعتبره مجرد “اعادة انتاج لادعاءات سرطانية مريضة”؟انا شخصيا أنأى بنفسي ان اخوض في تفاصيله لان رائحته النتنة كما ذكرت سابقا تزكم الانوف.
ولكن سؤالي لـ”معالي الوزير” اليست التعينات والمراكز على اساس المحاصصة والمحسوبية والعلاقات المشبوهة وليس على اساس الكفاءة والمقدرة والخبرة فساد اعظم؟ ومن ثم هل تستقيم سياسة خارجية صائبة وبناءة وقوية تتبنى وتدافع عن المصالح الوطنية العراقية وتواجه التحديات وتقف ضد كل الاعداء المتربصين بالوطن مع ادوات فاسدة او عديمة الكفاءة او لا مبالية؟
والاهم من كل ذلك الا يبدو ان اشاعة الفساد في وزارة معاليه امر ممنهج ومقصود لاسباب لا يمكن ان تغيب دلائله عن اي فطن ولبيب؟