الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (10)
صلاح النصراوي
اريد ان اكتب هذه الحلقة استجابة لنداء اصدقاء اعزهم واجلهم بالتوقف باعتباراني قد عرضت وجهة نظري بما فيه الكفاية، في مقابل أخرين ممن اعرفهم او تعرفت عليهم، شجعوني بالمؤازرة النبيلة بمختلف السبل، ونادوني بالاستمرار حتى افرغ ما في جعبتي في النقاش بشأن هذا الموضوع الحيوي الذي اعتبروه قضية وطنية ملحة.
اقول للجميع بان ليس بيني وبين “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” اية خصومة او مصلحة شخصية على الاطلاق كما اني لست ممن تستهويهم المعارك الدونكيشوتية او ممن تمتلكهم نزعات الضغينة والثأر.ما بدأت بتسطيره هنا لا اعتبره بمثابة معركة مع اي مسؤول لا بصفته الشخصية ولا الحزبية او القومية او الطائفية.ان معركتي الحقيقة هي مع القمع والاستبداد والفساد ومن اجل الحرية والعدالة التي أمنت بها بصدق ودافعت عنها باستماتة ودفعت من اجلها ثمنا باهظا ولم ازل.
لقد سبق وان تعرضت خلال رحلة عملي الطويلة والمضنية الى مواقف عديدة مشابهة ولم اشعر ازائها بغضب او حتى ان تعتريني رغبة بالرد، غير ان ما اثار استيائي حقا هذه المرة هي انها جاءت من اناس كنت اظن اننا تشاركنا ذات يوم تجربة الصراع من اجل الحرية وهماً وطنياً وآمالاً عريضة بعراق جديد حقيقي يبنى على ركام الدكتاتورية والطغيان.
ما انا بصدده من خلال هذه المقالات هو ان اضع الامور في نصابها الصحيح سواء ما يتعلق بجوهر القضية المطروحة، الا وهي السياسة الخارجية العراقية، او ما يمس شخصي من سهام سددت لي لا لشيء الا لانني مارست حقي في حرية الرأي والتعبير والنقد والمشاركة في الشؤون العامة.
في المسألتين فان الباب سيبقى دائما مفتوحاً امامي لكي اعبر عن رأيي في مختلف المنابر والميادين بما يمليه علي ضميري الاخلاقي ومسؤوليتي كمثقف ومواطن، خاصة ازاء الوضع المآساوي الذي تمر به بلادنا نتيجة سياسات التدميرالمنظم على الاصعدة المادية والسياسية وممارسات النهب والفساد التي خلفها الغزو والاحتلال وصنعيته دولة المحاصصة الطائفية والعرقية.
ما وفره لي “معالي وزير” الخارجية هو الفرصة لكي اعود الى تاريخ طويل من العمل الصحفي والكتابة والنشاط السياسي والى تجارب مماثلة في سنوات خلت منعني تواضعي ان اتحدث بها طيلة كل هذه السنين، وانا حين اذكربعضها هنا فاني لا اعتبرها الا كونها امثلة بسيطة اقتديت من خلالها بشجاعة وجسارة اجيال من الصحفيين والكتاب والناشطين الاحرار، ليس في العراق فحسب، بل في العالم كله الذين يستبسلون في قول الحقيقة ويرفضون الخنوع للظلم وللطغيان والقمع والابتزاز.
في سجلي الكثير مما افخر به ويشهد باني وقفت متحديا نظام صدام في عقر داره وفي عز مجده وفي احيان كثيرة كان ثمن رؤيتي الحرة المستقلة تلك معاناة والما وعقابا، وكل ذلك من اجل ان اُبقي مثال المثقف الحرفي جمهورية الخوف الصدامي حياً وضميره صاحياً وباذرا للامل ومنتجا للخيال باستمرار.
خلال سنوات عملي في اجهزة الاعلام والصحافة العراقية واجهت بكل ما اوتيت من حرص وتروي وجلد وقوة شرور نظام صدام، رغم اني بقيت اعارض واقاوم ذلك النظام من خندق الوطن وليس من خندق اعدائه.
وبعد ذلك يذكر لي زملائي من المراسلين العراقيين والعرب والاجانب الذين عملنا معا في احلك الظروف المهنية واقساها اثناء الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت وحرب الخليج الاولى اني كنت ممن ابى الخضوع والاستسلام حتى اخذت نصيبي من قمع النظام وانتهاكاته.
لا اعتقد ان هناك صحفي عراقي ناله من وزير ثقافة واعلام صدام لطيف نصيف جاسم ومن مساعديه وباقي اجهزة النظام ما نالني من تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية وحملات التخويف والرعب التي طالت اسرتي والتي تركت في حياتنا جروحاً وندوباً تستحق ان تروى في مجال اخر.
في اخر يوم عمل لي كمراسل ومسؤول مكتب وكالة انباء الاسوشيتدبريس في العراق وهو يوم 21 اذار عام 1991 وكنت قد عدت لتوي من رحلة منظمة سريعة الى كربلاء بعد ساعات من قمع الانتفاضة فيها دخلت في اشرس صراع يمكن ان يدخله صحفي مع مسؤولي نظام فاشي حين رفضت ان استسلم لاملاءات وكيل وزير الثقافة والاعلام انذاك ناجي الحديثي.
هل انا في حاجة لكي اشرح مالذي يعنيه كل ذلك في سياق الزمن والظروف العصيبة تلك.
استطيع ان امضي في تعداد الكثير من المواقف المشابهة في حياتي الصحفية، لكن النقطة المهمة بالنسبة لي تبقى ان ما اشير اليه هنا هو ليس تمجيدا للذات، بل احتفاءً بالقيم العظيمة التي عبرت عنها الكتابة دائما وهي قيم الحق والشجاعة والحرية، لا غرابة ان من جلسوا في مقاعد نظام صدام لا يكترثون بها كثيراً.
اذن من يعتذر لمن يا “معالي الوزير”؟
انا على استعداد كامل ان اعتذر لك حين اجدك او احداً من زملائك في “العراق الجديد” يعتذر لي ولعراقيين مثلي عن بلادهم التي دمرت وعن ثرواتهم التي نهبت واحلامهم التي سرقت وحياتهم التي ضاعت.