دولة علي بابا

cover 5

(1)     

                                 نشوء وارتقاء دولة علي بابا                                                

 

في يوم 4 تشرين الاول (اكتوير) 2009 كنت في بغداد اشارك في لقاء ضيق دعت اليها وزارة الحوار الوطني العراقية اطلقت عليه اسم “الملتقى الفكري الأول للَنخب العراقية” للبحث في إشكاليات تعثر المصالحة الوطنية.كنت وصلت الى بغداد مبكراً مما اتاح لي الوقت فرصة اللقاء بالعديد من الأقارب والأصدقاء والناس والإستماع الى افكارهم وارائهم بخصوص الأوضاع السياسية والإقتصادية والإاجتماعية بعد مرور ست سنوات على الغزو الأمريكي، واربع سنوات على تشكيل حكومة عراقية جاءت بإنتخابات وصفت بانها حرة ونزيهة.محصلة تلك الأحاديث والمشاهدات العيانية التي قمت بها  خلال يومين قبيل بدء الندوة جاءت مطابقة لما كنت على إطلاع عليه، وللمعلومات التي كانت متداولة إعلاميا وفي أروقة الأجهزة الدبلوماسية والسياسية العالمية والاقليمية والتي كانت تعكس خيبة أمل الشارع العراقي بالنتائج المتحققة منذ الاحتلال، ويأسا من إمكانية حصول اي تقدم على صعيد اعادة بناء الدولة والمجتمع بعد تدميرهما نتيجةللغزو وللاحتلال.

في امسية قضيتها في الشارع الرئيسي لـ”الكرادة الشرقية” وسط بغداد كان أكثر ما لفت انتباهي هو حديث الناس عن الفساد المتغول في كل زاوية من زوايا الدولة، ولدى الطبقة السياسية المهيمنة، التي كانت قد استوطنت تلك المنطقة الشاسعة من بغداد، وخاصة احيائها الراقية بعد ان استولت على قصور وبيوت قيادات نظام “صدام حسين” هناك وحولتها الى مساكن ومكاتب احاطتها بحصون من الكونكريت والأسلاك الشائكة، والتعزيزات الأمنية والعسكرية.كنت قد قضيت السنوات الأخيرة في العراق قبل ان اغادره الى المنفى عام 1991 في منطقة “الكرادة الشرقية” تلك حيث كان مكتبي وسط “شارع الجادرية” الرئيسي وكنت اعرف كل شبر فيها وهالني ما رأيته خلال تلك الجولة التي قمت بها في ذلك المساء بصحبة صديق من ابناء المنطقة حيث لم يكن هناك شارع او زقاق يخلو من بيوت ومكاتب لقيادات وكوادر الأحزاب الشيعية استولوا على الكثير منها بطرق غير شرعية، وغير قانونية، سواء من أملاك الدولة، او من عقارات الناس التي حصلوا عليها بطرق التفافية وعبر التدليس والاحتيال.

اثارت تلك المشاهد ذكرياتي عن العديد من أركان تلك الفئة من السياسيين وماضيهم الملوث بالفساد ايام ما يحلوا لهم ان يسموها فترة معارضتهم لنظام “صدام حسين”.في احدى مداخلاتي في الملتقى الذي بدأ صباح اليوم التالي وفي حضور قيادات من أغلبية الأحزاب المشاركة في الحكم ومن بينها “علي الاديب” و”همام حمودي”، وغيرهم، تحدثت عن الفساد المتغول باعتباره المعوق الأساس لاعادة البناء وللعملية السياسية واتمام المصالحة الوطنية ووصفت الدولة التي يديرونها بانها “دولة علي بابا”.كنت انتويت ان اطلقها صرخة مدوية في وجوههم، فلم اجد تعبيراً غير “دولة علي بابا” يليق بوصف ما آلت اليه الأمور في العراق على ايديهم من فساد، ومحسوبية، وشللية، وهيمنة طغمة صغيرة من الفاشلين والعاجزين ومفتقدي الكفاءة والخبرة وعديمي الضمير على الحكم وعلى الساحة السياسية في “العراق الجديد”.كما اردت ان اثير من خلال ذلك الوصف الرمزي في دواخلهم صدمة قلت لعلها تفيقهم من غيهم وتنبههم الى ان ذلك السلوك المزري والخائب الذي ينتهجونه سينتهي لا بفشل العملية السياسية، وانما الى تدمير الدولة وانقراضها.

والحقيقة لم يكن تعبير “دولة علي بابا” من ابتكاراتي فقد سمعت من عراقيين كثيرين اثناء تلك الزيارة وقبلها عن قصص يرونها عن “الفرهود” الذي صاحب بدء الغزو في نيسان (ابريل) 2003، وخاصة في بغداد، وكيف ان الجنود الأمريكيين كانوا ينادون على العراقيين بــ”يالا، (هيا) علي بابا” وهم يحرضونهم على اقتحام المنشئات والمعسكرات والدوائر والمصانع والبنوك، وغيرها من مؤسسات الدولة التي كان يجري نهبها تحت ابصارهم، ويحثونهم على الاجهاز على ما تبقى فيها من ممتلكات لم تطالها يد النهب بعد.(1)

من يعود الى ما كتبته الصحافة الغربية وبثته الشاشات التلفزيونية انذاك سيجد ان تقاريرها جاءت مطابقة لشهادات العراقيين حيث حفلت بالكثير من الإشارات الى “علي بابا” على لسان الجنود الامريكيين والبريطانيين مصحوبة بتعليقات حافلة بالإزدراء والإحتقار للصوص المغارة الجدد الذين وقفوا يتفرجون عليهم وكأنهم امام مشهد من مشاهد افلام ديزني الهوليودية.

كانت فكرة “علي بابا” كما هي متجذرة في المخيال الغربي وفي الذهنية الإستشراقية احدى عناصر المشروع الامريكي لإحتلال العراق ومطبخه الأديولوجي لإشاعة وترسيخ مفهوم الإستحلال.ولعل خير من عبر عن ذلك هو وزير دفاع الغزو واحد ابرز عرابيه ومهندسيه، “دونالد رامسفيلد”، حين صرح في احد مؤتمراته الصحفية ردا على الانتقادات التي وجهت للقوات الأمريكية بانها وقفت متفرجة امام استباحة تلك المؤسسات، وخاصة “المتحف العراقي” بقوله ان عمليات السلب والنهب كانت “مجرد رد فعل طبيعي ومتوقع على سنوات القهر التي عاشها العراقيون تحت حكم صدام.”(2)

وبالرغم مما يخطر على البال دوما بان حكاية “علي بابا والأربعين حرامي” هي من بين حكايات “الف ليلة وليلة”، اي من التراث العربي او الاسلامي، الا ان الحقيقة  التي اكدتها الدراسات العديدة هي انها من إختلاقات الإستشراق الغربي.وتعزى الحكاية الى المستشرق والمترجم الفرنسي “انطوان غالان” الذي يعتقد على نطاق واسع انه اضاف حكاية “مغارة علي بابا” ومرجانة مع الأربعين حرامي الى الليالي الأصلية في القرن الثامن عشر بعد ان سمع تلك الحكايات اثناء زيارة له الى مدينة حلب السورية.

المهم في الامر ان تلك الحكاية الأسطورية التي تنطوي في سرديتها الروائية على مغزى ورسالة في تذميم الطمع وحب المال والخداع والخيانة لم ينظر اليها في الغرب فقط على انها من روايات المغامرات المسلية للاطفال التي تحولت الى عدد لا يحصى من الأفلام والمسرحيات، وانما اصبحت جزءاً من تراث الإستشراق العالمي الذي ينظر من خلاله الغرب الى العالم العربي باعتباره لا يزال قريب العهد بماضيه حتى لو كان ذلك الماضي هو مجرد فولكلور وحكايات من انماط ما يروى للإطفال  قبل النوم.

وبغض النظر عن شعارات تحرير العراق وادعاءات بناء نظام نموذجي في الشرق الاوسط ونشر الديمقراطية فيها فمن وجهة نظر امريكا كان العراقيون الذين احتلتهم هم من سلالات ابطال حكايات “الف ليلة وليلة”، ولم تكن بلادهم الا “مغارة علي بابا” وبالتالي لم يكن امامها الا ان تعيد انتاج ذلك الفولكلور، لا لكي يقف جنودها يتسلون به هذه المرة، بل لتشهد به تدمير العراق من خلال النموذج الذي صنعته على مزاجها، ووفقا لرغبتها: دولة فاشلة، فساد متجذر، قيادة عاجزة، وادارة متعثرة.

ان مفهوم او فلسلفة “دولة علي بابا” ليست هنا مجرد تلك الرغبة اللصوصية المتحكمة بطريقة ادارة الدولة، بل هي في نهج الحكم بكل ما يحمله من سياسات ومعان متضمنة وسلوكيات وتوائهما الشرطي مع تطبيقاتها في القضايا والأنشطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والقيم الأخلاقية التي تزرعها في المجتمع.ان اسؤ تجليات “دولة علي بابا” اضافة الى الفساد الذي غرسته هو نظام المحاصصة الذي قامت عليه، والصراع الطائفي الذي اخرجته من قمقمها والذي ولد الإرهاب الذي حصد مئات الآلاف من ارواح العراقيين. لم تنهض أمريكا بهذا المنهج التخريبي لوحدها، ولكن لسؤ الحظ، آزرها فيه عراقيون تفانوا في لعب دور الأربعين حرامي منذ اللحظة الأولى للإحتلال الذي كان كريما معهم، ليس في تسهيل لعبة ادعاء تمثيل المقاومة الوطنية لنظام صدام، وانما في تسليمهم السلطة عبر ما سمي بـ”مجلس الحكم الإنتقالي” والذي مكنهم لاحقا من وضع يدهم على كامل الدولة والثروة.

ان اول ما قام به هؤلاء اللصوص، وحتى قبل ان يلفظ نظام صدام انفاسه، هو استيلائهم على قصوره وقصور ازلامه، ثم الكثير من ممتلكات ومؤسسات الدولة، وبذلك ضربوا مثالاً للآخرين في الشروع بأكبر عملية منظمة لنهب وتدمير دولة في العصر الحديث. وفي الوقت الذي بقي فيه الجنود الامريكان يتمتعون بمشاهد حية وحقيقية لنسخة جديدة، ولكن غير هوليوودية، من افلام “علي بابا” فان العراقيين الذي كانوا يشاهدون ذلك بحزن وألم وحيرة نحتوا اسما اخرا هو “الحواسم”، رديفاً ساخراً لما انتهت اليه الحرب المدمرة التي خيضت باسمهم بعد ذلك من نهب منظم لثروات بلدهم ومهانة سيتحملون عبئها لأجيال عديدة جراء انتهاك حقوقهم وكرامتهم الإنسانية من خلال ممارسات الفساد الذي يتعرضون لها يوميا على يد حكامهم الجدد.ليس بالإمكان تحديد حجم هذا الفساد الناتج عن مآثر “دولة علي بابا” بالقيمة الدفترية بشكل دقيق، فتلك مهمة غدت مستحيلة، لأسباب على رأسها اتساع الممارسات افقيا وعموديا، ونطاق السرية المضروب حولها، وعمليات التضليل التي تحيط بها.وحتى “مؤشر الفساد العالمي” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية” والذي لا يزال يضع العراق منذ عام 2004 لحد الآن في موقع متقدم كواحد من اكثر البلدان فسادا في العالم لا يوفر معطيات عن الرقم الحقيقي لحجم الفساد في العراق ولا حتى مجمل صورة تقريبية له، ربما بسبب الإطار الضيق للمؤشرات التي وضعتها. ومع ذلك فان ما يتوفر من معطيات يكشف عن حالة فريدة وصفها متخصصون دوليون بانها اكبر فضيحة فساد في التاريخ الإنساني.امريكيا، تقول الارقام المنشورة ان 360 طنا من الدولارات قد ارسلت في رزم بلاستيكة الى ادارة الإحتلال ربما تتراوح قيمتها بين 60 الى 80  مليار دولار قد انفقت اثناء سنوات الغزو الأولى على مشاريع اغلبها وهمية في العراق في حين ان حوالي 10 مليار دولار منها اختفت تماما ولم يتم العثور على اية مستندات تثبت طرق انفاقها.

اما عراقيا، فان الموارد المتحققة من بيع النفط بشكل رسمي قد تتجاوز 500 مليار دولار خلال السنوات التي اعقبت الإحتلال، عدا البيوعات غير الرسمية الناتجة عن التهريب والسرقة والإستثمارات النفطية غير الخاضعة للحكومة، كما في إقليم كردستان.وبسبب عدم وجود أرقام رسمية معتمدة فان من الصعب ضبط كم الفساد الناشئ عن كل هذه المصادر التي تمثل الحجم الأكبر لعمليات نهب الثروة الوطينة.ولا يمكن باي حال من الأحوال تحديد حجم الفساد المالي والإداري بشكل دقيق ايضا لأسباب عديدة، الا ان التقديرات المبنية على اساس عمليات غسل الأموال التي تغادر الى الخارج استنادا الى حجم مبيعات الدولار عبر نظام المناقصات التي يجريها “البنك المركزي العراقي” تصل الى 40 مليار دولار سنويا. اما حجم الفساد في القطاعات الاخرى كالمقاولات، والعمولات، والاختلاسات، والرشاوي، والسرقات فتبلغ حسب بعض التقديرات حوالي 18 مليار دولار سنويا.

غير ان تقريراً نشرته مؤسسة (ويلث اكس)، وهي شبكة مخابراتية خاصة تتابع الحسابات المصرفية والأموال الشخصية والعائلية في العالم في شهر ايلول (سبتمبر) 2013 كشف ان العراق احتل المرتبة السادسة ضمن قائمتها للأثرياء في منطقة الشرق الأوسط للعام 2013 بمجموع ثروات تبلغ 15 مليار دولار تعود الى 175 ثريا عراقيا متخطين الرقم السابق لعام 2012 وهو 160 ثريا بثروة تقدر ب 13 مليار دولار.(3)

الا ان هذا التقرير رغم انه يقدم صورة عن تصاعد وتيرة تكوين الثروات المشكوك في اصولها في العراق بشكل سريع وخلال فترة قصيرة قد لا يكون مؤشراً دقيقا عن حجم الفساد الحقيقي لانه لا يتضمن كل الثروات والأموال غير المنقولة داخل العراق وخارجه وكذلك الأموال التي تم تبيضها في مشاريع مشتركة او المسجلة باسماء لا تحمل الجنسية العراقية. ان صعوبة الحصول على معطيات حقيقية عن حجم الفساد والطلاسم التي تحيط بصوره المختلفة وأبطاله والغموض المتعمد الذي يحيط بهذه الممارسات والشبكات العنكبوتية المرتبطة تضيف مفهوما مكملاً لمفهوم “دولة علي بابا” وتوفر دليلاً جديداً على تسيد آليات عمل المغارة الإسطورية، وعالم الجريمة المنظمة، وقيم اللصوصية وثقافتها ومظاهرها، من غموض وفضائح وصراعات وازمات وعنف وفوضى. (4)

ويبقى السؤال من هم الأربعون حرامي في “دولة علي بابا” الذين يمتلكون امبراطورية الفساد هذه ويشتركون في ادارتها.انهم بالتأكيد اكثر عددا بكثير من الأربعين، وهم من كبار المسؤولين في السلطة، وفي قيادات الأحزاب المشاركة فيها مع أولادهم واقربائهم، يعاونهم فيها كوادر عليا تضم وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين وقادة امنين وقضاة وسفراء ودبلوماسين يشكلون كلهم شبكة من الشركاء والأعوان تضم مقاولين ورجال أعمال وسماسرة واصحاب محطات تلفزيونية وإعلاميين يتعاونون معا في اقتسام كعكة الفساد المهولة في العراق.ان اية محاولة لتحديد اسماء معينة بإعتبارها بؤرة الفساد في العراق ستكون على احسن الإفتراضات قاصرة عن رسم صورة حجمه الحقيقي وتسمية كل ان لم يكن اغلب المسؤولين عنه والمتورطين فيه.والحقيقة المرة هو انه سيكون من المستحيل بعد مرور كل هذا الوقت الوصول الى معلومات دقيقية عن تفاصيل كل عمليات الفساد والنهب التي جرت طالما ان اغلب تفاصيلها قد ضاعت في دهاليز الفساد نفسه، مما يقصر اغلب العمل هنا مع الأسف الشديد على مجرد محاولة تقيم الفساد في العراق من خلال رسم صورة كلية له، في حين تبقى التفاصيل الجزئية متناثرة هنا وهناك.  

يأتي على رأس القطاعات التي ساد فيها الفساد القطاع النفطي لأسباب بديهية، كون بحيرة النفط التي يعوم فوقها العراق هي الكنز الذي كانت تتوجه اليه الأنظار.فمنذ اليوم الأول للإحتلال طرحت مسألة إدارة الثروات النفطية الهائلة نفسها كقضية جوهرية امام سلطة الإحتلال وامام الزمر العراقية التي اتت بها، وخاصة في ظل المخاوف التي عبر عنها العراقيون والرأي العام العالمي عن الغايات المبيتة وراء الغزو والتي جاءت على رأسها السيطرة على النفط ونهب موارده، وليس لأهداف تتعلق بتحرير العراق من صدام، او بناء بلد ديمقراطي كما ادعا المحتلون.ولم يمض وقت طويل حتى بدأت تلك المخاوف تتحق على أرض الواقع كما بدأت تتكشف اسرار الإتفاقيات والتفاهمات التي تم توصل اليها من قبل شركاء الغزو لإقتسام كعكة النفط في العراق.(5)

احد أبرز تجليات التفاهمات حول النفط والهيمنة على ثروات العراق الطبيعية جاءت من خلال نظام منح العقود النفطية على أساس عقود الخدمة لتطوير الإنتاج في الحقول النفطية، وهو نظام قننه الإحتلال واستمرت عليه الحكومات المتعاقبة وضع مصادر الثروة النفطية العراقية تحت رحمة الشركات العالمية.فبموجب هذا النظام الذي حذرت منع القوى الوطنية والخبراء النفطيين يتم منح مبلغ متفق عليه لكميات من النفط يتم الإتفاق على استخراجها ايضا بغض النظر عن الأسعار التي يتم تداول النفط بها في الأسواق الدولية، او مستويات الطلب المتغيرة للنفط ، مما يعني تحمل العراق التكاليف والخسائر لوحده، مهما كان حال السوق الدولية.وخلال هذه السنوات فقد تحمل العراق خسائر فادحة نتيجة لإنخفاض اسعار النفط، والتقلبات في السوق، في حين ظلت هذه الشركات تنهب الموارد العراقية نتيجة لإتفاقات مجحفة وقعتها معها حكومة “دولة علي بابا” تتيح لها الحصول على المكاسب دون تحمل مخاطر متغيرات السوق.(6)

ولم تكمن مشكلة التراخيص فقط بانها كانت ادوات نهب مقننة للثروة العراقية وانها حرمت الشركات النفطية الوطنية العراقية المتمرسة بالصناعات النفطية من العودة الى مزاولة اعمالها وتطويرها للحقول النفطية بدلا من وضع الثروة العراقية بيد الشركات الاجنبية، بل انها تجاوزت ذلك حين منحت عقود التراخيص للشركات بأقل قدر من الشفافية، كما ان عملها ظل بعيد عن مراقبة البرلمان، او اية جهة رقابية عراقية اخرى، او اخضاعه للتدقيق والمحاسبة.وهكذا ظلت تلك الشركات تعمل وفق عقود مجحفة في وقت امتنعت فيه الحكومة عن توفير المعلومات الكافية للرأي العام بشأن الإنتاج والإحتياطيات النفطية، او الغازية، في الحقول التي جرى التصرف بها، او عن الأسعار، او معدلات التصدير، ولا عن اية معلومات تتعلق بالعمليات الانتاجية برمتها التي ظلت طي الكتمان.ومن البديهي ان انعدام الوسائل التي يمكن استخدامها في التحقق من الواردات يعني ايضا غياب القدرة على تحقيق اي توزيع عادل للثروة الوطنية، وهو الامر الذي انعكس بشكل مباشر سلبا على عملية بناء الدولة الجديدة وإطلاق عملية تنموية شاملة لتعويض العراقيين عن سنوات البؤس والحرمان والشقاء التي عانوها تحت نير الأنظمة السابقة.(7)

واذا كان ذلك هو الشكل (القانوني) الذي رسخته سلطة الإحتلال لإستغلال الموارد النفطية العراقية للفترة اللاحقة فانها فعليا دكت اساسا لما هو اسؤ من ذلك بكثير حين فتحت الأبواب على مصاريعها امام عمليات النهب الواسعة التي تولتها الجماعات الحاكمة والمليشيات التي حرصت على امتلاك مفاتيح تلك الأبواب.فلقد ظلت موانئ التصدير الرسمية تعمل لسنوات طويلة دون عدادات تسجل كميات النفط المباعة كما خلت هذه الموانئ من اية رقابة على التصدير، في حين ان حقول النفط وانابيب التصدير والصهاريج وغيرها من وسائل نقل النفط من شمال العراق حتى جنوبه ظلت الى سنوات طويلة تحت رحمة الجماعات الحاكمة، واذرعها المليشياوية المسلحة، تنهب منها وتبيعها بشتى الطرق والوسائل الى عصابات تهريب محلية ودولية، كان بعضها تشكل في عهد النظام السابق لتهريب النفط اثناء فترة الحصار المضروب بعد غزو الكويت عام 1990، حيث تقوم بنقله الى الدول المجاورة وخاصة ايران والأردن وتركيا، بل وحتى اسرائيل.(8)

وطيلة كل هذه السنوات واجهت الدعوات المنادية بوقف نهب النفط العراقي وتهريبه آذانا صماء من قبل القوى الحاكمة التي في السلطة التي رفضت التحرك لردع الجماعات السياسية المتنفذة التي اصرت بدورها على الإستمرار في عمليات السرقة المنظمة.ونظرا لإتساع نطاق عمليات التهريب وتعدد الأطراف المتورطة فيها، والتي تشمل جماعات حزبية، ومليشيات نافذة، ورجال دين، وزعماء قبائل ومافيات تهريب قوية، اصبح نهب الثروات النفطية أمرا واقعا يصعب القضاء عليه في ظل هيمنة نفس الجماعات على السلطة.

وخلال هذه الفترة ثبت انه من المستحيل توفر ارقام حقيقية عن كميات النفط التي تم سرقتها وتهريبها لأسباب عديدة تتعلق بإتساع الرقعة الجغرافية التي كانت تجري عمليات التهريب من خلالها، وتعدد الجهات التي كانت تقوم بتلك العمليات السرية، ووجود شبكات اقليمية ودولية سرية ساهمت بعمليات الشراء والبيع والنقل الى الأسواق الدولية.ولكن من المؤكد ان مئات الملايين من اطنان النفط تم تهريبها والتي كلفت الدولة العراقية مليارات الدولارات كان بالإمكان استثمارها في مشاريع التنمية الإقتصادية والإجتماعية التي حرم منها العراق، والأسوء من كل ذلك انها اشاعت ورسخت ثقافة المافيا ونهب المال العام التي اصبحت نهجا دائما يصعب مواجهته.(9)

ان واحدة من اسؤ نتائج هذه الحالة هي وقوع العراق في شباك “ريع الازمات”، وهي الحالة التي تنشأ من سعي الجماعات المتصارعة على السلطة في اي بلد الى وضع يدها على الموارد الطبيعية في مناطق الصراعات، كحقول النفط مثلا، بغية الحصول على ريعها وحرمان الأطراف الاخرى منها.وفي حين تؤدي هذه الظاهرة بالجماعات المتصارعة الى السعي لتحقيق نوع من توازن الهيمنة على الموارد فانها تضع البلد برمته في حالة من السيولة طابعها العام عدم الإستقرار وإستمرار الأزمة، من دون إنهيار للدولة، لقاء إستمرار المتصارعين بالحصول على الموارد مما ينتج عنه على المدى الطويل تفكك تدريجي لبنى الدولة وتشظيها.(10)

ومن نتائج هذه الظاهرة ايضا ان تنظيم داعش الإرهابي تمكن خلال فترة سيطرته على أراضي شاسعة بعد إحتلال الموصل صيف عام 2014 من التحكم بحقول نفطية كبيرة في تلك المناطق والبدء بإستغلالها وبيع النفط من خلال شبكات التهريب كان بعضها يرتبط بجماعات عراقية سياسية ومسلحة متورطة بسرقة النفط وتهريبه كما ترتبط بشبكات تهريب دولية، البعض منها يدار من قبل اجهزة استخبارية او عوائل سياسية في دول الجوار.حقا ان التنظيم الإرهابي تمكن من الحصول على مئات الملايين من الدولارات، الا ان غالبية العوائد كانت تذهب الى جيوب القائمين على إدارة هذه الشبكات العنكبويتة وتسهيل عملها.(11)

واذا كانت موارد الثروة النفطية هي الكنز الأكبر الذي ضمته مغارة “علي بابا” منذ ان تمكنت الجماعات الحاكمة من وضع يدها عليه فان طمعها وجشعها اللامحدودان قد فتحا شهيتها للإستحواذ على مصادر اخرى من الثروات الوطنية والموارد الحكومية.وجاءت المقاولات والعقود الحكومية على رأس هذه الموارد التي وضعت زمر الحكم بعد الغزو يدها عليها بمختلف الطرق والوسائل بحيث انها اصبحت في نهاية المطاف الجهات الوحيدة التي يمكنها الحصول على العقود الخاصة بهذه الصفقات عبر شبكة من رجال الاعمال والمقاولين الذي يرتبطون بها، او من خلال الحصول على عمولات مجزية من الشركات والمقاولين لكي يتم ترسية العقود عليها.

فوفقا لميزانيات الدولة للأعوام التي تلت الغزو فان مليارات من الدولارات تم صرفها على المشتريات الحكومية المختلفة من مواد غذائية يتم توزيعها ضمن نظام التموين، او الأدوية والمواد الصحية التي تستوردها وزارة الصحة، اضافة الى العقود الخاصة بالأسلحة، والخدمات العامة، وغيرها وكذلك المقاولات التي تمنحها الأجهزة الحكومية للشركات لاغراض المشاريع المختلفة.ان معظم، ان لم يكن كل تلك المليارات ذهبت الى جيوب قادة الإحزاب والجماعات الحاكمة ومسؤوليها، مما ادى بالتالي الى نشؤ إحتكار سياسي-مالي هيمن على معظم القطاعات الاقتصادية الأساسية، كشركات المقاولات والشركات التجارية والبنوك.

ما اكدته هذه الهجمة الشرسة على الموارد العامة من قبل جماعات السلطة والنظام الزبائني الذي اقامته خلال اكثر من عقد هو ان الفساد في مجالات العقود والمشتريات والمقاولات الحكومية لا يتعلق فقط بالمليارات من الدولارات التي تم سرقتها، بل وايضا بانعدام كفاءة ورداءة الخدمة المقدمة التي لا يقتصر تأثيرها على تدهور الخدمات في قطاعات الكهرباء والماء والصحة والتعليم وغيرها، بل الى نتائج بالغة الخطورة قد تؤدي في بعض الأحيان الى سقوط ضحايا بشرية نتيجة إنهيار مباني بنيت بمواد غير صالحة، او شراء أجهزة ومعدات مغشوشة، او أغذية او ادوية منتهية الصلاحية.(12)

وفي خطوة سعت فيها قيادات هذه الأحزاب والجماعات الى تشديد قبضتها على موارد الدولة قامت بتشكيل ما سمته  باللجان الإقتصادية داخلها كي تنظم عمليات سرقة، ونهب موارد الدولة، وإدارة توزيعها بين قياداتها واعضائها المتورطين وتنسيق الأدوار وتوزيع المكاسب بين الجماعات ذاتها حسب الوزارات، او القطاعات الحكومية التي هيمنت عليها.وخلال كل هذه السنوات ظلت هذه الهيئات مصدر شكوى وتذمر من قبل كل المعنين من المتضررين من عملها ومن قبل الرأي العام الذي كان يرى فيها مصدرا أساسيا للفساد الذي يعاني من تبعاته.وفي اقرار علني عن عمل هذه الهيئات بطرق لاقانونية والتفافية وصفها رئيس “هيئة النزاهة” حسن الياسري امام جلسة برلمانية بانها “اشباح تعمل بالخفاء” في الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة، مطالبا الحكومة بالكشف عنها وايقفها.(13)

واستنادا لتقارير سنوية عددية لـ”منظمة الشفافية الدولية” فان هذه الهيئات المرتبطة مباشرة برؤساء الاحزاب والقادة السياسيين تمارس اساليب فرض الآتوات وأخذ الرشاوي والإبتزاز بطرق مختلفة بكل ما يتعلق بمنح المقاولات وارساء العطاءات مما يجبر المستثمرين العراقيين والإجانب اما على قبولهم كشركاء معها، او دفع مبالغ وافرة كرشاوي من اجل الحصول على العقود.وتشير تلك التقارير الى ان نسب عالية من مبالغ العقود تدفع غالبا كمقدمة قبل الحصول على العقود لضمان ان تكون من نصيبهم.(14)

واستنادا الى منظمة الملاحقة العالمية “تريس انترناشنال” التي ترصد لصالح الشركات الدولية مستويات دفع الرشاوي في العالم فان العراق كان عام 2017 من ضمن الدول العشرين التي تتبؤ موقعا متقدما في مؤشرها العالمي للرشاوي الى جانب دول مثل الصومال وفنزويلا واليمن وليبيا.(15)

ان اسؤ ما جاءت به الهجمة المنظمة لنهب النفط واموال المقاولات والعقود هي انها ارست القاعدة التي احتذى بها بعد ذلك كل العاملين في الحقل السياسي العام وفي الجهاز الإداري في منح انفسهم حرية التصرف بكل موارد الدولة الاخرى ونهبها، دون خشية من حسيب او رقيب.ومنذ ذلك الحين، وبعد ان اصبحت حقول النفط وخطوط نقله ومشتريات الدولة ومناقصاتها ميادين مفتوحة للنهب من قبل الزمر المتسلطة، ترسخت المعادلة التي تتحكم في إدارة الدولة في العراق، وهي متلازمة السلطة والثروة.وكانت نتيجة سيادة تلك الثنائية في إدارة الدولة وتوجيه المجتمع ان ترسخت ممارسات نهب المال العام ليس فقط كثقافة مهيمنة، وانما ايضا كنمط انتاجي.

فبعد سرقة النفط وإحتكار قطاع المقاولات كان هناك بقرة حلوب اخرى تدر من سرقة ونهب المال العام ذهبا ودولارات، وهي اراضي الدولة واملاكها، التي توجهوا اليها لحلبها والظفر بالمال الوفير كما ظفروا بالسلطة والولاية.تحفل التقارير الإخبارية والتسريبات والمناقشات الجارية على شبكات التواصل الإجتماعي بمعلومات مهولة عن الأحزاب والقيادات السياسية التي شاركت بعمليات النهب المنظمة لعقارات الدولة التي شملت القصور الرئاسية لصدام وقصور افراد عائلته وقيادات “حزب البعث” وابنية وبيوت وشقق كانت لمسؤولين بعثيين وابنية تابعة للدولة وغير ذلك من العقارات والأراضي تم بيعها لسكانيها من المسؤولين الجدد الذين استولوا عليها باسعار صورية.غير ان من الصعب تماما حصر اعداد هذه العقارات وقطع الأراضي المنهوبة وتحديد قيمتها المالية بشكل دقيق وكامل بسبب عدم قيام الحكومات المتعاقبة باحصاء وجرد وتسجيل هذه الإنتهاكات التي ظلت مستمرة طيلة هذه الفترة.غير ان توفير الفرصة للباحثيين والمحققين للإطلاع على وثائق “الأمانة العامة لمجلس الوزراء” و”دائرة عقارات الدولة” و”هيئة نزاعات الملكية العقارية” سيكشف للعراقيين  الكنوز الثمينة التي سرقها هؤلاء.(16)

وكما حصل دائما في “دولة علي بابا” فالطمع والرغبة الجامحة بالاستيلاء على الأموال العامة لدى الكبار الذين في السلطة انتقل الى الآخرين من كوادر الجماعات السياسية والمليشيات والى ازلامهم واعوانهم الذين بادروا بالإستيلاء على عقارات واراض مملوكة لمواطنين اضطرتهم الظروف الأمنية لمغادرة البلاد وترك بيوتهم اما فارغة، او مؤمنة، لدى آخرين.وخلال هذه السنوات تم تسجيل عشرات اللآلاف من عقارات الغائبين، وخاصة المسيحيين، بشكل غير قانوني في دوائر التسجيل العقاري في اكبر عملية فساد شهدتها هذه الدوائر في تاريخ العراق الحديث.(17)

ما ادت اليه هذه الظاهرة البشعة هو ان المواطن العراقي فقد الثقة تماما في هذه الدوائر وغيرها التي أأتمنها على ثرواته، والتي من واجبها توثيق العقود والإتفاقيات، كما اشاعت مناخا من الخوف لدى كل المالكين من ان تكون املاكهم معرضة للسرقة والاستحواذ، وقيام السراق ببيعها، او تسجيلها، دون علم منهم، وبذلك اصبح العراق غابة من الوحوش الضواري التي لا يأتمن فيها الانسان احدا على مسكنه، ومستقبل اسرته، وحياته.

ومن ابشع ما انتجته سياسات نهب وإنتهاك أراضي الدولة التي وصلت الى ظاهرة اجتاحت المدن العراقية كافة هي إتساع حجم المناطق العشوائية التي سادت بشكل تجاوز كل صورة يمكن تخيلها حتى في ظروف فوضى مشابهة في بلدان اخرى.ففي اول زيارة لي لبغداد بعد عام من الغزو شاهدت بأم عيني بيوتا متواضعة قد اقيمت على حرم الطرق والشوارع الرئيسية العريضة في مناطق “قناة الجيش” و”البنوك” و”حي آور” امام المنازل الأصلية، وبشكل قبيح يتعارض مع التخطيط العمراني لتلك الأحياء.حين استفسرت عن كيفية حصول ذلك فوجئت بان المتجاوزين قد حصلوا على مباركة من شيخ المسجد او الحسينية التي في المنطقة دون حاجة لإجازة، او رخصة بناء رسمية.ومن البديهي ان البناء العشوائي على اراضي الدولة كان يهدف الى خلق أمر واقع يمهد لوضع اليد والإستيلاء على تلك المساحات بهدف تحويلها لاحقا الى ملكيات خاصة حسب قوانين او اعراف الحيازة بالتقادم، بالرغم من ان تلك الأراضي تبقى من أموال الدولة المخصصة للمنافع العامة التي لا تتوفر الشروط القانونية او الشرعية للتصرف بها كملكية خاصة.ومع ذلك فقد بلغت اعداد الأحياء العشوائية في عام 2016 نحو 4000 حي، عدا إقليم كردستان، تضم حوالي 522.000 مسكنا عشوائيا يأوي نحو ثلاثة ملايين و300 الف نسمة ويشكلون حوالي 13 بالمائة من مجموع سكان العراق. (18)

من الوسائل الاخرى التي شرعتها سلطة “دولة علي بابا” لنهب الدولارات المتأتية من موارد النفط هي نظام مزاد العملة الذي بموجبه يقوم “البنك المركزي العراقي” ببيع الدولارات الى المصارف وشركات الصرافة بطريقة العرض بالمزاد وهي وسيلة كان هدفها المعلن من سلطات الإحتلال هو توفير العملة الصعبة لأغراض الإستيراد للقطاع الخاص، وللسياحة الخارجية، ولتلبية حاجات ضرورية اخرى.ووفقا لشهادة احد أبرز رموز المرحلة ووزير المالية في اول حكومة بعد الغزو “احمد الجلبي” فان مزادات العملة كانت تستنزف نسبة كبيرة من الإحتياطي النقدي العراقي حتى انها بلغت عام 2015 اكثر من مائة بالمئة مما دخل البنك المركزي من دولارات من بيع النفط ذلك العام.(19).

وخلال عقد ونصف ظلت هذه الدولارات تذهب الى بنوك وشركات صيرفة يمتلك معظمها اعضاء الطبقة السياسية الطفيلية، او حلفاؤهم وشركاؤهم، ممن هيمنوا على مفاصل الإقتصاد وقطاع المال.ولم يقتصر الأمر على شفط المليارات والتحكم بسوق العملة الصعبة، بل وايضا استخدام القنوات التي وفرتها هذه البنوك في عمليات تهريب وتبيض الأموال.وتوفر المعلومات المتداولة اعلاميا عن “مصرف الهدى” وهي احدى المؤسسات التي اتهمت بالضلوع في مثل هذه العمليات مثالا واحدا فقط عن العلاقة الاجرامية التي ربطت بين احزاب السلطة ومسؤولي البنك المركزي واصحاب المصارف الخاصة والتي الحقت اضرارا هائلة بالاقتصاد العراقي وخاصة اسعار صرف العملة الإجنبية وتأثرات ذلك على دخول المواطنين ومستواهم المعاشي الذي ظل يتدنى بإستمرار.(20)

ولم تكتف عصابات الحكم بما سلبته من اموال متأتية من موارد الدولة خلال سنوات هيمنتها على السلطة بل حاولت بشتى الطرق ان تستنزف الموارد المستقبيلة التي هي من نصيب الأجيال العراقية القادمة.ففي خلال ولايته الثانية اصر “نوري المالكي” على تمرير تشريع ما اسماه “قانون الدفع الآجل”، وهو تشريع كان سيسمح بالإتفاق مع جهات إستثمارية أجنبية ومحلية على القيام ببناء مشاريع بطريقة الدفع الآجل، اي ان تتحمل الخزينة العامة الدفع مستقبلا، في حين تذهب تلك المشاريع الى اصحاب السلطة والثروة من نفس الطبقة الحاكمة وحلفائها وزبانيتها.(21)

وفي حين فشل امرار مشروع ذلك القانون نظرا للصراعات التي فجرها داخل البرلمان بين القوى التي اختلفت حول حصصها المتوقعة من برامج الإستثمارات، فان محاولات عديدة جرت بعد ذلك كانت ايضا ترمي الى رهن الموارد المستقبلية للعراق بمشاريع يجري تمويلها من المال العام تذهب الى جيوب الطبقة المتنفذة ومنها المشروع الذي طرحه المستشار الاقتصادي للحكومة “مظهر محمد صالح” والذي يقترح فيه ان يقوم البنك المركزي بإقراض خمسة ترليونات دينار الى مستثمرين لتنشيط الإستثمار في وقت كان البنك المركزي قد استنزف معظم رصيده من الاحتياطي النقدي بسبب العجز في الموازنة والفساد وحين كانت الخزينة على شفى الإفلاس.(22)

خلال السنوات الأولى لتولي الأحزاب والجماعات الاسلامية السلطة كان التركيز في مسعى الحصول على الأموال من خلال المصادر المباشرة التي تمت الإشارة اليها، وخاصة النفط، والمقاولات، والأراضي، والعقارات.ولكن مع ازدياد عدد هذه الأحزاب وتفريخها لقيادات محلية وكوادر واعضاء واشتداد عضد الفروع المسلحة، او المليشيات، التابعة لها والمنافسة الشديدة على جني الأرباح والمكاسب، فقد اتسعت مصادر الحصول على الأموال كما تنوعت طرق الوصول اليها واحتلت الضرائب والكمارك مكانا مهما في الجبايات لدى إمبراطورية الفساد البازغة في العراق.

كانت سلطة الإحتلال بقيادة “بول بريمر” قد الغت، او علقت، الكثير من الضرائب والرسوم والكمارك المفروضة من قبل الحكومات المتعاقبة في العراق  في إطار ما اسمته بسياسات الإصلاح والإنفتاح على الأسواق العالمية وجذب الإستثمارات.ووفقا لقرار سلطة الائتلاف رقم 37 الصادر في 16 نيسان (ابريل) 2003 فقد تم ايقاف العمل بجباية الضرائب على الدخل والضرائب العقارية وضرائب عديدة اخرى حتى نهاية العام. اما القرار 49 فقد سمح بتخفيض الضرائب على الشركات من 40 بالمائة الى 15 بالمائة في حين ان الشركات العاملة مع السلطة تم اعفاءها نهائيا من اية ضراب.(23)

عمليا، ظلت عمليات تحصيل وجباية الضرائب والكمارك متوقفة لفترة طويلة، الا ان الأزمات المالية التي عصفت بالحكومة بسبب تدهور اسعار النفط، وزيادة أعباء القوات الأمنية في حربها ضد الإرهاب، وتفشي الفساد اضطرت الحكومة الى اعادة العمل بفرض الضرائب والرسوم الكمركية بهدف تحقيق موارد اضافية للميزانية التي اصحبت تعاني من العجز الشديد بعد الهبوط الكبير باسعار النفط عام 2014 وزيادة تكاليف العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب.ونتيجة للسياسة المالية الجديدة التي اصر عليها “صندوق النقد الدولي” كجزء من برنامجه دعمه والتي تقوم على خفض الإنفاق الاداري والاستثماري، واجراءات التقشف الاخرى، فقد حققت الخزينة ايرادات بلغت اكثر من ترليونين دينار، او نحو ملياريين دولار امريكي عام 2016، وهو ما اعتبر على الرغم من تواضعه، المصدر الثاني للايرادات بعد النفط.(24)

تفصح مسألة الضرائب ليس فقط عن الإعتماد المفرط لزمر الحكم الجديدة على الموارد الريعية، بل ايضا عن مساهمتها في خلق المزيد من التشوهات في الإقتصاد العراقي وفي قطاعاته المالية.فبعد نحو 14 عاما من وصول هذه الجماعات الى السلطة فانها لم تعجز فقط عن تطوير نظام ضريبي يخدم العملية التنموية متجاوزا الإقتصاد الريعي الذي ترتكن اليه ويتعدى بحصيلته التي لم تمثل عام 2015 سوى 1 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي، بل انها ساعدت بالممارسات التي لجأت اليها الى تحويل هذه النظام الضريبي الى عبء على المواطن وعلى الإقتصاد برمته.وفي تقرير بالغ الاهمية كشف خبراء ان معظم المبالغ التي تم جبايتها والتي اشير اليها سلفا جاءت اما من ضرائب مفروضة على شركات النفط، او شركات التلفون المحمول، ولم تأتي من نشاط صناعي، او زراعي، او خدمي منتج.اما بقية الضرائب فراحت ضحية اهمال الجماعات الحاكمة بالعناية بهذا المورد حتى ان المستشار الاقتصادي للحكومة “مظهر محد صالح” اقر بان الدولة لا تمتلك قاعدة بيانات بالأفراد والهيئات المشمولة بالضرائب.وبطبيعة الحال فان ذلك يعني ان ليس لديها اية معلومات عن الجهات الممتنعة، او المتلكئة، ولا اية بيانات بشأن نشاطاتهم الخاضعة للضريبة كي تستطيع كشفهم ومحاسبتهم. (25)

ما تبقى من نشاطات يشملها النظام الضريبي كضريبة الدخل على الشركات والأفراد والضرائب العقارية وضرائب ورسوم البلديات فقد دخلت دائرة الفساد من اوسع ابوابه بعد خضعت لآليات إدارة الحكم في “دولة علي بابا” من محاصصة وسؤ إدارة، وإنعدام كفاءة، وتسيب، وتوزيع أدوار وانعدام المحاسبة والرقابة والشفافية.ان محصلة كل ذلك هي تحول دوائر الضريبة الى مرتع للتلاعب والرشاوي والإختلاس والتزوير في حين غابت القوانين وإحترام المال العام والانصاف، وحل محل ذلك الجشع والابتزاز والعشوائية والمزاجية والتحكم الذي تمتاز به اي ادارة بيروقراطية.(26)

ان التقارير المختلفة الصادرة من لجان النزاهة والمالية في البرلمان وجهات رقابية اخرى في هذه الفترة ظلت تشير الى ان الفساد المستشري في أجهزة تحصيل الضرائب ادى الى هدر الكثير من الأموال، حيث اصبح التلاعب والتهرب والحصول على الرشاوي من سمات العمل في هذه المكاتب بسبب ضعف الاجراءات الادارية والرقابية المتبعة.وبدلا من تصبح الضرائب مصدرا من مصادر تمويل الخزينة العامة واغناء موارد الدولة فقد تحولت الى مصدر اثراء للمتسلطين على دوائر الضرائب وللأحزاب والجماعات السياسية التي جاءت بهم الى مكاتبهم.

وتمثل شركات التليفون المحمول احدى ابرز الامثلة على حالات التهرب الضريبي خلال تلك الفترة والتي ادت الى خسائر فادحة بسبب الامتناع عن الدفع لسنوات طويلة والنزاعات القانونية التي اضطرت هيئة الضرائب الى خوضها في النهاية بعد انتشار اخبار الفضائح المتعلقة بها.ومع ذلك وبالرغم من ان شركات المحمول تمثل اكبر المؤسسات التجارية الربحية في العراق والتي بلغت مكاسبها بلايين الدولارات فانها لم تدفع الا مبالغ ضئيلة لم يتم الكشف عنها بشكل رسمي وعلني وشفاف مما افقد الخزانة العراقية  حصيلة مهمة من الضرائب.(27)

ونتجية لكل ذلك، فان من ظل يدفع فاتورة الفساد في دوائر الضرائب هم المواطنون العراقيون العاديون الذين تجبرهم السلطة الغاشمة التي بيد الزمر الحاكمة واعوانها على دفع الرشاوي والآتوات بغية قضاء اعمالهم وانجاز معاملاتهم في هذه الدوائر في حين ظلت الطبقة السياسية الحاكمة وحلفاؤها من الطبقات الطفيلية المنتفعة في منأى عن دفع الضرائب والرسوم.

وتمثل حالة الكمارك جانبا آخر من قصة الفساد الأليمة في الجهاز الحكومي وفي حكاية ضياع واستنزاف موارد الدولة المالية من قبل عصابات الحكم المتصارعة.فكما حصل الامر في دوائر الضرائب تحولت “الهيئة العامة للكمارك والمنافذ الحدودية” العراقية الى اوكار للفساد ضيعت اداراتها بلايين الدولارات على خزينة الدولة والتي راحت الى جيوب المديرين والموظفين والى خزائن الاحزاب والجماعات السياسية التي عينتهم في تلك الاماكن.(28)

 

تبدأ قضية الفساد في الكمارك من كردستان وقبل سنين من الغزو حيث هيمنت الأحزاب الكردية على المنطقة اثر انسحاب الإدارة العراقية في ظل نظام صدام عام 1991 وسيطرتها على المعابر التي تربط العراق في حدوده الشمالية مع كل من تركيا وايران.غير ان هذه المعابر ووارداتها ظلت تحت سيطرة الأحزاب الكردية بعد الاحتلال وايضا في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة على الرغم من ان الدستور الذي نص على ان “رسم السياسة الكمركية” هي من سلطات الحكومة الاتحادية وانها تقوم بادارة هذه الكمارك بالتنسيق مع الحكومات المحلية.(29)

ما حصل عل ارض الواقع هو ان هذه المعابر الحدودية ظلت تحت سيطرة الأحزاب الكردية طيلة الفترة اللاحقة والتي انفردت بالحصول على مواردها والتي تبلغ مليارات الدولارات دون اية رقابة، او اشراف، من قبل حكومة بغداد الأمر الذي شجع الأطراف السياسية والمليشيات التي تهيمن على المناطق والمحاظات الجنوبية والوسطى الى اللجؤ الى السيطرة على المعابر الحدودية والموانئ والمطارات في مناطقها لضمها الى امبراطوريتها المالية المتنامية عبر هيمنة اعوانها عليها.

ما نتج عن هذه الهيمنة هو ان الفساد في الكمارك والرشاوي في إدارة المعابر اصبح ظاهرة مفزعة، ليس فقط من ناحية نهب الموارد المالية التي تجبيها، وانما من النواحي الأمنية والصحية والبيئية التي اضحت عرضة لتأثيرات الفساد.فالفساد هنا لا يعني ضياع أموال الكمارك في بلد يستورد كل احتياجاته من الخارج، وانما ايضا عبور الممنوعات كالمخدرات، وغيرها، وادخال مواد وسلع لا تتطابق مواصفاتها مع المعايير المطلوبة، او مواد ممنوعة او مضرة بالبيئة وبصحة الانسان.(30)

مرات عديدة اشتكى اعضاء البرلمان من الحالة المزرية في دوائر الكمارك نتيجة الفساد “غير الطبيعيّ”  المستشري بين منتسبيها اضافة الى انعدام الإدارة السليمة والتنظيم والكفاءة والشفافية في عملهم حتى ان من بين الأوصاف التي طالت الفاسدين في الكمارك هي انها اصبحت مافيات اشد خطرا من الإرهاب.(31)

في احد التقارير الصحفية الموثقة عن الفساد في قطاع الكمارك نقل موقع “المونتر” عن تاجر للمواد الغذائية في بغداد يدعى “علاء مطر” قوله ان المسؤولين عن المنافذ الحدودية والكمارك يعرقلون إنجاز المعاملات لمدة قد تصل إلى شهر لكن هذه المدة قد تختصر الى ايام اذا ما قام المستوردون بالإتفاق مع وسطاء يتعاملون مع دوائر الكمارك.واضاف مطر ان تكلفة هذه الوساطة عادة هي بحدود مبلغ مليون دينار (766 دولارا) عن كل معاملة.واورد مطر امثلة اخرى عن الفساد من بينها قيام الموظفين بتغير صنف البضاعة كي يتم تخفيض مبلغ الضريبة الكمركية مقابل رشى باهظة.اما عضو البرلمان “هيثم الجبوري” الذي قاد حملة على الفساد في الكمارك فقد ذكر في احد تصريحاته ان الخزينة تفقد نحو 10-12 مليار دولار سنويا بسبب الفساد في هذه الدوائر.(32)

وفي بدعة لا يجدها المرء مثيل لها الا في الدول المنهارة التي تتحكم بها المليشيات والعصابات المسلحة فقد انتشرت على طول الأراضي العراقية وعرضها ظاهرة السيطرات المقامة على الطرق الخارجية التي تفرض آتوات على سيارات النقل المحملة بالبضائع والقادمة من المنافذ الحدودية المختلفة.وبناء على شهادات لا حصر لها نشرتها وسائل الاعلام العراقية وتناولتها شبكات التواصل فان سيطرات وضعت في مداخل بغداد كانت تتقاضى مبالغ  تصل الى ألف دولار او اكثر عن كل شاحنة، أو حاوية، تدخل من خلالها الى العاصمة.(33)

اضافة الى استنزاف ونهب المال العام فان نتائج كل هذا الفساد في الكمارك كانت تحميل المستهلك قيمة الآتوات والرشى المدفوعة مما يؤدي الى رفع الأسعار وزيادة التضخم واثقال كاهل المواطن البسيط بالمزيد من الأعباء الحياتية اضافة الى امكانية عبور مواد فاسدة، او منتهية الصلاحية، او غير مطابقة للمواصفات الصحية او الاستهلاكية، وهي الظاهرة التي ظلت تجتاح السوق العراقية خلال كل هذه السنوات والتي كانت لها نتائج كارثية على صحة الانسان العراقي وبيئته.

 

وتمثل حزمة القوانين والإجراءات التي اتخذتها الجماعات الحاكمة منذ تسلمها للسلطة بحجة مكافئة انصارها احدى اهم ابواب الفساد التي فتحت على مصراعيها والتي تم من خلالها نهب اموال وثروات العراق اما من خلال سياسات التوظيف العشوائي او صرف الرواتب التقاعدية تحت ذرائع ما سمي بالخدمة الجهادية والتعويضات عن معانات الماضي والتي كانت اكثرها ارتباطا بمفهومي المظلومية ووراثة دولة صدام اللذين شكلت احدى ابرز قنوات الفساد في نظام الحكم الجديد.

في 6 آب 2017 اعلن مكتب “حيدر العبادي” ان مجموع من يتلقون رواتب من الدولة بلغ نحو 7 مليون شخص، اي ما يعادل ربع سكان العراق تقريبا والبالغ عددهم عام 2016 وفق تقديرات وزارة التخطيط نحو 37 مليون نسمة في حين تصل المبالغ التي يتقاضونها الى حوالي أربعة تريليونات دينار شهريا ( حوالي 3.5 مليار دولار شهريا).ولان اعلانات وتصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة التخطيط كانت قد ذكرت ان عدد موظفي الدولة بلغ عام 2016 نحو ستة ملايين موظف فمن غير الواضح ان كانت الأعداد التي ذكرها مكتب العبادي تشمل عدد المتقاعدين الذي بلغ نحو 2.300.000 متقاعدا من مختلف الفئات في حين لا يعرف على وجه التحديد عدد من هو مسجل في سجلات شبكة الحماية الإجتماعية التي اصبحت بحد ذاتها احدى ابرز قنوات الفساد وسرقة المال العام.(34)

كان عدد الموظفين في الدولة في عهد النظام السابق بموجب ارقام نشرتها سلطة الإحتلال بعد قيامها باعادة تنظيم الجهاز الإداري قد وصل الى حوالي مليون موظف مدني، بينما بلغ عدد المتقاعدين بحدود 600.000 متقاعد.اما كيف وصل عدد الذين يستلمون الرواتب الشهرية من خزينة الدولة الى نحو ربع عدد السكان، اعداد كبيرة منهم دون وجه حق، فهو نتيجة الإستخفاف بموارد الدولة وسؤ الإدارة اللذان هما بالتأكيد الوجه الآخر للفساد.كما كان متوقعا فقد ادى حل الجيش والمؤسسات الامنية وبعض الوزارات التي كانت قائمة في عهد صدام وكذلك سياسات اجتثاث البعث الى تسريح نحو نصف مليون عراقي من الذين كانوا يعتمدون في حياتهم المعاشية على مرتباتهم الحكومية.مقابل ذلك تمت اكبر حركة تعينات في الجهاز الحكومي والقوات الامنية في تاريخ العراق حيث وظف الملايين في تعينات تحكمت بها الأحزاب التي جاء بها الإحتلال الى السلطة على اساس الولاءات التي اظهرها لها طالبوا الوظائف بطريقة شبيهة بالتي كان يتبعها نظام صدام من خلال اجبار الناس على الإنظمام لحزبه مقابل الحصول على وظيفة.(35)

وفي ترسيخ لنهج اللصوصية والنهم والتوحش في نهب المال العام شرع الحكام الجدد لإنفسهم قوانين للرواتب والحوافز بشكل فاق كل تصور، او حدود للخيال.ففي الوقت الذي خصصت فيه مبالغ باهظة من موازنة الحرب لأعضاء “مجلس الحكم الإنتقالي”، وهو اول هيئة عراقية يشكلها الإحتلال الأمريكي لإعانته بإدارة الدولة، دون اية ضوابط او سجلات موثقة، فان “الجمعية الوطنية” التي تم تشكيلها في مابعد اقرت رواتب خيالية لأعضائها واعضاء الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها لإدارة الفترة الإنتقالية.فمثلا تم تحديد راتب شهري لأول رئيس جمهورية مؤقت، وهو “غازي عجيل الياور” بـ 100 مليون دينار في حين حدد مبلغ 70 مليون دينار كراتب شهري لرئيس “الجمعية الوطني” “حاجم الحسني”.وقياسا على هذا السلم من الرواتب فقد منح “جلال الطالباني” وهو اول رئيس منتخب مبلغ 85 مليون دينار كراتب شهري خلال المدتين اللتين قضاهما، اي ثماني سنوات، هذا طبعا غير المخصصات والإمتيازات الاخرى.(36)

وفي ذروة الإحتجاحات التي جرت ضد الفساد اضطرت حكومة العبادي في ايلول (سبتمبر) 2015 ان تصدر قرارا بتخفيض الرواتب التي يتسلمها اصحاب المناصب العليا من رئيس الجمهورية حتى وكلاء الوزرات والمستشارين وحددت لهم رواتب تقل قليلا عما كانوا يتقاضونه كما قنن القرار الرواتب والرواتب التقاعدية لأعضاء البرلمان.ومع ان الجهات المعنية لم تلتزم بتلك القرارات بشكل حرفي، او تم الإلتفاف عليها، بطرق اخرى فان مجلس النواب عاد في شهر تموز(يوليو) 2017 ليصدر قرارا بإعادة العمل بالرواتب السابقة معتبرا ان اي قرار يصدر عن المجلس هو بمثابة قانون يعلو على اي قرار يصدره مجلس الوزراء وهو انتهاك سافر للدستور وللصلاحيات المنوطة بالمجلس من ناحية، اضافة لكونه تحد وقح للارادة الشعبية المعارضة للرواتب الخيالية والتي عبرت عنها حركات الإحتجاج، من ناحية ثانية.(37)

ومن ابرز الوسائل التي ابتكرتها الجماعات المتسلطة على الحكم في هذا المجال هي اللجؤ الى توزيع الهبات الباذخة على شكل رواتب وامتيازات واراضي على انصارها، او بهدف إستمالة وكسب قطاعات من المجتمع الشيعي بالذات.فبعد إستلامهم للسلطة شرعت الأحزاب بإصدار قوانين شكلت بموجبها مؤسسات كان ظاهرها هو معالجة مظالم النظام السابق وتعويض ضحاياه، الا ان الوقائع التي سجلت في مابعد أكدت ان هيئات مثل “مؤسسة السجناء السياسيين” و”مؤسسة الشهداء” اصبحتا من الواجهات التي تستخدمها الجماعات الحاكمة لنهب المزيد من الأموال العامة، ولتوزيع الهبات على انصارها دون اي وجه حق.

وتؤكد وثائق وشهادات وبيانات لاحصر لها ان عشرات الآلاف من الأشخاص والعوائل قد تمكنت من الحصول على رواتب تقاعدية عالية من هاتين المؤسستين بمجرد تقديمهم اوراقا تصدرها احزاب السلطة تدعي فيها مشاركة المعنيين في مادرجت على تسميته الاحزاب بالعمل الجهادي ضد النظام السابق.وبالرغم من ان مبدأ تعويض الضحايا، او جبر الضرر من ممارسات الأنظمة القمعية مقبول في اطار القانون الإنساني وكجزء من عملية المصالحة الوطنية، الا ان القوانين التي شرعتها الجماعات الحاكمة فصلت تفصيلا  لكي تشمل انصارها فقط دون الآخرين من العراقيين الذين شاركوا في معارضة ومقاومة نظام “صدام حسين”.فوفقا لقانون “مؤسسة السجناء السياسيين” فان بإمكان اي “مجاهد” من احزابهم قد قضى معظم سنين حياته في الخارج، واعتقل، او احتجز هناك لسبب ما سيحصل على راتب تقاعدي كبير، اضافة الى راتبه ان كان موظفا، لو كان قد قضى فترة قد تكون اقل من شهرين في السجن او الحجز، في حين ان معارضا آخر لصدام تم اعدامه بسبب معارضته لنظامه لن تتقاضى اسرته اي راتب تقاعدي اذا كان المعدوم منتسبا لبعض اجهزة النظام القديم وقت اعدامه، وهي حجة استخدمت ايضا بمعايير إزدواجية من قبل اهل الحكم.(38)

وفي خطوة اثارت الكثير من الإنتقادات تم اضافت شريحة جديدة من المنتفعين بالمال العام بنفس اسلوب شفط ما يمكن شفطه من أموال الدولة قبل ان يتم تركها تغرق في لجج الفساد والإرهاب وسؤ الإدارة.فقد عدلت الاحزاب الحاكمة عام 2013 قانون “مؤسسة السجناء السياسيين” لكي يشمل من يدعون باللاجئين العراقيين في “معسكر رفحة” السعودي.وتعود حكاية هذه الفئة الى عام 1991 حيث هرب اعداد من العراقيين بعد قمع نظام صدام للإنتفاضة الشعبية الى جبهة جيوش الحلفاء في حرب تحرير الكويت مما ادى الى نقلهم الى معسكرات في منطقة “رفحة” السعودية.وفي السنوات اللاحقة تم نقل معظم هؤلاء وتوطينهم في الولايات المتحدة والبلدان الغربية الاخرى في حين ان اعدادا كبيرة منهم عادت الى العراق بعد اصدار عفو من قبل نظام صدام وعاشت حياة طبيعية في عهده.لكن وفقا لهذا القانون فقد تم اعتبار الآلاف ممن ادعى انهم كانوا في رفحة من السجناء السياسيين وشملوا بالإمتيازات والرواتب الخيالية مع ان اغلبهم كانوا لا يزالون يعيشون في امريكا والغرب، ولا يفكرون ابدا بالعودة للعراق، ولكنهم يرحبون بالأموال التي تأتيهم دون ان يكونوا قد جدوا في تحصليها من خلال اي عمل او وظيفة.

وفي خضم الجدل حول القانون الذي اعتبره كثيرون مجحفا ومجرد اداة لسرقة أموال الدولة اتضح وفقا لتصريحات “محمد شياع” رئيس “مؤسسة السجناء السياسيين” وكالة حينها ان هناك 19 الف شخص زوروا اوراقا وادعوا انهم من معتقلي رفحة بهدف الحصول على تلك الرواتب.كما كشف شياع ان ليس لدى مؤسسة السجناء اية امكانية للتأكد من كون المتقدمين هم ممن كانوا في رفحة فعلا ام لا.(39)

وساهمت القوانين التي صدرت لتعويض المتضررين من قرارات نظام صدام بمصادرة الأملاك والعقارات من المعارضين ومن تم طردهم وتسفيرهم من العراق اثناء فترة حكم البعث ميدانا خصبا للفساد المالي.فعلى مدى سنين طويلة كسب اللآلاف من الأشخاص قضايا او طلبات قدموها الى هيئة دعاوي الملكية بهدف تعويضهم عن شتى الأضرار التي الحقت بممتلكاتهم تحت ذرائع تعرضهم للإضطهاد السياسي في عهد البعث وحصلوا بموجب ذلك على ملايين الدولارات كتعويض.ولم يكن غريبا ان المئات ممن كسبوا تلك الدعاوي وحصلوا على الأموال الطائلة كانوا من الزمر التي جاء بها الاحتلال من رؤساء الأحزاب والجماعات التي تم تنصيبها في كراسي الحكم في “دولة علي بابا”.(40)

وفي خطوة لتوسيع قاعدة “دولة علي بابا” الإجتماعية ومشاركة اكبر عدد ممن انظم الى مغارة لصوص هذه الدولة فقد تم توزع قطع اراضي وبيوت وشقق على عشرات الآلاف من الأعوان والمحاسيب بدون بدل او ببدل رمزي.ففي بغداد قامت المحافظة بمنح قطع اراضي في افضل الأماكن من احياء العاصمة الى قادة سياسيين ووزراء وسفراء ومدراء عامين وغيرهم من اصحاب المناصب كانت تبلغ اثماتها في بعض الأحيان مبالغ خيالية.ولم يقتصر كرم دولة اللصوص على ذلك فقد تم توزيع الآلاف من الشقق المملوكة للدولة على الأنصار والأزلام كان بعضهم قد حصل على عقارات، او قطع اراضي عديدة غيرها، ايضا.وفي الوقت الذي استطاع فيه هؤلاء تكديس ثروات طائلة فقد ادت المتاجرة بهذه الأراضي والعقارات الى ارتفاع هائل في الأسعار في سوق العقارات، والى تفاقم الأزمة السكنية وحرمان الملايين من العراقيين من السكن الملائم، بل حصولهم على اي نوع من السكن الأدمي، بدل اكواخ الصفيح والكارتون التي سكنوها.(41)

وكما هو متوقع فقد فتحت الهجمة على عقارات الدولة وارضيها شهية الجماعات السياسية على التمادي في اغتصاب عقارات المواطنين واملاكهم، فتم الإستيلاء على بيوت واملاك الغائبين والمهجرين وتحويلها الى مقرات وابنية سكنية لها، او تم المتاجرة بها وبيعها بصورة غير قانونية ومن خلال تزوير الأوراق ومستندات الملكية.وفي واحدة من التصريحات الرسمية النادرة كشف “سعد المطلبي” العضو في اللجنة الأمنية في محافظ بغداد بان جماعات مسلحة تابعة لجهات سياسية هي المسؤولة عن عمليات وضع اليد على املاك الناس وبيوتهم وان اي حل لتلك المشكلة يتطلب اتفاقا سياسيا بين الجماعات الحاكمة في ممارسة لصوصية سافرة تكشف الى مدى وصل الانحدار الاخلاقي بـ”دولة علي بابا”.(42)

وتشكل منظومة رواتب الرعاية الاجتماعية وجها آخر من اوجه الفساد الكبرى في عراق “دولة علي بابا” حيث فتحت “شبكة الحماية الاجتماعية” التي كان هدفها مساعدة العوائل المعوزة على مواجهة اعباء الحياة قنواتا اضافية للفساد ونهب المال نهل منها مئات الآلاف ممن حصولوا على تأشيرات مباركة من الجماعات الحاكمة.كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية  قد بدأت نهاية عام 2005 بتطبيق برنامج “شبكة الحماية الاجتماعية”، الذي يمنح إعانات مالية يتراوح مقدارها بين 50 إلى 150 ألف دينار شهرياً كاعانات لشرائح من الفقراء وذوي الحاجة في المجتمع، كالعجزة والأرامل والأيتام والمطلقات والعاطلين.لكن ما حصل بعد ان هذا البرنامج تم استغلاله ابشع إستغلال تمكن من خلاله الآلاف من الموظفين والمتقاعدين الذين يحصلون على رواتب مجزية، او حتى من العاملين في القطعات الحرة، من الحصول على هذه الإعانات وبشكل ثابت.وخلال فترة قصيرة تحولت الشبكة الى برنامج عشوائي يسمح لكل من يمتلك النفوذ والواسطات، او يدفع  الرشاوي لكي يحصل على راتب منتظم.كان منظر الآلاف من المستفيدين ممن يأتون لاستلام المعونة وهم ينزلون من سياراتهم الفارهة، او يرتدون اغلى الثياب، لكي يقفوا الى جوار الفقراء والمحتاجين مثيرا للتقزز والاشمئزاز لما وصلت اليه حالة السقوط الاخلاقي التي خلقتها دولة علي بابا.

في 29 اذار (مارس) 2015 اعلنت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان عن ارجاع مبلغ 15 مليار دينار للموازنة العراقية بعد كشف عدد كبير من الأسماء المتجاوزة على قانون “شبكة الحماية الاجتماعية”، فيما طالبت بقية الوزارات الاخرى بتزويدها بقاعدة بيانات حول منتسبيها لأجل مطابقتها مع بيانات “شبكة الحماية الاحتماعية”.ودعت اللجنة الى مقارنة قاعدة بيانات الشبكة مع  قاعدة بيانات دوائر المرور ودوائر الضريبة ومكاتب التسجيل العقاري من اجل الكشف عمن لا يستحق الإعانة الاجتماعية حقا.(43)

وبعد ذلك بثلاثة اشهر وفي 22 حزيران 2015 كشف وزير الشؤون الاجتماعية “محمد شياع السوداني” عن المزيد من المعلومات عن الاحتيال للحصول على اموال الشبكة من بينها ان عدد المتجاوزين بلغ نحو 22 ألف متجاوز لافتا الى ان المبالغ التي كانوا يتقاضونها دون مسوغ قانوني كانت بحدود 23 مليار دينار سنويا. (44)

وفتح هذا النوع من الفساد شهية العديد من غير العراقيين لكي يحاولوا ان يغرفوا من اموال العراق المستباحة وذلك من خلال الإنظمام الى اولئك الذين تمكنوا من الحصول على مغانم رواتب الرعاية الاجتماعية مثلما تمكنوا قبلها من الحصول على الرواتب التقاعدية تحت مسمى الخدمات الجهادية والمظلومية.كان كل ما يتطلبه الامر هو تزوير وثائق الجنسية العراقية وبعض الأوراق الاخرى والتقدم بها مع التزكية من الجماعات الحاكمة لكي تصرف لهم رواتب تبلغ اكثر من الف دولار شهريا لكل شخص.وفي ظل هذه الفوضى التي اججتها تشريعات واجراءات لتقنين رواتب لا تستند الى حقوق وظيفية او اجتماعية فقد جرت عمليات سرقة منظمة من خلال دس اعداد هائلة من اسماء متقاعدين وهمين لكي تحول باسمائهم ملايين الدولارات كرواتب تقاعدية دون اي وجه حق.بل ان نائبا مدانا بالفساد جرى تبرأته بصفقة مع المالكي وهو “مشعان الجبوري” تجرأ على الكشف ان هناك 23 الف “متقاعد فضائي” اي من الأسماء المسجلة لدى هيئة التقاعد والتي تستلم رواتبها التقاعدية البالغة مليار دولار سنويا لكنها غير موجودة فعلا على ارض الواقع، وهي عملية شيطانية لا اعتقد ان اي جهاز فاسد في اي دولة من دول العالم تجرأ على القيام بها.(45)

وفي حين تشكل كل الطرق السالفة وسائل لجأت اليها عصابات السلطة للاستيلاء على الثروة الوطنية، والأموال العامة، وتحويل جزء منها الى هبات ومكرمات ورشى لصناعة اتباع وانصار، فانها كانت الأدوات التي استكملت بها تلك الزمر تعميق الشرخ الوطني والعصبيات الطائفية بسبب توفيرها الفرص لإغتناء مجموعات وشرائح من مكون معين على حساب حرمان شرائح من مكونات اخرى.وبعبارة اكثر وضوحا فان معظم من تمكنت اياديهم من نهب الثروات والأموال العامة واكثر من استفاد من المزايا والهبات كالرواتب المجزية كانوا من الشيعة الذين اعتبروهم من المجاهدين ضد نظام صدام، في حين حرم السنة الذين اعتبروا من ازلامه ومؤيديه.بل ان ذلك الحرمان من الحقوق طال كل شيعي معارض لصدام رفض ان يلتحق بقطار “دولة علي بابا” وينظم الى دولتهم او يسبح بحمدهم.وبلا شك فان هذا الحرمان وعدم الإنصاف قد ولد جزءا من المرارات التي وقفت وراء اندلاع الإنتفاضة السنية والإرهاب الذي ساهم بتدمير العراق ووضعه على حافة الانهيار.

ولم تتوقف مافيات السلطة عن البحث عن اية مصادر من الأموال العامة التي يمكن ان تمتد اليها ايديها فذهبت الى خارج العراق تبحث عن الأموال العراقية التي نهبها صدام واسرته واعوانه.هناك مليارات الدولارات التي كانت قد حولت واودعت من قبل صدام ورجالات عهده في مصارف اجنبية، او في عهدة اشخاص في الخارج لم تتمكن الدولة العراقية من ارجاع اغلبها والتي اختفت بحكم تعاون مافيات ومؤسسات دولية.وحتى النزر اليسير الذي تم اعادته ذرا للرماد اختفى بدوره بعد سرقته من قبل جماعات السلطة التي تولت استلامه بطرق خارج اطار الدولة الرسمي.(46)

 ***

 

 

                              هوامش ومراجع ومصادر الفصل الأول

 

انظر:”حكايات خرافية تحولت، اقتباسات القرن الواحد والعشرين والسياسة”، باشيليغا، كريستينا، اصدار مطبعة جامعة واين، (بالانكليزية)، 2013

2-انظر:”رامسفيلد حول اعمال النهب في العراق:انها اشياء تحدث عادة”، موقع سي. ان. ان.، (بالانكليزية)، 12/4/2003

http://edition.cnn.com/2003/US/04/11/sprj.irq.pentagon/

انظر كذلك:”السطو على الفن المفقود: لماذ لم نحم المتحف الوطني والمكتبة (الوطنية) في بغداد؟”، موقع سليت (بالانكليزية)، 17/4/2003

http://www.slate.com/articles/arts/culturebox/2003/04/raiders_of_the_lost_art.html

3-انظر:”العراق يحتل المرتبة السادسة في عدد الاغنياء في الشرق الاوسط”، موقع السومرية، 17/9/2013

http://www.alsumaria.tv/news/82739/iraq-ranks-6th-in-terms-of-number-of-ric/en

4-انظر:”الفساد في العراق.اين ذهبت كل تلك الاموال؟ لؤي الخطيب، موقع ناشنال انتريست، (بالانكليزية)، 19/5/2016

http://nationalinterest.org/feature/corruption-iraq-where-did-all-the-money-go-16279

5-انظر:”بريطانيا والولايات المتحدة يتصارعان حول نفط العراق”، تقرير حرب العراق (شيلكوت) حول الغزو، الغاردين البريطانية، 7/7/2016

https://www.theguardian.com/uk-news/2016/jul/07/us-and-britain-wrangled-over-iraqs-oil-in-aftermath-of-war-chilcot-shows

انظر ايضا:”لماذا كانت حرب العراق من اجل النفط الهائل؟، موقع سي. ان. ان. (بالانكليزية ) 15/4/2013

http://edition.cnn.com/2013/03/19/opinion/iraq-war-oil-juhasz/index.html

6 -انظر:”خبير: جميع الحقول العراقية أعطيت للشركات الاجنبية وإيران تنتج النفط داخل اراضي العراق”، موقع سكاي بريس

http://www.skypressiq.net/2017/9/7/%D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D9%8A%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

7-انظر:”شبهات فساد تحوم حول عقود وزارة النفط العراقيّة وشركات النفط الأجنبيّة”، موقع المونيتر،9/3/2016

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/03/iraq-oil-foreign-contracts-corruption.html

8-انظر:”700 مليون دولار شهرياً كلفة تهريب النفط العراقي”، صحيفة الاخبار، 16/9/2009

http://www.al-akhbar.com/node/154214

9-انظر:”مبادرة الشفافية تعلق عضوية العراق”، موقع اخبار الاعمال في العراق، 6/11/2017

http://www.iraq-businessnews.com/2017/11/06/transparency-initiative-suspends-iraqs-membership

10-انظر:”الموارد والصراعات، معهد ستوكهولم للسلام”،التقرير السنوي 2011

https://www.sipri.org/yearbook/2011/02

 11-انظر:”داعش لازالت تسرق النفط وتقوم بتهريبه في العراق”، شبكة فوكس نيوز،11/9/2017

http://www.foxnews.com/world/2017/09/11/isis-still-stealing-spilling-and-smuggling-oil-throughout-iraq.html

-انظر:”الفساد في المشتريات العامة”، موقع منظمة الشفافية الدولية،

https://www.transparency.org/topic/detail/public_procurement

13-انظر:”الياسري:اللجان الاقتصادية للاحزاب اشباح”، موقع سومر نيوز، 27/2/2017

http://sumer.news/ar/news/16899/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7

14-انظر: تقرير منظمة الشفافية الدولية في اخر نسخة منقحة في تموز 2017.

http://www.business-anti-corruption.com/country-profiles/iraq

 

15-انظر:مؤشر مخاطر الرشاوي العالمي، تقرير منظمة الملاحقة العالمية عام 2107

https://www.traceinternational.org/trace-matrix

16-انظر:” نائبة تعد بيع عقارات الدولة الى شاغليها من المسؤلين مكافأة، موقع ان أر تي ، 2/4/2016

http://www.nrttv.com/AR/Detail.aspx?Jimare=17347

17-انظر: “نائب مسيحي هذه الجهات الثلاث تورطت بسرقة عقارات تتبع 30 الف مسيحي بعموم العراق”، موقع بغداد اليوم، 23/8/2017

http://baghdadtoday.news/news/12473/%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7%D8%AA-%D8%A8%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D9%80-30-%D8%A7%D9%84%D9%81-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D9%85%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

18-انظر:”وزارة التخطيط تعلن أرقامًا صادمة عن عدد المناطق العشوائية في العراق”، موقع زاوية، 22/8/2017

https://www.zawya.com/saudi-arabia/ar/story/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%8A%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86_%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85%D9%8B%D8%A7_%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%85%D8%A9_%D8%B9%D9%86_%D8%B9%D8%AF%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-ZAWYA20170823060656/

19-انظر:”ملفات الفساد التي كشفها الچلبي على قناة العراقية”، موقع منتديات برطلة، 26/9/ 2015

http://baretly.net/index.php?topic=51544.0

20-انظر:”تفاصيل علاقة “غامضة ومثيرة” بين حمد الموسوي ولجنة مزاد البنك المركزي”،موقع سومر نيوز، 11 /11/2015

http://sumer.news/ar/news/4293/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B5%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D9%8A-%D9%88%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A

21-انظر:”المالكي يعرض على البرلمان العراقي قانون البنى التحتية المثير للجدل”، موقع رابطة المرأة العراقية

http://iraqiwomensleague.com/news_view_13800.html#.Wa2pEPkjHIU

 انظر ايضا:”لجنة الإقتصاد تتهم أطرافا برلمانية بمحاولة عرقلة إقرار قانون الدفع بالآجل لأغراض سياسية”، السومرية، 16/2/2012

http://www.alsumaria.tv/mobile/news/51878/iraq-news

22-انظر:”شبكة الاقتصاديين العراقيين، قراءة في مستقبل الاقتصاد السياسي العراقي” ، د. مظهر محمد صالح

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/09/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%86%D9%82%D8%AD%D8%A9.pdf

23-انظر: قرارات سلطة الائتلاف المؤقتة

http://govinfo.library.unt.edu/cpa-iraq/regulations/20030919_CPAORD_37_Tax_Strategy_for_2003.pdf

24-انظر:”خلال عام 2016 .. ايرادات الضرائب تجاوزت الـ 2.3 ترليون دينار”، موقع الزوراء الاخباري، 24/12/2016

http://alzawraapaper.com/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A7%D9%85-2016-%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%80-2-3/

25-انظر:”مختصون يصفون النظام الضريبي العراقي بـ”المشوه” ويؤكدون: الحكومة تبحث عن إيرادات سهلة”، المدى، 10/11/2015

http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=59143

26-انظر: “الضرائب في العراق، لا عدالة ولا اهداف”، العربي الجديد، 26/1/2015

https://www.alaraby.co.uk/supplementeconomy/24663a66-4cae-45ef-8bdd-e06bdf678414

27-انظر:”لماذا حجزت هيئة الضرائب العراقية على أموال شركة أثير للاتصالات في المصارف؟، موقع الغد، 23/8/2016

https://www.alghadpress.com/news/%D8%A7%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/63835/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AD%D8%AC%D8%B2%D8%AA-%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A3%D8%AB

28-انظر: “10  بالمئة فقط تذهب لخزينة الدولة.. لمن تذهب أموال المنافذ الحدودية والضرائب بالعراق؟، موقع وان نيوز، 23/7/2017

http://oneiraqnews.com/?aa=news&id22=2037#.Wh0tOoaWbIU

29-انظر/ الدستور العراقي، م 110 فقرة ثالثا و م 114 فقرة 1

http://www.cabinet.iq/PageViewer.aspx?id=2

30-انظر:”واقع النظام المصرفي في العراق”، شذى خليل، وحدة الدراسات الاقتصادية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

http://rawabetcenter.com/archives/37133

31-انظر:”نائب:فساد هيئة الكمارك أشد خطرا من داعش”، موقع اخبار العراق، 7/3/ 2017

http://aliraqnews.com/%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A3%D8%B4%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4/

32-انظر:”الفساد يستولي على قطاع الجمارك في العراق”، المونتر، 21/10/2016

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/10/iraq-costumes-corruption.html

انظر ايضا:” فساد كبير في الكمارك … الايرادات المتحققة مع نهاية 2017 اقل من نصف مليار دولار”، موقع بغداد نيوز، 31/12/2017

http://www.baghdadnews.info/index.php?page=article&id=29977

33-انظر:”النائب الجبوري يكشف عن فساد سيطرات مداخل بغداد بالاف الدولارات”، موقع السومرية، 28/7/2017

http://www.alsumaria.tv/news/211243/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF/ar

انظر كذلك:” نصيف تكشف عن فساد سيطرات مداخل بغداد وتطالب العبادي بفرض هيبة القانون”، موقع سكاي بريس 28/2/2017

http://www.skypressiq.net/2017/2/28/%D9%86%D8%B5%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A8%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D9%87%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86

34-انظر:”مكتب العبادي: (7 مليون) مواطن يتلقون رواتب شهرية من الدولة، عراق بريس، 6/8/2017

https://www.iraqpressagency.com/?p=250015

انظر كذلك:”ارتفاع عدد المتقاعدين في العراق إلى مليونين و350 الف متقاعد”، المستقبل نيوز، /15/3/2016

https://www.almustaqbalnews.net/227307

انظر كذلك:”كارثة العراق: ستة ملايين موظف يعملون 10 دقائق يوميا”، موقع رصيف، 18/7/2016

http://raseef22.com/economy/2015/05/01/iraqi-unemployment-crisis-public-sector/

35-انظر”الولايات المتحدة ستطرد 500.000 عراقي من الخدمة”، نيويورك تايمز،(بالانكليزية) 3/5/2003

http://articles.latimes.com/2003/jun/03/world/fg-econ3

36-انظر:نائب يكشف عن الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية والبرلمان ويصفها بالخيالية، موقع السومرية، 30/7/2015

http://www.alsumaria.tv/mobile/news/141700/%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC/ar

 

36-انظر:”الكشف عن أعلى مرتبات لـ 10 مسؤولين عراقيين، موقع ايلاف، 1/6/2010

http://elaph.com/Web/news/2010/5/566285.html

37-انظر:”العبادي يعلن تفاصيل قرار تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات والوزراء”، موقع السومرية، 9/9/2015

http://www.alsumaria.tv/news/145757/%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AE%D9%81%D9%8A%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88/ar

وانظر:”بالوثيقة الجبوري يطلب ايقاف العمل بقرار الحكومة الخاص بإلغاء تقاعد النواب والوزراء”، موقع وكالة انباء موازين، 11/8/2017

 http://www.faceiraq.net/inews.php?id=5788257

38-انظر: قانون رقم (35) لسنة 2013 قانون التعديل الاول لقانون مؤسسة الشهداء رقم 4 لسنة 2006 وما يتعلق به، موقع مدونة اياد حارس، خبير قانوني..

https://ayadalharis.wordpress.com/2014/12/25/%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%B3/

39-انظر:مؤسسة السجناء السياسيين، 19 الف مزور ضمن سجناء رفحة، السومرية، 22/1/ 2015

http://www.alsumaria.tv/news/122637/%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D9%86-19-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%B4%D8%AE%D8%B5-%D9%85%D8%B2%D9%88%D8%B1-%D8%B6/ar

انظر كذلك:”الاعلامي عدنان الطائي يمسح الكاع (الارض) بالمعمم الفاسد اللص محمد الهنداوي ويفضح تشريعاته، فديو لبرنامج تلفزيوني

https://www.facebook.com/aboalkmkm/videos/2004502139783258

/

40-انظر:”الجريمة السياسية ومدى شمولها بقانون هيأة دعاوى الملكية”، وكالة الصحافة المستقلة، 26/10/2017

http://www.mustaqila.com/2017/10/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AF%D9%89-%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%87/

انظر كذلك:”السهيل تكسب قضية البغدادية وتتبرع بمبلغ التعويض للنقابة الوطنية للصحفيين،25/10/2013

http://www.alsumaria.tv/news/84952/%D8%A7%D9%84%D8%

B3%D9%87%D9%8A%D9%84-

D8%AA%D9%83%D8%B3%D8%A8-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D8%B9-

%D8%A8%D9%85%D8%A8/ar

انظر ايضا:”قضيّة فساد كبرى يُراد تمريرها”، جريدة المدى، 28/10/2017

http://www.almadapaper.net/ar/news/538262/%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%87%D8%A7#.WfN2WMLCNzY.facebook

41-انظر:”محافظ بغداد يحذر من انتشار ظاهرة سرقة الاراضي والممتلكات العامة”، موقع السومرية، 17/4/2016

http://www.alsumaria.tv/news/165899/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84/ar

42-انظر:”أمنية بغداد عمليات استيلاء الجماعات المسلحة على العقارات مستمرة ولن تتوقف الا باتفاق هذه الاطراف”، موةقع بغداد اليوم، 11/11/2017

http://baghdadtoday.news/news/22831/%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A5%D9%84%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A

43-انظر:”العمل ترجع 15 مليار دينار للموازنة بعد الكشف عن اسماء متجاوزة على الحماية الاجتماعي”، موقع المدى بريس،

https://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=46242

44-انظر:”استرجاع مليارين و140 مليون دينار من المتجاوزين على شبكة الحماية الاجتماعية، موقع شفق الاخباري،

http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/7af1f61c-5897-4071-90a0-8989d5de6994

45-انظر: أجانب يحصلون على جنسية عراقية مزورة.. والسبب؟، وكالة الفرات نيوز،  10/9/2017

http://alforatnews.com/modules/news/article.php?storyid=149618

انظر ايضا:” مشعان الجبوري: مليار دولار رواتب لــ 23 الف متقاعد “فضائي”،موقع روداو ،4/12/2014

http://www.rudaw.net/NewsDetails.aspx?pageid=83919

46-انظر:”وديعة من قبل نظام صدام حسين بمصارف لبنان … تفاصيل سرقة باقر صولاغ لمبلغ يقدر باكثر من 685 مليون دولار وبمساعدة شخصين “تعرف عليهما”!!، موقع بغداد نيوز

http://www.baghdadnews.info/index.php?page=article&id=27713

 

 

 

دولة علي بابا

 

cover 5

                                          مقدمة

 

                           من دولة علي الى دولة علي بابا

 

 

 “وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا  وَقَدْ أَمْلَقَ ،حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً،ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا،وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ:ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ،أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ،وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ،أَتَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى.” 

 

                                                                     (علي بن ابي طالب)

 

من بين العديد من الملل والنحل تحتل فكرة العدالة في عقائد الشيعة الإمامية مرتبة سامية حتى ان علماءهم وضعوها من بين أصول الدين إضافة الى التوحيد والنبوة والمعاد.وحين أضافوا الإمامة ايضا الى الأصول فانهم جعلوهما صنوان تتحق بهما الصفات الإلهية وتثبت النبوة حيث الله عادل بالعدل الذي يحققه الانبياء على الأرض كي يطمئن الناس ويثقوا بمملكة الرب التي جاؤوا لكي يحققوها فوق اديمها.بل انهم ربطوا ايضا بين العدل والمعاد حين قالوا بان الاعتقاد بالعدل الإلهي يستلزم الاطمئنان بوعد الله، وتحقق المعاد، وذلك ليفرق الله يوم البعث والنشور بين المطيعين وبين العاصين من عباده.

من البديهي ان الاسلام الذي جاءت عقيدته وتكاليفه الشرعية لتضمن للبشر السعادة والتحرر والمساواة والتكافل قد اعتبر العدل من مبادئ وقيم الدين الكبرى حتى انه جعل العدل اساس الحكم، واساس الخلافة على الأرض، وهدف التشريع الذي من اجله ارسل الله نبيه محمد (ص) وقبله الأنبياء الآخرين.كما جعله معياراً لصلاح الفرد والجماعة وحذر من غيابه، كما افاض بجعله مطلبا شرعيا ترتكز عليه أسس المجتمعات والدول، وميزانا لاقامة الحقوق والحريات، وقيام دولة القانون والانصاف والمساواة.

الكثير من الأديان السماوية وغيرها تستبطن ايضا فكرة العدالة حيث اعتبرها الكثير من انبياء اليهود، وخاصة عاموس، بانها جوهر الايمان اليهودي، كما سخر من التقوى التي تمارس في خواء أخلاقي، وانف ان يقتصر الدين على الطقوس دون عناية، او اهتمام بالمعاناة الانسانية وعذابات المستضعفين.اما في المسيحية فان فكرة العدل تنتصب في قلب الايمان الداعي للخير والحق والإنصاف، سواء على المستوى الفردي، او الاجتماعي.وقبل الأديان السماوية اعتبرت المعتقدات الكبرى كالبوذية والكونفوشوسية والهندوسية وقبلها ايضا الفلسفات في بلاد الرافدين ووادي النيل وفي اليونان والصين العدل من قيم الانسان العليا ومن المبادئ الاساسية التي تشيد عليها المجتمعات الانسانية.اما الأفكار الحديثة، ومنذ عصر التنوير، فقد تجاوزت الأبعاد الروحية والاخلاقية المطلقة وجعلت من فكرة العدالة ركيزة أساسية في بناء الحياة والدولة من خلال التشريع والممارسة.

تبقى العقيدة الشيعية هي وحدها التي تجعل العدل أصلا مستقرا من أصول الدين في تمايز واضح عن باقي الأديان والمذاهب والمعتقدات لانها تتجاوز الجوانب الأخلاقية والطبيعية والتشريعية والفكرية لكي تربطها بصميم عقيدة التوحيد والحياة الإيمانية للإنسان المسلم، وايضا في تأسيس كل ذلك على قدرة العقل والمعرفة الحقة.لكن التراث الشيعي لا يقصر العدل على الجانب الإلهي، او النظري، بل يجعل منه قاعدة لتظيم الحياة في المجتمع، والأهم من ذلك في الحكم في دولة الإمامة التي يؤمنون بها والتي يعتقد كل شيعي انها دولة الإمام الغائب الذي يجب ان يعمل من اجل ظهوره يوما كي “يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.”

في ممالك البشر القائمة نظر أئمة وفقهاء الشيعة الى العدل بإعتبار ان نقائضه من الجور والظلم هي من اكبر الذنوب التي يرتكبها العبد لانها تنطوي على العدوان على الغير وعلى حقوقهم واموالهم وانفسهم.ولم ينه ائمة الشيعة عن فعل الظلم فقط، وانما حرموه وحرموا التعاون مع الظلمة، او التساهل مع اهل الجور، والركون اليهم، وممالأتهم ومعاونتهم ومناصرتهم، وبذلك وضعوا الأسس الاخلاقية للحكم الرشيد، ريثما تقوم دولتهم، دولة المهدي، التي من علاماتها البارزة تحقيق العدالة الإلاهية والاجتماعية وزوال الظلم.ولكن على الرغم من ان يوتوبيا اقامة دولة الإمامة والعدل، ونبذ التعامل مع الدولة المغتصبة الظالمة ظلت حاكمة في الوجدان والثقافة الشيعية، الا ان الشيعة كبشر انشغلوا باستمرار بمقاومة المستبدين الذين رزخوا تحت أغلال أنظمتهم القمعية، مع حفاظهم على تقاليدهم الدينية بالتقية التي تدعوهم الى الانتظار حتى مجيء دولة (المهدي) الداعي الى الحق والعدل.

هذه الهواجس وغيرها عاشها شيعة العراق منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بعد إنهيار الدولة العثمانية والتي رتبت عليهم مراجعة ذاتية وفق الوضع الجديد والبنى الفكرية والسياسية والإجتماعية التي سيرتكز عليها نظامي الدولة والمجتمع الذي ستقيمه.لقد فرضت الوقائع المستجدة في تأسيس دولة وطنية حديثة على المرجعيات الشيعية الدينية والسياسية ضرورة محاولة استكشاف طرق جديدة للتعامل مع دولة حديثة لم يعودوا فيها رعايا للخليفةـ او السلطان العثماني، السني، بل مواطنين لهم نفس الحقوق لما للآخرين، وعليهم نفس الواجبات.والواقع ان مخاض تلك التجربة طال كثيرا لأكثر من ثمانية عقود لإسباب وعوامل بعضها يعود الى جمود القيادات الدينية والسياسية وترددها في صياغة خيارات سياسية وفقهية بارعة تتلائم مع العصر وطبيعة المرحلة، وبعضها الآخر يعود الى استمرار الهيمنة السياسية السنية التي اعاد انتاجها النظام الذي اقامتة الدولة الجديدة.

شكل انهيار آخر دولة للخلافة السنية بعد نحو ثلاثة عشر قرنا من التغيب السياسي الشيعي امتحانا عسيرا للشيعة في العراق، زعامات دينية وسياسية، ونخب ثقافية، وتكوينات اجتماعية.فمن ناحية، واجهتهم معظلة الموقف الشرعي والفقهي من قضية انهيار الدولة العثمانية الإسلامية، ومن ناحية ثانية، كانت مسألة الإحتلال والإستعمار الأجنبي الذي فرض على بلادهم، ومن ناحية ثالثة، برزت تحديات بناء الدولة القومية الحديثة، ثم كان هناك التحدي الأكبر وهو بناء أمة عراقية على أساس مفاهيم العصر، من مواطنة وشراكة وحقوق متساوية.ولم تكن تلك الإختبارات تتم في فراغ، بل شكلت الثورة الشعبية الكبرى ضد المستعمرين البريطانيين عام 1920 المجال الرحب لتشكيل الوعي السياسي الجديد، وبلورة موقف من قضيتهم الفؤية، ومن قضية الوطن بشكل عام.لكن في التحليل الاخير لا يبدو ان شيعة العراق قد نجحوا في عبور تلك الإختبارات بنجاح مما اربك عملية الإدماج الوطني كما أربك عملية صيرورة الدولة الوليدة ذاتها.فما ان انطفأت جذوة ثورة العشرين التي كانت القبائل، والتجمعات، والمرجعيات الشيعية، حاملة مشعلها الأساس حتى تظافرت الإنعزالية الشيعية التقليدية مع التهميش والإقصاء الذي مارسته الطبقات السياسية السنية، على اعادة عقارب الزمن بالشيعة الى قرون الإنتظار واللوذ بالأمل اليوتوبي لليوم الموعود، بدلا من الوصول الى مشروع حضاري للأزمة الشيعية التاريخية يستجيب لمتطلبات وتحديات عصر جديد.

يكشف تاريخ المرحلة اللاحق والتحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت على العراق منذ العقد الثاني للقرن العشرين على ان شيعة العراق بعد ان اخفقوا في خلق فرصة تاريخية لهم للقيام بدور لائق ومنصف في اطار عملية بناء الدولة الوطنية الوليدة، توفرت مع بزوغ شمسها، انتكسوا الى مشروعهم الإصولي عقائديا والى حالة خواء مفزع سياسيا.اول ما يمكن رصده في هذا المجال هو اخفاقهم كجماعة وطنية في تحقيق رصيد سياسي تراكمي بعد قيادتهم لثورة العشرين وتبديد ذلك بين تراجع وتوقف الزعامة الدينية الشيعية عن ممارسة دورها في بناء حركة سياسية نشطة في الوسط الشيعي، في اطار الهوية الوطنية، والمشروع الوطني، وبين استسلام الزعامات الإقطاعية العشائرية امام اغراءات المستعمرين البريطانيين والسلطة الجديدة، وايضا غياب نخب وقيادات سياسية واجتماعية وثقافية شيعية علمانية واعية ومستبصرة.

لا يقول لنا التاريخ المكتوب كثيرا عن الأسباب، او الظروف التي غلبت لدى الشيعة العراقيين خيار الإندماج بالمشروع الوطني، اي اعلاء هويتهم الوطنية على تشيعهم، وهو موضوع بحاجة الى دراسات وتحليلات معمقة تتجاوز الكثير من السرديات والمحكيات التي درج عليها دارسوا تلك المرحلة عموما وثورة العشرين خصوصا والتي تناولتها من زوايا المقاومة الوطنية للإحتلال والنضال من اجل الإستقلال، او من زوايا دينية او قومية او طبقية، لكنها اهملت النقاش الجاد حول كل ما يتعلق بسياسات الهوية وعلاقتها بثورة العشرين، وبالذات تلك التي تتناول نظرة كل من الشيعة والسنة الى دولة ما بعد السقوط العثماني، الا ما يتعلق بذلك السجال الطائفي  بشأن من بدأها اولا ومن قطف ثمارها.

لا يساعدنا الأرشيف كذلك على الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة بهذا الصدد، ومنها ما يتعلق بتطلعات شيعة العراق عن مستقبلهم عشية الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية حيث شهدت الفترة تفجرا للتطلعات القومية والدينية والمذهبية لدى الجماعات الإثنية المختلفة التي كانت تعيش في ظل الدولة العثمانية وتعاني من الحرمان والقهر والإستبداد الذي مارسه العثمانيون ضدها.لا يوجد الكثير مما يشي بحركات شيعية عراقية مطلبية، مثلما كان الأمر عليه بالنسبة لليونايين والبلغار والصرب في اوربا، او للطوائف المسيحية في المشرق، والارمن والأكراد والدروز والعلويين  في بلاد الشام، واليهود في فلسطين في العقود الأخيرة من عمر الإمبراطورية والذين نهضوا دفاعا عن هويتهم وحقوقهم السياسية.ففي حين ظل الموقف العثماني الرسمي باعتبار الشيعة روافض مبتدعين او (قزلباش) فان الموقف الشيعي، وخاصة لدى المراجع الدينية، بقي ملتبسا ويتركز حول فكرة مقاومة الاحتلال الانكليزي (الكافر)، حفاظا على بيضة الإسلام، في حين ان الكثيرين منهم كان ناشطا في السياسة الإيرانية حتى ان واحدا من مراجع سامراء وكربلاء والنجف الكبار وهو اية الله محمد حسين النايئني قدم اطروحات قيمة في ميدان الفكر الدستوري ونظرية الحكم اعتبرت يومها تحررية، لكنها اقتصرت على كونها خارطة طريق اصلاحي لايران الشيعية اكثر من كونها مرشدا لشيعة العراق الذين كان يعيش وسطهم.

دور العامل الخارجي، المتمثل بالإستعمار البريطاني، في صياغة النظام الجديد عن طريق تسليم الحكم الى الأقلية السنية، وليس الى الإغلبية الشيعية، تم تناوله بإستفاضة في النقاش العام حول هذه المرحلة التاريخية، لكن لم يوف حقه كاملا في الدراسات الأكاديمية والكتابات الموضوعية، بما يساعد على كشف النقاب عن خفايا وتفاصيل ما جرى خلال تلك المرحلة المصيرية من تاريخ العراق الحديث.هذا موضوع في غاية الأهمية، وخاصة للاجابة عن اسئلة حول دور المراجع الدينية الشيعية، وهل كانوا يرغبون، او يؤيدون، اي دور قيادي للشيعة في ادارة الدولة الجديدة، ام كان لهم موقف سلبي معترض، كما اشير له كثيرا، انسجاما مع موقفهم التقليدي من الدولة (دولة غير المعصوم)، او بسبب كون أغلبية المراجع من أصول غير عراقية.

هذا الفشل في ضياع فرصة تاريخية امام شيعة العراق، مهما كانت اسبابه، سيكون حاضرا وبقوة في الوعي الشيعي منذ إتضاح إمكانية سقوط نظام صدام بعد غزوه للكويت عام 1990، وهو الأمر الذي تبلور مع الإنتفاضة الشعبية التي تلت الحرب لإخراجه من الكويت.وستتذكر القيادات والنخب الشيعية السياسية ذلك جيدا بعد الغزو الأمريكي عام 2003 حين يعيد التاريخ نفسه ويصبح الشيعة أمام لحظة الحقيقة في ان يؤيدوا الغزو لإسقاط صدام، او ان يختاروا مقاومته، مثلما فعلوا مع الإحتلال البريطاني لبلادهم قبل ثمانين عاما، فيعيدون بذلك الكرة بالتفريط بفرصة ذهبية، ربما لن تتكرر للإمساك بلجام قيادة الدولة العراقية بأيديهم.

هناك عوامل عديدة تقف وراء ذلك الخيار المصيري الذي ارتئاه شيعة العراق مع بدء بناء الدولة الحديثة بعد انهيار الدولة العثمانية وهو ان يكونوا جزءا من المشروع الوطني العراقي، ومن الهوية الوطنية العراقية، والا يتقوقعوا داخل شرنقتهم المذهبية حتى لو جاءت النتيجة على حساب مصالحهم الفؤية ونصيبهم العادل من السلطة والثروة في هذه الدولة.هذا الموقف التاريخي الذي ستمتحنه محطات وطنية كبرى سيظل سائدا في التوجهات الأساسية لدى التيار الشيعي العام في العراق حتى الغزو الأمريكي عام 2003 والذي جاء ليغير معطيات كثيرة ويفتح افاقا واسعة امام الشيعة العراقيين ستمكنهم من الإطاحة بالمعادلة السالفة التي اسست لها فترة الإستقلال والتي كانت قد وضعتهم في المقعد الخلفي لعربة الدولة الحديثة والبدء بالعمل على إعادة تنظيم الدولة على مقاسات جديدة بقيادتهم.

بين قيام الدولة عام 1921 وانهيارها عام 2003 مرت تجربة شيعة العراق بمحطات عديدة جرى خلالها امتحان ذلك الخيار الإندماجي وخاصة بعدما تبين فشل النخب السياسية السنية التي ادارات الدفة في تبني مشروع دولة وطنية جامعة، وهوية وطنية شاملة لكل العراقيين.فمنذ الوزارة الأولى التي شكلها عبد الرحمن النقيب عام 1920 وحتى سقوط نظام صدام حسين ظلت الدولة العراقية سنية القيادة والطابع، وتوارت الأغلبية الشيعة فيها الى ادوار ثانوية، سواء على مستوى السلطة، او على مستوى النخب السياسية والثقافية والإقتصادية الفاعلة، او انهم تحولوا الى مهمشين، او حتى الى دون مستوى المواطنة احيانا.ونتيجة لذلك لم يصب شيعة العراق بالإحباط فقط، بل ونما ايضا لديهم الشعور التاريخي بانهم محكومون بان يعيشوا دائما تحت هيمنة المؤسسة السياسية للنخبة السنية وثقافتها الاحادية، او الإقصائية، سواء اكانت الدولة خلافة اسلامية، او سلطنة عثمانية، او مملكة هاشمية، او جمهورية قومية علمانية.

في هذا السياق عجز الشيعة العراقيون خلال العهد الملكي، وبعده خلال عهد الجمهوريات الثلاث التي تلت نشؤ الدولة، ان يطورا منهجا وحراكا سياسيا يجمع بين متطلبات التعبير عن هويتهم المذهبية الفرعية وكونهم الأغلبية السكانية، وبين انتمائهم الوطني.فعلى عكس الإدعاءات السابقة بان اندماج الشيعة العراقيين بالأحزاب الوطنية القومية واليسارية واللبرالية ونشاطهم في الحركة السياسية قد شكل لهم مظلة الإنتماء ضمن البوتقة الوطنية الأوسع، الا ان الحقيقة، كما كشفت عنها التجربة الفعلية، هي ان الإنتماء الشيعي شأنه شان الولاءات التحتية، والطائفية بصفة خاصة، بقيت فعالة حتى لو لم يجر التعبير عنها علنا من قبل المندمجين بالحركة السياسية الوطنية، ربما لانها ظلت تعتبر غير تحديثية، ومتعارضة مع عملية بناء هوية وطنية صلبة.في المقابل رجح رأي عند بعض الدارسين للتجربة العراقية ان تشكيل اي حزب، او جماعة سياسية شيعية، حتى ولو كان تعبيرا عن انتماءات سياسية، او طبقية، انذاك كان سيعني بالضرورة تعبيرها عن الهوية الطائفية للجماعة والخروج عن الإطار الوطني للدولة، وبذلك كانت ستقع في مطب الطائفية السياسية، وهي فرضية لم تخضع للإختبار، خاصة بمقاربتها مع تجارب عالمية اخرى مثل علاقة اليهودية والصهيونية باسرائيل، او علاقة الهندوسية بالقومية الهندية.

لقد كان الشيعة العراقيون من القادة المؤسسين لأحزاب سياسية رئيسية مثل الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وحزب الإستقلال، وحركة القوميين العرب كما استوعبتهم القواعد الحزبية بصورة واسعة ولكنهم عجزوا عن تصحيح المسار الذي اخذته الدولة، والحركة الوطنية والاحزاب السياسية، في قبولها بالإحتكار السني العربي للدولة، وللفضاء المجتمعي وايضا في منع التفاوتات في الحقوق المتساوية في السلطة والثروة والتعبير عن الهوية وما ينتج عنها من فرقة مجتمعية وإقصاء على مستوى الحكم، وحتى في القطاعات الانتاجية والوظيفية والدخل والترقي والتعليم.ولم ينج الحزب الشيوعي العراقي من الفشل في إدراك هذه المعظلة في مشروع بناء الدولة، وفي تبني سياسات ومسارات اكثر واقعية تجاه مسألة الهوية المذهبية بعيدا عن دوغما الهوية الطبقية المستمدة من القاموس الماركسي ومن تراث اللينينية والستالينية في قضايا القوميات، واطروحات الأممية، ومسألة حق تقرير المصير التي كان الجدل بشأنها قائما يومئذ.فاذا اخذنا موقف الحزب الشيوعي الذي يذهب مذهب طبقيا في التحليل، حسب المنظور الماركسي، ويعتبر الإنتماءات الإثنية والدينية باعتبارها تعبير زائف عن الصراع الإجتماعي، فان التناقض يبدو جليا في موقفه الداعم للقضية الإثنية للإكراد وتجاهله قضية الشيعة.فقد تبنى الحزب الشيوعي القضية  القومية الكردية تبنيا مطلقا ودافع عن حق الأكراد في تقرير المصير، وحتى الحق بالإستقلال، في حين انه تغاضى عن اشكالية التهميش والإقصاء الشيعي في اطار صراع  الهويات المذهبي بل وانكرها تماما.اما الأحزاب القومية التي تقوم على أساس الهوية الإثنية العربية وتعارض الإنتماءات الطائفية واجنداتها فقد وقعت في تناقض من نوع آخر حيث انتهت الى ان تتماهي مع الهوية السنية وان تجعل منها الهوية المهيمنة على الدولة وثقافة المجتمع، وهو الأمر الذي اوصل مآزق الدولة العراقية الى منتهاه وسهل الغزو الأمريكي الذي اجهز على تلك الدولة تماما.

المهم في الامر، ان الإرتباك لدى التيار الشيعي العام في تحديد هدف جمعي واضح من قيامهم بتفجير وقيادة ثورة العشرين، التي يمكن اعتبارها بكل المقاييس حدثا وطنيا مؤسسا، وخاصة الموقف من قضايا السلطة، والحكم، والمشاركة، وتوزيع الثروة، أنتج بالتالي حالة من القلق الوجودي لدى الشيعة وترك اثرا معطلا في سيرورة الحركة الشيعية التاريخية مستقبلا، وفي علاقتها الإشكالية والملتبسة بالدولة العراقية.لكن الأكيد ايضا هو ان هذه النتيجة ساهمت بتغير السياق التاريخي للدولة العراقية ذاتها وهددت مساراتها كدولة مواطنة جامعة ووضعتها في مآزق وجودي مستدام.لذلك لم يكن الإنحراف تعبيرا عن الإخفاق الشيعي لوحده، وانما بالدرجة الأولى تعبيرا عن فشل مشروع الدولة ذاته وعجز الحركة الوطنية العراقية عن فهم واستيعاب مشكلة الهوية وسياستها المرتبكة.ومن المؤكد ان صعوبات مخاض الدولة وسياق المرحلة التاريخية قد شكلت تعقيدات وتحديات مختلفة اخرى، سواء على المستوى الخارجي او الداخلي.لكن المهم في كل هذا ان عدم الإتساق في قيم وهوية الجماعات الإثنية في العراق مع الهوية الوطنية العامة، الناتج عن عملية انشاء الدولة، ظل قائما بشكل او بآخر، على الرغم من كل الإدعاءات بوحدانية الدولة، وهو ما تأكد من خلال الميل المبكر للخروج والتمرد عند الأكراد واضطراب الهوية الوطنية الشاملة عند الآخرين، وخاصة الجماعتين الرئيستين الشيعية والسنية.

ستبين التطورات في العقود اللاحقة ان فشل الحركة الوطنية العراقية في بناء دولة مؤسسات مدنية وديمقراطية وعادلة وراسخة، من ناحية، واخفاق قيادات الشيعة ونخبها السياسية والاجتماعية والثقافية في بلورة مشروع تحديثي للمكون الأكبر في البلاد، من ناحية ثانية، قد اديا بالنهاية الى وقوع المكون الشيعي في براثن الخطاب المذهبي العقائدي الذي تبلوره المرجعية الدينية، وخاصة المؤسسة الوعظية، وكذلك جماعات واحزاب التشيع السياسي والتي تستمد اهدافها واجندتها من تمثلات تتمحور حول المطالب الرمزية المتعلقة بالهوية وعلى نحو يعكس حالة عدم الإندماج، وتعدد الولاءات داخل المجتمع.ان قمة ما يمكن ان تطرحه اي جماعة إثنية من مطالب هي عادة تلك التي تتعلق بالمظلومية، وهي مطالب تتناول ما هو اكثر من إنعدام العدالة الإجتماعية، والمساواة، الى قضايا تتعلق بطبيعة وابعاد النظام السياسي وهوية الدولة، وكل ما يتعلق بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعمل المؤسسات والسياسات المتبعة.

وفي التشيع تحتل المظلومية موقعا مركزيا حتى ان تاريخ الشيعة نفسه يكاد ينبني على سردية أزلية تتمحور حول الظلم والإستبداد والإضطهاد الذي عانته الجماعة في مختلف بلدانها في ظل السلطة السنية المتوارثة عبر القرون.ولان فكرة المظلومية ترتبط بالعدل الذي اقره التشيع كأصل من أصول الدين، فلابد ان هذا الإرتباط  العقدي قديم ويعود الى لحظات الولادة الأولى للعقيدة الشيعية على يد ائمة آل البيت، وليس مجرد بناء خطابي انفعالي يستعيد في كل محطة رحلة الإغتراب الشيعية، كما يرى خصومهم.ومع ان المظلومية تعرضت للتشويه، احيانا، على يد الشيعة انفسهم ممن اعتبرها قرارا الاهيا وثمنا للخلاص الآخروي، اوعلى يد اعدائهم، احيانا اخرى، والذين نظرو اليها باعتبارها عقدة إضطهاد وشعور بالدونية، ترتبط بشعورهم بانهم أقلية متميزة، الا انها بقيت فكرة جوهرية في تأسيس هوية شيعية، بكل رموزها وذاكرتها ومخيالها الجمعي وتطلعاتها، والأهم من كل ذلك في اطارها الحركي.

في الدولة العراقية الحديثة التي فشل الشيعة في بلورة مشروعهم السياسي الخاص بها، سواء للأسباب التي مر ذكرها، او غيرها، فانهم سرعان ما انتكسوا الى إعادة انتاج المظلومية الشيعية، ليس فقط كتعويض نفسي عن إستراتيجية الإخفاق التي توصل اليها قادتهم وممثليهم الدينيون ووجهاء مجتمعاتهم، وانما ايضا كإستراتيجية رفض وتعبئة سياسية للعموم.في العقود الخمسة تقريبا التي سبقت نظام البعث اهتمت المرجعيات الدينية والجمعيات الثقافية الشيعية بإحياء الكلاسيكيات الشيعية التي تتناول العدل وفق المفهوم المتعارف، عليه سواء العدل الإلهي وتجلياته، او في موضوعة اثبات النبوة والإمامة بالعدل.الا ان جهود التعبئة الاكبر هي تلك التي تولاها رجال المنبر الحسيني الذين كانوا المبشرين الأكثر فاعلية في الأوساط الشعبية، مستلهمين في عملهم الإعلامي التعبوي النشط تراجيديا عاشوراء ومأساة استشهاد الامام  الحسين باعتبارها اكبر مظلمة تعرض لها الشيعة على مر الزمان.  

ساهمت تلك المنابر، سواء في مواكب العزاء الحسينية، او في مجالس الوعظ، وكل طقوسها السحرية، في بلورة وشحذ الوعي السياسي لدى اجيال متتالية من شيعة العراق.ففي رحاب الأضرحة والمزارات الشيعية التي تحتضنها ارض العراق، او في الحسينيات، او التكايا، او في الساحات والشوارع العامة، كان وعاظ المنبر الحسني والشعراء الشعبيون ينشدون قصائد الرثاء بنغمات حزينة وهم يروون مرة تلو الأخرى، تفاصيل قصة مقتل الحسين وافراد عائلته وصحبه في معركة غير متكافئة وسط نياح الآلاف من المحتشدين، حيث تختلط التراتيل الحزينة بالنداءات الخارجة من بين نياط القلوب المكلومة، وغزارة الدموع المسكوبة، على الشهيد الحسين حتى ليبدوا الجميع وكانهم ثكلوا للتو باستشهاده، وليس قبل اكثر من الف عام.

كانت الملحمة التي تروى للحشود والزاخرة بمشاهد وايقاعات تجسد صليل السيوف، وجز الرؤوس، وذبح الأطفال الرضع، وسبي الحرائر، وقطع المياه عن فسطاط الحسين، تجمع بين الفجيعة والتغني بالشجاعة والتعبير عن حرارة الإيمان.بعد رحلة الذوبان في عذابات الحسين وطقوس التطهر وشعائر الانعتاق من الخوف التي تجري مراحلها على مدى اربعين يوما سنويا، يبقى شيء واحد كامنا داخل كل شيعي، وهو التعبير عن المظالم التي تعرض لها الشيعة، والتي تكون قد تجسدت بدماء الحسين وعائلته التي سفكت على ارض كربلاء قبل قرون.الإحساس الدائم بالظلم هو الذي سيبقى يبلور الوجدان الشيعي، والشعائر الحسينية هي التي تجسده عبر استعادة تراجيديا معركة الطف حتى سيصبح “كل يوم (لديهم) عاشوراء وكل ارض (لديهم) كربلاء.”

ان التذكر، او بالاحرى اعادة اكتشاف التاريخ، هو النقطة  التي تبدأ من عندها الجماعات الإنسانية اعادة لملمة جراحها وروحها، ووعيها كي تمضي بعدها في السعي نحو التعبير عن وجودها المتجدد.وفي هذا السياق لم تكن التراجيديا الكربلائية رمزا عن مظلومية الشيعة، واعادة سرديتها الى الواجهة فقط، بل كانت مسعى نحو تجاوز الأزمة الشيعية التي خلفتها عملية تأسيس الدولة.اذ لم تمض الهبة الطقوسية السنوية التي تمثلت بشعائر عاشوراء والتي استمرت طيلة عقود بعد تأسيس الدولة الجديدة دون ان تنعكس على الواقع الشيعي من ناحية شحذ الوعي الجمعي بالمظلومة، وبلورة هوية إثنية متماسكة تنحو الى الدفاع عن مصالح الجماعة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية، وبلورة مواقف سياسية محددة.كان التعبير الأوضح لذلك الحراك هو تأسيس جمعيات في المراكز السكانية الشيعية الكبرى كالنجف وكربلاء والكاظمية، تنشط في المجال الفكري والثقافي، لكنها تعمل ايضا على بعث الوعي الشيعي بالهوية.اما التطور الأبرز فكان بدء نشوء حركات الإسلام السياسي الشيعية، كحزب الدعوة الإسلامي، كأطر سياسية تنظيمة تظهر لاول مرة وتعبر عن الإندفاع الشيعي نحو العمل القاعدي والجماهيري في الحقل السياسي العام.

 ان تاريخ هذه المرحلة، التي استمرت نحو خمسة عقود حتى سقوط نظام البعث عام 2003، بقدر ما يكشف عن استمرار مآزق الدولة العراقية ذاتها، فانه يشي ايضا بالكثير عن الأزمة الشيعية التي اصبحت في تلك الفترة الحافلة بالصراعات الداخلية والإقليمية والدولية اسيرة عقلية الأحزاب والجماعات الدينية التي برزت مستغلة ذات الفراغ السياسي والثقافي والإجتماعي الذي خلفه استنكاف التيار الشيعي العام من بلورة مشروعه الخاص، من ناحية، واستمرار رفض الأنظمة السياسية القائمة على الإقرار بوجود هوية شيعية متميزة في الإطار الوطني ينبغي التعامل معها دون تهميش وتغول.واذا كانت سياسات التجاهل والإقصاء قد عززت من مشاعر المظلومية لدى الشيعة فان هذه الأحزاب ذات الطابع الديني والمذهبي التي تكورت في الشرنقة الطائفية، درجت على إستغلال خطاب المظلومية في التهيج والتعبئة بهدف خلق فضاء مجتمعي وسياسي تستطيع من خلاله ممارسة همينتها على التمثيل الشيعي، على الرغم من انها لم تحظ ابدا بدعم او تأييد الأغلبية الشيعية العراقية.

لقد تجمعت عوامل كثيرة، وعلى رأسها ولادة هذه الحركات في بيئة المدن الدينية الشيعية، كالنجف وكربلاء وعلاقتها، او ارتباطها بعلماء الدين والمرجعات، وغياب برنامج سياسي واجتماعي عابر للطوائف، الى انكفائها على ما كانت تراه مسألة شيعية، وليست مسألة إجتماعية في اطار أزمة وطنية ينبغي حلها في إطار تعددي ديمقراطي.ان ثقافة الغيتو وعقلية القطيع التي انطبعت عليها الأحزاب الدينية الشيعية، اضافة الى عوامل كثيرة اخرى تتعلق بنشأتها، جعلتها تبقى اسيرة لفكرة المظلومية وخطابات التهيج المانوية المرتبطة بها دون السعي الى تجديد الجانب السياسي للمشروع الشيعي ووضعه في مسار حيوي وطني حداثي ديمقراطي، بل اوسع من ذلك من اجل العمل على طرح مشروع شيعي عربي يكون نموذجا لباقي الشيعة في المنطقة من خلال الاندماج والعمل في اطار الدولة الوطنية العربية.

كانت الجماعات الشيعية الإسلامية التي لجأت الى المنفى بعد حملات التنكيل التي مارسها نظام البعث قد انتقلت الى مرحلة العمل السياسي المعارض والى النضال المسلح احيانا مستثمرة الجاليات الشيعية العراقية في الخارج ويد العون التي امتدت اليها من الدول والأنظمة المعادية لنظام صدام.وفي المرحلة التي اعقبت هزيمة النظام في حرب الخليج وتصاعد احتمال سقوطه انتقلت هذه الجماعات الى حالة الإستعداد لتسلم زمام قيادة الدولة العراقية بعد عام 2003 وهي لاتزال محملة بذلك التراث الماضوي، وبما استجد لها من تجربة المنفى، ومن تجربة الثورة الإسلامية في ايران والأيديولوجية وبرنامج العمل اللذان صاغهما لها الامام روح الله الخميني.وبسبب تعقيدات المرحلة، وخاصة الحرب العراقية الإيرانية، وحرب تحرير الكويت، ومن ثم الغزو الأمريكي فقد واجه الشيعة العراقيون محنا جديدة تتعلق بخياراتهم ازاء كل هذه الأزمات الوطنية، التي وضعت الدولة العراقية ذاتها في مواجة تحديات وجودية.وفي الوقت الذي بقي التيار الشيعي العام محافظا على خياراته الوطنية، وعلى رأسها مشاركة الأغلبية العراقية في رفض دكتاتورية صدام والتوق الى تغير يأتي بنظام ديمقراطي، فقد اختارت المعارضة الشيعية المتمثلة بالجماعات الدينية موقف اسقاط النظام بأي ثمن، ورأت ان اية محاولة خارجية للوصل الى هذا الهدف، هي فرصتها الوحيدة في الوصول الى السلطة.  

لا يوجد الكثير في ادبيات الأحزاب والجماعات الإسلامية الشيعية التي تولت مقاليد السلطة بعد الغزو ما يشير الى انها كانت تمتلك مشروعا فكريا، او سياسيا، او رؤية نيرة، او انها وضعت برنامج عمل للحكم ولإدارة الدولة على الرغم من انها سعت بكل الوسائل الممكنة لكي تكون في قيادة عمل المعارضة لاسقاط نظام صدام حسين بعد غزو الكويت عام 1990.لم يكن هم قادة هذه الحركات الا تضمين الوثائق الإساسية للتحالفات السياسية التي اقامتها ما يؤكد على كون الشيعة اغلبية وجعل هذا قاعدة اساسية لترتيبات الحكم في النظام القادم.كان هذا الإصرار الذي ترسخ بشكل كامل في الإتفاقيات التي عقدت بين اطراف المعارضة في المؤتمرات واللقاءات التي جرت عشية الغزو الأمريكي في ربيع عام 2003 قد حسم القرار لدى الجماعات الشيعية بانها لن تكرر تجربة عام 1921 وان ادارة دفة النظام الجديد ستكون بيد قيادة شيعية، وان الشيعة سيمارسون دورهم بإعتبارهم الأغلبية السكانية والسياسية في البلاد.ان غياب رؤية واضحة وإستراتيجية بناءة لإعادة بناء الدولة لدى الجماعات الشيعية المعارضة وتولي هذه الجماعات الإسلامية الشيعية المحافظة مسؤولية التمثيل الشيعي حصرا قد حددا منذ البداية الأفق الذي سيسير على هديه المشروع الشيعي القادم والذي سوف يكون منغلقا مذهبيا، ان لم يكن طائفيا بالضرورة.

من البديهي ان الجماعات الشيعية التي حلت على كراسي السلطة بعد الغزو لم تكن تأمل بان تقيم دولة شيعية  في العراق، او ان تنفرد بمسؤولية الحكم فيه، فتلك كانت توقعات او أماني ساذجة، حتى لو انها راودت مخيلة البعض من القيادات الشيعية.لقد كانت تلك مهمة مستحيلة لأسباب موضوعية عديدة على رأسها التنوع والتعددية الإثنية السائدة في العراق والجذور القوية لهوية هذه الجماعات، مثل القوميات العربية والكردية والتركمانية او المقاومة الشديدة المتوقعة من الكتلة السنية التي كانت ستواجه اي مشروع شيعي من هذا النوع بقوة.ومع هذا فان الصيغة التوافقية التي خرج بها مخططو الإحتلال ومنفذي مشروعه، وخاصة الوثيقة الدستورية التي قامت على اساسها الدولة الجديدة، اتاحت للجماعات الشيعية الحاكمة ان تمارس حرية شبه مطلقة، وخاصة من خلال السلطة التفيذية التي امتلكتها، والسلطة التشريعية التي سيطرت عليها باسم الأغلبية، وايضا من خلال الهيمنة على المجال العام، بان تفرض وجهة نظرها واجندتها على العملية السياسية الجارية بطريقة إقصائية وتهمشية لكل الأطراف الاخرى، وبضمنها الشيعية التي لا تلتقي معها في النهج والفكر، بما مكنها من فرض قيام حالة اشبه بالدولة الشيعية، لكن مع غير اعلان.

في دولة ما بعد الغزو الأمريكي أصبح الإسلاميون الشيعة الذين انتقلوا من دائرة المعارضة المقموعة إلى منصة الحكم، وإدارة شؤون الدولة اللاعبين الأساسيين في تقرير مسار هذه الدولة.وعلى الرغم من انهم تمكنوا من تحقيق ذلك من خلال المنافحة باسم الأغلبية العددية للشيعة، الا انهم في الواقع اصروا على احتكار التمثيل الشيعي وقاموا بإقصاء الشيعة الآخرين من كل التيارات السياسية والإجتماعية المتبقية.صحيح انه كان هناك دستور يؤكد على بناء دولة مؤسسات منتخبة ديمقراطية ويتيح الفرصة للمشاركة العامة، الا ان التطبيق العملي اقترن بممارسة هذه الأحزاب فلسفتها المبنية على الإسلام السياسي وعلى توجهاتها المذهبية منفردة.هذه الحالة خلقت تناقضا بين العملية السياسية القائمة على تلك المبادئ الدستورية وبين تقية الجماعات الشيعية الحاكمة التي كانت تمارس ما تؤمن به في داخلها، وهي ان الأولوية هي للشرع الإلهي الذي يفسره المرجع الديني، وليس الى مواد العقد الاجتماعي، أي الدستور، الذي صاغته ووقعت عليه مستغلة موادا حمالة للاوجه حرصت على وضعها في الوثيقة الدستورية تأكيدا لهويتها العقائدية واجندتها المذهبية.

كانت الوسيلة المثلى للتمكن من السلطة، هو العودة من جديد الى خطاب المظلومية، حيث تستطيع الجماعات الشيعية من خلال ذلك المطالبة بحقوق الشيعة المهضومة وتحشيد الجماهير الشيعية وراء شعار إستحصال العدالة التي غابت عنهم عقودا طويلة.وفي سبيل ذلك، نجحت الأحزاب الشيعية، على المستوى السياسي، في تثبيت مفهوم حق الأغلبية في حكم الأقلية، كقاعدة للعملية السياسية في حين طرحته على المستوى الشعبي كأيديولوجية، او فلسفة، سياسية لدغدغة عواطف الجماهير الشيعية وكسب ودها وتأييدها لتحييد، او اضعاف، حجة القوى المضادة.وفي استذكار لما حدث في ثورة العشرين وتفادي النتائج التي تحققت في هيمنة السنة فقد حولت الجماعات الشيعية المظلومية الى إستراتيجية عمل سياسية، وليس فقط مجرد سلم للوصول الى السلطة، مستعينة بسرديات الماضيين البعيد والقريب.ما حصل بعد ذلك ان الحركات الشيعية استبعدت فكرة إعادة بناء العراق كدولة مواطنة مدنية ديمقراطية على انقاض دولة صدام الشمولية وشرعت ترسي اساس دولة محاصصة طائفية اصبحت هي فيها المتولي العام الذي يوزع الثروة والسلطة وفق هواها وتوجهاتها، ولمن تباركه من العراقيين.كانت الجماعات الإسلامية الشيعية قد نصبت نفسها الممثل الوحيد للشيعة، وبذلك اصبحت قائدة الأغلبية وحسمت امرها بانها لن تترك السلطة تهرب من بين ايديها حتى انها بدأت تجهر ودون مورابة بشعار “اخذناها وماننطيها”، اي اننا اخذنا السلطة ولن نرجعها.

وذهبت الحركات الشيعية السياسية اكثر من ذلك لتجعل استلامها للحكم نقطة إنطلاق لإقامة سلطة ثيوقراطية تستولي على الفضاء الإجتماعي العام اولا، وبعد ذلك الدولة ذاتها.فمثلها مثل حركات الإسلام السياسي السنية فقد كان رهان الحركات الشيعية على الحكم رهان أساسي وإستراتيجي في تحقيق مشروعها الاسلامي للحكم.وبدلا من حسن البنا وحسن الترابي وغيرهم من اقطاب الإسلام السياسي السني غرفت الحركات الشيعية من معين الخميني ومحمد باقر الصدر اللذين وضعا لها منهجا وخارطة طريق وخطة عمل وجعلا في مقدمة الأهداف الوصول إلى السلطة.واذا كانت هذه الحركات تفتقد الى برنامج وطني لبناء الدولة، الا انها لم تفتقد التخطيط والاستعداد للقفز على السلطة والاستيلاء على الحكم والدولة.فمنذ ايام عملها في صفوف المعارضة كانت الفكرة الجوهرية التي تقود عملها تعتمد على انها ستبني النظام الذي سيرث نظام صدام حسين وملكه، مصداقا بنظرهم للآية القرأنية (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ -5 القصص) والتي تكررت كثيرا في كتابات الخميني واقواله، كما اصبحت شعارا لحركات المستضعفين الشيعة.وبدلا من العمل على ضمان تطبيق الدستور الذي احتوى، رغم عيوبه، على مبادئ ديمقراطية، الا ان الجماعات الشيعية الحاكمة اقامت نظاما للحكم قائما على التقية يستند الى حجج متخيلة بانها تأخذ شرعيتها من شرعية الحكم الإسلامي المستمد من مبدأ الإمامة الشيعية.صحيح انها لم تدع بانها مدعمة باسانيد دستورية وقانونية، لانها لم تكن فعلا كذلك، الا انها تحججت دائما، كما ظل قادتها يرددون، بالتكليف الشرعي، اي واجبهم الديني كما تحدده المرجعية، وسعت الى ممارستها كلما اتيحت لها الفرصة، وخاصة في المجال الإجتماعي العام في الوسط الشيعي الشعبي الذي ظلت تحتكره.

كانت النتيجة المتحققة على مستوى اعادة بناء النظام السياسي لما بعد صدام هو غياب اي التزام حقيقي بالديمقراطية من جانب الجماعات الشيعية الحاكمة، ولا حتى بالمقاسات الضيقة للديمقراطية التوافقية التي اختطها الدستور.ان موقف الإسلاميين بكل اطيافهم مع الديمقراطية معروف وتم اختباره مرات عديدة، وهو ان الأساليب الديمقراطية، وخاصة الإنتخابات، هي مجرد سلم يجري استخدامه للوصول الى السلطة ثم رفسه بعيدا بعد ذلك.في حين ان الديمقراطية هي ناموس شامل للحياة تقوم على اساس المواطنة وحقوق وحرية الفرد وسيادة دولة القانون، وهو ما يمكن ان يتم فقط في إطار دولة مدنية.لم تصدر الحركات الشيعية التي هيمنت على الدولة وعلى الحياة السياسية اية وثيقة تتعلق بوجهة نظرها بشأن الديمقراطية، حتى ولو في اطار ما يسمى بالديمقرطية الإسلامية، اسوة بحركات سنية إسلامية عديدة، بل كاد الكلام عن الديمقراطية يختفي الا في مناسبتين تتكرران دائما الأولى هي اثناء موسم الإنتخابات النيابية والمحلية والمضمونة النتائج بحكم الأغلبية، والثانية في الرد على المنتقدين للإقصاء والتهميش اللذان تمارسهما ضد الآخرين من خلال الادعاء بانها جاءت عن طريق صناديق الاقتراع.

واذا كانت الديمقراطية قد غابت باسسها التقليدية المعروفة، كما في روحها، في النظام الجديد مما يجعل من الصعب الحديث عن نظام ديمقراطي، او حتى حكم رشيد، كما ظلت تتشدق الجماعات الحاكمة والرعاة الأمريكان، فان غياب العدالة كان السمة الأخرى الأبرز في ممارسات هذا النظام.ان ما يعنيه غياب العدالة في تجربة نظام هيمنت عليه وادارته الجماعات التي حملتها للحكم دعاوي المظلومية التاريخية يعني على وجه التحديد انها جاءت بنقيض ما كانت تدعيه خلال كل تلك السنين من اتهام الخصوم بالظلم والإستبداد.كان منتظرا من الأحزاب الشيعية التي هيمنت على كراسي السلطة ان تقدم رؤيتها للعدالة الإجتماعية، ومشروعها التنفيذي في التطبيق العملي في قضايا السلطة والمشاركة في الثروة، ابتداء من طرح برنامج للحكم يضمن الحقوق الأساسية، وعلى رأسها حق المواطنة والحريات، وانتهاء بتوزيع الدخل والموارد وإستخدام الثورة الطبيعية وتوزيع فرص التعليم والوظيفة العامة.فبعد ان وصلت الجماعات الشيعية الى الحكم لم يعد مقبولا ان يقتصر مفهومها للعدالة على العدل الإلهي وارتباط ذلك بالإمامة تحديداً، دون ان يتناول العدل الإجتماعي كمفهوم اخلاقي وقانوني وسياسي، بما يتماشى مع السياق الجديد في العراق ومع روح العصر.كان المطلوب من الأحزاب الشيعية ان تقدم مفاهيم مبتكرة وبارعة عن العدالة لا تتخطى بها فقط المفاهيم الشيعية التقليدية عن غصب السلطة والإستبداد الذي مورس عليهم الى رحاب تأسيس نظام مشروع يمارس سلطة شرعية في اطار دولة مواطنة مدنية.

كان من المتوقع ان يرتب مبدأ العدل العلوي على الجماعات الشيعية التي استولت على السلطة مسؤولية وضع تلك المبادئ السامية كما وردت في الادبيات الشيعية  الكلاسيكية عن التجربة العلوية، اي الدولة التي قادها الامام علي بن ابي طالب، ومن صلب مبادئه وقيمه التي ارساها في اقواله وفي افعاله.لكن الذي تم فعلا هو استحضار التجربة العلوية على مستوى الخطاب العام بهدف إضفاء شرعية شيعية على النظام الجديد الذي اقاموه واسباغ طابع القداسة عليه، دون نظرية عمل سياسية تكون الترسانة التي توفر قاعدة أخلاقية لحكم راشد وعادل.

وعلى اساس هذه المسطرة المستمدة من التجربة العلوية التي حملوها شعارا ينبغي دراسة وتحليل تجربة الجماعات الشيعية في حكم العراق لرؤية مدى مطابقة تلك التجربة مع عدل الإمامة الذي يقف في صف واحد في اصول الاسلام الى جانب التوحيد والنبوة.ان كل المعطيات التي توفرت قبل الغزو الأمريكي وبعده بينت ان هدف حركات الإسلام السياسي الشيعية كان التمكين من رأس السلطة بحد ذاته ومن ثم  السعي للبقاء هناك بالاستناد الى الشرعية التي ستحصل عليها من تمثيلها للأغلبية..لكنها تجاهلت ان قضية الحكم ومشروعيته تتجاوز مسألة إستيفاء شرط الحصول على السلطة بطريقة شرعية الى ان تقوم  بممارستها فعليا بصورة شرعية، اي الا تكون مستبدة، او عاجزة، او فاسدة اوغير كفؤة.وحتى في المفاهيم المدنية فان الشرعية تبقى مرتبطة بمدى قدرة النظام السياسي على الإنجاز وعلى القيادة الحكيمة وعلى كسب ثقة واعتراف الناس به والحفاظ عليها ايضا، مما يجعلها في مصاف ضرب من ضروب العقد الإجتماعي بين الحاكم والمحكوم، يلتزم به او ينقض من احد الطرفين في اي وقت من الأوقات.

ولذلك فان حساب هذه الجماعات لابد ان يكون اكثر صرامة بحكم الشعارات العقائدية التي رفعتها والوعود التي قطعتها بعد ان انتقلت من حقل المعارضة الى ميدان العمل الفعلي ومن الأحتجاج بالمظلومية الى الممارسة العملية وتصديهم للمسؤولية في تطبيق العدالة الإمامية.صحيح ان الجماعات الشيعية في عراق ما بعد الغزو لم ترفع شعار الدولة الإسلامية، او تدعي تطبيقها للإحكام الشرعية الإسلامية، سواء وفق مفهوم ولاية الفقيه، سواء الولاية الكبرى او الصغرى، لكنها اكدت دائما التزامها الإسلامي على نهج الإمامة.فهل نجحت، او بالأحرى سعت، هذه الجماعات الشيعية في اتباع هذا المنهج بعد وصولها الى سدة السلطة، والى مواقع صنع القرار ولم يعودوا في موقع الضحية، وانما في موقع الحاكم الماسك بمفاتيح السلطة والثروة؟

ان كل شيعي يعرف ويكاد يحفظ عن ظهر قلب خصائص الحكم العلوي والتي تتقدمها ان الحاكم، بل الانسان المسلم، مكلف بإقامة العدل والدفاع عن المحرومين والمظلومين ومعاداة الظالمين، كما جاء في وصية علي بن ابي طالب لولديه الحسن والحسين “كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا.”لقد رسخ الإسلام العلوي العدالة باعتبارها عدالة شاملة حقوقية واجتماعية وسياسية وجعلها تكليفا يقوم على الإيمان العميق وعلى قوة الضمير الإنساني من اجل ارساء قواعد لإقامة مجتمع بشري سليم ومتناغم ومتوازن ومتعاون، مثلما جاء بكتاب توليته مصر لمالك الأشتر.ولم يجعل الإسلام العلوي العدالة صنوا للحرية وللكرامة فقط، وانما شدد على ضرورة ان يكون هدف السلطة هو تحقيق العدل المطلق، كما جاء على لسانه ايضا لابن عباس عن عدم شغفه بها (السلطة) “الا ان اقيم حقا، او ادفع باطلاً.”

فهل بعد كل ذلك هل يمكن القول ان الجماعات الشيعية العراقية اقامت دولة العدل كما رأها علي بن ابي طالب ونافح عنها الشيعة طيلة اربعة عشر قرنا، ام انهم اختاروا حكم الطغمة التي افترست الدولة ووضعتها في خدمة مصالحها الذاتية الأنانية، وبذلك يكونوا قد سقطوا في امتحان قيادة العراق التي انتظروها ثمانين عاما واسقطوا معهم التجربة الشيعية في الحكم في عقر دار التشيع التاريخي.الجواب على هذا السؤال يأتي من وقائع ما وصلت اليه الدولة التي قادها الشيعة خلال عقد ونصف حيث اقامت جماعات إسلامية سياسية شيعية نظاما اوليغاركيا حكموا فيه باسم الأغلبية وتحت لواء المظلومية لكنه ظل بعيدا عن تحقيق الأمل الشيعي بالعدالة الذي ظل حبيسا، اما في ارفف كتب التراث او في الصدور التواقة.فبعد خمسة عشر عاما من الإحتلال الامريكي للعراق اكتشفت الأغلبية الشيعية العراقية حجم الخديعة التي تعرضت لها حيث اصبحت الأكثر فقرا، وحيث مدنها وقراها هي الأكثر تخلفا، وتعاني من نقص، او انعدام، الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم في حين كانت قيادات الجماعات التي تحكم باسمهم تتحول الى طغم فاسدة مصابة بإنهيار الضمير اقامت دولة هي الاكثر فسادا في العالم.

حقا ان عوامل عديدة لعبت دورها في تدمير فرص نهوض العراق من ويلات الحروب والغزوات والديكتاتوريات بعد عام 2003 لكن الفصائل الشيعية التي اصرت على ان تتولى قيادة مشروع التغير تتحمل المسوؤلية الكبرى في ما حل بالعراق من كوارث ونكبات.لم تكن التجربة السياسية الشيعية نموذجاً في فشل قيادة مشروع إعادة بناء الدولة وإخفاق عملية التحول الوطني الديمقرطي فقط، وانما مثلت ايضا قمة العجز في بناء مشروع شيعي يلبي مصالح وآمال الشيعة في إطار الدولة الوطنية العراقية ويتلائم في الوقت نفسه مع تطلعات باقي الشيعة في المنطقة العربية وحاجات دولها الوطنية.لم توجه الجماعات الشيعية العملية السياسية التي انطلقت بعد الغزو الأمريكي فقط بالإتجاه الخاطئ ولكنها، ارتكبت ايضا خيانة اكيدة للمشروع العلوي ذاته الذي ادعت تمثيله ولتطلعات الشيعة في رد المظالم التاريخية التي تعرضوا لها.ان خير ما يعبر عن هذه الخيانة هو تضليل الشيعة بمشروع من نسج خيال عقول مريضة انتج هذا الكم الهائل من الفساد الذي مارسته قيادات تلك الجماعات والذي سجل مستويات ووقائع لا مثيل لها في التاريخ.

لقد لطخ الفساد المستشري في العراق اسم التشيع وكل ما كان يمثله في ضمائر اتباعه من عدالة وانصاف وحقوق للجميع، الا انه ذهب ابعد من ذلك حيث نخر عميقا في جسد العراق ربما اكثر بكثير مما فعل به خصومهم.ان السبب الأساسي لشيوع الفساد على هذا الوجه المدمر هو الجشع الذي مارسته الزمر الحاكمة من محرومي الأمس التي بدلا من ان تظهر قدرا من التسامح والصفح والتعالي على الأحقاد والضغائن والصغائر لجأت الى الحصول على منافع إستثنائية والإدعاء بمطالب غير شرعية، محاولة الإستفادة القصوى من السلطة والثروة التي سقطت بأيدها واعتبرتها ميراثا مباحا، وليس عهدا للإستصلاح والعمارة، كما رأها وسعى لها علي بن ابي طالب.

في فصول الكتاب القادمة سأستعرض وقائع تاريخ مرحلة كاملة مر بها العراق تحت قيادة جماعات الإسلام السياسي الشيعي، ساد فيها نموذج للحكم، كان بالمعنى الإقتصادي الإجتماعي نمطا جديدا كليا من تلك الأنظمة التي شهدتها البشرية عبر تاريخها وهو النمط الذي يمكن تسميته بـ”نمط الإنتاج النهبوي” مقارنة بأنماط اخرى ظهرت تاريخيا في ما كان يدعى بالعالم الثالث تم التنظير لها من قبل مدراس فكرية كـ”النمط الأسيوي” او “النمط الخراجي” او “النمط الأوليغاركي”.وسيتضح ان تلك الجماعات الشيعية العراقية التي راهن عليها كثيرون في مراكز الأبحاث واتخاذ القرار، وخاصة الآمريكية، غداة غزوة بن لادن والقاعدة لمانهاتن في نيويورك في 11 ايلول (سبتمبر) عام 2002، وعشية غزو العراق انها ستكون الوجه الناصع للإسلام لمواجهة التطرف والارهاب قد قدمت نموذجا تافها في الحكم ادخل العراق في دوامات من العجز والفشل والتدمير الذاتي.

 

 

 

 

دولة علي بابا

 

 

                         دولة علي بابا

 

  في تشريح سلطة الفساد والمحاصصة في العراق

 

 

                    صلاح النصراوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

“متى كان ذكر المهتوك حراما،

والتشنيع على الفاسق منكرا،

والدلالة على النفاق خطلا،

 وتحذير الناس من الفاحش المتفحش جهلا؟

…والله تعالى يقول (لا يحب الله الجهر بالسؤ من القول الا من ظلم).

 

 

 

 

 

                                                          ابو حيان التوحيدي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                             تمهيد

 

هذا الكتاب هو جزء آخر من سلسلة الكتب التي اصدرتها منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والتي وثقت واستعرضت فيها جوانب متعددة من اوجه الإحتلال والمآلات الكارثية التي انتهى اليه، والتي ادخلت العراق في نهاية الأمر في نفق مظلم لا قرار له، ولا بصيص من نور يبدو في آخره، كما وضعت العراقيين على درب العذابات والآلام الطويل الذي لا يزالون يحدون فيه دون أي أمل في نهاية قريبة له.واذا كانت الكتب الاخرى قد تناولت متابعاتي وملاحظاتي وتقديراتي الشخصية منذ بدء الإستعداد للغزو الى ما انتهى اليه العراق من بلد يقف على حافة الهاوية، فان “دولة علي بابا، في تشريح سلطة الفساد والمحاصصة في العراق”، كما يوحي عنوانه خصصته لتوثيق ودراسة وتحليل الحجم الفعلي للفساد، تلك الآفة السرطانية التي ظلت هي التعبير الأبرز لحصاد تلك التجربة الأليمة، وعصارة آثارها ونتائجها المرة التي سيظل العراقيون يتجرعونها سنينا، وربما عقودا، اخرى قادمة.

ومن خلال تشريح سلطة الفساد يسعى الكتاب الى تفكيك عدة مسلمات على رأسها مسلمة أساسية راجت منذ الغزو وهي ان العراق اصبح دولة شيعية، او حتى دولة يهيمن عليها الشيعة، بسبب ما احدثه سقوط النظام الذي كان يقوده السنة العرب منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بداية القرن الماضي من تمكين للشيعة وصعودهم على المسرح السياسي في العراق وفي المنطقة.يأتي هذا الكتاب في إطار جهد لطرح منهج وأفق جديدين لتاريخ الفترة التي اعقبت الغزو من خلال نقض هذه المسلمة واثبات ان الأمر لم يكن سوى اعتلاء جماعات الإسلام السياسي الشيعي في العراق دست الحكم وإنحدارها، مثلها مثل اية سلطة غاشمة اخرى، الى مستنقع الفساد وفشلها باقامة دولة العدالة الناجزة التي طالما انتظرها الشيعة.

ان الهدف من رواية تراجيديا الفساد الكبرى في عراق ما بعد الإحتلال هو ليس فقط لنقض الرواية التي تم الترويج لها عن بناء عراق ديمقراطي تعددي توافقي على انقاض نظام صدام حسين الدكتاتوري، وانما ايضا هز السردية التي روجت لها جماعات الإسلام السياسي الشيعية التي استولت على السلطة بعده بانها جاءت لتنهي مظلومية الشيعة المستمرة من بزوغ شمس الدولة الجديدة وان تقيم بدلاً عنه نظاما يستند الى تلك المبادئ السامية التي رسختها التجربة العلوية ومنهح آل البيت وعلى رأسها العدالة الإجتماعية.

في نهاية عام 2017، اي بعد ما يقارب من خمسة عشر عاما على الغزو اكتملت صورة العراق الجديد الذي بشر به المحتلون، بلد تعصف به رياح السموم التي تبغي اجتثاثه من جذوره، دولة مهيضة الجناح، مفككة، ومجتمع خائر القوى، كسير الروح، تفتك به الإنقسامات العرقية والطائفية.لم يصل العراق الى تلك الحالة فقط بسبب سياسات الإحتلال التدميرية والترتيبات الحمقاء التي وضعها لبناء الدولة الجديدة، او بسبب المؤامرات والصراعات التي ادارتها دول الجوار على أرضه، وانما ايضا بسبب انعدام المشروع الوطني الذي يستهدف بناء دولة كفوءة وعادلة تحل مكان دولة المشروع الإستعماري البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى وأنظمة الإنحطاط والقهر والطغيان التي انتجته.

كانت الحرب على تنظيم داعش الإرهابي التي شنها تحالف القوات الأمنية الحكومية مع الجماعات المسلحة التي نظمت في إطار الحشد الشعبي والتي بدأت عام صيف 2014 قد استنزفت العراق حيث كلفته نحو مائة مليار دولار حسب اعتراف رئيس الوزراء حيدر العبادي، اي ما يعادل موارد ميزانية الدولة لنحو عامين، وهي نفس الفترة التي استغرقهما القتال، في حين انها احالت معظم المدن السنية التي جرت فيها المعارك الى أطلال من أحياء سكنية، وبنى تحتية مهدمة، في الوقت الذي بقي الكثير من سكان تلك المدن نازحين في الخيام او مشردين داخل وخارج العراق.بطبيعة الحال ان الثمن الذي دفعه العراقيون من شهداء وجرحى ومن تضحيات باهظة كان اكبر بكثير من التكلفة المادية للحرب والتي اتضح في كل صفحة من صفحاتها انه كان يمكن تجنبها لولا انماط الفساد السياسي والإدراي والمالي التي ضربت بمنظومة الحكم، ومن بينها الأجهزة الأمنية، والتي سمحت لتنظيم داعش الإرهابي ان يتمكن من اجتياح نصف العراق وان يعلن دولة الخلافة الكاريكاتورية على ارضه.ربما كانت الحرب تلك قد قضت على الخلافة المزعومة، لكنها بالتأكيد لم تقض على جذور الغضب والرفض لدى سنة العراق من مشاعر الإحباط والإقصاء والتهميش التي يشعرون بها منذ سقوط الدولة التي هيمنوا عليها نحو ثمانين عاما.

من ناحية ثانية، كانت الضربة القاصمة التي وجهت لمشروع الإستقلال الكردي، بعد اجبار قيادة إقليم كردستان على التخلي عن نتائج الإستفتاء بشأن الإنفصال، قد اعادت القضية الكردية في العراق الى المربع رقم واحد.وعلى الرغم مما بدا للوهلة الاولى انتصارا للدولة المركزية على الميول الإنفصالية التي اظهرتها القيادات الكردية، الا انه سرعان ما اتضح ان المحاولات التي جرت بعد ذلك لتحجيم الفدرالية الكردية وتقليص مكاسبها المتحققة قد اضافت المزيد من الملح الى جرح الكبرياء الكردي الذي انفتح مع انهيار حلم الإستقلال.ومثلما كان الامر مع صعود داعش فان أزمة الإستفتاء على إستقلال كردستان لم تجر بمعزل عن الفساد الذي ضرب الدولة العراقية برمتها وبضمنها الإقليم الكردي.لقد تجسد المشروع الكردي منذ بداية تاسيس دولة ما بعد الإحتلال الأمريكي بظاهرة “ريع الازمات”، وهي حالة الإعتياش على الموارد الطبيعية (النفط والغاز) في مناطق النزاعات والتي تستهدف فيها الأطراف المتصارعة الحصول والسيطرة على اكبر قدر ممكن من الموارد.واذا كان هناك من دروس للأكراد انفسهم عن اخفاق مشروع الإستقلال والهزيمة والذل اللذان شعروا به، فان فشل مشروع الإستقلال الكردي كان سيعني من دون حل جذري للأزمة مع المركز العودة من جديد الى حلبة الصراع على الحصص في الموارد الذي تأسس على الفساد ونهب موارد وأموال الدولة، مما يعني استمرار تلك الدوامة اللعينة من الصراع التاريخي الكردي العربي والصراعات الإثنية الاخرى التي دخلها العراق منذ عام 2003.

ان محاولة القيادات والنخب الشيعية الحاكمة تجيير هاتين النتيجتين، اي هزيمة دولة الخلافة التي اعلنتها داعش وتبدد الحلم الكردي بالإستقلال، لصالحها بإعتبارهما انتصارين للحكومة التي تقودها الجماعات الشيعية كانت في الواقع تعبيرا عن قصر نظر شديد واستباق مبكر للأحداث، كما انها عكست العادة التي دأبت عليها هذه الجماعات في الخداع والتبجح والتي تؤكد بدورها المأزق الذي تعيشه الدولة بسبب عجز قيادتها وعدم كفائتها وفسادها، وهي الأسباب التي تقف وراء كل الأزمات الاخرى.ورغم ما تشي به من أغراض سياسية انتخابية فقد كان تأكيد رئيس الوزراء حيدر العبادي ان المعركة القادمة التي سيشنها بعد داعش وخطر الإنفصال الكري ستكون ضد الفساد هو اعتراف دامغ على ان الخراب الذي انتجته ممارسات الفساد لحكومته والحكومات السابقة هي التؤم الشرطي لظهور كل الأزمات التي عانى منها العراق.

في الصفحات التالية سأتناول كل هذه القضايا من خلال تجربة الحكم في “دولة علي بابا” منذ نشوئها بعد الغزو الأمريكي عام 2003، والتي اسس لها من خلال العملية السياسية التي اشرف الإحتلال على اطلاقها، مستعرضاً من خلال مقدمة نظرية الجوانب المتعلقة بالمظلومية الشيعية التي استندت اليها جماعات الإسلام السياسي الشيعي التي اختطفت الدولة ثم تأسيسها لدولة الفساد الجديدة، بدلا عن دولة الحق والعدل العلوي التي كانوا يدعون الإنتساب اليها، وبعد ذلك استعراض مطول لأهم الميادين التي طالها الفساد في الدولة وفي المجتمع في العراق.

ما جاء في الفصول الستة عشر التي تستعرض تفاصيل الفساد هي غيض من فيض، اذ لم يكن ممكنا على الإطلاق الإلمام بجميع، او اغلب، قضايا الفساد التي عانى منها العراق خلال هذه الفترة لأسباب لا تخفى على احد.ولكن الأمثلة التي ضربت في الكتاب والوقائع التي جاءت فيه وتم الإشارة اليها في الهوامش والمراجع والمصادر يمكن ان توفر مرجعا مهما للمعنين، سواء لتوثيق بعض قضايا الفساد، او لمتابعة خريطة اتساع وتمدد هذا الورم السرطاني في الجسد العراقي ومعرفة آثاره المدمرة.

لم يكن ممكنا ابدا الوصول الى المعلومات التامة لرواية قصة الفساد في العراق كاملة، ليس فقط بسبب غياب الشفافية، وحجب المعلومات وعادة الإنكار المتأصلة لدى القادة والمسؤولين، بل وايضا بسبب المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون والباحثون في محاولتهم الوصول الى المعلومات والبيانات، او التحقق منها، وهي مخاطر دفع ثمنها فعلا العديد من الصحفيين العراقيين الذي حاولوا القيام بهذه المهمة الجليلة.شخصيا حاولت سواء في مسعى الإعداد لهذا الكتاب، او ما نشرته من خلال مقالات صحفية عن الفساد، التواصل مع جهات ومؤسسات حكومية وبرلمانية معنية من خلال البريد الإلكتروني للسؤال والبحث وللتدقيق والتحقق في المعلومات الواردة في المصادر، الا ان كل محاولاتي تلك ذهبت ادارج الرياح.

لكن مع ذلك فان وقائع الفساد التي اشير اليها في ثنايا الكتاب، ورغم كونها جزءاً يسيراً مما دون في سجل الكتابات العامة عن هذه الظاهرة في مختلف أجهزة الإعلام ووسائل التواصل، اضافة الى مرويات مرموقة من صفحات التاريخ الشفاهي لهذه المرحلة جاءت على لسان بعض المقربين من الأجهزة الرسمية، او شهود العيان، تبقى لدي ذات مصداقية عالية نظرا لتطابقها بشكل يكاد يكون شبه كامل مع احداث ووقائع الحياة اليومية التي عاشها العراقيون، ومع تقارير ودراسات دولية معتبرة تناولت ظاهرة الفساد في العراق.يبقى اني سأعتبر نفسي مسؤلا عن صياغة الرواية العامة لوقائع هذا الفصل المأساوي من تاريخ العراق واتحمل مسؤوليتها وتبعاتها المهنية والأخلاقية والقانوينة لوحدي، آملا ان اكون قد اجتهدت فأصبت، غير ساع الى الحسنات، او الثواب، الا اكمال الرسالة التي اخذتها على عاتقي منذ ان بدأت تباشير الغزو الأمريكي للعراق في دحض الأساطير التي روج لها الأمريكان عن اهداف احتلالهم، وعن ذلك التاريخ الزائف والأوهام التي سعى لصنعها من اتوا بهم لحكم العراق.

ان هدف الكتاب يبقى مراجعة وتدوين لجزء من تاريخ هذه المرحلة المأساوية، ليس فقط من اجل نقض السرديات البالية التي انبنت عليها حكاية العراق الجديد وكل الأكاذيب والخدع التي رافقتها، بل كذلك لتذكير الأجيال القادمة من العراقيين بمسؤوليتها الأخلاقية والوطنية في اعادة قراءة هذه المرحلة التعيسة من تاريخ وطنهم من أجل إعادة وضع الأحداث ونتائجها في موضعها الصائب، بل الأكثر والأهم من ذلك، من اجل اتمام ما اخفق فيه جيلنا فيه، وهو توفير الأدلة الدامغة عن وقائع قضايا الفساد، احدى وسائل تدمير العراق، وتحديد كل ابطالها الأساسيين والثانويين، من اجل ان تتولى هذه الأجيال ما فشل فيه جيلنا، والقيام بملاحقتهم في كل مكان، لكي يدفعوا ثمن تلك الجرائم الخسيسة التي ارتكبوها في خراب العراق وتدمير خيارات شعبه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Beyond Iraq’s budget crisis

Beyond Iraq’s budget crisis
Iraq’s budget crisis is its latest challenge to master. The standoff could have grave financial and political implications, writes Salah Nasrawi
A state budget in any country is the government’s most important economic policy tool which provides a comprehensive statement of the nation’s priorities in a fixed period of time.
But in Iraq, a nation mired in corruption, mismanagement and political turmoil, drafting the annual budget is perhaps the most obvious example of the country’s ruling elites’ indifference and impotence and ultimately the government’s dysfunction.
Since the fall of the regime of former dictator Saddam Hussein in 2003 Iraq’s parliament has had difficulty passing annual budgets in regular order. Governments have also failed to present their final revenue and expenditure accounts for review and endorsement before passing the next annual budget.
Iraq’s President Fouad Masoum last week refused to sign the government budget for fiscal year 2018 which parliament has endorsed over concern that it violates Iraq’s constitution and fails to comply with a consensual deal to earmark oil revenues with the autonomous Kurdistan Region Government (KRG).
In a letter to the parliament, Masoum, an ethnic Kurdish politician, raised 31 objections to the budget law which he returned to the assembly for redrafting.
The International Monetary Fund (IMF), which controls Baghdad’s access to over $5 billion in international loans, has also come out against the budget, largely due to cuts in allocations to the Kurdistan autonomous region.
IMF Deputy Division Chief Christian Josz told Kurdish media that the group has communicated to the Baghdad government that about $5.56 billion that are in the 2018 budget “do not suffice to cover the needs of” the KRG.
The government, however, said there will be no turning back on the budget. Saadi al-Hadithi, a spokesman for the government said the budget was passed “in accordance with the law and in agreement by the Iraqi state institutions.”
“Every provision in it is in line with the IMF conditions.” He said.
Iraq’s parliament on 3 March passed the 2018 budget of about 104 trillion Iraqi dinars, or nearly $88 billion. The budget will run with a deficit of 12.5 trillion dinars, or about $10.58 billion.
The budget of the world’s fourth-largest oil producer has steadily shrunk in recent years because of fall of oil prices. This year budget is based on a projected oil price of $46 per barrel and a daily export capacity of 3.8 million barrels.
The KRG’s lawmakers walked out of the session in protest against what they described as cuts to the region’s share of budget allocations and for putting a ceiling on its oil exports.
But Iraq’s budget crisis goes beyond the KRG’s rejection which was highlighted by Masoum’s rejection, the IMF’s veto and some Western governments’ reservations.
Iraq’s financial law for 2018 does little to tackle the country’s economic fragility and rein in its huge underlining financial and monetary problems. In addition, the budget fails to address many issues crucial for the country’s future such general population welfare, quality of health service and education.
Instead of dealing with the country’s structural financial crisis caused by plummeting oil prices and government mismanagement, the budget increases the burden on the state’s coffers through resorting heavily to international loans and bond issuing to finance its deficit.
Under the budget, Iraq plans to take out some $6 billion in loans and credits from the IMF the World Bank, foreign governments and international banks to cover the budget deficit and financing imports.
Baghdad has signed a loan package with the IMF that would also serve as the basis for international banks to provide additional finance. The deal under the fund’s stand-by arrangement (SBA) puts sever austerity and monetary conditions for the loans.
There are grave social consequences in the 2018, too. The budget cuts public spending in education, health and other essential social services which are already reeling.
The budget also imposes belt-tightening measures, including cutting subsides, imposing new tariffs, sale taxes and credit the revenues to the public treasury.
Among the budget’s austerity measures, the government will impose a freeze on all state employees to reduce workforce through attrition, exempting the military.
Now, the consequences that result from Masoum’s and the IMF’s rejection of the budget remains unclear. The post of presidency in Iraq is largely ceremonial and Iraq’s constitution does not grant the president a veto power.
It is up to the parliament now to decide whether it will meet to amend the budget law. Right now, however, it is unlikely that the parliament which ends its term in May will reopen the debate over the budget and will most probably insist that Masoum should ratify it anyway.
That could leave the budget into limbo and prevent the government from taking aim at the structural problems that affect Iraq’s economy and may lead to important projects and initiatives being put on hold.
One of the key question now is how will the government be able to meet the terms of the IMF deal — which include a wide-ranging restructuring programme that aims to “bring spending into line with lower global oil prices and ensure debt sustainability”.
If Baghdad fails to reach specific economic and governance benchmarks laid out in the SBA, the IMF can cite non-compliance to put the agreement, and therefore billions of dollars for Iraq, on hold.
Another key question is that Iraq may lose some $30 billion in international pledges to help Iraqi stabilization and reconstruction following the war against the Islamic State (IS) group.
International donors at the February conference in Kuwait made pledges include loans, direct investment and investment guarantees all depending on success of the Iraqi government in providing fiscal discipline and combating corruption.
The dispute over Iraq’s government budget has become the norm rather than the exception. Most of Iraq’s budgets since the fall of Saddam’s regime went through political drama as lawmakers squabble for weeks of allocations.
Careening from one budget crisis to another has eroded the capabilities of the Iraqi government on everything from national defense to the delivery of social services.
And, like budget stalemates before it, this one too is expected to have adverse implications for the country’s volatile domestic politics, stability and may hurt efforts to fight the (IS) extremists.
The acrimonious debate over the budget has certainly deepened mutual mistrust and divisions among Iraqi communities, primarily between Kurds and the Baghdad Shia-led government.
The failure to resolve the dispute over the budget will sends a terrible signal to the Iraqi people and provide further evidence about how their leadership is becoming incompetent beyond repair.
To be certain, Iraq’s main problem is that of mismanagement and poor leadership. Unfortunately, Iraq’s upcoming election doesn’t promise change in leadership style nor in policy.
Iraqis, therefore, should be ready to embrace the future with more crises and challenges- some of them may be very grave and probably even fatal.
END