Category Archives: ما بعد التجربة

مذكرات فكرية

                                        عندما كنت جندية
                                          فاليري زيناتي
                                                 ترجمة                       
                                         صلاح النصراوي

ج2 ف11 (الفصل الاخير)

                                       حرة
19سبتمبر، السنة التالية، منتصف النهار.
دعونا نرى من التي ستجعل الأخرى تضحك أكثر.أنا و”إيانيت” جنباً إلى جنب في ذات القاعدة التي بدأت بها حياتنا العسكرية قبل سنتين.
نحن الآن في العشرين من عمرنا، وها نحن نستعد لكي ننطلق بالإتجاه الآخر.
أمس أقاموا لي احتفالا صغيراً ولكن كان مختصراً بسبب الحرب في العراق.
“أيتها البنات، ربما سنلتقي مرة أخرى بأقرب مما هو متوقع”، قالت “دفورا”.”اذا ما ساءت الأمور أكثر، فإننا سنكون بحاجة إلى تعزيزات، فلذلك سيتم إستدعائكن كإحتياط”.أنا لا أريد أن أتحدث عن ذلك اليوم.كنا أنا و”إيانيت” قد قررنا أن نحتفل بالمناسبة طوال أربع وعشرين ساعة في تل أبيب.سنذهب أولاً للسباحة، وبإمكانها أن تلتقي ب”غالي”.
نسلم بزاتنا العسكرية، الانوراك، أكياس الجوت، والأحذية التي لم نلبسها منذ أيام الدروس الأولية.يسمح لنا بالإحتفاظ بقرص التعريف وبأوراقنا الثبوتية كتذكار.
يمنحوننا شيكاً بمائتي شيكل لكل واحدة، هدية مع الحرية.
ننظر إلى المستجدين من أعلى إلى أسفل بتعال وهن ينهين مهماتهن الوضيعة تلك.
أولئك اللواتي ضحكن علينا قبل عامين لم يعدن هنا، غير أن ذلك ليس مهماً، فنحن انتقمنا لأنفسنا.
بينما نغادر القاعدة، نطلق زفرة عميقة، غير مصدقات.نجتاز حافلة مليئة بالبنات في الثامنة عشرة من أعمارهن بملابس ملونة وبتعبيرات قلقة.ها نحن نجتاز دائرة كاملة.
في الشاطئ نخلع ملابسنا بأسرع ما يمكن.أقول لـ”ايانيت” إننا نمتلك الآن كل العالم بين أيدينا، لسنا فقط في إجازة.
“هل تعلمين”، أقول لها، “لقد كانت هاتان السنتان لي بمثابة عالم لا نهاية له”.
تجري نحو البحر” وهي تصرخ: “اذن فقد وضعنا الآن ذلك العالم اللانهائي وراءنا.”
 ****
                                         عندما كنت جندية
                                          فاليري زيناتي
                                                 ترجمة                       
                                         صلاح النصراوي

ج2 ف10

                             مهمة سرية جداً ولم شمل في الجو
قادني عريف في الفيلق الجوي إلى الخيمة.
“ستنامين هنا”، قال لي.”سوف تبلغين ببعض التفاصيل يوم غد.”
هناك ستة أسرة داخل الخيمة، ثلاثة منها تبدو مشغولة.يشير العريف إلى أماكن الحمام والمقصف، ويتمنى لي ليلة سعيدة.
لم أعد أستغرب من الرقة في بعض المحادثات في الجيش.الظريف أيضاً أن أنام في قاعدة مختلفة.لا أعرف أحداً فيها ولست مكلفة بأية واجبات هنا.أبدو كسائحة.
في المقصف لا أكترث بالحديث إلى أي أحد.مالذي يمكنني أن أخبرهم عن مهمتي هنا؟في نفس الوقت أثني على براعة الطاهي، يبدو أنه يريد أن تكون معاناة الجنود الذين يطعمهم أقل من تلك التي يريدها الطاهي في قاعدتنا.
كنت على وشك الإنتهاء من كيكة الفاكهة، أفكر بالغد، حين توقفت فجأة عن التنفس.أحد ما يضع كلتا يديه على عيني.يبدو أن هناك من يمزح في قواعد الفيلق الجوي أيضاً.كرد فعل شكلي أقاوم، ثم أنهار بينما أسمع صوتاً مألوفاً يهمس.”هل فرت “أي-كيو 625” من الخدمة وطلبت اللجوء عندنا؟”
“إيانيت” صديقتي من الدورة الأولى، أكثر الصديقات جنوناً اللواتي قابلتهن.
“لكن مالذي تفعلينه هنا؟” أسئلها بإستغراب.
تبرطم قليلاً.
“علي أن اسألك هذا السؤال، ألست في قاعدتي؟”
“أسمك ليس مكتوباً عليها”، أرد عليها.”مالم يدعوك الآن ام.كي 1086.”
تتنهد وترنوا إلى السماء.
“حسناً، لاتعبثي معي، إعطيني جواباً والا سأضعك في واجب المراحيض منذ الآن.لا بد أن تعرفي أن لدى بعض السلطة هنا.”
أقف بإستعداد واؤدي لها التحية.
“تحت أمرك، أيتها الرقيبة.”
تضع يديها الإثنتين حول عنقي وتتظاهر بأنها تخنقني.أومئ نحو إشارة الخدمة السرية التي على كتفي وأهمس،”ليس بوسعي أن أنبس ببنت شفة.سري للغاية.
“بالطبع”، تقول بإستفهام بينما تطقطق أصابعها،”أنت هنا من أجل الغد، يا عزيزتي نحن في نفس القارب، أو دعيني أقول في نفس الطائرة.”
تعبيرات مرتبكة مني.
“هل نسيت أني أرسلت إلى وحدات الرادار.رادار!هل نسيت العلاقة مع الطائرات، أم تريدنني أن أرسم لك صورة؟”
أخذها من ذراعيها وأهزها.
“حسناً، دعينا نحتظن احدانا الأخرى وأن نحتفل بلم شملنا، أم تريدين أن نقضي الليل نتشاجر مثل جنديتين في حافلة في طريقيهما إلى الدورة الأولى.”
تأخذني إلى غرفتها، تطبطب على ظهري، تأتي ببعض البسكويت وعصير البرتقال من الدولاب، أشعر وكأنه حفل شاي.
تضطجع على سريرها.
“حسناً.”
“أنت أولا”، أقول لها، إحتراماً لسيدة الدار.
“لا، أنت اولاً.ماذا عن قلبك المفطور؟”
“أصلحته.”
“ماذا؟”
“نعم، تقابلنا بالكاد مرة واحدة، ثم هجرني بكل صراحة في المرة الثانية.
“أنت مجنونة، لا يجب أن تعودي للصديق السابق بأي حال من الأحوال، ابداً ابداً، ابداً.اذا لم تنجحي في المرة الأولى فمالذي يجعلك تظنين أنك ستنجحين في المرة الثانية؟”
أظن أن كلامها منطقي جداً.وفي الحقيقة لم يكن الحديث عن “جين-ديفيد” مؤلماً.
تسألني أسئلة أخرى، أسئلة من نوع إستجوابات الأصدقاء.
“كيف هي مهمة التنصت.”
“أنه أمر روتيني، لكن هناك الكثير من المفاجئات أيضاً، مثل اليوم.”
وصديقاتك في بئر سبع؟”
“نرى بعضنا أقل من السابق، بطبيعة الحال.أظن بأن كل واحدة منا لاتزال معجبة بالأخرى، أو ربما نحن مغرمون بما كان يجمعنا في الماضي.كل واحدة منا الثلاث تسير في طريق مختلف تماماً.لم نعد نحلم بنفس الأحلام.”
“والأخريات في وحدتك؟”
“متغطرسات، وطنيات، رافضات للخدمة العسكرية، ولكن لسن بسيئات، على أي حال.الضابطة المسؤولة، بنت رائعة.”
أخبرها عن “غالي” أيضاً وكذلك عن تل أبيب والقدس.ومن ثم يأتي دوري لكي أمطرها بالأسئلة.
تتظاهر باللامبالاة حين تقول، “حسناً، منذ المرة الأخيرة التي رأينا بعضنا فيها… متى كان ذلك؟، تذكرت، ذلك كان أمام حروف النار، أنشدنا القسم.عموماً، تورطت منذ أيام ما قبل تلك..”
“تورطت؟”
“بمعنى الجنس.كنت في ثلاث قواعد مختلفة:في دورة مشغلي الرادارات، تعيني في الجنوب، ومن ثم نقلي إلى الشمال.أعتقد أني تركت لدى شخص ما في كل قاعدة ذكرى طيبة…”تقول ذلك ببعض الرضا.
“لكنك لم، تقيمي علاقة، لم تقعي في الحب؟”أسئلها بتعجب.
“لا، كنت مرتاحة حينها، ذلك كل شيئ.سأقع في الحب حين أكون ناضجة وواثقة من أن ليس هناك المزيد الذي يمكني أن أتعلمه عن الصبيان.”
“والآن؟” أسئلها بعد أن لطمتني ببرودها.
“لا أحد.لقد انتقلت إلى هنا منذ فترة قصيرة، ولكن يطول الوقت..”، تقول بينما تغمز بعينها. وتضيف.”تعرفين كنت أفكر بك دائماً.”
“وأنا أيضاً.وبما أنني وجدتك في طريقي ثانية فأني أقسم بأن لن أدعك تفرين مني مرة أخرى حتى نهاية عمرك، أو عمري.” ثم أضيف بشيء من الجدية، “مالذي تعرفينه عن يوم غد؟”
“ليس الكثير، ربما ليس أكثر مما تعرفينه أنت.ستكون هناك حركة بالإتجاه الشرقي.شيء حول الأردن، سوريا والعراق.تعرفين أن هناك الكثير يدور بشأن العراق.”
“نعم، التوجيهات التي لدينا أن نكون أكثر حذراً، خاصة اثناء الإنصات إلى الطيارين الذين يتكلمون العربية-العراقيون، على عكس الأردنيين، لا يستخدمون الانكليزية.”
“غداً، سيكون هناك في الطائرة جنود من خدمات التجسس الجوي الثلاث، المنصتون، مشغلو الرادار والمصورون.سيكون هناك العديد من الضباط المهمين الذين لن يهتموا حتى بالنظر إليك.لديهم تلك الطريقة بالتركيز الشديد، شيء مثير للإعجاب.”
لبرهة نستغرق بالأحلام جنباً لجنب.فجأة تنهض فزعة.
“إنها العاشرة، دعينا نرتب سريرك، علي النهوض باكراً.أنت هنا في إجازة، اذ ليس لديك الكثير لتعمليه غير أن تحضري إيجازاً عند العاشرة وآخر في الظهيرة.لكن أنا لدي الكثير من المهمات.”
اؤدي لها التحية مرة أخرى.ننفجر بالضحك، كلانا سعيدتان بأننا إلتقينا مجدداً.
في العاشرة كان هناك حوالي ثلاثون منا مجتمعين في قاعة دراسية كبيرة.يرسم عقيد شيئاً أشبه بالحوت على السبورة، إنها الطائرة التي سنستقلها.يري كل واحد منا المكان المخصص له، كما يؤشر إلى المحطات التي سنرسل إليها المعلومات.كما يعطينا حوالي عشرين اسماً مشفراً لم نسمع بها من قبل، علينا أن نطلق الإنذار حالما نسمع بأي منها( ومن المفترض أن نهرب أيضاً).
أشعر بإنتشاء.سأكون حقاً في قلب عملية، و”إيانيت” إلى جانبي.لا يمكنني أن أجلس لكي أقرأ أو أكتب.أتجول في القاعدة، أغني وأعد الساعات.الإقلاع سيكون عند الساعة العاشرة مساءً.
في الرابعة يكون موعدنا مع الإيجاز الثاني والذي كان محبطاً للأمال.يقول لنا العقيد أن العملية تأجلت، التنبؤات الجوية سيئة.لكن السماء فوقنا زرقاء.أعزي نفسي بأني سأقضي يوماً أخر مع “إيانيت”
في اليوم التالي وعند الساعة الرابعة يؤكدون أن العملية ستبدأ كما كان مقرراً.لدينا متسع من الوقت لكي نهيئ أنفسنا.تأخذني “إيانيت” إلى غرفتها وتفرغ دولاب ملابسها على السرير.
“هل ستأخذين حماماً الآن؟” أسألها، مستغربة أن كان الوقت مناسباً لذلك.
“هل سبق وأن ركبت طائرة إستطلاع؟”لا، اذن لا يمكنك مقارنتها برحلة بطائرة بوينغ من باريس إلى تل أبيب.ليس هناك مقاعد مريحة، لا مضيفات يأتونك بالحلوى، ليس هناك سجاد فوق الأرضية، والطائرة تكاد تكون خالية.
“اذن؟”
“اذن، إنها شديدة البرودة هناك، ستتجمدين حتى أن أسنانك لن تتوقف عن الاصطكاك.في كل عملية ذهبت إليها كنت أضع طبقة إضافية من الملابس، ومع ذلك كنت أموت من البرد.”
“كم طبقة ستلبسين؟”
“أربعة.”
لا يمكنني الا أن أنظر بإعجاب إلى تلك الخبرة الواسعة التي تتمتع بها.
ثم أرتعب.
لكني لم أجلب شيئاً لي عدا الانوراك!لم يخبرني أحد بذلك.”
تشير إلى كومة من القمصان والبلوزات.
“ماذا عن كل هذا؟، هل تعتقدين أنها من أجل الطاهي؟”
بينما نمضي بإتجاه الطائرة نبدوا مثل بيض عيد الفصح باللون الخاكي.ارتديت سروالا داخليا وثلاثة أزواج من الجواريب، قميصا بنصف كم وإثنين بكم كامل، بلوزتين، بزتي العسكرية والانوراك.
“أبدو كبطل مسلسل “جاسوس طائر فوق السحاب”، أهمس لـ”إيانيت”، محتجة.
“نعم، ولكن مثل بطل فلم “الجاسوس القادم من البرد”، أنت على أفضل ما يرام”، ترد بحبور.
تمدني بقطعتين من الشكولاتة.
“ستحتاجينها عندما تشعرين بالجوع.عادة ما يعدون لنا شيئاً لنأكله، لكنه شحيح.من الواضح أن مغامرتنا بحياتنا لا تعني أن من حقنا الحصول على طعام أفضل.”
“أنت تتصرفين كأم أو كجدة، إيانيت هايموفيتش.”
في الطائرة يسلموننا، رزمة كبيرة، سترة نجاة، ومظلة.بعد الظهر علمونا كيفية عمل المظلة.رفعت يدي لكي أقول أني لم أقفز بالمظلة من قبل.
أحدهم يرد بمزاح.”لايهم، فأن سقطتي في أرض العدو فمن الأفضل الا تفتح مظلتك.”
الجميع ينفجر بالضحك لكني أرتجف من الرعب.
وانا أرتجف الآن مجدداً في الطائرة التي حلقت لتوها، من الخوف، من الإثارة ومن البرد.لكني أهتز.
هناك ثلاثون وجهاً صارماً يركزون في واجباتهم.أضع سماعاتي وأدون الملاحظات، نفس الملاحظات التي أدونها في القاعدة، لكنها على هذا الإرتفاع تبدو شيئاً مختلفاً.هل نحن ببساطة نحاول أن  نحمي أنفسنا من عملاء يحاولون إختراقنا؟هل هذه هي مهمة تجسس محمولة جواً؟.لدي شعور بأن هناك طائرات تنطلق في نفس الوقت مثلنا.
نبقى في الجو لساعتين دون أية حادثة.عندما نهبط يقول العقيد المسؤول عن العملية”لقد قمتم بعمل جيد.شكراً لكم جميعاً.”
في اليوم التالي هناك مقالات عن آلاف الأشياء ولكن ليس عن تلك العملية.أعود إلى قاعدتي بتلك النظرة الغامضة في عيني.
****

Saving Iraq’s absent heritage

An exhibition of Jewish artefacts has underlined the problem of Iraq’s cultural heritage being transferred to the US, writes Salah Nasrawi


A treasure-trove of Iraqi artefacts moved by the American army to the United States after the US-led invasion of the country in 2003 is at risk of not being sent back to Iraq because of mounting pressure on the Obama administration to hand it over to Jews of Iraqi origin.
Iraq has repeatedly demanded the return of the pieces, part of hundreds of thousands of illegally obtained cultural artefacts that were moved to the United States during its occupation of Iraq after the 2003 US-led invasion.
The US army also captured millions of documents, including the archives of the former ruling Iraqi Baath Party, the state’s intelligence archives and records of meetings with former Iraqi president Saddam Hussein, which it transferred to the United States as part of what is called Iraq’s absent heritage.
Items from the Iraqi Jewish collection were put on display last week at the National Archives in Washington in an exhibition that runs through 5 January. Called “Discovery and Recovery: Preserving Iraqi Jewish Heritage,” the exhibition has triggered a campaign by American Jews to pressure the Obama administration not to return the artefacts to Iraq.
On its website the US National Archives say that almost all the recovered documents relate to Jewish communal organisations in Baghdad, including the Iraqi chief rabbi’s office and Jewish hospitals and schools.
However, among the pieces on display are a Hebrew Bible printed in Venice in 1568, a Babylonian Talmud from 1793, a Torah scroll fragment including parts of the Book of Genesis, a Zohar (book of mysticism) from 1815 and other religious and community materials.
A lunar calendar in Hebrew and Arabic from 1972-73, one of the last examples of Hebrew items produced in Baghdad, is also part of the exhibition.
According to a story widely used by the American and Israeli media, the items were found in a flooded Baghdad basement in May 2003, just days after invading US forces captured Baghdad and ousted Saddam.
This story goes on to say that a group of US soldiers happened upon the Jewish documents while searching the headquarters of the mukhabarat, Saddam’s intelligence services, for evidence of weapons of mass destruction.
Nearly identical reports say that the documents, including books and records five centuries old detailing the life of Baghdad’s Jewish community, were found submerged under four feet of water in a building’s basement.
However, a new version of the archive story, published last month by Harold Rhode, an American specialist on the Middle East who worked as an analyst at the Pentagon and was in Iraq at the time of the 2003 invasion, gives a different account.
According to this version, it was Ahmed Chalabi, an exiled opponent of Saddam who arrived in Baghdad with the US invading forces, who called Rhode to tip him off about the trove to be found in the intelligence building.
Rhode was working at the time as a policy analyst with the US Defense Department and was assigned to the Coalition Provisional Authority (CPA) that took over the administration of Iraq after Saddam’s ousting.
Writing in Arutz Sheva, an Israeli news outlet on 27 October, Rhode said the documents were found in the Israel and Palestinian section of the mukhabarat, which had been submerged in water after the building’s water system had been destroyed by an American bomb.
American preservation specialists from the National Archives in Washington were summoned to Baghdad to salvage the items. A few weeks later the documents were flown to Washington.
As the discovery was made amidst the turmoil that spread across Baghdad after the fall of Saddam, there have been no Iraqi eyewitnesses or officials who have been able to provide details of how the collection was found or who authorised its transfer to the United States.
The US preservation project for the documents says on its website that this was done with the agreement of Iraqi officials.
Since then, the materials, which include 2,700 books and tens of thousands of communal records in Hebrew, Arabic and English, dating from the 1540s to the 1970s, have been given the name the “Iraqi Jewish Archive.”
The documents have never been seen in public and nor have they been registered officially in Iraq. It is also not clear if the sensitive materials have been used for research or documentation, or if they have been removed to a third country while in the US National Archives’ custody.
The US media has reported that some materials have been deposited with the Centre for Jewish History in New York, which is in partnership with other Jewish organisations.
The present exhibition in Washington has now led to Jewish activists in the United States, as well as some members of the US Congress, to demand that the artefacts never be returned to Iraq and that they be given to Iraqi Jews in the United States.
The lobbyists have been claiming that the documents were stolen from members of the Iraqi Jewish community before they emigrated to Israel or went into exile from Iraq.
They claim that the artefacts are part of the Iraqi Jews’ heritage and say that Iraq does not have the right to recover the sacred objects of a now-exiled population.
Among their other claims is that there is no constituency of Jews remaining in Iraq to ensure that the books are well-maintained, especially since the country is still riven by violent conflict.
An online petition has been organised to collect signatures urging the US government to keep the Iraqi Jewish archives. Some activists have written newspaper opinion pieces urging that the items be shared with the exiled Jewish community or that torn pieces of Torah scrolls be buried, as is customary for Jewish holy texts that are no longer useable.
However, under international law the artefacts and all other cultural and official materials removed from Iraq during the US occupation belong to Iraq and should be returned to the country.
International conventions relating to armed conflict clearly state that warring parties should take measures to prevent the theft, pillage or looting of cultural property.
The Society of American Archivists has also said that the seizure and removal of the documents from Iraq was “an act of pillage” prohibited under the laws of war.
The Obama administration has rejected requests to keep the pieces in America and has said that the collection will be returned to Iraq upon the completion of their preservation and the exhibition.
The US State Department also says that under an agreement that the US National Archives signed with the CPA in Iraq, the documents are to be returned to Iraq “following their restoration”.
State Department officials have expressed their confidence that the Iraqi government will make the materials accessible in an educational exhibition.
The Iraqis hope that the US officials will stand by their words, and Baghdad has said that it has reached an agreement with Washington to return the documents next year. On 31 October, Iraqi Deputy Culture Minister Taher Hmoud said the so-called Jewish archive should be returned before mid 2014.
Saad Eskander, director-general of the House of Books and Records, which is a department of Iraq’s Ministry of Culture, has said that an exhibition of the materials will take place in Iraq either next year or in 2015.
Once they have been returned to Iraq, Eskander said, the materials will be housed in the country’s National Library, with the goal of helping future generations understand the contributions that Iraqi Jews have made to the country.
The history of the Jews in Iraq dates back to the eighth century BCE, when an Assyrian army conquered the Kingdom of Judah, a client state of the powerful Assyrian Empire, and deported a portion of the population to Babylon in ancient Mesopotamia in what is now Iraq.
According to the Hebrew Bible, there were two more deportations of Jews to Babylon during the reign of the Assyrian King Nebuchadnezzar, whose armies conquered Jerusalem and destroyed Solomon’s Temple, sending more exiles to Babylon.
This period, known in Jewish history as the “Babylonian captivity”, was the period when the Jews wrote key Hebrew texts, including the two main sources of Mishnaic and Talmudic learning.
After the fall of Babylon to the Persian King Cyrus in 538 BCE, the exiled Jews began to return to the land of Judah, but many stayed on instead, putting down roots in what was to become one of the largest, most active and longest-lasting Jewish communities in the world.
Most of Iraq’s Jews left the country after the declaration of the state of Israel in 1948. Their property was frozen, or put under government sequestration. Now some Iraqis are even thinking of using the return of the Jewish treasure-trove to Iraq as a way of mending past history, even if symbolically.
Writing in the Iraqi Kurdish outlet Rudaw, Iraqi researcher Falih Hassan Fezaa said that the archives should be seen as a symbol of coexistence and mutual understanding by the new generations.
“Their presence in Baghdad would be a great opportunity to trigger frank and public debate about the necessity of restoring multicultural life in a Middle East that is heading towards a more brutal and exclusionary environment,” he wrote.
“With the archives in Baghdad, we can all seize a historic moment to restore the once tolerant multiculturalism of this region.”
                                       عندما كنت جندية
                                         فاليري زيناتي
                                                ترجمة                       
                                       صلاح النصراوي

ج2 ف9

                      عندما يموت العجوز كأن مكتبة أشعلت فيها النيران
                                          (مثل أفريقي)
19سبتمبر، الساعة الثالثة والنصف عصراً.
لا أعرف ان كان لي أن أكتب “سنة واحدة انقضت” أم “سنة واحدة متبقية”.أنا الآن في منتصف الطريق بالضبط، ولكن ذلك لا يعني أن المسافة قد قصرت.عليك الإنتباه اننا نكسب ميزة مع مرور الزمن، فمثل باقي البنات في الدورة بدأت أبدو وكأني جندية قديمة.هناك جنود مستجدين انظموا إلى هذا القسم، هم أصغر منا ببضعة شهور ولكن ذلك كفيل بأن يرسلهم إلى أسؤ الواجبات في الأعمال وفي الحراسة.أصبحت مغرمة بالتلال وبالأحجار التي تحيط بالقاعدة.هذا المكان أصبح بيتي.
اليوم سأستقل الحافلة إلى تل أبيب.منذ شهر أبريل، حين التقيت بـ”غالي” للمرة الثانية، أصبحت مسافرة منتظمة على خط الحافلات رقم 400.حالما يمنحوني إجازة أتسلل إلى هذه المدينة الفريدة:معظمها قميء بشكل لا يصدق.البيوت التي بنيت في الثلاثينات تركت لكي تشيخ ولم تجرى أية تحسينات عليها، ولكن إلى جنبها بنيت عمارات شاهقة، حديثة، كل منها تحاول أن تنافس التي قبلها بالحداثة وبالتقنيات العالية.
نعم، مدينة قبيحة، لكنها تعيش دورة أبدية وكأن الغد لا يأتيها، كأن كل واحد فيها سيموت خلال ساعات، ولذلك فهو يرقص رقصته الأخيرة، ويشرب كأسه الأخير، يسكر بثمالة الحب، الموسيقى، والخمر قبل أن يذوي.
تل أبيب أكبر مدينة في إسرائيل، والتي تحاول أن تنسى أنها في إسرائيل، تقع على بعد بضعة كيلومترات فقط من الأراضي الفلسطينية.تل أبيب التي تؤمن بالبحر والمقاهي وصالات الدسكو، شأنها شأن القدس تؤمن بالله.
المدينتان لا تشبهان بعضهما، والإثنتان منغمستان في حرب لا اسم لها منذ عام 1926حين ولدت تل أبيب (مقارنة مع القدس التي عمرها 3000عاما).هناك نكتة قديمة تقول إنه طلب من أحد الأشخاص من تل أبيب أن يسمى مكاناً يحبه أفضل من القدس، فأجاب:”الطريق إلى تل أبيب” وبالعكس.
وقعت في حب المدينتين.لا أكل ولا أمل من حجارة القدس، الضوء الذي يتكسر فوقها، الروائح، الوجوه والأديان، اليهودية، المسيحية والإسلام تلك التي عبدت طرقها.أحب التجوال في السوق العربي في المدينة القديمة، أشرب قهوة تركية (مرة، غامقة وفي قدح، أو أكل الخبز العربي المعمول بالسمسم والزعتر.أراقب اليهود المتدينين بجانب الحائط الغربي بإعجاب:الناس الذين يصلون هنا، يهزون بأجسادهم إلى الأمام والى الخلف، لا يبكون أو يتعزون.عيونهم متألقة كأنهم يروون شيئاً أو أحداً لا أراه أنا (الله)، واحد يعرفونه حق المعرفة ويسألونه أن يعمل شيئا لهذا العالم الذي جن.
هناك آلاف الطرق لوصف القدس ولكن هناك طريقة واحدة للوقوع في حبها، وهي ما أقوم به”السير دون توقف من الحي العربي إلى الحي المسيحي ومن أسوار المدينة القديمة إلى المقاهي في المدينة الجديدة.
لكني أيضاً بحاجة إلى تل أبيب كي أتنفس ذلك الهواء الذي يبتغيه الشباب في سن العشرين، يريدون من العالم أن يكون على شاكلتهم، أحراراً، مندفعين، محلقين بين السعادة والتعاسة، بين العبث والجدية، لمجرد أن ينتهوا أكثر سعادة.
أسسنا أنا و”غالي” مقرنا في شارع “شينكين”، الشارع الوحيد في العالم حيث هناك مقهى لكل إنسان.نجلس لكي نتحدث لساعات طويلة في مقهى “كازيه” إلى جانب كتاب منهمكين في وضع اللمسات الأخيرة على كتبهم وهم يحدقون في كوب القهوة.من لا يكتب فأنه يحلم أن يكون كاتباً يوماً ما.
مثل “غالي” ومثلي فأن الجميع يعتقدون أنه لابد أن يكون هناك ثورة، وأحياناً نذهب لكي نتظاهر مع “نساء في سواد” مطالبين بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية.يلبسن السواد حداداً ويتعرضن إلى سوء معاملة مزرية من قبل اليمينين المتعصبين كل يوم جمعة.(الأسبوع الماضي قلت لغالي” يبدو أن اللون الأسود أصبح يمثل لون اليسار).
أحياناً نتفق على أن نتخلى عن السياسة في أحاديثنا-إنه لأمر شاق أن نحاول أن نغير عالماً يبقى عصياً على التغير.بعد ذلك نتحول إلى الكتب:يخبرني “غالي” بأن علي أن أقرأ “عوليس” لـ”جويس” وأنا أرد بأن عليه أن يقرأ “فيينا عند الغسق” لـ”شينتزلر”.أحب أن يكون لي صديق، شبهي، يعتقد أن ليس بالإمكان أن يجازف المرء بالموت دون أن يقرأ كتباً معينة.
بعض هؤلاء الأصدقاء ينضمون إلينا أحياناً، أناس أنهوا الخدمة العسكرية، أعمارهم بين الثانية والعشرين والأربعين، مخرجون سينمائيون، طلاب، ممثلون ورسامون في النهار…ونادلون في الليل.
في تل أبيب أنسى أني جندية.
اليوم يقرر “غالي” أن يقدمني إلى اقرب الأصدقاء إليه، “زفي كامناسكي”.في المرة الأولى التي ذكر فيها أسمه قال” أنه اقدم بائع كتب في تل أبيب، في الخامسة والسبعين من عمره.ليس هناك من في العالم من يستطيع أن يثير فيك المرح  وأن يجعلك تضحكين مثله.يحب الضحك على نفسه وأن يكون لطيفاً مع الآخرين.”
نذهب إلى محله الصغير حيث أكوام الكتب تصل إلى السقف.هناك عدد قليل من الأشخاص يجلسون على مساطب، يحتسون الشاي، يتحلقون حول رجل ملتحي بشعر أبيض.يذكرني بشخصية “غيبيتو” في رواية “بينوشوا”.أشعر برهبة ولكن حالما يلمحنا “زفي كامناسكي” ينهض وبرفق يطلب من الآخرين أن يغادروا.
“هلموا، لقد تعمقنا في الماضي بما فيه الكفاية، إفسحوا الطريق للشباب.وعلى أي حال فأن هذا الشاب يشتري كتباً مني”، يقول “زفي” وهو يشير إلى “غالي”.في عينيه بريق، أدرك ما كان يعنيه “غالي”.نجلس على المساطب.
“أهلا “فاليري”.”
انظر إلى “غالي” بإستغراب.
“حسناً، من الطبيعي أنه أخبرني عنك، على الأقل بقدر ما أخبرك عني.”
لا أعرف ماذا أقول.في هذه اللحظة، أبارك ذلك الشخص المميز الذي ابتدع الأخلاق الحميدة.
“أنا سعيدة بلقائك “سيد كامناسكي”.
“سيد كامناسكي”، المرة الأخيرة التي نوديت بهذا الأسم كانت في بولندا قبل الحرب!لا ينبغي أن نتحدث عن الأشياء التي تثير الإحباط، علينا أن نتعرف على بعضنا بدلاً من ذلك:هل تشربين شايك بالسكر أو بدونه؟”
“بالسكر، أرجوك.”
“ممتاز، اذن أنت من النوع الذي يحب الحياة.ولكن أنا أعرف ذلك من قبل.سأذهب لكي أجلب أقداحاً نظيفة.”
في أثناء غيابه، يهمس “غالي” لقد عرض عليك الشاي، معناه أنت الآن ضمن المجموعة.بإمكانك أن تأتي إلى هنا في أي وقت، حتى ولو كان في منتصف الليل، فسيفتح باب المحل لك بمفردك.”
يعود “زفي” وهو يصفر بمقطوعة “شوبيرت “السمفونية الناقصة”.لا أستطيع أن أرفع عيني عن أكداس الكتب، بينما الفنان الذي خلق كل هذا الكيان الغريب يقول:” لابد وأنك مستغربة من كل هذه الفوضى، أليس كذلك؟”
“يعني، قليلاً.”
“حسناً، هذا ما أحاول أن أفعله، أن أفاجئ الناس حين يدخلون إلى هنا.الكتب لا تهوى أن تنظم حسب الحروف الأبجدية أو حسب مواضيعها.فالترتيب الأبجدي يظهرها بشكل رتيب والترتيب حسب المواضيع يجعلها مثيرة للملل.فمقالة تاريخية لن يهمها اذا ما وضعت جنب رواية عن الحب…ذلك يعطي فرصة للتأمل، للتفكير بشيء مختلف.أكره المكتبات التي تبدوا وكأنها صيدلية”، يقول ذلك وهو يضع مسحة من الجد، “كل شيء فيها منظم والناس تأتي بقوائم صغيرة (الوصفات)، يتحدثون بهدوء(هناك مرضى موجودون)، يدفعون حسابهم على عجل، ثم يمضون، إنه شيء مثير للرثاء.”
“ولكنك توصي دائماً بأن القراءة مثل وصفة طبية؟” يتدخل “غالي”.
“ممممممممممم، هنا أنت على صواب…تلك هي المسألة.فأنت لايمكنك أن تعطي “المحاكمة” لـ”كافكا” لشخص إنفصل تواً عن صاحبه، فلربما لن يصلحا علاقتهما أبداً.”
“وماذا تقترح لشخص في طريقه للإنفصال؟” أسأل وكلي فضول.
ينظر الي بحنو.
“أولا أنصحهم أن يذرفوا دموعهم إلى آخر قطرة، حتى يشعروا أنهم جفوا مثل تراب هذه الأرض.بعد ذلك ليفتحوا “عشيقها” لـ”ألبرت كوهين”-إنه من مواطنيك.ألف صفحة من الحب والفراق، ذلك كثير.”
جرس صغير يرن في جيبي يدفع “زفي” إلى الصمت-كدت أموت من الخجل.منذ حوالي شهر أصبح على كل جندي في القسم أن يحمل جهازاً حيث بإمكان القاعدة أن تكلمه على مدار الأربع والعشرين ساعة.أنظر إلى الرسالة:
عاجل:على 3810159 العودة إلى القاعدة فوراً.توقيع-3575028، تلك هي قائدتنا الجديدة “دفورا”.
أنهض على مضض وأتلعثم بكلمات بأن على الذهاب.ينفطر قلب “غالي”، مثلي تماماً؛ “زفي” هو الوحيد الذي يبتسم.
“إنهم ينادونك بالعودة حتى تكوني أكثر إشتياقاً بالرجوع إلى هنا مرة ثانية.”هذا المحل هنا منذ أربعين عاماً ولن يغلق أبوابه غداً، هيا خذي هذا للطريق”، يضيف، ويناولني كتاباً صغيراً.أحاول أن أجد محفظتي ولكن “غالي” ينغزني بمرفقه بما يعني:لاتفعلي ذلك، سيشعره ذلك بالإهانة.ولذلك أشكره بأفضل ما يمكن، لكن أدرك أن الأمر ليس سهلاً عندما تكون متأثراً وعلى عجل.
في الحافلة وفي طريق العودة(نفس السائق الذي أتي بي بالذهاب، ولا يفهم إطلاقاً عندما يراني).فتحت الكتاب الذي أعطانياه “زفي”.
“قصائد عن القدس” بقلم “يهودا أمخاي”.
أدفن نفسي فيها فوراً.
“دفورا” تننتظرني عند بوابة القاعدة، شعرها الأحمر المجعد في فوضى، عيناها الخضراوتان، وجه هادئ ممتلء، وصوت عميق مذهل.تمنحك الأحاسس بكفاءة لامعقولة.أحس معها بأني بحالة أفضل كثيراً من القائد الذي سبقها.”أوري” كان يطلق نكاتاً سخيفة، في حين أن لدى “دفورا” روح المرح، وهما شيئان مختلفان.أحياناً تشتغل ثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد، وتجعلنا نشعر بالحاجة أن نعمل الشيء ذاته.أصحبت في التاسعة عشر والنصف من عمرها(في الجيش نحن مثل أطفال رضع، نقوم بحساب أعمارنا بدقة، فأشهر قليلة تجعل الأمر مختلفاً تماماً.
ترحب بي “دفورا” بإبتسامة عريضة، هدفها أن تطمأنني، على ما أعتقد.
“اتركي حوائجك عند البوابة، وتعالي معي.”
تقدم لي الشاي.وأخذه لأني لم يتسنى لي إكمال الشاي الذي كنت أشربه في تل أبيب:تحمل قلماً وتبدأ برسم بيت صغير بينما بدأت تتحدث.
“حسناً، سيتم يوم غد تنفيذ مهمة خاصة جداً.من الواضح أن لا أنت ولا أنا نريد أن نعرف ما هي في الوقت الحاضر.احدى طائراتنا ستقوم بالتحليق بأجهزة الإنصات فوق المنطقة.طلب منا أن نرسل شخصاً ما ووقع إختياري عليك.”
يكاد قلبي الذي ينبض بقوة أن ينفطر.بعض القدامي سبق وأن كانوا في مهمات كهذه وعادوا في منتهى الإثارة وأحتفظوا بتلك النظرة الغامضة على سيمائهم لعدة أيام تالية.لاتزال “دفورا” مستمرة بالرسم، تضيف أشجاراً إلى جانب البيت، بحيرة وزورق.
“عليك أن تعلمي أن هناك مخاطر”، تقول وهي تنظر نحوي.”الطائرة لن تبقى في الأجواء الإسرائيلية ولربما تم إعتراضها، ستكونين تحت الحماية، بطبيعة الحال، ولكن ليس هناك مهمة بلا مخاطر.”
“ألن تقومي برسم طائرة؟” أسئلها وأنا أشير إلى الورقة التي على المنضدة.
“لا، ذلك هو البيت الذي سأبنيه يوماً ما على بحيرة طبرية.”
أعجب بها لأن لديها خططاً محددة-أنا لدي أحلام فقط.
“حسناً؟” تسألني.
“سأتي لزيارتك في بيتك” أقول لها، ثم أضيف،”وسأخبرك كيف سارت الأمور في مهمة الغد.”
تتنفس الصعداء ثم يصبح صوتها أكثر جدية حين تقول، “هذه هي أوامرك للمهمة.هذا المساء ستركبين حافلة رقم (—) إلى قاعدة ب.القاعدة على بعد كيلو متر واحد منا فقط، وعليها علامة ام كي1086.سيقومون بشرح المهمة لك هناك.”
تنهض وأنهض أنا معها.ثم تصافحني.
“سترين.عندما تنسين كل ما جرى أثناء الخدمة العسكرية، فأنك ستتذكرين هذه.”
ها أنا في حافلة مرة أخرى، الثالثة التي أستقلها هذا اليوم.اذا كانت شركة “أيغيد” تمنح بطاقات اخلاص سيكون بإمكاني السفر مجاناً لثلاثة قرون بسبب النقاط التي جمعتها.الليل يهبط سريعاً جداً، أدمر عيناي محاولة أن اقرأ السطور الأخيرة من قصائد “اميخاي”.
أكاد أشعر بعينين حنونتين ترقباني.إلى يميني هناك أمرأة عجوز متغضنة الوجه تراقبني بلطف.
“أنت تذكريني بشخص ما.”تقول لي” شخص طيب.”
أرد عليها بإبتسامة.
“انت كذلك، عيناك تشبهان عيني جدتي، وهي كانت شخصاً طيباً أيضاً.”
أشعر بأننا قلنا كل شيء.مالذي يمكن أن تقوله بعد أن تطمأن إلى شخص كهذا؟لكنها تمضي بالقول.
“أنت فتاة طيبة، وأنا متيقنة أنك جندية جيدة.أتمني أن يكون لي بنت مثلك، لكن لم يكن لي أطفال.كنت في “فيلنا”.هل تعرفين أين تقع؟”
دروس التاريخ سرعان ما تبان، عاصمة “لتوانيا”، القدس الجديدة كما كانت تسمى، مدينة الألف حاخاماً قبل أن يجتاحها النازيون.أطأطأ رأسي، أشعر بألم في داخلي.
” الألمان أتوا.أطلقوا النار على بعض اليهود وأخذوا الباقين إلى غيتو.لماذا يقتلون شخصاً وليس غيره؟كنت في الثانية والعشرين، لدي أب، أم، أخ صغير، وأخت أصغر.كان لي حبيب وكنا على وشك الزواج.أراد الإنتظار حتى تنتهي الحرب، كان يقول لن يكون لنا أيام حلوة ونحن محاطون بالموت.كان أسمه “ياتسيك.”
” في اليوم الأول قتلوا أبي.مرضت أمي وتوفيت بعد ذلك بقليل.كنا جائعين ونعاني من البرد.كنت مرعوبة مثلما كنت في صغري أخاف من الذئب في الليل.ولكن حينها كنت في الثانية والعشرين، وكان يحوم حولنا مجموعة ذئاب ليل نهار.حاول “ياتسيك” أن يهرب من الغيتو لكنهم مسكوه.لم يره أحد منذ ذلك الحين.
أبكي بصمت.تستمر وهي تضع يدها فوق ذراعي.
“في أحد الأيام خرجنا أنا وأختي نبحث عن شيء نأكله.شاهدنا أحد الألمان، جاءنا ينفجر ضحكاً، ثم وجه بندقيته إلي، إلى أختي، إلي، إلى أختي.في النهاية كانت هي التي من تلقت رصاصاته.
“بعدها، بقي إثنان منا.”شلوميل” أخي الصغير، وأنا.تمكنا من الهروب من الغيتو وإستطعنا الإختباء لدى جيراننا القدامى.بقينا في سردابهم سنتين.عند نهاية الحرب سألونا إن كنا نرغب بالبقاء معهم، لكنا لم نستطع، كنا نريد أن نترك البلد الذي غرق بدم أهلنا.
“في عام 1948 ركبنا مركباً جاءت بنا إلى هنا.وصلنا في نفس اليوم الأول لحرب الإستقلال.أخذوا أخي حالما وطئت أقدامنا الأرض، وأعطوه بندقية، وقالوا له:”اذهب لتقاتل مع الآخرين لكي تدافعوا عن الوطن.”لم يحمل سلاحاً من قبل وصرع في اليوم الثاني من القتال.”
لا أعلم ان كنت لا أزال أتنفس.أنهت رواية قصتها بهدوء.
“لماذا أعيش بعد أن مات الجميع؟لا جواب عن هذا السؤال.أنت تذكريني بأخت “ياتسيك”-ذلك هو السبب الذي جعلني أقول لك كل تلك الأشياء.”تتوقف هنيهة، ثم تضيف،” لا ينبغي أن تبكي.الآن هناك فتيات مثلك بإمكانهن الدفاع عن الوطن اذا ما إحتاجكن.لم أتزوج أبداً، لم أرد أن أجعل أحد ما تعيساً طيلة حياته.لكن كل طفل في هذا البلد هو طفلي وأشعر بسعادة عندما أراكم…”
تخرج مني زفرة عميقة.علي النزول من الحافلة خلال دقائق، لدي مهمة ينبغي إنجازها.هناك دم جديد يتدفق في أوردتي، كأني سأقاتل من أجل هذه العجوز، ذات العينين الودودتين والتي ترتجف يدها وهي تمسك بذراعي.

****

                                      عندما كنت جندية
                                        فاليري زيناتي
                                              ترجمة                       
                                      صلاح النصراوي

ج2 ف8

                                  عملية الخشخاش الأزرق
أحتفل بعيد ميلادي التاسع عشر في الحافلة التي تقلني عائدة إلى القاعدة، منهكة القوى ولكني أستيقظ بين الحين والآخر مع سؤال واحد يؤرقني:لماذا طلبوا مني العودة في منتصف إجازتي؟لو كانت الحرب قد قامت لكنت قد عرفت ذلك.
لكن ربما هناك حرب ستقع وطلبوني لأنهم بحاجة إلى وجود جميع العاملين بخدمات الإنصات لكي يستطيعوا مواجهة الموقف.
عند الساعة 8:57 أضع حقيبتي فوق سريري، أعدو إلى الملجأ، أرفع بطاقتي إلى وجه الضابط المناوب عند الباب المؤمن وأندفع بكل قوتي لكي أفتح الباب الثاني المحصن المفضي إلى “المطبعة”.
بسرعة أفهم ما الذي يعنيه تعبير”فضاء ملغوم جداً .”
غرفة الإنصات مزدحمة بأناس كثيرين.حضر كل جندي في القسم، البعض يضع زوجين من سماعات الإنصات.جميع أجهزة التسجيل تعمل، هناك عشرة أشخاص على المنصة الرئيسية يصرخون، يصدرون إنذارات، وأوامر بشفرات ليس بإستطاعتي التعرف إليها.
“أوري” الذي لاحظ للتو أني موجودة، يسرع نحوي لكي يفسر لي الأمر على نحو سريع، ”يقومون بتغير كل الترددات والشفرات.إسرعي وخذي موقع “ياريف” التي تقوم بالبحث.”
أجلس فوق المنصة الصغيرة أمام جهاز الكومبيوتر أبحث في الترددات.كان من المفتترض أن تجري هذه العملية والتي تدعى “الربيع النظيف” الأسبوع القادم:كل ما لدينا من معلومات أنها ستجري يوم 8أبريل.الأردنيون يثبتون لنا أنهم اصحاب نكتة عملية:أنه يوم الأول من أبريل.
هناك عدة أرقام تظهر بالتناوب على الشاشة التي أمامي.أبقى مع كل تردد لمدة عشر ثواني، ثم أنقل المعلومات ألى “أوري” والى الجندي الذي يقوم بنقلها على شريط التسجيل.تمضي المعلومات كما يلي”
“تردد 176، سرب من ثلاثة طائرات!”
245، برج المراقبة.”
189، محطة الرادار.”
165، أصوات ما.”
213، طائرتان، هدف-1، هدف-2 .“
310، طيار ومساعد طيار.”
278، يتكلمان العربية.”
213، سرب، لا أعرف كم عدد طائراته.!”
213، تصحيح، ثلاثة طائرات.جمل-123!”
بحدود الثالثة بعد الظهر تهدأ الأجواء.لم أحس بإنقضاء الوقت.الإثارة والسرعة التي صاحبت العملية حملتاني على جناحين.
نبتسم جميعنا بملء أشداقنا، سعداء بأننا تمكنا من إنجاز المهمة.والآن يبدأ العمل الآخر:الإستماع إلى كافة الأشرطة التي سجلت، تبويب المعلومات، وضعها في الإطار الصحيح-الأسماء المشفرة، الترددات، الأسراب، أبراج المراقبة، التعرف على الأصوات واحداً واحداً لكي نعدل وتصبح “صياد-1” “نمر-1” والقاعدة التي كان أسمها “صحراء” أصبحت “الاراضي المقدسة.”
عند الساعة الحادية عشر مساءً نوقف فريق العمل الدقيق هذا، نسقط اعياء.يبقى جنديان فقط في محطة الإنصات-كل الأعمال تسير على قدم وساق تماماً مثلما عندما يتم إغلاقها في هذا الوقت كل يوم عدا حين يكون هناك تمارين ليلية.ولكن ليس هناك ما يشير إلى إمكانية حدوث ذلك هذه الليلة، أعتقد أن الأردنيين مرهقين مثلنا تماماً .أستلم النوبة من “نوا”، أنصت إلى خط مطار عمان الدولي.طائرة فرنسية تحلق في الأجواء الأردنية.
“إيرفرانس 847، في طريقها من باريس إلى بغداد، مساء الخير عمان.”
“مساء الخير إيرفرانس 847، ماهو ارتفاعك؟”
“خمسة آلاف قدم.”
“خمسة الاف قدم، حسناً .”
“إيرفرانس 847 إلى عمان، اليوم هو عيد ميلاد الطيار المساعد.هل بودك أن تقول له شيئاً؟”
“طبعاً ، عيد ميلاد سعيد”، يقولها بالفرنسية.
كاد أن يغمى علي عند سماعي المراقب الجوي الأردني وهو يلفظ “عيد ميلاد سعيد” بالفرنسية.الطياران الفرنسيان ينفجران ضحكاً ويعربان عن إمتنانهما للتحية السريعة التي جاءتهم.أبتسم لنفسي، أفكر أن هناك شخصاً ما على الأقل يشاركني الإحتفال بعيد ميلادي.لايهم على الإطلاق أنه لا يعرف ذلك.
استغرق الأمر عدة أيام حتى تمكنا من تحليل الأشرطة للعملية التي أطلق عليها الأردنيون أسماً مثيراً وهو “الخشخاش الأزرق”.إجازتي أجلت إلى إشعار آخر.لست سعيدة بذلك ولكن ما الذي بيدي أن أفعله؟
عزاءً لي منحوني إجازة صغيرة لعطلة نهاية الإسبوع.سأكون حرة منذ الرابعة عصراً الجمعة حتى السادسة مساء السبت.تلك هي بالضبط فترة السابات، يوم الراحة اليهودي، حيث لاتسير الحافلات.بالطبع أصحبت معتادة على إيقاف وركوب السيارات المارة (والتي أحبها حقاًً:هناك شيء من الإثارة في لعبة الحظ على الطرق هذه حيث تقضي وقتاً مع أشخاص غرباء تماماً، الذين يغرقونك بالحديث عن قصص حياتهم والذين أحياناً أنا أيضاً استأمنهم على حكاياتي، مدركة أن من غير المحتمل أن ألقاهم مرة ثانية)، لكن بئر سبع بعيدة جداً عن القدس وليس بإمكاني المجازفة بأن أعود في الموعد المحدد مساء السبت.
(لو…لو كان “جين-ديفيد” لايزال يحبني…لكان بإستطاعتي..لكان بإستطاعتنا…شششششش!هذه التمنيات مؤلمة.)
ما الذي علي أن أفعل؟ سيكون في منتهى الغباء لو أني بقيت في القاعدة.ذلك سيبدو مثل فوزي بالجائزة الأولى باليانصيب ولكنها لاتغير شيئاً في حياتي، أو كأني ربحت تذكرة سفر بالطائرة إلى البندقية ولكني لا أريد الذهاب لأني أخشى أن أدفع اجور التاكسي إلى المطار.
تل أبيب على مقربة 60 كيلو متراً من القدس.اذا ما اسرعت فسأتمكن من اللحاق بحافلة الساعة الخامسة.في رحلة العودة هناك فرصة أن أعثر على من يقلني إلى القدس في مدينة ساحلية كبيرة أكبر من مدينة صغيرة وسط الصحراء.
حافلة رقم 400 تنطلق حالما أحط في محطة الحافلات.أجرى ورائها والوح بيدي وأصرخ، قف”!.قف!”أعلم أني أبدو مثيرة للضحك تماماً، ولكني كنت قد قررت نهائياً بأني سوف أذهب لمشاهدة البحر وليس هناك قوة بإمكانها أن توقفني.لابد أن السائق شاهدني بمرآة الحافلة.يبطئ سرعته ويفتح الباب ثم يبتسم لي بحنو.
“على مهلك أيتها الجندية، خذي وقتك.هل تعتقدين بأني سوف لن أتوقف لجندي في طريقه إلى البيت؟”
أشكره، وأجلس على الأرضية وسط الحافلة.في هذا الوقت من النهار لا يمكن أن يكون هناك مقعد خال.منذ أشهر وبإمكاني أن أجلس أينما كان وأن أنام أينما كان.المهم هو أن أكون في حافلة تأخذني إلى حيث أود الذهاب.
نزل الجنود (شيء أشبه بنزل الطلبة محجوز للجنود-شيء يستحقونه) ليس بعيدا ً عن الشاطئ.يعطوني غرفة ربما لم تجر أي تحسينات عليها منذ ثلاثين عاماً.أخرج للتمشي في شوارع تل أبيب.
ها هو البحر، أمامي محاط بفنادق مترفة حيث لا يمكن لرواتب ثلاثة رقباء أن تكفي لأجر غرفة تطل على الكراج أو المطبخ.
أشعر بفورة من الحماس.مثل ذلك اليوم الذي أدعيت فيه أن نظاراتي تهشمت لكي أخرج من التمرين.ينتابني ذلك الشعور بأني ألعب لعبة طالب هارب من المدرسة، وأني أكثر حرية، ولأن لا أحد يعرفني هنا كما أن لا أحد يعرف أين أنا الآن.لم أتصل بالبيت لكي أخبرهم بإجازتي.ربما سيزعجهم أني لم أذهب لكي أقضي بضعة ساعات في البيت أو مع الأصدقاء.
أخلع نعلي وأغمس أقدامي بالرمل الذي سخنته أشعة الشمس الحارقة التي بإمكانك أن تشعر بها في أبريل.أعض على شفتي.لم أفكر أن أسأل نزل الجنود فيما اذا كان لديهم مشجب.فطبيعي لا يمكني السباحة مع بندقية “عوزي” التي أحملها، مالم أتعمد أن أدعها تصدأ.وبالتأكيد فليس بمقدوري أن أتركها على الشاطئ، حتى لو أني طلبت بشكل مؤدب من أحدهم أن يراقب سلاحي لمدة خمس دقائق، بينما أغطس قليلاً في الماء.
لذلك، لا سباحة اليوم.
يا للعار.لا يمكن أن اشعر بالراحة مثلما أشعر وأنا في الماء.في الواقع أنه شعور ينتاب الناس جميعاًً .لا أعتقد أن هناك أحد بإمكانه أن يتشاجر وهو يسبح، أو أن يبكي وهو يغطس تحت الماء، أو أن يشعر بموجات كراهية للبشر حينما يطوف على ظهره.
النتيجة:لا “فرانكو” ولا “هتلر” ولا “موسوليني” طافوا بما يكفي.
تراودني هذه الأفكار بينما أرفع بنطلوني إلى ركبتي، أحمل بندقيتي إلى خصري، أمشي فوق الشاطئ كأني في نوبة حراسة.فقط كاحلاي وأصابعي هي التي تتذوق الماء المالح اليوم.
أنتبه.هناك بعض الناس يستمتعون بالمشهد.مجموعة من السواح الهولنديين يهتفون بحماسة وهم ينظرون إلي.كلك..كلك..كلك! صور عظيمة.بإمكاني أن أتصور أنهم سيعرضون الصور في أمستردام أو أي مكان آخر، وسيقولون، “أنظروا، هناك جنود في كل مكان في إسرائيل.كما أن هناك جنديات أيضاً .
البعض منهن يستعرضن الشاطئ ويستمتعن بالفرصة التي واتتهن للتمشي.
بتلك الطريقة تبدأ الأساطير بالإنتشار.وفي الحقيقة اذا ما تأملوا ملياً، فسيدركون أن بشرتي ليست برونزية اللون كما هم، بإعتبار أني أقضي معظم اليوم داخل الخندق حيث لا أرى الشمس وحيث درجة الحرارة حوالي 15درجة، الدرجة المثالية الملائمة لأجهزة التنصت.
لكن الهولندين السعداء لايكتفون بصور من بعيد.يريدون الحديث معي، أن يأخذوا صوراً معي، أن يأخذوا معهم إلى الوطن تذكاراً من هنا. (ولربما يريدون أيضاً أن يشتروا قبعتي، إشارتي، بزتي، بطاقة هويتي وسلاحي اذا ما طالوه.
“لقد أخطأتم فأنا لست “دونالد ديوك”، كما هذه ليست “دزني لاند”، أقول لهم محاولة أن أحتفظ بكرامتي.
أتكلم الفرنسية ولكنهم لا يفقهون شيئاً تماماً مثل العبرية، ولا يثير ذلك استغرابي.لذلك أشرح الأمر بالانكليزية بأن الجيش يمنع أخذ الصور للجنود بدون رخصة خاصة (وهي نصف الحقيقة) وأنني أسفة، ولكن هكذا تجري الأمور هنا.هذه المرة لا يهتفون، بل يطلقون عويلاً ملئه الإحباط، وأنا أتركهم في تلك الحالة، مع نظرة مليئة بالأسف.أعتقد أن الهولنديين أناس رائعون، حين تتعرف عليهم عن كثب…ولكن لماذا يدعى كل من سمي سائحاً دائماً تافهاًً أكثر من الآخرين؟
“أنت صعبة المراس”، أقول لنفسي،”اذا مابقيت على هذه الحالة فلن تكوني سوى عجوز قاسية القلب، عديمة الصبر”.ولأني مرعوبة مما يخبأه لي زماني، فقد قررت الا أكون سلبية وأن أبتسم لأي شخص إلى جانبي.والشخص الذي إلى جانبي كان بالصدفة شاباً في حوالي العشرين(بملابس مدنية) الذي اخذ ابتسامتي كنوع من الدعوة له ودعاني بطريقة مستترة أن أقضي اللية اشاركه فراشه.تظاهرت بأني صماء.يطلق ضحكة هازئة، معتبراً (عن حق) أن الجيش لا يجند أناساً لديهم مثل هذا العوق.أترك الشاطئ(هناك الكثير من الناس لايزالون يرتادونه) مع وعد لنفسي بأن أنهض عند الفجر وأعود إليه.
وجهتي هي نزل الجنود وإلى غرفتي ذات الضوء الخافت.فجأة أشعر وكأني أتخطى وحدتي.”غالي” يعيش في تل أبيب، هو صديق قديم من أيام الدراسة، يمتلك أجمل عيون زرقاء على الأرض، أحلى شفتين وشعر بني كثيف.حين رسب في السنة التي سبقت سنة البكلوريا نشب صراع ضاري بين البنات.بدأت المنافسة مباشرة ولكنها لم تصل إلى نتيجة.هذا الولد الرائع كان اجتماعياً ولكنه بقي محتفظاً بمسافة.أنا شخصياً تخليت سريعاً عن فرصتي:لم نكن في نفس الصف وعندما كان يلتقيني لم يكن تماماً يبدو كأنه يهيم بي.
في سنة البكلوريا كنا سوية في صف الرياضيات.أثناء احدى الفرص وحين كان المطر يهطل كنت أقرأ ترجمة فرنسية لاحدى روايات “عاموس عوز”، أحد الكتاب الإسرائيلين البارزين.نط “غالي” وبريق ساطع في عينيه وبدأ يتكلم بانفعال عن فرنسا، والكتاب الفرنسيين.كان قد قرأ معظم الكتب التي لم أقرأها (جيد، بروست، وسارتر) وكلمني بطريقة وكأني سأقوم بشكل ما بتعريفهم به.ذلك اليوم جلسنا خارج المدرسة لحوالي ساعتين، نتكلم عن الله-الذي ربما لا وجود له، ولكن كتبت عنه تلك الكمية الهائلة من الكتب.تلا ذلك الحديث كلام حميمي.لم أتبادل مثل ذلك الحديث مع أي أحد بعمري، وفي الحقيقة أي أحد آخر.
في احدى المرات دعاني إلى بيته في طريق عودتي من “اكسترافارم”.أحببت غرفته:فراش على الأرض (شعرت حينئذ، وأشعر الآن، بأن ليس هناك شيء أكثر برجوازية من النوم على سرير)، كتب حول كل الموضوعات الممكنة، بضع شمعات، شبكة صيد تتعلق من السقف على الجدران.
كنت أرتجف، من غير أن أسأل لماذ دعاني.
أشعل سيجارة من سيجارة كان أنهاها لتوه، وعرض علي أن يقرأ لي من مذكراته التي يحملها بيده.كانت حقاً رائعة، معظمها حزينة تتخللها أفكار عنيفة عن السعادة، الله والحب.كنت أرتجف أكثر فأكثر.كنت أشعر وكأنه يتعرى أمامي.استمر بالقراءة حتى أصبح صوته مجرد همس حين قال…،”لأني أنا “غالي” شاذ جنسياً.”
شعرت بالمفاجأة لأنه يسرني بذلك، بدا ذلك وكأنه يويلني ثقته الكبيرة.في نهاية العام كنا قد أصبحنا قريبين لبعضنا، رغم أنا لم نكن نلتقي كثيراً.لم يكن حريصاً على أن يلتقي بصديقاتي.أثناء الإمتحانات أخبرني بأن أهله سينتقلون إلى تل أبيب.كان سعيداً بأنه سيترك هذه المدينة الريفية الصغيرة الثرثارة إلى حيث يكون نفسه دون أن يجد أحداً يسخر منه.
منذ ذلك الوقت كتب لي رسالتين أو ثلاث جميلات، وأنا كنت بطيئة جداً بالرد بسبب تتابع تلك الأفلام المثيرة (الإنفصال، الدورة، الإنهيار، الإنفصال-2، عملية الخشخاش الأزرق….) قال أن بإمكاني أن آتي لزيارته في أي وقت اشاء.
أضرب أرقام الهاتف، وحين يجيب أشعر بأنه سعيد حقاً بسماع صوتي.وعندما أقول له أني في تل أبيب يقول لابد أن نلتقي.
“اللية، حوالي العاشرة، في قهوة بيكاسو المطلة على البحر، ليست بعيدة عن السفارة الفرنسية.”
أشعر ببعض التوتر من رؤيته ثانية.مر أكثر من عام على ادائنا إمتحان البكلوريا،جرت خلاله أمور كثيرة.
يسير بإتجاهي.عيناه لاتزالان زرقاوان، شعره أقصر(في الجيش لابد من ذلك)، وإبتسامة صغيرة على شفتيه.نعانق أحدنا الآخر ونبدأ حديثنا كأننا أنهيناه البارحة.لا يستغرب صمتي الطويل، يفهم كل شيء حتى قبل أن أنهي الجملة.هو سعيد بعرض صدقاته دون أي مقابل.
لست معتادة على مثل هذا النوع من العلاقات:مع صديقاتي الأمر أكثر حميمية، عواطف، إمتلاك، غيرة- كل تلك الياردات التسع.اما معه فهناك حوار راق، ولست ادري كيف تسنى لي أن اكون بدونه طيلة كل ذلك الوقت.معه أتحدث عن الكاتب “ستيفان زويغ” وهو يحدثني عن “توماس مان”.هو يحدثني عن “فيردي” أنا أحدثه عن “براهامس”.أنا أكلمه عن الجروح التي لاتزال نازفة عن فقداني “جين-ديفيد”، هو يحدثني عن صديقه الذي يلعب معه لعبة “لن أكلمك، وسنرى من سيستسلم أولاً.”
أحدثه عن إنهياري الصغير خلال الدورة ومشاعر الإختناق التي تنتابني حين أريد الخروج من القاعدة ولكني لا أتمكن.يمؤ برأسه ويقول إنه ما كان بإستطاعته أن يتحمل ذلك.بعد دورة قصيرة تمكن من أن ينقل نفسه إلى القسم الثقافي بالجيش.ينزل كل يوم لكي يكون إلى جانب البحر كل ليلة.
يتكلم أيضاً عن الوضع السياسي.يقول أن علينا أن نعيد كل شيء إلى الفلسطينيين، بضمن ذلك الجزء من القدس الذي يريدونه منا.يعتقد أن ليس هناك ثمن للحياة وأن ذلك هو فقط الشعار الذي يستحق كل شيء.
“تل أبيب لا تنام، لكن أظن أنك تنامين”، يقول في حوالي الساعة الرابعة صباحاً.
جفوني تبدوا ثقيلة جداً.ولكن لو ذهبت للنوم الآن فلن أنفذ ما وعدت به نفسي:أن أعود إلى البحر عند الفجر.أقترح عليه أن نذهب وننتظر الإشعاع الأول سوية.نجلس بصمت رقيق نرقب النهار يطلع فوق تل أبيب، نغمر أقادمنا في الماء.   
 ****