عندما كنت جندية
                                         فاليري زيناتي
                                                ترجمة                       
                                       صلاح النصراوي

ج2 ف9

                      عندما يموت العجوز كأن مكتبة أشعلت فيها النيران
                                          (مثل أفريقي)
19سبتمبر، الساعة الثالثة والنصف عصراً.
لا أعرف ان كان لي أن أكتب “سنة واحدة انقضت” أم “سنة واحدة متبقية”.أنا الآن في منتصف الطريق بالضبط، ولكن ذلك لا يعني أن المسافة قد قصرت.عليك الإنتباه اننا نكسب ميزة مع مرور الزمن، فمثل باقي البنات في الدورة بدأت أبدو وكأني جندية قديمة.هناك جنود مستجدين انظموا إلى هذا القسم، هم أصغر منا ببضعة شهور ولكن ذلك كفيل بأن يرسلهم إلى أسؤ الواجبات في الأعمال وفي الحراسة.أصبحت مغرمة بالتلال وبالأحجار التي تحيط بالقاعدة.هذا المكان أصبح بيتي.
اليوم سأستقل الحافلة إلى تل أبيب.منذ شهر أبريل، حين التقيت بـ”غالي” للمرة الثانية، أصبحت مسافرة منتظمة على خط الحافلات رقم 400.حالما يمنحوني إجازة أتسلل إلى هذه المدينة الفريدة:معظمها قميء بشكل لا يصدق.البيوت التي بنيت في الثلاثينات تركت لكي تشيخ ولم تجرى أية تحسينات عليها، ولكن إلى جنبها بنيت عمارات شاهقة، حديثة، كل منها تحاول أن تنافس التي قبلها بالحداثة وبالتقنيات العالية.
نعم، مدينة قبيحة، لكنها تعيش دورة أبدية وكأن الغد لا يأتيها، كأن كل واحد فيها سيموت خلال ساعات، ولذلك فهو يرقص رقصته الأخيرة، ويشرب كأسه الأخير، يسكر بثمالة الحب، الموسيقى، والخمر قبل أن يذوي.
تل أبيب أكبر مدينة في إسرائيل، والتي تحاول أن تنسى أنها في إسرائيل، تقع على بعد بضعة كيلومترات فقط من الأراضي الفلسطينية.تل أبيب التي تؤمن بالبحر والمقاهي وصالات الدسكو، شأنها شأن القدس تؤمن بالله.
المدينتان لا تشبهان بعضهما، والإثنتان منغمستان في حرب لا اسم لها منذ عام 1926حين ولدت تل أبيب (مقارنة مع القدس التي عمرها 3000عاما).هناك نكتة قديمة تقول إنه طلب من أحد الأشخاص من تل أبيب أن يسمى مكاناً يحبه أفضل من القدس، فأجاب:”الطريق إلى تل أبيب” وبالعكس.
وقعت في حب المدينتين.لا أكل ولا أمل من حجارة القدس، الضوء الذي يتكسر فوقها، الروائح، الوجوه والأديان، اليهودية، المسيحية والإسلام تلك التي عبدت طرقها.أحب التجوال في السوق العربي في المدينة القديمة، أشرب قهوة تركية (مرة، غامقة وفي قدح، أو أكل الخبز العربي المعمول بالسمسم والزعتر.أراقب اليهود المتدينين بجانب الحائط الغربي بإعجاب:الناس الذين يصلون هنا، يهزون بأجسادهم إلى الأمام والى الخلف، لا يبكون أو يتعزون.عيونهم متألقة كأنهم يروون شيئاً أو أحداً لا أراه أنا (الله)، واحد يعرفونه حق المعرفة ويسألونه أن يعمل شيئا لهذا العالم الذي جن.
هناك آلاف الطرق لوصف القدس ولكن هناك طريقة واحدة للوقوع في حبها، وهي ما أقوم به”السير دون توقف من الحي العربي إلى الحي المسيحي ومن أسوار المدينة القديمة إلى المقاهي في المدينة الجديدة.
لكني أيضاً بحاجة إلى تل أبيب كي أتنفس ذلك الهواء الذي يبتغيه الشباب في سن العشرين، يريدون من العالم أن يكون على شاكلتهم، أحراراً، مندفعين، محلقين بين السعادة والتعاسة، بين العبث والجدية، لمجرد أن ينتهوا أكثر سعادة.
أسسنا أنا و”غالي” مقرنا في شارع “شينكين”، الشارع الوحيد في العالم حيث هناك مقهى لكل إنسان.نجلس لكي نتحدث لساعات طويلة في مقهى “كازيه” إلى جانب كتاب منهمكين في وضع اللمسات الأخيرة على كتبهم وهم يحدقون في كوب القهوة.من لا يكتب فأنه يحلم أن يكون كاتباً يوماً ما.
مثل “غالي” ومثلي فأن الجميع يعتقدون أنه لابد أن يكون هناك ثورة، وأحياناً نذهب لكي نتظاهر مع “نساء في سواد” مطالبين بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية.يلبسن السواد حداداً ويتعرضن إلى سوء معاملة مزرية من قبل اليمينين المتعصبين كل يوم جمعة.(الأسبوع الماضي قلت لغالي” يبدو أن اللون الأسود أصبح يمثل لون اليسار).
أحياناً نتفق على أن نتخلى عن السياسة في أحاديثنا-إنه لأمر شاق أن نحاول أن نغير عالماً يبقى عصياً على التغير.بعد ذلك نتحول إلى الكتب:يخبرني “غالي” بأن علي أن أقرأ “عوليس” لـ”جويس” وأنا أرد بأن عليه أن يقرأ “فيينا عند الغسق” لـ”شينتزلر”.أحب أن يكون لي صديق، شبهي، يعتقد أن ليس بالإمكان أن يجازف المرء بالموت دون أن يقرأ كتباً معينة.
بعض هؤلاء الأصدقاء ينضمون إلينا أحياناً، أناس أنهوا الخدمة العسكرية، أعمارهم بين الثانية والعشرين والأربعين، مخرجون سينمائيون، طلاب، ممثلون ورسامون في النهار…ونادلون في الليل.
في تل أبيب أنسى أني جندية.
اليوم يقرر “غالي” أن يقدمني إلى اقرب الأصدقاء إليه، “زفي كامناسكي”.في المرة الأولى التي ذكر فيها أسمه قال” أنه اقدم بائع كتب في تل أبيب، في الخامسة والسبعين من عمره.ليس هناك من في العالم من يستطيع أن يثير فيك المرح  وأن يجعلك تضحكين مثله.يحب الضحك على نفسه وأن يكون لطيفاً مع الآخرين.”
نذهب إلى محله الصغير حيث أكوام الكتب تصل إلى السقف.هناك عدد قليل من الأشخاص يجلسون على مساطب، يحتسون الشاي، يتحلقون حول رجل ملتحي بشعر أبيض.يذكرني بشخصية “غيبيتو” في رواية “بينوشوا”.أشعر برهبة ولكن حالما يلمحنا “زفي كامناسكي” ينهض وبرفق يطلب من الآخرين أن يغادروا.
“هلموا، لقد تعمقنا في الماضي بما فيه الكفاية، إفسحوا الطريق للشباب.وعلى أي حال فأن هذا الشاب يشتري كتباً مني”، يقول “زفي” وهو يشير إلى “غالي”.في عينيه بريق، أدرك ما كان يعنيه “غالي”.نجلس على المساطب.
“أهلا “فاليري”.”
انظر إلى “غالي” بإستغراب.
“حسناً، من الطبيعي أنه أخبرني عنك، على الأقل بقدر ما أخبرك عني.”
لا أعرف ماذا أقول.في هذه اللحظة، أبارك ذلك الشخص المميز الذي ابتدع الأخلاق الحميدة.
“أنا سعيدة بلقائك “سيد كامناسكي”.
“سيد كامناسكي”، المرة الأخيرة التي نوديت بهذا الأسم كانت في بولندا قبل الحرب!لا ينبغي أن نتحدث عن الأشياء التي تثير الإحباط، علينا أن نتعرف على بعضنا بدلاً من ذلك:هل تشربين شايك بالسكر أو بدونه؟”
“بالسكر، أرجوك.”
“ممتاز، اذن أنت من النوع الذي يحب الحياة.ولكن أنا أعرف ذلك من قبل.سأذهب لكي أجلب أقداحاً نظيفة.”
في أثناء غيابه، يهمس “غالي” لقد عرض عليك الشاي، معناه أنت الآن ضمن المجموعة.بإمكانك أن تأتي إلى هنا في أي وقت، حتى ولو كان في منتصف الليل، فسيفتح باب المحل لك بمفردك.”
يعود “زفي” وهو يصفر بمقطوعة “شوبيرت “السمفونية الناقصة”.لا أستطيع أن أرفع عيني عن أكداس الكتب، بينما الفنان الذي خلق كل هذا الكيان الغريب يقول:” لابد وأنك مستغربة من كل هذه الفوضى، أليس كذلك؟”
“يعني، قليلاً.”
“حسناً، هذا ما أحاول أن أفعله، أن أفاجئ الناس حين يدخلون إلى هنا.الكتب لا تهوى أن تنظم حسب الحروف الأبجدية أو حسب مواضيعها.فالترتيب الأبجدي يظهرها بشكل رتيب والترتيب حسب المواضيع يجعلها مثيرة للملل.فمقالة تاريخية لن يهمها اذا ما وضعت جنب رواية عن الحب…ذلك يعطي فرصة للتأمل، للتفكير بشيء مختلف.أكره المكتبات التي تبدوا وكأنها صيدلية”، يقول ذلك وهو يضع مسحة من الجد، “كل شيء فيها منظم والناس تأتي بقوائم صغيرة (الوصفات)، يتحدثون بهدوء(هناك مرضى موجودون)، يدفعون حسابهم على عجل، ثم يمضون، إنه شيء مثير للرثاء.”
“ولكنك توصي دائماً بأن القراءة مثل وصفة طبية؟” يتدخل “غالي”.
“ممممممممممم، هنا أنت على صواب…تلك هي المسألة.فأنت لايمكنك أن تعطي “المحاكمة” لـ”كافكا” لشخص إنفصل تواً عن صاحبه، فلربما لن يصلحا علاقتهما أبداً.”
“وماذا تقترح لشخص في طريقه للإنفصال؟” أسأل وكلي فضول.
ينظر الي بحنو.
“أولا أنصحهم أن يذرفوا دموعهم إلى آخر قطرة، حتى يشعروا أنهم جفوا مثل تراب هذه الأرض.بعد ذلك ليفتحوا “عشيقها” لـ”ألبرت كوهين”-إنه من مواطنيك.ألف صفحة من الحب والفراق، ذلك كثير.”
جرس صغير يرن في جيبي يدفع “زفي” إلى الصمت-كدت أموت من الخجل.منذ حوالي شهر أصبح على كل جندي في القسم أن يحمل جهازاً حيث بإمكان القاعدة أن تكلمه على مدار الأربع والعشرين ساعة.أنظر إلى الرسالة:
عاجل:على 3810159 العودة إلى القاعدة فوراً.توقيع-3575028، تلك هي قائدتنا الجديدة “دفورا”.
أنهض على مضض وأتلعثم بكلمات بأن على الذهاب.ينفطر قلب “غالي”، مثلي تماماً؛ “زفي” هو الوحيد الذي يبتسم.
“إنهم ينادونك بالعودة حتى تكوني أكثر إشتياقاً بالرجوع إلى هنا مرة ثانية.”هذا المحل هنا منذ أربعين عاماً ولن يغلق أبوابه غداً، هيا خذي هذا للطريق”، يضيف، ويناولني كتاباً صغيراً.أحاول أن أجد محفظتي ولكن “غالي” ينغزني بمرفقه بما يعني:لاتفعلي ذلك، سيشعره ذلك بالإهانة.ولذلك أشكره بأفضل ما يمكن، لكن أدرك أن الأمر ليس سهلاً عندما تكون متأثراً وعلى عجل.
في الحافلة وفي طريق العودة(نفس السائق الذي أتي بي بالذهاب، ولا يفهم إطلاقاً عندما يراني).فتحت الكتاب الذي أعطانياه “زفي”.
“قصائد عن القدس” بقلم “يهودا أمخاي”.
أدفن نفسي فيها فوراً.
“دفورا” تننتظرني عند بوابة القاعدة، شعرها الأحمر المجعد في فوضى، عيناها الخضراوتان، وجه هادئ ممتلء، وصوت عميق مذهل.تمنحك الأحاسس بكفاءة لامعقولة.أحس معها بأني بحالة أفضل كثيراً من القائد الذي سبقها.”أوري” كان يطلق نكاتاً سخيفة، في حين أن لدى “دفورا” روح المرح، وهما شيئان مختلفان.أحياناً تشتغل ثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد، وتجعلنا نشعر بالحاجة أن نعمل الشيء ذاته.أصحبت في التاسعة عشر والنصف من عمرها(في الجيش نحن مثل أطفال رضع، نقوم بحساب أعمارنا بدقة، فأشهر قليلة تجعل الأمر مختلفاً تماماً.
ترحب بي “دفورا” بإبتسامة عريضة، هدفها أن تطمأنني، على ما أعتقد.
“اتركي حوائجك عند البوابة، وتعالي معي.”
تقدم لي الشاي.وأخذه لأني لم يتسنى لي إكمال الشاي الذي كنت أشربه في تل أبيب:تحمل قلماً وتبدأ برسم بيت صغير بينما بدأت تتحدث.
“حسناً، سيتم يوم غد تنفيذ مهمة خاصة جداً.من الواضح أن لا أنت ولا أنا نريد أن نعرف ما هي في الوقت الحاضر.احدى طائراتنا ستقوم بالتحليق بأجهزة الإنصات فوق المنطقة.طلب منا أن نرسل شخصاً ما ووقع إختياري عليك.”
يكاد قلبي الذي ينبض بقوة أن ينفطر.بعض القدامي سبق وأن كانوا في مهمات كهذه وعادوا في منتهى الإثارة وأحتفظوا بتلك النظرة الغامضة على سيمائهم لعدة أيام تالية.لاتزال “دفورا” مستمرة بالرسم، تضيف أشجاراً إلى جانب البيت، بحيرة وزورق.
“عليك أن تعلمي أن هناك مخاطر”، تقول وهي تنظر نحوي.”الطائرة لن تبقى في الأجواء الإسرائيلية ولربما تم إعتراضها، ستكونين تحت الحماية، بطبيعة الحال، ولكن ليس هناك مهمة بلا مخاطر.”
“ألن تقومي برسم طائرة؟” أسئلها وأنا أشير إلى الورقة التي على المنضدة.
“لا، ذلك هو البيت الذي سأبنيه يوماً ما على بحيرة طبرية.”
أعجب بها لأن لديها خططاً محددة-أنا لدي أحلام فقط.
“حسناً؟” تسألني.
“سأتي لزيارتك في بيتك” أقول لها، ثم أضيف،”وسأخبرك كيف سارت الأمور في مهمة الغد.”
تتنفس الصعداء ثم يصبح صوتها أكثر جدية حين تقول، “هذه هي أوامرك للمهمة.هذا المساء ستركبين حافلة رقم (—) إلى قاعدة ب.القاعدة على بعد كيلو متر واحد منا فقط، وعليها علامة ام كي1086.سيقومون بشرح المهمة لك هناك.”
تنهض وأنهض أنا معها.ثم تصافحني.
“سترين.عندما تنسين كل ما جرى أثناء الخدمة العسكرية، فأنك ستتذكرين هذه.”
ها أنا في حافلة مرة أخرى، الثالثة التي أستقلها هذا اليوم.اذا كانت شركة “أيغيد” تمنح بطاقات اخلاص سيكون بإمكاني السفر مجاناً لثلاثة قرون بسبب النقاط التي جمعتها.الليل يهبط سريعاً جداً، أدمر عيناي محاولة أن اقرأ السطور الأخيرة من قصائد “اميخاي”.
أكاد أشعر بعينين حنونتين ترقباني.إلى يميني هناك أمرأة عجوز متغضنة الوجه تراقبني بلطف.
“أنت تذكريني بشخص ما.”تقول لي” شخص طيب.”
أرد عليها بإبتسامة.
“انت كذلك، عيناك تشبهان عيني جدتي، وهي كانت شخصاً طيباً أيضاً.”
أشعر بأننا قلنا كل شيء.مالذي يمكن أن تقوله بعد أن تطمأن إلى شخص كهذا؟لكنها تمضي بالقول.
“أنت فتاة طيبة، وأنا متيقنة أنك جندية جيدة.أتمني أن يكون لي بنت مثلك، لكن لم يكن لي أطفال.كنت في “فيلنا”.هل تعرفين أين تقع؟”
دروس التاريخ سرعان ما تبان، عاصمة “لتوانيا”، القدس الجديدة كما كانت تسمى، مدينة الألف حاخاماً قبل أن يجتاحها النازيون.أطأطأ رأسي، أشعر بألم في داخلي.
” الألمان أتوا.أطلقوا النار على بعض اليهود وأخذوا الباقين إلى غيتو.لماذا يقتلون شخصاً وليس غيره؟كنت في الثانية والعشرين، لدي أب، أم، أخ صغير، وأخت أصغر.كان لي حبيب وكنا على وشك الزواج.أراد الإنتظار حتى تنتهي الحرب، كان يقول لن يكون لنا أيام حلوة ونحن محاطون بالموت.كان أسمه “ياتسيك.”
” في اليوم الأول قتلوا أبي.مرضت أمي وتوفيت بعد ذلك بقليل.كنا جائعين ونعاني من البرد.كنت مرعوبة مثلما كنت في صغري أخاف من الذئب في الليل.ولكن حينها كنت في الثانية والعشرين، وكان يحوم حولنا مجموعة ذئاب ليل نهار.حاول “ياتسيك” أن يهرب من الغيتو لكنهم مسكوه.لم يره أحد منذ ذلك الحين.
أبكي بصمت.تستمر وهي تضع يدها فوق ذراعي.
“في أحد الأيام خرجنا أنا وأختي نبحث عن شيء نأكله.شاهدنا أحد الألمان، جاءنا ينفجر ضحكاً، ثم وجه بندقيته إلي، إلى أختي، إلي، إلى أختي.في النهاية كانت هي التي من تلقت رصاصاته.
“بعدها، بقي إثنان منا.”شلوميل” أخي الصغير، وأنا.تمكنا من الهروب من الغيتو وإستطعنا الإختباء لدى جيراننا القدامى.بقينا في سردابهم سنتين.عند نهاية الحرب سألونا إن كنا نرغب بالبقاء معهم، لكنا لم نستطع، كنا نريد أن نترك البلد الذي غرق بدم أهلنا.
“في عام 1948 ركبنا مركباً جاءت بنا إلى هنا.وصلنا في نفس اليوم الأول لحرب الإستقلال.أخذوا أخي حالما وطئت أقدامنا الأرض، وأعطوه بندقية، وقالوا له:”اذهب لتقاتل مع الآخرين لكي تدافعوا عن الوطن.”لم يحمل سلاحاً من قبل وصرع في اليوم الثاني من القتال.”
لا أعلم ان كنت لا أزال أتنفس.أنهت رواية قصتها بهدوء.
“لماذا أعيش بعد أن مات الجميع؟لا جواب عن هذا السؤال.أنت تذكريني بأخت “ياتسيك”-ذلك هو السبب الذي جعلني أقول لك كل تلك الأشياء.”تتوقف هنيهة، ثم تضيف،” لا ينبغي أن تبكي.الآن هناك فتيات مثلك بإمكانهن الدفاع عن الوطن اذا ما إحتاجكن.لم أتزوج أبداً، لم أرد أن أجعل أحد ما تعيساً طيلة حياته.لكن كل طفل في هذا البلد هو طفلي وأشعر بسعادة عندما أراكم…”
تخرج مني زفرة عميقة.علي النزول من الحافلة خلال دقائق، لدي مهمة ينبغي إنجازها.هناك دم جديد يتدفق في أوردتي، كأني سأقاتل من أجل هذه العجوز، ذات العينين الودودتين والتي ترتجف يدها وهي تمسك بذراعي.

****

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *