عندما كنت جندية
                                        فاليري زيناتي
                                              ترجمة                       
                                      صلاح النصراوي

ج2 ف8

                                  عملية الخشخاش الأزرق
أحتفل بعيد ميلادي التاسع عشر في الحافلة التي تقلني عائدة إلى القاعدة، منهكة القوى ولكني أستيقظ بين الحين والآخر مع سؤال واحد يؤرقني:لماذا طلبوا مني العودة في منتصف إجازتي؟لو كانت الحرب قد قامت لكنت قد عرفت ذلك.
لكن ربما هناك حرب ستقع وطلبوني لأنهم بحاجة إلى وجود جميع العاملين بخدمات الإنصات لكي يستطيعوا مواجهة الموقف.
عند الساعة 8:57 أضع حقيبتي فوق سريري، أعدو إلى الملجأ، أرفع بطاقتي إلى وجه الضابط المناوب عند الباب المؤمن وأندفع بكل قوتي لكي أفتح الباب الثاني المحصن المفضي إلى “المطبعة”.
بسرعة أفهم ما الذي يعنيه تعبير”فضاء ملغوم جداً .”
غرفة الإنصات مزدحمة بأناس كثيرين.حضر كل جندي في القسم، البعض يضع زوجين من سماعات الإنصات.جميع أجهزة التسجيل تعمل، هناك عشرة أشخاص على المنصة الرئيسية يصرخون، يصدرون إنذارات، وأوامر بشفرات ليس بإستطاعتي التعرف إليها.
“أوري” الذي لاحظ للتو أني موجودة، يسرع نحوي لكي يفسر لي الأمر على نحو سريع، ”يقومون بتغير كل الترددات والشفرات.إسرعي وخذي موقع “ياريف” التي تقوم بالبحث.”
أجلس فوق المنصة الصغيرة أمام جهاز الكومبيوتر أبحث في الترددات.كان من المفتترض أن تجري هذه العملية والتي تدعى “الربيع النظيف” الأسبوع القادم:كل ما لدينا من معلومات أنها ستجري يوم 8أبريل.الأردنيون يثبتون لنا أنهم اصحاب نكتة عملية:أنه يوم الأول من أبريل.
هناك عدة أرقام تظهر بالتناوب على الشاشة التي أمامي.أبقى مع كل تردد لمدة عشر ثواني، ثم أنقل المعلومات ألى “أوري” والى الجندي الذي يقوم بنقلها على شريط التسجيل.تمضي المعلومات كما يلي”
“تردد 176، سرب من ثلاثة طائرات!”
245، برج المراقبة.”
189، محطة الرادار.”
165، أصوات ما.”
213، طائرتان، هدف-1، هدف-2 .“
310، طيار ومساعد طيار.”
278، يتكلمان العربية.”
213، سرب، لا أعرف كم عدد طائراته.!”
213، تصحيح، ثلاثة طائرات.جمل-123!”
بحدود الثالثة بعد الظهر تهدأ الأجواء.لم أحس بإنقضاء الوقت.الإثارة والسرعة التي صاحبت العملية حملتاني على جناحين.
نبتسم جميعنا بملء أشداقنا، سعداء بأننا تمكنا من إنجاز المهمة.والآن يبدأ العمل الآخر:الإستماع إلى كافة الأشرطة التي سجلت، تبويب المعلومات، وضعها في الإطار الصحيح-الأسماء المشفرة، الترددات، الأسراب، أبراج المراقبة، التعرف على الأصوات واحداً واحداً لكي نعدل وتصبح “صياد-1” “نمر-1” والقاعدة التي كان أسمها “صحراء” أصبحت “الاراضي المقدسة.”
عند الساعة الحادية عشر مساءً نوقف فريق العمل الدقيق هذا، نسقط اعياء.يبقى جنديان فقط في محطة الإنصات-كل الأعمال تسير على قدم وساق تماماً مثلما عندما يتم إغلاقها في هذا الوقت كل يوم عدا حين يكون هناك تمارين ليلية.ولكن ليس هناك ما يشير إلى إمكانية حدوث ذلك هذه الليلة، أعتقد أن الأردنيين مرهقين مثلنا تماماً .أستلم النوبة من “نوا”، أنصت إلى خط مطار عمان الدولي.طائرة فرنسية تحلق في الأجواء الأردنية.
“إيرفرانس 847، في طريقها من باريس إلى بغداد، مساء الخير عمان.”
“مساء الخير إيرفرانس 847، ماهو ارتفاعك؟”
“خمسة آلاف قدم.”
“خمسة الاف قدم، حسناً .”
“إيرفرانس 847 إلى عمان، اليوم هو عيد ميلاد الطيار المساعد.هل بودك أن تقول له شيئاً؟”
“طبعاً ، عيد ميلاد سعيد”، يقولها بالفرنسية.
كاد أن يغمى علي عند سماعي المراقب الجوي الأردني وهو يلفظ “عيد ميلاد سعيد” بالفرنسية.الطياران الفرنسيان ينفجران ضحكاً ويعربان عن إمتنانهما للتحية السريعة التي جاءتهم.أبتسم لنفسي، أفكر أن هناك شخصاً ما على الأقل يشاركني الإحتفال بعيد ميلادي.لايهم على الإطلاق أنه لا يعرف ذلك.
استغرق الأمر عدة أيام حتى تمكنا من تحليل الأشرطة للعملية التي أطلق عليها الأردنيون أسماً مثيراً وهو “الخشخاش الأزرق”.إجازتي أجلت إلى إشعار آخر.لست سعيدة بذلك ولكن ما الذي بيدي أن أفعله؟
عزاءً لي منحوني إجازة صغيرة لعطلة نهاية الإسبوع.سأكون حرة منذ الرابعة عصراً الجمعة حتى السادسة مساء السبت.تلك هي بالضبط فترة السابات، يوم الراحة اليهودي، حيث لاتسير الحافلات.بالطبع أصحبت معتادة على إيقاف وركوب السيارات المارة (والتي أحبها حقاًً:هناك شيء من الإثارة في لعبة الحظ على الطرق هذه حيث تقضي وقتاً مع أشخاص غرباء تماماً، الذين يغرقونك بالحديث عن قصص حياتهم والذين أحياناً أنا أيضاً استأمنهم على حكاياتي، مدركة أن من غير المحتمل أن ألقاهم مرة ثانية)، لكن بئر سبع بعيدة جداً عن القدس وليس بإمكاني المجازفة بأن أعود في الموعد المحدد مساء السبت.
(لو…لو كان “جين-ديفيد” لايزال يحبني…لكان بإستطاعتي..لكان بإستطاعتنا…شششششش!هذه التمنيات مؤلمة.)
ما الذي علي أن أفعل؟ سيكون في منتهى الغباء لو أني بقيت في القاعدة.ذلك سيبدو مثل فوزي بالجائزة الأولى باليانصيب ولكنها لاتغير شيئاً في حياتي، أو كأني ربحت تذكرة سفر بالطائرة إلى البندقية ولكني لا أريد الذهاب لأني أخشى أن أدفع اجور التاكسي إلى المطار.
تل أبيب على مقربة 60 كيلو متراً من القدس.اذا ما اسرعت فسأتمكن من اللحاق بحافلة الساعة الخامسة.في رحلة العودة هناك فرصة أن أعثر على من يقلني إلى القدس في مدينة ساحلية كبيرة أكبر من مدينة صغيرة وسط الصحراء.
حافلة رقم 400 تنطلق حالما أحط في محطة الحافلات.أجرى ورائها والوح بيدي وأصرخ، قف”!.قف!”أعلم أني أبدو مثيرة للضحك تماماً، ولكني كنت قد قررت نهائياً بأني سوف أذهب لمشاهدة البحر وليس هناك قوة بإمكانها أن توقفني.لابد أن السائق شاهدني بمرآة الحافلة.يبطئ سرعته ويفتح الباب ثم يبتسم لي بحنو.
“على مهلك أيتها الجندية، خذي وقتك.هل تعتقدين بأني سوف لن أتوقف لجندي في طريقه إلى البيت؟”
أشكره، وأجلس على الأرضية وسط الحافلة.في هذا الوقت من النهار لا يمكن أن يكون هناك مقعد خال.منذ أشهر وبإمكاني أن أجلس أينما كان وأن أنام أينما كان.المهم هو أن أكون في حافلة تأخذني إلى حيث أود الذهاب.
نزل الجنود (شيء أشبه بنزل الطلبة محجوز للجنود-شيء يستحقونه) ليس بعيدا ً عن الشاطئ.يعطوني غرفة ربما لم تجر أي تحسينات عليها منذ ثلاثين عاماً.أخرج للتمشي في شوارع تل أبيب.
ها هو البحر، أمامي محاط بفنادق مترفة حيث لا يمكن لرواتب ثلاثة رقباء أن تكفي لأجر غرفة تطل على الكراج أو المطبخ.
أشعر بفورة من الحماس.مثل ذلك اليوم الذي أدعيت فيه أن نظاراتي تهشمت لكي أخرج من التمرين.ينتابني ذلك الشعور بأني ألعب لعبة طالب هارب من المدرسة، وأني أكثر حرية، ولأن لا أحد يعرفني هنا كما أن لا أحد يعرف أين أنا الآن.لم أتصل بالبيت لكي أخبرهم بإجازتي.ربما سيزعجهم أني لم أذهب لكي أقضي بضعة ساعات في البيت أو مع الأصدقاء.
أخلع نعلي وأغمس أقدامي بالرمل الذي سخنته أشعة الشمس الحارقة التي بإمكانك أن تشعر بها في أبريل.أعض على شفتي.لم أفكر أن أسأل نزل الجنود فيما اذا كان لديهم مشجب.فطبيعي لا يمكني السباحة مع بندقية “عوزي” التي أحملها، مالم أتعمد أن أدعها تصدأ.وبالتأكيد فليس بمقدوري أن أتركها على الشاطئ، حتى لو أني طلبت بشكل مؤدب من أحدهم أن يراقب سلاحي لمدة خمس دقائق، بينما أغطس قليلاً في الماء.
لذلك، لا سباحة اليوم.
يا للعار.لا يمكن أن اشعر بالراحة مثلما أشعر وأنا في الماء.في الواقع أنه شعور ينتاب الناس جميعاًً .لا أعتقد أن هناك أحد بإمكانه أن يتشاجر وهو يسبح، أو أن يبكي وهو يغطس تحت الماء، أو أن يشعر بموجات كراهية للبشر حينما يطوف على ظهره.
النتيجة:لا “فرانكو” ولا “هتلر” ولا “موسوليني” طافوا بما يكفي.
تراودني هذه الأفكار بينما أرفع بنطلوني إلى ركبتي، أحمل بندقيتي إلى خصري، أمشي فوق الشاطئ كأني في نوبة حراسة.فقط كاحلاي وأصابعي هي التي تتذوق الماء المالح اليوم.
أنتبه.هناك بعض الناس يستمتعون بالمشهد.مجموعة من السواح الهولنديين يهتفون بحماسة وهم ينظرون إلي.كلك..كلك..كلك! صور عظيمة.بإمكاني أن أتصور أنهم سيعرضون الصور في أمستردام أو أي مكان آخر، وسيقولون، “أنظروا، هناك جنود في كل مكان في إسرائيل.كما أن هناك جنديات أيضاً .
البعض منهن يستعرضن الشاطئ ويستمتعن بالفرصة التي واتتهن للتمشي.
بتلك الطريقة تبدأ الأساطير بالإنتشار.وفي الحقيقة اذا ما تأملوا ملياً، فسيدركون أن بشرتي ليست برونزية اللون كما هم، بإعتبار أني أقضي معظم اليوم داخل الخندق حيث لا أرى الشمس وحيث درجة الحرارة حوالي 15درجة، الدرجة المثالية الملائمة لأجهزة التنصت.
لكن الهولندين السعداء لايكتفون بصور من بعيد.يريدون الحديث معي، أن يأخذوا صوراً معي، أن يأخذوا معهم إلى الوطن تذكاراً من هنا. (ولربما يريدون أيضاً أن يشتروا قبعتي، إشارتي، بزتي، بطاقة هويتي وسلاحي اذا ما طالوه.
“لقد أخطأتم فأنا لست “دونالد ديوك”، كما هذه ليست “دزني لاند”، أقول لهم محاولة أن أحتفظ بكرامتي.
أتكلم الفرنسية ولكنهم لا يفقهون شيئاً تماماً مثل العبرية، ولا يثير ذلك استغرابي.لذلك أشرح الأمر بالانكليزية بأن الجيش يمنع أخذ الصور للجنود بدون رخصة خاصة (وهي نصف الحقيقة) وأنني أسفة، ولكن هكذا تجري الأمور هنا.هذه المرة لا يهتفون، بل يطلقون عويلاً ملئه الإحباط، وأنا أتركهم في تلك الحالة، مع نظرة مليئة بالأسف.أعتقد أن الهولنديين أناس رائعون، حين تتعرف عليهم عن كثب…ولكن لماذا يدعى كل من سمي سائحاً دائماً تافهاًً أكثر من الآخرين؟
“أنت صعبة المراس”، أقول لنفسي،”اذا مابقيت على هذه الحالة فلن تكوني سوى عجوز قاسية القلب، عديمة الصبر”.ولأني مرعوبة مما يخبأه لي زماني، فقد قررت الا أكون سلبية وأن أبتسم لأي شخص إلى جانبي.والشخص الذي إلى جانبي كان بالصدفة شاباً في حوالي العشرين(بملابس مدنية) الذي اخذ ابتسامتي كنوع من الدعوة له ودعاني بطريقة مستترة أن أقضي اللية اشاركه فراشه.تظاهرت بأني صماء.يطلق ضحكة هازئة، معتبراً (عن حق) أن الجيش لا يجند أناساً لديهم مثل هذا العوق.أترك الشاطئ(هناك الكثير من الناس لايزالون يرتادونه) مع وعد لنفسي بأن أنهض عند الفجر وأعود إليه.
وجهتي هي نزل الجنود وإلى غرفتي ذات الضوء الخافت.فجأة أشعر وكأني أتخطى وحدتي.”غالي” يعيش في تل أبيب، هو صديق قديم من أيام الدراسة، يمتلك أجمل عيون زرقاء على الأرض، أحلى شفتين وشعر بني كثيف.حين رسب في السنة التي سبقت سنة البكلوريا نشب صراع ضاري بين البنات.بدأت المنافسة مباشرة ولكنها لم تصل إلى نتيجة.هذا الولد الرائع كان اجتماعياً ولكنه بقي محتفظاً بمسافة.أنا شخصياً تخليت سريعاً عن فرصتي:لم نكن في نفس الصف وعندما كان يلتقيني لم يكن تماماً يبدو كأنه يهيم بي.
في سنة البكلوريا كنا سوية في صف الرياضيات.أثناء احدى الفرص وحين كان المطر يهطل كنت أقرأ ترجمة فرنسية لاحدى روايات “عاموس عوز”، أحد الكتاب الإسرائيلين البارزين.نط “غالي” وبريق ساطع في عينيه وبدأ يتكلم بانفعال عن فرنسا، والكتاب الفرنسيين.كان قد قرأ معظم الكتب التي لم أقرأها (جيد، بروست، وسارتر) وكلمني بطريقة وكأني سأقوم بشكل ما بتعريفهم به.ذلك اليوم جلسنا خارج المدرسة لحوالي ساعتين، نتكلم عن الله-الذي ربما لا وجود له، ولكن كتبت عنه تلك الكمية الهائلة من الكتب.تلا ذلك الحديث كلام حميمي.لم أتبادل مثل ذلك الحديث مع أي أحد بعمري، وفي الحقيقة أي أحد آخر.
في احدى المرات دعاني إلى بيته في طريق عودتي من “اكسترافارم”.أحببت غرفته:فراش على الأرض (شعرت حينئذ، وأشعر الآن، بأن ليس هناك شيء أكثر برجوازية من النوم على سرير)، كتب حول كل الموضوعات الممكنة، بضع شمعات، شبكة صيد تتعلق من السقف على الجدران.
كنت أرتجف، من غير أن أسأل لماذ دعاني.
أشعل سيجارة من سيجارة كان أنهاها لتوه، وعرض علي أن يقرأ لي من مذكراته التي يحملها بيده.كانت حقاً رائعة، معظمها حزينة تتخللها أفكار عنيفة عن السعادة، الله والحب.كنت أرتجف أكثر فأكثر.كنت أشعر وكأنه يتعرى أمامي.استمر بالقراءة حتى أصبح صوته مجرد همس حين قال…،”لأني أنا “غالي” شاذ جنسياً.”
شعرت بالمفاجأة لأنه يسرني بذلك، بدا ذلك وكأنه يويلني ثقته الكبيرة.في نهاية العام كنا قد أصبحنا قريبين لبعضنا، رغم أنا لم نكن نلتقي كثيراً.لم يكن حريصاً على أن يلتقي بصديقاتي.أثناء الإمتحانات أخبرني بأن أهله سينتقلون إلى تل أبيب.كان سعيداً بأنه سيترك هذه المدينة الريفية الصغيرة الثرثارة إلى حيث يكون نفسه دون أن يجد أحداً يسخر منه.
منذ ذلك الوقت كتب لي رسالتين أو ثلاث جميلات، وأنا كنت بطيئة جداً بالرد بسبب تتابع تلك الأفلام المثيرة (الإنفصال، الدورة، الإنهيار، الإنفصال-2، عملية الخشخاش الأزرق….) قال أن بإمكاني أن آتي لزيارته في أي وقت اشاء.
أضرب أرقام الهاتف، وحين يجيب أشعر بأنه سعيد حقاً بسماع صوتي.وعندما أقول له أني في تل أبيب يقول لابد أن نلتقي.
“اللية، حوالي العاشرة، في قهوة بيكاسو المطلة على البحر، ليست بعيدة عن السفارة الفرنسية.”
أشعر ببعض التوتر من رؤيته ثانية.مر أكثر من عام على ادائنا إمتحان البكلوريا،جرت خلاله أمور كثيرة.
يسير بإتجاهي.عيناه لاتزالان زرقاوان، شعره أقصر(في الجيش لابد من ذلك)، وإبتسامة صغيرة على شفتيه.نعانق أحدنا الآخر ونبدأ حديثنا كأننا أنهيناه البارحة.لا يستغرب صمتي الطويل، يفهم كل شيء حتى قبل أن أنهي الجملة.هو سعيد بعرض صدقاته دون أي مقابل.
لست معتادة على مثل هذا النوع من العلاقات:مع صديقاتي الأمر أكثر حميمية، عواطف، إمتلاك، غيرة- كل تلك الياردات التسع.اما معه فهناك حوار راق، ولست ادري كيف تسنى لي أن اكون بدونه طيلة كل ذلك الوقت.معه أتحدث عن الكاتب “ستيفان زويغ” وهو يحدثني عن “توماس مان”.هو يحدثني عن “فيردي” أنا أحدثه عن “براهامس”.أنا أكلمه عن الجروح التي لاتزال نازفة عن فقداني “جين-ديفيد”، هو يحدثني عن صديقه الذي يلعب معه لعبة “لن أكلمك، وسنرى من سيستسلم أولاً.”
أحدثه عن إنهياري الصغير خلال الدورة ومشاعر الإختناق التي تنتابني حين أريد الخروج من القاعدة ولكني لا أتمكن.يمؤ برأسه ويقول إنه ما كان بإستطاعته أن يتحمل ذلك.بعد دورة قصيرة تمكن من أن ينقل نفسه إلى القسم الثقافي بالجيش.ينزل كل يوم لكي يكون إلى جانب البحر كل ليلة.
يتكلم أيضاً عن الوضع السياسي.يقول أن علينا أن نعيد كل شيء إلى الفلسطينيين، بضمن ذلك الجزء من القدس الذي يريدونه منا.يعتقد أن ليس هناك ثمن للحياة وأن ذلك هو فقط الشعار الذي يستحق كل شيء.
“تل أبيب لا تنام، لكن أظن أنك تنامين”، يقول في حوالي الساعة الرابعة صباحاً.
جفوني تبدوا ثقيلة جداً.ولكن لو ذهبت للنوم الآن فلن أنفذ ما وعدت به نفسي:أن أعود إلى البحر عند الفجر.أقترح عليه أن نذهب وننتظر الإشعاع الأول سوية.نجلس بصمت رقيق نرقب النهار يطلع فوق تل أبيب، نغمر أقادمنا في الماء.   
 ****

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *