الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (7)
صلاح النصراوي
لا يريد “معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” ان يقتنع ان مقالي عن السياسة الخارجية العراقية في الاهرام ويكلي هو جزء من اهتمام كاتب ومثقف بشؤون بلده السائر في دروب الحيرة والضياع وانه مساهمة في الجدل العام بشأن مستقبله المحفوف بالمخاطر والتحديات وانني مستعد ان انقل هذا الجدل الى صفحات الجرائد العراقية بغية حشد وعي العراقيين باحدى اهم مشكلات بلدهم الحقيقية.
في 12 ايلول الماضي انتهزت فرصة نشر الزميل محمد عبد الجبار الشبوط رئيس تحرير الصباح مقالا يتناول فيه موضوع السياسة الخارجية ويدعو فيه الى مساهمة النخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل وارسلت اليه مقالا كمساهمة مني في تشجيع باب النقاش حول الموضوع عراقيا الا انه لم ينشر المقال لاسباب لم يحاول حتى ان يذكرها.وتلك قصة اخرى من حكايات العابرين في حياتنا في “العراق الجديد”.
وهنا انشر المقال المذكور.
مطلوب سياسة خارجية فعالة
تعزيز الدور العراقي في حل الازمة السورية
حفزني مقال الزميل العزيز محمد عبد الجبار الشبوط عن “الطوفان السوري” قبل ايام ومكالمة تلفونية من احد السفراء العراقيين قبل ذلك ينقل لي فيها شكوى قيادي في الحكومة عن اراء جاءت في سياق مقال لي في جريدة “الاهرام ويكلي” عن السياسة الخارجية العراقية ان ادلي بدلوي من جديد وفي صحيفة عراقية في هذا الموضوع الذي تناولته في فترة مبكرة اثر التغير الذي اطاح بنظام الطغيان عام 2003.
كنت قد جادلت في كتاباتي وفي ندوات فكرية قبل الانسحاب الامريكي والاستلام الحقيقي للسلطة بان من الصعب الكلام عن وجود سياسة خارجية عراقية مستقلة لاسباب لا اظن انها خافية على احد.كما جادلت بعد ذلك بان صياغة سياسة خارجية بناءة وقوية تقوم على صيانة مصالح العراق الحيوية تحتاج الى توافق، واستراتيجة امن وطني متفق عليها من قبل القوى السياسية النافذة، وبعد ذلك كله جهاز سياسي ودبلوماسي محترف وكفء وجسور وملتزم قادر على تحويل كل ذلك الى مبادرات ومشاريع خلاقة في المحافل الاقليمية والدولية.
اريد ان استثمر دعوة الزميل الشبوط للنخبة الثقافية في التخطيط الاستراتيجي لعراق المستقبل، بالاقل بالنسبة لي، في الحوار بشأن السياسة الخارجية العراقية فاسئل بحسن نية اولا:هل ان البنية السياسية للنظام العراقي وللطبقة الحاكمة تسمح للنخبة الثقافية وللخبراء والتكنوقراتط المتجردين من الانحيازات والعصبيات ان يساهموا في تقديم رؤى وصياغة استراتيجيات وطنية في وقت يجري الصراع على هوية الدولة والمجتمع وتتم ادارة الشؤون العامة بطريقة المحاصصة في السلطة وفي الثروة؟
من خلال خبرتي ومتابعتي للدبلوماسية والسياسة الخارجية العراقية في محافل دولية واقليمية عديدة استطيع ان اجيب على هذا السؤال بلا قاطعة.ان جوابي هذا ينطلق اولاً من خصوصية التجربة العراقية التي انبنت على اساس المحاصصة السافرة، وليس التوافق او المشاركة، كما تشير ادبيات الجماعات المتحاصصة، وثانيا من طبيعة العلاقة العضوية بين السياسات الداخلية والسياسة الخارجية لاية دولة.ان اي مجموعة استشارية سوف تجتهد لتقديم رؤى وافكار او ترسم سياسات خارجية سوف تواجه في الحالة الراهنة احتمالين، اما انها ستنقسم داخلها الى اتجاهات تمثل كل واحدة منها مكوناً محددا سيتبنى مصالح مكونه واتجاهات قياداته، او انها ستقدم برنامج وطني، هو حصيلة موضوعية لقراءات الواقع، غير انه لن يجد توافقاً عليه في المستويات الحكومية او السياسية العليا كما سيواجه عرقلة التنفيذ، او بالاقل الافتقار للحماس في تنفيذه، في المستويات الدنيا.
وكي لا اقصر كلامي على الجانب النظري اجدني مضطراً الى الادلاء بشهادة شخصية في هذا المجال.لقد اطلعت خلال السنوات العشر الماضية وبحكم عملي في الصحافية الدولية في عواصم عديدة على نماذج مهولة من “دبلوماسية الاتصال” قام بها مسؤولون عراقيون مع نظرائهم او مسؤولين اخرين في الدول الاجنبية كانوا ينقلون لهم من المعلومات ما هو نقيض ما يتحدثون به علناً، او ماهم مكلفون بنقله من المركز.ان بعض ما اطلعت عليه من وثائق ومنها تسجيلات صوتية ومحاضر اجتماعات كان تحريضاً او استرخاصاً او نفاقاً يثير اشمئزاز حتى مستمعيه، غير انه كان في الحقيقة تعبيراً صادقا عن توجهات قائليه.
لن اتحدث هنا عن وزارة الخارجية وعن السفارات في الخارج فذلك مكانه مواقع النميمة على الانترنيت.
هل يمكن القول بعد ذلك بامكانية صياغة رؤى واستراتيجيات موحدة للسياسة الخارجية للعراق، وهي اليوم اصحبت حاجة ماسة اكثر من اي وقت مضى؟
هناك بلدان عديدة في العالم تتميز بالتنوع الاثني والمذهبي وهي مضطرة لكي تعكس هذا التنوع ليس فقط في هيكلة جهازها الدبلوماسي وانما ايضا في توجهات سياستها الخارجية، ولعل لبنان خير مثال على ذلك.كما ان هناك بلدان يتناوب على حكمها احزاب ذات توجهات سياسية متباينة تقوم بتغيرات جوهرية في السياسة الخارجية عند توليها السلطة وتعين اهل الثقة سفراء ومبعوثين لكي ينفذوا تلك السياسات، ومنها على سبيل المثال ايضا الولايات المتحدة الامريكية.وفي حين ان المجموعة الاولى تبقى محكومة بالتوازنات والتوافقات الداخلية الظرفية، فان دبلوماسية المجموعة الثانية، والسياسة الخارجية التي تنفذها، تبقى ملتزمة بالستراتيجات الكبرى والمصالح القومية العليا للدولة، مهما تغير فيها الرئيس او الحكومة.
ان معضلة صياغة سياسة عراقية خارجية فعالة تعكس المصالح الوطنية تبقى مرتبطة الى حد كبير بمشاكل العراق، وخاصة تلك العابرة للحدود منها، بسبب اتصالها ببلدان الجوار والتي تستخدم بدورها مدفعية دبلوماسيتها الثقيلة ومواردها السياسية والاقتصادية لتعطيل او شل اي سياسة خارجية عراقية مستقلة.هناك تحديات عديدة واجهتها السياسة الخارجية العراقية وادواتها الدبلوماسية منذ انتهاء الدور الامريكي، ومن بينها أزمة ميناء مبارك مع الكويت والازمة المتواصلة مع تركيا، غير ان صياغة ستراتيجية واضحة المعالم ونشطة تجاه الازمة السورية تحافظ عن المصالح العراقية الاساسية تبقى التحدي الاكبر بسبب ما هو مدرك من نتائج خطيرة سوف يتركها انهيار سوريا على الداخل العراقي.
لا يعني هذا الركون الى المبادرات بشأن سوريا التي اطلقت لحد الان والتي لم تجد طريقها للتفعيل لاسباب معروفة، ومنها عجز الدبلوماسية العراقية عن بلورتها في مشاريع عمل وبرامج خلاقة واتصالات نشطة سواء مع الاطراف السورية المعنية او الاقليمية والدولية الفعالة.بل ان من الضروري وضع تصورات وخطط عمل متكاملة تخلق زخما للعمل السياسي والدبلوماسي العراقي على كافة الاصعدة.ان من البديهيات في العلاقات الدولية هو ان العالم لا يقبل مناطق الفراغ التي يملئها عادة من يمتلك المبادرة والجسارة، خاصة اذا كان الفراغ جيوستراتيجيا، كما هو الحال في سوريا.
ما هو واضح في السياسة العراقية تجاه سوريا، اذا صح وصفها بذلك، هي انها سياسة احترازية ودفاعية وحذرة، بدلا مما هو مطلوب وهو ان تكون فعالة وجريئة وذات خيال وافق واسعين.فالسلبية ليست سياسة حينما يكون العالم يتداعى من حولك وحين تكون انت في موضع الخطر وحين يتسابق كل من حولك لكي يدفعك في آتونه.ادرك الصعوبات الداخلية والخارجية التي تعتري التوصل الى موقف وطني عراقي موحد تجاه الازمة السورية، كما ادرك ان البعض يراهن على ان سوريا مغايرة ربما توفر فرصا افضل في مساومات العملية السياسة المتعثرة، غير ان تلك رهانات خاسرة ان لم تكن خيارات انتحارية.
ان جوهر المعضلة العراقية هنا هو كيفية مواجهة القوى الاقليمية والدولية التي تحاول مستميتة ان تحول الثورة السورية من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية الى اداة لاعادة صياغة المنطقة انطلاقا من العراق.ما هو مطلوب من العراقيين هو ان يدركوا ان ثمن سياسة عراقية قوية وفاعلة تجاه الازمة السورية هو اقل كثيراً من الثمن الذي سيدفعونه في حال التقاعس عن القيام بالدور البناء المطلوب لانقاذ سوريا الوطن والشعب من مصيرها المجهول.
لذلك ففي الوقت الذي ارى ان دعوة الزميل الشبوط للعمل على جبهتين لبلورة موقف عراقي تجاه الازمة السورية دعوة بناءة، فاني ارى ان الانتظار الى ما بعد ان تجلس القوى السياسية على الطاولة لكي تحل خلافتها سيكون أمراً عبثيا في ظروف تفاقم الوضع المأساوي في سوريا وازدياد التدخلات الخارجية.ان حداً ادنى من التوافق ضمن لجنة السياسات الخارجية التي شكلت مؤخراً سيكون مفيدا لبناء ستراتيجية عراقية متكاملة تجاه الازمة السورية يساعد في صياغتها خبراء معنيون.
هناك الكثير الذي يمكن الحديث عنه بهذا الصدد، ولكن لذلك مجال أخر.