الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (6)
                                                                    صلاح النصراوي
لم يذهب “معالي وزير” الخارجية الى المحاكم ليقاضيني اسوة بما فعل مع زميله في “العراق الجديد” سامي العسكري في القضية الشهيرة ولكنه طالبني بالاعتذار عوضا عن ذلك.هناك فرق جوهري بين الحالتين وهي ان المناكفات السياسية في “العراق الجديد”، كما في الحالة الاولى، تستدعي ديكورا ديمقراطيا وقضائيا لاحكام قواعد اللعبة، في حين انه في الحالة الثانية يلجأ مباشرة ودون مواربة الى القمع وفرض شروط الاذعان والاذلال والمهانة على الصحفي الحر المستقل.
لماذا يطلب معالي الوزير الاعتذار؟ لانه حسب قوله “عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.”هذا طبعا بعد ان يتساءل “من اين اتى (الصحفي)  بالالهام لكل تلك الفنتازيا؟”
هنا نأتي على مقالي المعنون “المالكي يتولى المسؤولية” واذا اخذنا الامور باي معيار مهني، او حتى غير مهني، فان العنوان لا يدل على ان “معالي الوزير” هو اساس الموضوع المطروح.لكن وزير خارجية العراق الجديد يعتبر نفسه مستهدفاً فينهض للدفاع عن نفسه ووزارته، لكن لا تأخذه النخوة والحمية للدفاع عن “حكومة الشراكة الوطنية” التي هو عضو دائم فيها ولا رئيس وزرائه، وذلك لعمري بحد ذاته دليل دامغ على جوهر القضية المطروحة في المقال وهي ان الوزير في واد ورئيس الحكومة في واد اخر بما يتعلق بالسياسة الخارجية.
اقول في مقدمة مقالي ان رئيس الوزراء المالكي “قرر انشاء فريق حكومي لكي يتولى الاشراف على سياسة البلد الخارجية وهو ما يعني انه يتجه بقوة اكثر نحو احكام قبضته على السلطة السياسة في وقت يزداد فيه القلق بشأن فشل سياسة العراق الخارجية وسط الفوضى التي تشيع في المنطقة.”
في الفقرة الثانية اقول ان المالكي امر ايضا بتشكيل لجنة حكومية لاعادة النظر في العلاقات مع تركيا على ضوء سلسلة من النزاعات مع جار العراق الشمالي القوى من ضمنها الوضع في سوريا وتزايد تدخلات انقرة في الصراعات المذهبية والعرقية في العراق.”
في الفقرة التالية هناك جزء تحليلي يقول ان “المناورة (مناورة المالكي) ربما ستؤدي الى تحول اساسي في موازين القوى في وجود مقاومة من الاكراد لرئيس الوزراء الشيعي لاندفاعه في تركيز سلطته بشكل اوسع في بلد تقوده حكومة ائتلافية هشة منذ الغزو الامريكي عام 2003.”
وهكذا يمضي المقال في ان “هناك مخاوف من ان تؤدي خطة المالكي الى تدهور سيزيد من الانقسام في البلد الذي يخشى العديدون فيه من احتمالات الصراع الاثني والطائفي في المنطقة نتيجة الوضع في سوريا.”
ويستمر المقال في شرح ابعاد تشكيل اللجنة العليا للعلاقات الخارجية والموقف من تركيا التي فجرت مواقفها الاخيرة ومن ضمنها زيارة وزير خارجيتها لكركوك دون علم او تنسيق مع الحكومة المركزية.
“معالي وزير” خارجية “العراق الجديد” يقول انه عجز ان يجد معلومة واحدة صحيحة في مقالي برمته.حسناً يبدو ان “معالي الوزير” يقرأ الامور بالعين التي تروقه، مستنكفاً حتى من ان يرى الحقائق البسيطة امامه، فكيف اذن سيقتنع بحق الكاتب في التحليل والتعليق والكشف وقراءة ما بين السطور.
وزير خارجية “العراق الجديد” يكره التحليلات السياسية الصحفية ويراها مجرد “فنتازيا” و”خيالات” و”فبركات” و”خداع”.في المقال اجادل بانه “مع استمرار الاضطرابات في سوريا فان القلق يزداد مع اعتقاد الكثير من العراقيين بأن بلادهم تفتقر الى دبلوماسية واضحة وفعالة للتعامل مع المشكلات السياسة العديدة مع العالم الخارجي”.كما اجادل ايضا بان تشكيل لجنة وزارية لدراسة اعادة النظر بالعلاقات مع تركيا يعني ” تضاؤل” دور وزير الخارجية.
هل افتريت هنا على “معالي الوزير” عندما قلت ان اللجنة ستكون على حسابه استنادا الى البيان الذي اشار الى تشكيلها بانها تتولى رسم السياسات الخارجية والاشراف على تطبقها من قبل وزارة الخارجية.
الا ان مايستثير “معالي الوزير” هو كلمة “تضاؤل” دوره، كيف لا وهو الذي يسطر امجاد الوزارة التي اعادت العراق للمجتمع الدولي وجعلت مندوبيه يجتمعون مع مندوبي اعضاء مجلس الامن الدولي، وكأن العالم لا يعرف من اعاد العراق (هذا اذا كان عاد حقا) الى الحظيرة الدولية او ان مندوبي “بليتز” و”سان مارينو” و”تفاليو” لا يعقدون مثل تلك الاجتماعات مع مجلس الامن.
احدى فقرات المقال تقول ان احدى الانتقادات التي توجه لزيباري هو انه اخفق في الاستفادة من موقع العراق في رئاسته الدورية للقمة العربية في احراز اي تقدم في المجالين الدبلوماسي وفي العلاقات الخارجية وانه بعد ستة اشهر من القمة التي كلفت بغداد 500 مليون دولار فانه ينظر الى زيباري بانه لم يتخذ المبادرات التي تضع العراق في مركز السياسة العربية والاقليمة ورعاية مصالحه الوطنية.
ليجيبنا “معالي الوزير” عن النتائج والفوائد التي تحققت للعراق من ذلك المؤتمر الذي صرف عليه نصف مليار دولار بلغة الحقيقة لا بلغة التشكيك والطعن والتكذيب الذي امتلأ بها مقاله ولا بلغة الفتوح المبينة للدبلوماسية العراقية.
من حقي ان اقول  ومن خلال خبرتي وتجاربي في مؤتمرات القمة العربية واجتماعات الجامعة العربية التي حضرت منها العشرات خلال اكثر من ثلاثين عاما، ومن خلال عملي الصحفي في  دهاليز الجامعة العربية وفي العديد من الدول العربية، ان اي قمة لا تساوي قرشا واحدا يصرف عليها وانها وراء الكوارث والمآسي التي حلت بالمنطقة ابتداء من هزيمة العرب الكبرى في فلسطين وحتى تسلط نظم الاستبداد والفساد التي هاهي نتائج حكمها تؤدي الى دمار المنطقة وتفسخها وتشرذمها.
فهل من حق ا”معالي الوزير” ان يصادر رأيي هذا ويضمه الى الاتهامات بالفنتازيا والخداع؟انتظر مثلما سينتظر العالم كله مالذي سيقوله هو بالذات للتاريخ حول الاجتماعات والقمم العربية والعمل العربي المشترك بعدما يترك منصبه هذا ويستقر بعيدا عن مقعد العراق في بيت العرب. 
في مقالي اشارات الى “اتهامات” بسؤ الادارة وغياب التنسيق مع الجهات الحكومية الاخرى كما ان هناك “انتقادات” بانه “حول وزارة الخارجية الى وكر للمحاسيب عديمي الكفاءة والمعينين سياسيا والفاسدين.”
هل أتيت هنا بشيء جديد؟هل يريد “معالي الوزير” فتح هذا الملف الذي تغاضى عنه تماما في رده واعتبره مجرد “اعادة انتاج لادعاءات سرطانية مريضة”؟انا شخصيا أنأى بنفسي ان اخوض في تفاصيله لان رائحته النتنة كما ذكرت سابقا تزكم الانوف.
ولكن سؤالي لـ”معالي الوزير” اليست التعينات والمراكز على اساس المحاصصة والمحسوبية والعلاقات المشبوهة وليس على اساس الكفاءة والمقدرة والخبرة فساد اعظم؟ ومن ثم هل تستقيم سياسة خارجية صائبة وبناءة وقوية تتبنى وتدافع عن المصالح الوطنية العراقية وتواجه التحديات وتقف ضد كل الاعداء المتربصين بالوطن مع ادوات فاسدة او عديمة الكفاءة او لا مبالية؟
والاهم من كل ذلك الا يبدو ان اشاعة الفساد في وزارة معاليه امر ممنهج ومقصود لاسباب لا يمكن ان تغيب دلائله عن اي فطن ولبيب؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *