(14)
… وحين يصبح الفساد في العراق قضية دولية
نهاية شهر أذار (مارس) 2016 وبينما كانت بغداد تعيش ساعات حرجة بانتظار ما سوف تسفر عنه محاولات اخراج سنياريو لانقاذ البلاد من الأزمة الوزارية الطاحنة جراء اخفاق حكومة “حيدر العبادي” في الاستجابة لدعوات الإصلاح التي اطلقها الحراك الشعبي الواسع ضد الفساد فوجئ العالم بنشر تحقيق صحفي استقصائي دولي عن وقائع الفساد في العراق، وخاصة في قطاع النفط.التحقيق الذي ظهر على موقع “هافغتن بوست” (The Huffington Post) الأمريكي ودورية العصر(The Age) الاسترالية سرعان ما تناقلته الصحف العالمية باهتمام بالغ وتم اعادة نشره في وسائل اعلامية اخرى تحت عناوين مثيرة مثل: “اكبر فضيحة رشاوي عالمية في العراق”.
كان ابطال الفضيحة المعنية مسؤولين عراقيين كبار في الدولة وعلى رأسهم “حسين الشهرستاني” وزير التعليم العالي في حكومة العبادي ووزير النفط اثناء حصول وقائع دفع تلك الرشاوي وخليفته “عبد الكريم لعيبي” و”ضياء جعفر الموسوي” رئيس شركة نفط الجنوب والعديد من قيادات الوزارة ومسؤولي “شركة نفط الجنوب”.وملخص القضية التي اصبح الرأي العام العالمي والعراقي مطلع على تفاصيل كثيرة متعلقة بها ان شركة اقامها شخص من اصول ايرانية وولديه في “امارة موناكو” كواجهة لعمليات الصفقات المشبوهة عملت خلال سنوات طويلة في العراق كانت خلالها تدفع رشاوي على هيئة تحويلات مالية مباشرة، او شراء لشقق، او رحلات سياحية، وخدمات اخرى متنوعة، لمسؤولين في وزارة النفط لقاء تسهيلات للشركات النفطية الدولية العاملة في العراق، وخاصة للحصول على عقود الاستثمار والتشغيل في حقول النفط الكبرى التي ذهبت بدورها الى كارتيلات عالمية.
ومن خلال البريد الإلكتروني الذي تم اختراقه لشركة (Unaoil) وهي الوسيط في عمليات الرشى مقابل العقود بدأت تتضح صورة بشعة للشبكات العنكبوتية من كبار المسؤولين في الحكومة والقطاع النفطي العراقي الذين استطاعت شركات النفط اقامتها داخل العراق بهدف نهب الثروات الوطنية بواسطة مسؤولين ليسوا فقط من قادة الجماعات الحاكمة واتباعهم، وانما ايضا ممن ادعوا انتمائهم الى مدرسة آل البيت والى مشروع دولة العدل والحق الإلهية العلوية.
التقرير الصحفي متوفر الآن على مواقع الشبكة العنكبوتية، مما لا حاجة بي هنا الى اعادة سرد تفاصيله، وهو بالتأكيد نتيجة جهود استقصائية بحثية ممتازة استغرقت اشهرا طويلة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون ان خروج هذا التقرير الى النور يعود بشكل ما الى مساهمات وجهود عراقية بذلت خلال السنوات الماضية لفضح الفساد والفاسدين في “دولة علي بابا” ومن بين ذلك المقالات والتحقيقات التي نشرتها انا شخصياً باللغة الانكليزية على مدار السنوات الماضية ضمن مشروعي لكشف فساد “دولة علي بابا” ورموزها.(1)
كنت مدركا بان نقل المعركة ضد فساد زمر الحكم في “دولة علي بابا” الى الاعلام الخارجي سيساعد على خلق رأي عام دولي ضاغط بامكانه ان يساند العراقيين في معركتهم ضد الفساد.كان الهدف هو دفع اجهزة الاعلام الدولي الى الاهتمام بقضية الفساد في العراق والعمل على كشف المزيد من الجوانب المتلعقة بارتباط الفاسدين في العراق بشبكات الفساد العالمية.وفي سبيل زيادة الاهتمام الدولي كان لابد من ربط الفساد ونتائجه بقضيتي فشل العملية السياسية واستمرار الارهاب، وحث الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية على التعامل مع الموضوع بجدية نظرا للتأثيرات الخطيرة للارهاب على المستوى العالمي.(2)
وجاء الكشف عما سمي بـ “اوراق بنما” عن الحسابات المصرفية في بنوك مناطق الملاذات الضريبية بعد ايام قليلة من فضيحة الرشاوي الكبرى لتكشف عن اوجه اخرى لفساد زمر “دولة علي بابا” حيث اتضح حسب صحيفة “الغارديان” ووكالات انباء عالمية ان احد مؤسسي هذه الدولة وواضعي ركائزها وهو “اياد علاوي” يمتلك حسابات عديدة في تلك الملاذات استمر في الايداع فيها حتى عامي 2014 و2015 اي في الفترة التي كان يعمل فيها نائبا لرئيس الجمهورية.ولم يقتصر الأمر على هذه الفضيحة، بل تلاها بعد شهور الكشف عن حسابات علاوي في ملاذات ضريبية اخرى عبر التقرير الاستقصائي “اوراق الفردوس” حيث اتضح ان لعلاوي حسابات مسجلة في “برمودا” والتي اكد هو للمجموعة الصحفية التي كشفت عنها ان الأموال المسجلة فيها متأتية من استشارات “قانونية وأمنية” كان قد قدمها في فترة الثمانينات من القرن الماضي دون ان يفصح لمن كان قد قدم تلك الاستشارات المخابراتية، لكنه باقراره ذلك كان قد اكد ما كان متداولا منذ زمن طويل عن علاقاته المشبوهة بالاجهزة السرية في عدة دول عربية وأجنبية.(3)
ويعلم كل خبراء الاستثمار وكذلك الاجهزة التي تعمل في مكافحة الجرائم الاقتصادية ان الأموال والشركات المسجلة فى تلك الملاذات تتأتي، في اغلب الحالات، من طرق غير مشروعة كالفساد والرشاوي والعمولات غير القانونية وتجارة المخدرات والبشر والاسلحة، كما انها تستخدم لتنفيذ أنشطة غير شرعية كغسيل الأموال والتهرب من الضرائب، على سبيل المثال، بسبب غياب الرقابة الوطنية والدولية على تلك الحسابات والتحويلات المالية التي تجري عبر مافيات اجرامية متخصصة.
في رده على ما كشفته وثائق “اوراق بنما” التف علاوي، الذي يمتلك الجنسية البريطانية، ودار طويلا لكي يركز في جوابه على “ان القانون البريطاني يسمح بتشكيل شركات خارج المملكة المتحدة، وهو اجراء معمول به في القانون البريطاني”.واكد ان “موقفه الضريبي في بريطانيا سليم ونظامي وقانوني، كما انه ليس هناك اي تهرب ضريبي”.وبطبيعة الحال فان طبيبا ارسل للدراسة في بريطانيا في سبعينات القرن الماضي قبل ان ينشق ويبدأ رحلة تعاون مع اجهزة مخابرات اجنبية عديدة ومن ثم يلعب دورا بارزا في عملية اسقاط النظام السابق، لا يكشف عن مصادر ثرواته الباهظة وشركاته التي يدفع عنها الضرائب، كما انه لايدافع عن حاجته الى حسابات سرية في مصارف الملاذات الضريبية، كما يتفادى اي اشارة الى امكانية التعارض بين موقعه السياسي وعمله في مجالات البزنيس التي قد تخفى تفاصيلها على الشعب العراقي ولكنها لا يمكن ان تخفى على الاجهزة والمؤسسات الدولية.
وبالرغم من ان تلك قصة اخرى بابعاد وتفاصيل مختلفة عن قصص الرشاوي التي كشفها تحقيق “هافغتن بوست” و”العصر” الا انها تبقى من قصص الفساد الكبرى التي جرت في العراق رغم انها تكشف فقط عن جزئيات تتعلق بالمصب الذي تودع فيه اموال الفساد دون معرفة المنبع.لكن وفق المثال الذي توفره فضيحة شركة “اناويل” فلربما سنرى في وقت لاحق الكشف عن الكثير من تفاصيل المنبع الذي مكن مثل هذه النماذج في “دولة علي بابا” ان تكون امبراطوريات مالية واقتصادية تنتشر في العالم وتتولى في الوقت نفسه المواقع الحكومية والسياسية العليا وتتلاعب بمقدرات العراق.
ما تؤكده هذه التقارير وغيرها، من بين اشياء عديدة هو ان قدرة لصوص “دولة على بابا” في اخفاء الحقائق بشأن عمليات نهبهم للمال العام واوجه فسادهم المختلفة وتهربهم من المسؤولية اصبحت اضيق مما كانوا يعتقدون وان امكانية الكشف عن كل تفاصيل عمليات النهب والسرقات وطرق التصرف بالأموال اصبحت ممكنة لأسباب عديدة من بينها الامكانات التي توفرها الاجهزة الدولية المعنية بالشفافية ومحاربة الفساد والطرق الحديثة التي تتبعها الصحافة الاستقصائية للوصول اليهم.
الرسالة الضمنية التي ينطوي عليها الكشف عن هذه الوقائع هو ان الفاسدين قد يستطيعون من خلال السلطة والقوة الغاشمة التي بين ايدهم من اسكات اصوات العراقيين في الداخل وارهاب الصحفيين العراقيين الذين يسعون للتحقيق في قضايا الفساد (كما فعلوا طيلة هذه السنين) ولكنهم لن يستطيعوا ذلك في عالم اصبحت فيه هذه القضايا متشابكة مع بعضها وتخضع باستمرار لقوانين الشفافية والنزاهة والرقابة، سواء من قبل الحكومات او الهيئات الدولية، اومن قبل الصحافة المهتمة بنقل الحقائق للرأي العام الدولي.
من الطبيعي ان تثار أسئلة بخصوص الجهات التي تقف وراء تسريبات تتعلق بمعلومات سرية وفائقة الأهمية مثل هذه، وايضا التوقيتات التي جرت بها عمليات نشر هذه التقارير، والشخصيات العراقية التي جرى انتقائها من دون آخرين لكشفها، وهي بالتأكيد ترتبط بعمليات ابتزاز من قبل القوى والأجهزة التي يتعاملون معها والتي تعلم تفاصيل كل حساباتهم واستثماراتهم في العالم.الا ان ذلك لن يغير من حقيقة الموضوع شيئا باعتبار ان هؤلاء وغيرهم من مسؤولي “دولة علي بابا” اصبحوا معرضين للفضائح والكشف عن تفاصيل سرقاتهم واماكن ايوائها مهما طال الوقت او قصر.
لم تكن جميع التقارير التي نشرت عن فساد المسؤولين العراقيين في الخارج قد أتت عن طريق الصحافة الأجنبية، فبعض تلك التقارير جاءت من شخصيات عراقية بذلت جهدا خاصا لتقصي المعلومات عن مشاريع ومقاولات وردت الى اسماعهم عن شركات في دولهم مما اثارت شكوكهم فبادروا للعمل كصحفيين استقصائيين لمعرفة الحقيقة.ومن اشهر القضايا التي تم فضحها هو مانشره الوزير العراق الأسبق “جواد هاشم” عن شركة وهمية كندية منحت مشروعا للطاقة بملبغ 1.5 مليار دولار وما نشره المهندس “مثنى كبة” عن شركة وهمية في سويسرا منحت هي الاخرى عقدا لبناء محطات طاقة بمبلغ 6 مليار دولار.(4)
ولم تذهب جهود الشخصين العراقيين سدى فقد ادى الكشف عن الشركتين الوهميتين الى الغاء العقود المعنية على الرغم من ان ذلك لم يكن يعني امكانية الالتفاف على تلك القرارات وتوقيع عقود اخرى باسماء شركات وهمية غيرها.غير ان الفضيحة سلطت، من ناحية اخرى، الأنظار على الدور الذي يمكن ان تلعبه الجاليات العراقية في مكافحة الفساد في بلادها من خلال نشاطات مختلفة، وعن طريق استغلال حقوق المواطنة المكتسبة في بلدانها والحقوق الدستورية والقانونية للوصول الى المعلومات لمتابعة تفاصيل هذه القضايا بدءاً من تقصي الحقائق، ووصولا لملاحقاتها قانونيا في محاكم بلدانهم تلك.
وبهذا الصدد تتحمل الجاليات العراقية في الخارج مسؤولية كبيرة في مهمة تعزيز المقاومة ضد الفساد من خلال تنظيم نفسها في فعاليات، وبرامج، ومنظمات تضامنية مع الحراك الشعبي المناهض للفساد في الداخل.وتأتي على رأس اولويات عمل الجاليات العراقية في الخارج رصد الأموال المنهوبة وحركة نقل الأموال وتبيضها والتدقيق في العقود المزيفة الموقعة مع الشركات الوهمية وهي كلها ممارسات لعبت الدور الأبرز في عمليات الفساد خلال المرحلة السابقة.ان للجاليات العراقية في بعض دول المهجر فرصة كبيرة من خلال استغلال القوانين المحلية والدولية والثغرات القانوية لملاحقة الفاسدين اضافة الى الفرص المتوفرة لهم في الوصول الى المنظمات الوطنية والدولية المعنية والمحامين المعنيين بملاحقة الفساد.
من الضروري بها الصدد تشكيل منظمة وطنية من عراقيين في الداخل والخارج تقوم بتسجيل وتوثيق كل ما يتعلق بالنشاطات الاجرامية المتعلقة بالفساد لزمر عصابات “دولة علي بابا” والأموال المسجلة باسماء عوائلهم واقربائهم وكل من له علاقة بهم في دولهم، وغيرها، وانشاء ارشيف وطني تتحمل الأجيال العراقية القادمة مهمة متابعته مستقبلا وملاحقة الأموال المنهوبة واستعادتها.هناك تجارب معروفة في هذا المجال، ومنها تجارب الجماعات اليهودية في العالم التي نجحت من خلالها في ملاحقة واستعادة الأموال والثروات اليهودية بعد سنين وعقود طويلة من نهبها.وتأتي على رأس قائمة المهمات التي يجب ان تقوم بها جماعات عراقية متخصصة ومؤهلة الاتصال بالأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية بهدف تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية بشأن الأموال العراقية المنهوبة اعمالا للقرارات الدولية التي اتخذها مجلس الامن منذ عام 1991 واثناء الغزو الامريكي والتي لا تنتهي بالتقادم.
كان بامكان اي مواطن كندي من اصل عراقي، مثلا، ان يتابع الاتهامات الموجهة لـ”حسين الشهرستاني” سواء في قضية “اونياويل” او العقود الاخرى التي كان للشهرستاني ايضا ضلع فيها ويلجأ للقضاء هناك لاجراء التحقيقات اللازمة باعتبار الشهرستاني مواطنا كنديا ايضا.كما كان بامكان اي مواطن عراقي يتمتع بالجنسية البريطانية ان يطالب الجهات البريطانية بالتحقيق في ادعاءات “اوراق بنما” بشأن علاوي وآخرين من المسؤولين من مزدوجي الجنسية العراقية البريطانية الذين هربوا اموالهم الى بريطانيا.من الطبيعي ان تكون الدوافع التي حركت الفريق الاسترالي تتعلق بمشاركة شركة “لايتن” الاسترالية في تلك الوقائع وانتهاكها للقوانين في بلادها مثلما كانت “اوراق بنما” تمثل مسعى لكشف الحجم المهول من محاولات التهرب من دفع الضرائب على المستويات الوطنية والعالمية من قبل شخصيات كبيرة.الا ان المحاولتين تكشفان اهمية العمل الدؤوب على كشف قضايا الفساد في “دولة علي بابا” من قبل العراقيين بكل الطرق والوسائل الممكنة، ودون اية استهانة بما ينشر من معلومات، او شعور بالاحباط بعدم جدوى ذلك.ما يجب ان يدركه كل عراقي بان هناك دائما بعد دولي في عمليات الفساد ابتداء من الرشاوي الى العقود والمقاولات وانتهاءً بالمكان الذي ترسو فيه اموال الفساد، وهو عادة بنوك ومصارف خارجية، سواء اكانت في ملاذات ضريبية، او في دول او تبيضها على شكل استثمارات وعقارات ومن ثم اعادة تدويرها واستغلالها في مشاريع باسماء اصحابها او عوائلهم او شركائهم.
ان مهمة ملاحقة الأموال المنهوبة هذه بقدر ما هي نبيلة وتشكل مسؤولية وطنية واخلاقية وسياسية، فانها ليست بالمكلفة كثيرا ويستطيع ان ينهض بها مجموعة صغيرة من الشباب العراقيين المتواجدين في الدول الأوربية والولايات المتحدة والذين يحملون جنسيات هذه البلدان.ان كل ما يتطلبه الأمر هو توفر الارادة والحمية الوطنية والقليل من الجهد في العمل والتنظيم والاستعانة بالخبرات العالمية المتوفرة.ان العديد من العراقيين في الخارج يكتفون بالفرجة او بالتنفيس عن غضبهم من ممارسات الفساد عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجالس النميمة والثرثرات الفارغة ولكنهم يتقاعسون عن القيام بعمل بناء في ملاحقة الفاسدين الذي يعيشون في اوساطهم في عقارات تم شراءها بالأموال العراقية المنهوبة ويقومون باستتثمارات ويفتحون حسابات مصرفية مكتنزة بتلك الأموال.
وفي لجة الغضب المتصاعد ضد حيتان “دولة علي بابا” اهتم العالم بقضية الفساد المستشري في العراق حيث شكلت تقارير ودراسات “منظمة الشفافية الدولية” و”الاكاديمة الدولية لمناهضة الفساد” وغيرهما بعض المصادر المهمة التي سلطت الأضواء على الفساد في العراق كقضية عالمية.كما تنبهت المنظمات الدولية المعنية وخاصة “منظمة الامم المتحدة” وهيئاتها المختلفة الى الحجم المريع للفساد في العراق واطلقت التحذيرات عن الأثار الخطيرة التي يمكن ان يتركها الفساد على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.وكان اهم ما تم الانتباه اليه تأثير الفساد المباشر على سؤ الادارة والعجز عن اعادة بناء الدولة، والفشل في العملية السياسية، والأخطر من كل ذلك هو دور الفساد في استمرار الارهاب وتفاقم العنف المجتمعي.(5)
وشكلت الأزمة المالية التي تسبب بها تدهور اسعار النفط بعد عام 2012 فرصة لـ”الأمم المتحدة” ولـ”صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” كي تتدخل في دعوة الحكومات العراقية الى مكافحة الفساد.ووفق اتفاق وقع مع “برنامج الأمم المتحدة الانمائي” عام 2016 وبعد ضغوط مارسها “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” لتضمين ذلك ضمن شروط المساعدات والقروض التي قدمت للعراق سواء لاعادة البناء او لتحسين ميزان المدفوعات، فقد تم انشاء آلية مشتركة بين الحكومة والبرنامج يقوم من خلالها خبراء دوليون في مكافحة الفساد بمساعدة “هيئة النزاهة” والجهاز القضائي في العراق في تدريب وتطوير مهارات المحقيقين العراقيين في قضايا الفساد وبالذات في طرق الكشف عن هذه القضايا والتحقيق فيها واحالتها الى المحاكم.(6)
كانت هناك امال كبيرة ان تقوم هذه الهيئات الدولية والامم المتحدة بالكشف عن نتائج عمل المحققين الدولين بعد انتهاء عملهم ربيع عام 2018 عملا بمبادئ الشفافية والنزاهة وامتثالا لمسؤوليتها امام الشعب العراقي والرأي العام الدولي الا انها لم تفعل علما انها تمكنت خلال فترة عملها من جمع بيانات ومعلومات في غاية الاهمية والدقة عن حجم الفساد في العراق والمتورطين فيه من الاطراف العراقية والاجنبية.ان عدم الاعلان عن نتائج عمل المحققين الدوليين لا من قبل برنامج الامم المتحدة الانمائي يفضح الاهداف الحقيقية من وراء الاتفاق الذي وقع في آب (اغسطس) 2016 في عدم وجود ارادة حقيقية ولا نية في مكافحة الفساد في العراق واجتثاثه من منبعه.
بعد عقد ونصف من الغزو الأمريكي لم يحقق التدخل الدولي، سواء من قبل “الأمم المتحدة” او من خلال البرامج المدعومة من بعض الحكومات، ومن بينها الولايات المتحدة، اي اختراق مهم يذكر في جهود مكافحة الفساد في العراق، سواء على صعيد دعم الحملات المحلية لوقف إستنزاف الفساد للمال العام ودعم برنامج وطني شامل لمواجهة الفساد، او على صعيد استرداد الأموال المنهوبة في الخارج، او جلب المدانين الهاربين لمحاسبتهم امام القضاء العراقي.فعلى الرغم من الإتفاقيات الدولية الخاصة بتبيض الأموال، وعمل المصارف المركزية في العالم في الرقابة، ودور المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع الدولي في تعزيز الشفافية ودور اجهزة الاعلام في كشف وملاحقة انواع الفساد المختلفة على الصعيد الدولي، الا ان جهود مكافحة الفساد في العراق لم تحظ الا بالقليل من الاهتمام، وكأن هناك اتفاق، او تفاهم، على السماح لهذه الشبكة العنكبوتية ان تعمل بحرية في الاطار الدولي المعولم.ومثلها مثل جهود “هيئة النزاهة” و”لجنة النزاهة البرلمانية” والقضاء فقد خلفت برامج المساعدة الدولية في مجال مكافحة الفساد الكثير من خيبات الأمل لدى المواطن العراقي الباحث عن لقمة عيشه وسط ركام الأزمات التي خلقها الفساد وعززت القناعة لديه بان الحلقات الخارجية للفساد والمستفيدة منه قد تكون اشد خطورة من الحلقات الداخلية التابعة.
ان ابرز مثال على تقاعس العالم على العمل بشكل جدي في مكافحة الفساد في العراق هو استمرار تهريب الاموال العراقية المنهوبة الى الخارج وانتهائها في بنوك دول الجوار والملاذات العالمية وفي استثمارات عقارية في مختلف انحاء العالم وفي عمليات اعادة تدويرها وتبيضها لاستثمارها في اقتصاد النهب داخل العراق وخارجه.ان نظرة سريعة على الارقام المتعلقة بالاستثمارات العراقية منذ عام 2003 في العالم وخاصة في دول الجوار تفصح عن حجم الفساد الذي ترعاه مافيات دولية واقليمية هي في حقيقة الامر شريكة لزمر الحكم في “دولة علي بابا” وضالعة في عملية الفرهود الأكبر لثورات العراق.
هوامش مراجع ومصادر الفصل الرابع عشر
1-انظر:”كيف ظهرت اكبر فضيحة رشاوي عالمية في قطاع النفط في العراق”، تحقيق على موقع هافنغتين بوست الامريكي، 30/3/2016
http://www.huffingtonpost.com/entry/unaoil-bribe-scandal_us_56fc3e7de4b0a06d5804a532
2-انظر:”فساد هائل في العراق، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، (بالانكليزية) 20/9/2012
https://sites.google.com/site/weeklyahramorgegissue1115/region/huge-corruption-in-iraq
انظر كذلك:”الكشف عن عقد مزيف اخر في العراق”، الاهرام اون لاين، (بالانكليزية) 15/12/2013
3-انظر:”اوراق بنما كيف يخبء اغنياء العالم ومشاهيره اموالهم في الملاذات”، صحيفة الغاردين (بالانكليزية)، 3/4/2016
انظر كذلك:”تسمية نائب الرئيس اياد علاوي في اوراق بنما، موقع رادو (بالانكليزية ، 10/4/2016
http://www.rudaw.net/english/middleeast/iraq/10042016
انظر ايضا :”حان الوقت لتنظيف الملاذات الضريبية”، موقع منظمة الشفافية العالمية، 6/11/2017
4-انظر:”فضح قضية فساد مزعومة في العراق”، تقرير صحفي في موقع بريس ريدر الكندي (بالانكليزية)،12/8/2012
https://www.pressreader.com/canada/vancouver-sun/20110812/285825780002620
انظر كذلك:”الكشف عن عقد مزيف اخر في العراق”، الاهرام اولاين (بالانكليزية) ،15/12/2013
5-انظر:”دراسة للامم المتحدة تكشف عن التحديات التي يمثلها الفشاد وانعدام النزاهة في القطاع العام العراقي”، صندوق الامم المتحدة الانمائي (بالانكليزية) ،21/6/2013
6-انظر:”برنامج الامم المتحدة الانمائي فخور بمساعدة العراق في مكافحة الفساد، بيان مكتب البرناج في بغداد، 11/8/2017
انظر كذلك:”هيئة النزاهة توضح اللبس بشأن الاستعانة بخبراء دوليين للتحقيق بقضايا الفساد” ،16/8/2016