دولة علي بابا

 cover 5

7)           

                                     عن دبلوماسية المغارة

 

لم يقتصر الفساد على مؤسسات “دولة علي بابا” التي في الداخل، اذ كان لوزارة الخارجية نصيب، بل نصيب وافر منه، كان له تأثير بالغ على السياسة الخارجية وحد كثيرا من فاعلية الدبلوماسية العراقية في مواجهة تحديات جمة.اذ شأنها شأن المؤسسات الاخرى التي عانت طويلاً من الفساد وتبعاته المدمرة فقد طال الفساد وزارة الخارجية بانواعه المختلفة منذ اليوم الاول لاعادة تأسيسها على يد سلطة الاحتلال الامريكي بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.فلم تكد تمضي اسابيع قليلة حتى بدأت روائح الفساد العفنة في هذه المؤسسة تنتشر داخل وخارج العراق، تحمل معها قصصا ووقائعا عن فساد مالي واداري واخلاقي تصب كلها في نتيجة واحدة، وهي ان هذا الجهاز الذي  تم انشاؤه لتمثيل العراق في العالم، والدفاع عن مصالحه، وتبني قضاياه كما ينبغي لأي وزارة خارجية ان تعمل، ذهب بالاتجاه المعاكس، وراح يعكس صورة مغايرة تماما لما هو مطلوب منه، وكأنما كان مهيئا ومكلفا سلفا بمهمة حصرية واحدة، الا وهي تدمير صورة العراق في الخارج تماما كما يفعل الارهاب والفساد والمحاصصة من الداخل.

وعلى نفس المنوال الذي نسجت به سلطة الاحتلال هياكل اجهزة ودوائر “العراق الجديد” فقد عينت ما اسمته بـ”اللجنة التوجيهية لادارة وزارة الخارجية” والتي وضعت على رأسها السفير الامريكي السابق في مسقط “ديفيد دنفورد” ويساعده الدبلوماسي العراقي “غسان محسن حسين” الذي كان يعمل سفيرا في وزارة خارجية النظام السابق الذي كان قد تم اسقاطه للتو.بعد نحو عشرة اعوام سيصدر المذكوران كتابا عن تجربتهما تلك لكنه سيخلو من تلك القصص التي كشف النقاب عنها لاحقا عن رحلة الفساد في تلك الوزارة التي بدأت اعادة بنائها معهما، وظلت ترافقها طيلة السنوات اللاحقة.فخلال فترة قصيرة لم تتجاوز اشهر معدودة اعادت اللجنة المذكورة بناء وزارة الخارجية رأسا على عقب، بطريقة عشوائية ومستعجلة، ظلت هي الأساس الاداري والدبلوماسي الذي يقوم عليه هيكل وعمل هذه الوزارة لحد الان.كان الهدف من وراء الاستعجال هو السعي لغسل سمعة  الولايات المتحدة التي كانت هي رسميا وفعليا سلطة احتلال من خلال تقديم الحكومة العراقية التي عينتها الى العالم باعتبارها حكومة وطنية لدولة مستقلة.

سرعان ما رست الوزارة على تشكيلة فريدة من الدبلوماسيين البعثيين وضباط المخابرات من ازلام نظام صدام العاملين في وزارة الخارجية القديمة، ومن خليط من القادمين الجدد مع جيش الاحتلال الامريكي، من اعضاء وانصار الجماعات الحاكمة الجديدة، وآخرين من اتباع الغزاة وعملائه الذين كانوا يتعاونون مع اجهزته ومؤسساته المختلفة في الفترة التي سبقت الغزو.ولم يكن هذا الخيلط المتنافر للجهاز الدبلوماسي الجديد، ولا انعدام الخبرات والكفاءات والمهارات لدى القادة الجدد للوزارة، ولا نظام المحاصصة الطائفية الذي طبق بحرص في تعيين الأطقم الجديدة في سفارات العراق بالخارج، هو السبب الوحيد لما آلت اليه أوضاع الدبلوماسية في “العراق الجديد”، من فشل عجز وضمور، وانما كذلك الفساد المالي والادراي الهائل الذي صاحب عملية اعادة بناء الوزارة منذ اول لحظة والذي جعلها تتفوق في النهب والاستحلال بعدئذ على باقي كهوف مغارة “دولة علي بابا”.(1)

فخلال السنوات اللاحقة راجت الكثير من الشهادات الشخصية، والتسريبات، والوقائع، والوثائق التي ملئت المواقع الالكترونية وصفحات الجرائد عن حكايات الفساد المالي والاداري والاخلاقي والسياسي في وزارة الخارجية وسفاراتها واجهزتها لم تستطع لا لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان ولا الحكومة ولا “هيئة النزاهة” ولا دائرة المفتش العام في الوزارة ان تضع حدا لها.لقد تكسرت كل المناشدات وصيحات الاستنكار التي انطلقت بضرورة المراقبة والمتابعة والمحاسبة لما يجري من فساد مستشر في وزارة الخارجية على صخرة مخطط مدروس موضوع منذ لحظة التأسيس كانت معالمه واضحة للجميع، وفي مقدمتهم قادة “دولة علي بابا” الذين عجزوا عن ايقاف مد الفساد واللصوصية في وزارة الخارجية بسبب منظومة المحاصصة والمصالح والمنافع المتبادلة التي اقاموها والتي ترسخت يوما بعد يوم.

ولم تكن حصيلة كل ذلك الفساد المخطط والمبيت الا فشلا ذريعا في السياسة الخارجية وعلى الصعيد الدبلوماسي وفي ملف ادارة العلاقات الاقليمية والدولية وصل الى حد انعدام الفاعلية، سواء على صعيد العلاقات الثنائية، او العلاقات الدولية متعددة الأطراف، على الرغم من فيلق “الدبلوماسيين” الذين ارسلوا الى بلدان العالم والمنظمات الدولية في مشارق الأرض ومغاربها ومع كل الرواتب والمخصصات والمزايا الفلكية التي لا يحصل عليها اي دبلوماسي في اي دولة في العالم.ان قصة العائدات المالية المهولة التي يحصل عليها دبلوماسيو “دولة عي بابا” وعالم الصفقات والبنزنس الذي ينخرطون فيه هي في حد ذاتها سبب من اسباب الفشل والشلل الذي آلت اليه هذه الدبلوماسية في تخليها عن القيام بوظيفتها الحقيقية وواجبها الوطني.

(ينظر في كل ذلك مذكرات وكتب دونها موظفون ومستشارون امريكيون في “سلطة الإئتلاف المؤقتة” وصحفيون وآلالاف من المقالات على مواقع الإنترنيت وفرت مادة غزيرة لاي جهة تحقيقية، او بحثية تتناول تاريخ هذه الحقبة منذ تشكيل الهيئة التوجيهية وحتى الوقت الحالي).

وعلى رغم كل الأموال التي توفرت لها والضغوط التي مارستها الادارات الامريكية على دول العالم والتي فتحت للوزارة ابواب العلاقات الخارجية، سواء لدى الدول الاجنبية، او المنظمات الدولية منذ البداية وحتى فترات قريبة، الا ان وزارة الخارحية فشلت فشلا ذريعا في تمثيل “العراق الجديد”، كما كان الشعار المحبب لوزيرها السابق “هوشيار زيباري”، وفي الدفاع عن مصالحه الوطنية، والعمل على صيانة امنه القومي وحماية شعبه.ان استعراض عمل عقد ونصف من عمر الوزارة وبمعايير التخصص والاستقصاء البحثي والقياس النوعي يكشف عن حالة مريعة من عدم الكفاءة واللاانجاز والتداعي، مما انعكس سلبيا على الواقع العراقي الذي كان في امس الحاجة لمن يحمي مصالحه في الخارج ويدافع عنها لدى دول العالم ومنظماته الدولية في ظل هجمات شرسة ومؤامرات دولية واقليمية يتعرض لها العراق من كل حدب وصوب.

كان الاخفاق الأكبر للوزارة هو عدم توفرها على استراتيجة شاملة وفعالة في مواجهة أكبر خطر يواجه العراق وهو الارهاب والذي لم يكن ليصل الى هذه الدرجة من التدمير لولا الامتدادت والحواضن الخارجية، ووسائل الدعم السياسي والاعلامي والمالي الذي كان يأتيه من الخارج.اما الفشل الثاني فقد تمثل في العجز عن مواجهة تحديات التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن العراقي والتي كانت سببا رئيسا في بقاء العراق في حالة من العزلة والحصار، من ناحية، وميدانا لصراعات النفوذ الاقليمي والدولي، من ناحية ثانية، ونهبا للمصالح الاقتصادية الضيقة، من ناحية ثالثة.اما الفشل الثالث فقد تمثل في تقاعس الدبلوماسية العراقية عن تقديم رؤى وأفكار وخطط كمبادرات، سواء اكانت استباقية، او كردة فعل على تطورات اقليمية كانت تؤثر او تنعكس على العراق بشكل مباشر او غير مباشر وان تحاول الحد من نتائجها الكارثية.

ان أهم عنصر يقوم عليه عمل اية وزارة خارجية هو العنصر البشري بما يعني من اختيار سليم للأطقم وللأفراد الكفوئين المناسبين للعمل الدبلوماسي والعلاقات العامة، ومن الخبراء والدارسين في مجال العلاقات الدولية والتخطيط السياسي وغيرها من الاختصاصات ذات الصلة، اضافة الى خلفيات وخبرات وتجارب شخصية، ومواصفات كثيرة اخرى تتلائم مع طبيعة هذا العمل الدقيق وتقاليده الدولية الراسخة.ان هذا النوع من النشاط العام يقوم الى حد كبير على محددات ذات صلة مباشرة بالتعليم والبحث والمعرفة والدراسة والتجربة والاطلاع والتي هي جميعها من الركائز الأساسية في العمل الدبلوماسي والسياسي والأمني والاداري والقانوني، حتى تتمكن الدولة ان تدير شؤنها الدولية وتقود سياستها الخارجية بنجاح في عالم يعتبر صراع العقول والارادات فيه أهم وأخطر من الصراع بالسلاح.

لكن ماذا فعلت وزارة الخارجية لـ”دولة علي بابا” لكي تبني سياسة خارجية فعالة وجهاز دبلوماسي كفء يتعامل مع كل تلك التحديات التي يواجهها العراق؟بدلا عن ذلك احتفظت الوزارة، من جهة بالمئات من ازلام النظام البائد ممن كانوا يعينون في هذه الوزارة اما لانتمائهم لاجهزة مخابراته وامنه، او لإعتبارات حزبية وعائلية ومناطقية، في حين استبعدت من بينها الكفاءات المهنية والعلمية العراقية.ومن جهة اخرى، عززت هذا الكادر المعادي لـ”العراق الجديد” بعناصر من ممثيله ممن ينتمي لأحزاب السلطة الجديدة ومن اعوان واقارب المسؤولين فيها، دون اي تقييم اكاديمي، او علمي، او فكري، او توفر مهارات متميزة، وطبعا دون اية معايير تتعلق بالمواطنة والعدالة والشفافية في الاختيار.كما اخضعت التعينات في هذه الوزارة في مختلف درجاتها الى نظام من المحاصصة الطائفية والقومية والى صفقات سياسية ومالية وغيرها.ولقد جرى كل ذلك في حين تم استبعاد كفاءات عراقية عالية من عناصر متميزة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين ومن العاملين في منظمات وهيئات دولية متميزة.

من المؤكد ان الفشل الحكومي العام واستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة كان سببا من تلك الاسباب التي جعلت من وزارة الخارجية وجها آخر من اوجه فشل بناء الدولة العراقية.لكن السبب الآخر يكمن في اداء “هوشيار زيباري” نفسه الذي تولى شؤون الوزارة لاكثر من ثمان سنوات ادارها خلالها بطريقة الاقطاعي الذي يدير مقاطعته لا كمسؤول في دولة ناهضة من رماد الحروب ومتطلعة لمستقبل واعد.خلال الفترة التي تولى فيها زيباري الوزارة، اي من ايلول (سبتمبر) 2003 الى تموز (يوليو) 2014 حفلت الوزارة بوقائع فساد مالي واداري شملت ملفاتها اختفاء ملايين الدولارات من حسابات اعادة بناء الوزارة التي خصصتها “سلطة الائتلاف المؤقتة” والتي اشتملت على اعمال صيانة وبناء لمكاتب السفارات العراقية في الخارج، او شراء ابنية جديدة لها، كما شملت اختفاء ملايين اخرى من خزائن وحسابات السفارات كانت قد اودعت فيها اثناء فترة النظام السابق ولكنها لم تنقل للسلطة الجديدة.ومن ظواهر الفساد الكبرى في وزارة الخارجية في عهده انه وضع نظاما خاصا للرواتب والمخصصات بحيث اصبح الموظف في السلك الدبلوماسي يقبض راتبه مرتبين، احدهما في الداخل، والآخر بالعملة الصعبة في الخارج، اضافة الى مخصصات خدمة متنوعة، في انتهاك للقانون الذي يمنع الجمع بين راتبين حكوميين.ان كل مظاهر الفساد التي نشرها زيباري كان مقصودة وتستهدف اولا شراء ذمم موظفيه والسيطرة عليهم والتخريب المتعمد للوزارة وللسلك الدبلوماسي والعلاقات الخارجية للعراق بهدف واحد وهو تدمير العراق تمهيدا لانجاز حلم الانفصال الكردي الذي كان يسعى اليه ويعمل على تحقيقه.

لم تجر اية تحقيقات جدية في ملفات فساد وزارة الخارجية في عهد زيباري وتمكن بسبب عضويته في القيادة الكردية وقرابته من “مسعود برزاني” من التملص من كل دعوات الاستجواب البرلمانية، او محاولات التحقيق من قبل “هيئة النزاهة” في كل ما نشر حول الفساد في وزراته.وفي واحدة من الوقائع الشهيرة المتداولة في الاروقة الرسمية فقد تقدم احد النواب بشكوى الى البرلمان طالبا التحقيق في ان زيباري تزوج اثناء توليه المنصب من امرأة ثانية من عائلة بعثية ادرج اسم والدها ضمن قائمة المطلوبين للعدالة، لكنه مع ذلك عين ثلاثة من اخوتها واربعة من ازواج اخواتها في الوزارة كما نقلهم للعمل في سفارات في الخارج، ضاربا بعرض الحائط كل القيم والمعايير التي تتعلق بالتوظيف في السلك الدبلوماسي وبمعايير الكفاءة والجدارة والمساواة في المواطنة والوظيفة العامة.(2)

ان واحدة من مآسي الفساد في وزارة الخارجية هي الشهادات المزورة التي قدمها الكثيرون وتم تعيينهم بموجبها كدبلوماسيين وحتى كسفراء في تحدي سافر للقوانين والأعراف ولحق التنافس العادل بين المواطنين على الوظيفة العامة.فخلال كل هذه السنين ظلت الأخبار والحكايات عن الشهادات المزورة للمئات من كوادر الوزارة تتوالى دون استجابة حقيقية للتحقيق في ذلك بشكل شفاف يتيح للعراقيين الأطلاع على الخلفيات العلمية والاكاديمية والدراسية والبحثية والخبرات العملية والالتزام الوطني التي ينبغي ان تكون متوفرة لدى الأطقم الدبلوماساية والتي تدير السياسة الخارجية العراقية.كانت الشكاوي تتكاثر والأخبار تنشر عن مزوري الشهادات وعمن من هم بدون شهادات اصلا ولكنها كانت تصطدم بآذان صماء وبردود متعجرفة، بل وبتعيين المزيد من اولئك المحاسيب والأزلام في تحد صارخ لارداة العراقيين المطالبة بالاصلاح والنزاهة والشفافية وكذلك في الامعان في تلك الممارسات التي الحقت اشد الأضرار بالدبلوماسية العراقية وبسياسة البلد وعلاقاته الخارجية وبسمعته الدولية.(3)

لقد كان محتما ان تواجه حكومة جديدة حلت محل حكومة “نوري المالكي” عام 2014 ووزير جديد في مكان زيباري ذلك العبء الثقيل بحركة اصلاحية شاملة في الوزارة تفتح الطريق امام صياغة سياسة خارجية جديدة وقوية ودبلوماسية فاعلة تقوم بواجبها في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق.كانت هناك آمال عريضة بان يفتح الوزير الجديد ملفات التعينات في وزارته كخطوة أولى في طريق الاصلاح لكي ينقي هذا الجهاز من حملة الشهادات المزورة، وممن تم تعينهم بالمحاصصة والوساطات والرشاوي، ومن ازلام النظام البعثي، ومن الفاشلين، وان يأتي بوجوه جديدة من عراقيين لديهم خبرات حقيقية ومن اصحاب الكفاءات العلمية والفكرية لكي يقودوا الدبلوماسية العراقية في تلك المرحلة الصعبة التي تتطلب مواجهة الارهاب في الداخل، والهجمة الشرسة على العراق في الخارج، بعقول بامكانها ان تقدم الرأي والمشورة وتقود دبلوملسية فاعلة تتعامل مع الاوضاع الدولية والاقليمية المعقدة والمستجدات، كما تسهم في صناعة السياسة الخارجية.لكن “ابراهيم الجعفري” لم يفعل اي من ذلك واكتفى بمطاردة البعض على خلفيات طائفية، كما ظل محاطا في مكتبه، وفي الدائرة المقربة، منه وعلى طاولة اجتماعاته، باشخاص يعرفهم القاصي والداني بانهم من مزوري الشهادات، وممن لا خبرة ولا تجارب لهم في العمل السياسي والدبوماسي، وانهم جاؤا الى كراسيهم لاعتبارت لاعلاقة لها بكل ذلك بل بالولاء الشخصي للوزير ذاته لو لشركائه السياسيين.كما لم يتخذ اي من الخطوات لكي ينقي الجهاز الدبلوماسي والسفارات من تلك الطفيليات التي الحقت اشد الضرر بسمعة العراق وفشلت فشلا ذريعا في القيام بابسط واجباتها، بل وساهم البعض منها في تشويه صورة العراق عمدا لاسباب لا تخفى على احد.

لم يفتح الوزير الجديد اي من سجلات الفساد التي تراكمت خلال عشر سنوات والتي هدرت فيها مليارات الدولارات والتي تم توثيقها بجهود قام بها عراقيون نشرت بعضها على الملأ.لم يفتح الوزير ملفات التعينات في الوزارة لكي يطلع العراقيون على “فضائيين” من نوع آخر لم تأت بهم معايير الجودة والحق والانصاف والعدالة، وانما القرابة والانتماء الحزبي والمحاصصة، بل جاؤا في احيان كثيرة عبر علاقات مشبوهة.ان وراء كل تعين في هذه الوزارة قصة يعرفها الآخرون جيدا، مثلما يعرفون المآسي التي تسبب فيها البعض والتي دفع فيها العراق خلال السنوات الماضية ثمنا باهظا لا في سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية والاقليمية فقط، بل في الدم المسال في شوارع ومدن العراق.كما لم يفتح الجعفري سجل السفارات التي تعجز ان تقيم نشاطا جادا ورصينا او ان تبني علاقات وصلات مع المسؤولين وصناع القرار وممثلي الأحزاب والهيئات السياسية الفاعلة ومراكز الأبحاث في الدول المضيفة وان توظف كل ذلك في خدمة السياسة العراقية، ومصالح العراق وليس من اجل تلميع الأسماء الشخصية او لمصالح خاصة او فؤية ضيقة.

لم يفتح الوزير سجل تعامل البعثات الدبلوماسية السياسية والقنصلية في الخارج مع الجاليات العراقية والشكاوى الكثيرة من الأساليب البيروقراطة التي يعامل بها افراد الجاليات العراقية والممارسات والعقبات التي يضعونها في تسهيل معاملاتهم القنصلية.ان احد اسباب تدني سمعة جواز السفر العراقي في الخارج ومعاناة العراقيين في السفارات والمطارات الأجنبية هو تقاعس السفارات بان تقوم بعملها في حماية العراقيين والدفاع عنهم لدى الحكومات الأجنبية، وهو معيار دولي معروف في اثبات فاعلية حمل جواز اي دولة.لم يفتح الوزير الجديد سجل جوازات السفر الدبلوماسية التي فاحت رائحتها النتنة والتي وصفها اعضاء في “لجنة العلاقات الخارجية” بالكارثة الكبيرة رغم تمني العراقيين ان يقوم بذلك لكي يعرفوا من هم الآلاف المؤلفة ممن يحملون جواز سفر بلادهم الدبلوماسي والذي يمنحهم الامتيازات الخاصة لهم ولعوائلهم وهل هم مؤهلين حقا لذلك الشرف والامتياز، ولاي سبب.(4)

هناك الكثير والكثير جدا مما لم يفعله الوزير الجديد خلال اربع سنوات من تبوئه منصبه، وخاصة في تطهير الوزارة من الفساد، كما انه لم يقم باية اصلاحات بهدف عزل العناصر الفاشلة وغير الكفأة والتي ثبت الا خبرة ولا معرفة ولا دراية لها بالعمل الدبلوماسي ولا في مجال السياسة والعلاقات الخارجية وجرى تعينها على اساس المحاصصة والقرابة والتي حولت الوزارة وسفارتها الى عزب للاحزاب ولزعمائها.لكن الذي فعله الوزير الجديد الذي يقود حركة اسمها الاصلاح وينتمي الى تيار ملتزم دينيا كان ان سار على خطى سلفه زيباري حيث بدأ بملء مكاتب الوزارة والسفارات باقاربه وبالأعوان الذين يرتبطون بحركته السياسية الكارتونية واولاد واقارب المسؤولين من احزاب السلطة ممن لا يمتلكون اية كفاءة او خبرة او تجربة في الحقلين السياسي والدبلوماسي.

وفي خطوة اقدم عليها الجعفري في نهاية عهده بالوزارة قدم قائمة مرشحين جدد لشغل مناصب السفراء وجهت بمعارضة قوية كونه قام بالترشيح على اساس الولاء والتبعية لشخصه وللجماعات السياسية القريبة منه دون اعتماد لمعايير الكفاءة والمقدرة والخبرة، بل وحتى بالمخالفة لقانون الخدمة الدبلوماسية اضافة الى اتهامات له بالتعيين على اساس طائفي ضاربا بعرض الحائط بكل معايير الجدارة والكفاءة والتوازن، وبالدرجة الاساس مبدأ العدالة والمساواة والمواطنة.كان هدف الجعفري وهدف الطغم الحاكمة من ذلك هو ترسيخ الأمر الواقع وابقاء الوضع على ما هو عليه امام اي وزير جديد يأتي بعده.(5)

غير ان الأخطر من كل ذلك هو اداء الجعفري على الصعيدين السياسي والدبلوماسي والذي كشف خلال سنوات توليه الوزارة ضعفا وهزالا لدور الوزارة في تسيير السياسية الخارجية العراقية وادارة علاقات العراق مع الدول الاجنبية.لقد ظلت الدبلوماسية العراقية في عهده عاجزة عن القيام باي دور فاعل سواء في رسم وتخطيط السياسة الخارجية او المشاركة بفاعلية في ادارة ملفات ازمات المنطقة بما يدعم المصالح الوطنية العراقية.بقيت الوزارة بلا عقيدة، او رؤية، بشأن السياسة الخارجية العراقية يمكنها ان تدعم المواقف العراقية، خاصة وان العراق واجه خلال تلك السنوات تحديات مواجه الارهاب وتهديدات اخرى عديدة لأمنه الوطني، بل ولوجوده وكيانه كدولة.ان ضعف دور الدبلوماسية العراقية جاء في ظل ظرورف اقليمية ودولية شديدة التعقيد والخطورة ساهمت خلالها استراتيجيات مختلف القوى الاقليمية والدولية وسياساتها، باضعاف قدرة العراق على تولي دور فاعل في تحولات المنطقة ودرءا للاخطار المحدقة به.

ان جزءاً كبيراً من اسباب بلورة دبلوماسية الجلوس على الدكة تلك يعود الى شخصية وخلفية الجعفري الذي يفتقد الى اي نوع من الكفاءة والامكانيات والخبرة والخلفية التاريخية، سواء الوظيفية، او الاكاديمية، او الثقافية، التي تؤهله لقيادة سياسية خارجية لدولة مأزومة مثل العراق تحتاج الى دبلوماسية فاعلة وخلاقة.واضافة الى انعدام كفائته والتي تجلت في غياب الدور اللائق للدبلوماسية العراقية وفي ادائه العلني البائس المعبر عنه في تصريحاته ولقاءاته الصحفية وفي خطاباته المرتجلة امام المحافل الاقليمة والدولية والتي تفتقد الى اي مضمون حقيقي والتي تحولت احيانا الى تهويمات وهلوسات من التعبيرات والكلام الأجوف الذي لا معنى له.غير ان الطامة الكبرى والتي كانت دائما تتجلى في اداء الوزير العلني هو احتمال معاناته من اضطرابات نفسية، وهو ما اشار اليه واحد من اقرب المقربين اليه خلال رحلة عملهما في “حزب الدعوة الإسلامي” وهو طبيب الاعصاب “موفق الربيعي” والذي شغل منصب “مستشار الامن الوطني” الاول في “دولة علي بابا” في مقطع فديو وضعه على موقعه على الفيس بوك والتي وصفها بانها “قضية تضر بالوطن”.(6)

لقد انعكس كل ذلك الفساد بشكل جلي على الدبلوماسية العراقية حيث شكلت الاوضاع الادارية المزرية داخل الوزارة، والاداء البائس للسياسة الخارجية، معضلة حقيقية امام العراق في الفترة الماضية التي واجه فيها تحديات وجودية تطلبت اضافة الى الانتماء والاخلاص لقضايا الوطن، مهارات وخبرات عالية في الدراسة والبحث والتقيم والتخطيط السياسي على درجة كبيرة من الكفاءة والفاعلية.لم يكن ممكنا ابدا ادارة سياسة خارجية ودبلوماسية فعالة من قبل جهاز لا يمتلك نظرية، او عقيدة واحدة في السياسة الخارجية، او ايمان بالمصالح الوطنية.وقد اثبتت وقائع تلك السنوات العجاف من خلال آلاف الحكايات والرويات المتواترة وشهادات العيان ان اغلب من تم تعينه في السفارات وفق برنامج المحاصصة خدم طائفته او قوميته او جماعاته السياسية على حساب المصلحة الوطنية.بل ان بعضهم كان قد مضى اكثر من ذلك في التدليس والطعن بهذه المصالح الوطنية لدى الدول التي كان يمثل العراق فيها واجهزتها في حالة مزرية من عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية، ان لم يكن الخيانة.ان الاستنتاج الأخير من تحليل حالة وزارة خارجية “دولة علي بابا” هو انه لم تكن لهذه الدولة من سياسة خارجية على الاطلاق يمكن ان يتم الحديث عنها وان عمل الوزارة واجهزتها وسفارتها لم تكن غير واجهات استعراضية لمواجهة متطلبات صلات العراق بالعالم الخارجي، او تلبية بعض المتطلبات والحاجات من الخدمات القنصلية للجاليات العراقية بالخارج.اما السياسة الخارجية بمعنى ادارة العلاقات الدولية وفق اطار نظري يستهدف تعزيز وادامة قوة الدولة في اطار المنافسة مع البلدان الاخرى فقد ظلت غائبة تماما.ان التأثير المترسب Residual Influence)) لاخفاقات الدبلوماسية العراقية من الفترة الماضية سيظل يلاحق علاقات العراق مع العالم الخارجي وسيقوض لاحقا اي جهد حقيقي لبناء سسياسة خارجية متينة ودبلوماسية فعالة تخدم المصالح العراقية ما لم يتم اعادة بناء فعلية لهذه الوزارة التي نخر فيها العجز وعشعش فيها الفساد بكل انواعه.(7)

لايعني وجود عدد كبير من السفارات المنتشرة في انحاء العالم ولا عدد الاميال التي يقطعها وزير الخارجية في رحلاته ولا مناصب دولية معدودة منحت للعراق وفق اعتبارات الحصص في المنظمات الدولية نجاحا للدبلوماسية او للسياسة الخارجية، بل هي المبادرة والمشاركة والفاعلية والتعبير بالقوى الناعمة والحنكة التي تمتلكها تلك الدبلوماسية وتدير بها سياسة البلد وعلاقاته الدولية.ان نظرة عاجلة على التدخلات الاقليمية والدولية في الاوضاع  الداخلية العراقية من احتلال عسكري سافر لبعض الدول الى تدخلات ونفوذ سياسي واقتصادي وثقافي كاسح لدول اخرى الى تجاوزات خطيرة على الاراضي والمياه الاقليمية العراقية من طرف دول غيرها ستبين الى اي مدى فشلت فيه الدبلوماسية اوالسياسة الخارجية العراقية في تمثيل المصالح الوطنية وتركتها نهبا لاطماع الآخرين.واذا كانت السياسة الخارجية في احدى تجلياتها هي مقياس لقوة الدولة ومكانتها وفاعليتها في الساحات الاقليمية والدولية فان غياب الدور الفاعل للعراق في ادارة الملفات الحيوية الرئيسية في المنطقة وفي معالجة النزاعات والصراعات الدائرة فيها وفي المبادرة الجسورة في العمل الدولي لهو دليل آخر على عجز النشاط السياسي الخارجي في الدفاع عن مصالح العراق وعن دوره ومكانته كدولة اساسية في المنطقة.ان احد اسباب هذا العجز هو الفشل في ادراك العناصر والعوامل التي تشكل القوة العراقية وعلى رأسها الدور التاريخي المهم للعراق ومزايا موقعه الجغرافي في المنطقة وفي العالم وهو الاخفاق الذي ارتد سلبا على شكل الاستهانة التي تتعامل بها الدول الاقليمية والاجنبية بالوضع العراقي.

 

 

                         هوامش ومراجع ومصادر الفصل السابع

 

1-انظر:”الحديث مع غرباء، النضال من اجل اعادة بناء وزارة الخارجية العراقية”، غسان محسن وديفيد دنفورد (بالانكليزية)، دار نشر مطبعة ساوث ويسترن كولج الاكاديمية 2013

2-انظر: “بالوثيقة.. هذا مافعله هوشيار زيباري اثناء توليه وزارة الخارجية العراقية؟ وكالة موازين 6/10/2017 

http://www.mawazin.net/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D9%85%D8%A7%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87-%D9%87%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%B2%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D8%AB%D9%86%D8%A7-%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

3-انظر:”الفساد يستشري بالخارجية العراقية.. ملف شائك يبحث عن تسوية”، موقع الخليج اون لاين، 18/4/2017

http://alkhaleejonline.net/articles/1492454649391831800/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D9%83-%D9%8A%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9/

4- انظر:”الخارجية النيابية:اجراء اصلاحات كبيرة في الوزارة بعد كشف شهادات مزورة لموظفيها”، موقع قناة الاتجاه،11/12/2014

http://aletejahtv.org/permalink/38783.html

انظر:ايضا: “الفساد هنا .. يا حيدر العبادي، موقع كتابات 21/11/2017

https://kitabat.com/2017/11/21/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%87%D9%86%D8%A7-%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A

5-انظر: “المخالفات القانونية في قائمة مرشحي الجعفري لمناصب السفراء”، موقع كتابات، 3/12/2017

https://kitabat.com/2017/12/03/%D8%A7%D9%84%D9%85%

D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD%D9%8A-

%D8%A7%D9%84

انظر كذلك:”قائمة سفراء قدمها الجعفري تثير جدلاً في العراق”، صحيفة الشرق الاوسط، 3/12/2017

https://aawsat.com/home/article/1101736/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%B3%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%AF%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%8B-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

انظر:”تسجيل موفق الربيعي الذي نشره على صفحته على الإنترنيت، 10/12/2017

https://www.facebook.com/search/top/?q=%D9%85%D9%88%D9%81%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A

انظر كذلك: “الربيعي في فيديو مثير يتحدث عن صحة الجعفري العقلية وفقدانه الذاكرة” موقع، موازين، 11/12/2017

http://www.mawazin.net/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9

7-انظر:”دبلوماسية العجز في العراق”، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 15/9/2011

https://www.masress.com/en/ahramweekly/27632

انظر ايضا:”الطنطة في السياسة الخارجية، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 19/11/2014

http://weekly.ahram.org.eg/News/7729.aspx

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *