عندما كنت جندية
                                         فاليري زيناتي
                                                ترجمة                       
                                       صلاح النصراوي

ج2 ف9

                      عندما يموت العجوز كأن مكتبة أشعلت فيها النيران
                                          (مثل أفريقي)
19سبتمبر، الساعة الثالثة والنصف عصراً.
لا أعرف ان كان لي أن أكتب “سنة واحدة انقضت” أم “سنة واحدة متبقية”.أنا الآن في منتصف الطريق بالضبط، ولكن ذلك لا يعني أن المسافة قد قصرت.عليك الإنتباه اننا نكسب ميزة مع مرور الزمن، فمثل باقي البنات في الدورة بدأت أبدو وكأني جندية قديمة.هناك جنود مستجدين انظموا إلى هذا القسم، هم أصغر منا ببضعة شهور ولكن ذلك كفيل بأن يرسلهم إلى أسؤ الواجبات في الأعمال وفي الحراسة.أصبحت مغرمة بالتلال وبالأحجار التي تحيط بالقاعدة.هذا المكان أصبح بيتي.
اليوم سأستقل الحافلة إلى تل أبيب.منذ شهر أبريل، حين التقيت بـ”غالي” للمرة الثانية، أصبحت مسافرة منتظمة على خط الحافلات رقم 400.حالما يمنحوني إجازة أتسلل إلى هذه المدينة الفريدة:معظمها قميء بشكل لا يصدق.البيوت التي بنيت في الثلاثينات تركت لكي تشيخ ولم تجرى أية تحسينات عليها، ولكن إلى جنبها بنيت عمارات شاهقة، حديثة، كل منها تحاول أن تنافس التي قبلها بالحداثة وبالتقنيات العالية.
نعم، مدينة قبيحة، لكنها تعيش دورة أبدية وكأن الغد لا يأتيها، كأن كل واحد فيها سيموت خلال ساعات، ولذلك فهو يرقص رقصته الأخيرة، ويشرب كأسه الأخير، يسكر بثمالة الحب، الموسيقى، والخمر قبل أن يذوي.
تل أبيب أكبر مدينة في إسرائيل، والتي تحاول أن تنسى أنها في إسرائيل، تقع على بعد بضعة كيلومترات فقط من الأراضي الفلسطينية.تل أبيب التي تؤمن بالبحر والمقاهي وصالات الدسكو، شأنها شأن القدس تؤمن بالله.
المدينتان لا تشبهان بعضهما، والإثنتان منغمستان في حرب لا اسم لها منذ عام 1926حين ولدت تل أبيب (مقارنة مع القدس التي عمرها 3000عاما).هناك نكتة قديمة تقول إنه طلب من أحد الأشخاص من تل أبيب أن يسمى مكاناً يحبه أفضل من القدس، فأجاب:”الطريق إلى تل أبيب” وبالعكس.
وقعت في حب المدينتين.لا أكل ولا أمل من حجارة القدس، الضوء الذي يتكسر فوقها، الروائح، الوجوه والأديان، اليهودية، المسيحية والإسلام تلك التي عبدت طرقها.أحب التجوال في السوق العربي في المدينة القديمة، أشرب قهوة تركية (مرة، غامقة وفي قدح، أو أكل الخبز العربي المعمول بالسمسم والزعتر.أراقب اليهود المتدينين بجانب الحائط الغربي بإعجاب:الناس الذين يصلون هنا، يهزون بأجسادهم إلى الأمام والى الخلف، لا يبكون أو يتعزون.عيونهم متألقة كأنهم يروون شيئاً أو أحداً لا أراه أنا (الله)، واحد يعرفونه حق المعرفة ويسألونه أن يعمل شيئا لهذا العالم الذي جن.
هناك آلاف الطرق لوصف القدس ولكن هناك طريقة واحدة للوقوع في حبها، وهي ما أقوم به”السير دون توقف من الحي العربي إلى الحي المسيحي ومن أسوار المدينة القديمة إلى المقاهي في المدينة الجديدة.
لكني أيضاً بحاجة إلى تل أبيب كي أتنفس ذلك الهواء الذي يبتغيه الشباب في سن العشرين، يريدون من العالم أن يكون على شاكلتهم، أحراراً، مندفعين، محلقين بين السعادة والتعاسة، بين العبث والجدية، لمجرد أن ينتهوا أكثر سعادة.
أسسنا أنا و”غالي” مقرنا في شارع “شينكين”، الشارع الوحيد في العالم حيث هناك مقهى لكل إنسان.نجلس لكي نتحدث لساعات طويلة في مقهى “كازيه” إلى جانب كتاب منهمكين في وضع اللمسات الأخيرة على كتبهم وهم يحدقون في كوب القهوة.من لا يكتب فأنه يحلم أن يكون كاتباً يوماً ما.
مثل “غالي” ومثلي فأن الجميع يعتقدون أنه لابد أن يكون هناك ثورة، وأحياناً نذهب لكي نتظاهر مع “نساء في سواد” مطالبين بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية.يلبسن السواد حداداً ويتعرضن إلى سوء معاملة مزرية من قبل اليمينين المتعصبين كل يوم جمعة.(الأسبوع الماضي قلت لغالي” يبدو أن اللون الأسود أصبح يمثل لون اليسار).
أحياناً نتفق على أن نتخلى عن السياسة في أحاديثنا-إنه لأمر شاق أن نحاول أن نغير عالماً يبقى عصياً على التغير.بعد ذلك نتحول إلى الكتب:يخبرني “غالي” بأن علي أن أقرأ “عوليس” لـ”جويس” وأنا أرد بأن عليه أن يقرأ “فيينا عند الغسق” لـ”شينتزلر”.أحب أن يكون لي صديق، شبهي، يعتقد أن ليس بالإمكان أن يجازف المرء بالموت دون أن يقرأ كتباً معينة.
بعض هؤلاء الأصدقاء ينضمون إلينا أحياناً، أناس أنهوا الخدمة العسكرية، أعمارهم بين الثانية والعشرين والأربعين، مخرجون سينمائيون، طلاب، ممثلون ورسامون في النهار…ونادلون في الليل.
في تل أبيب أنسى أني جندية.
اليوم يقرر “غالي” أن يقدمني إلى اقرب الأصدقاء إليه، “زفي كامناسكي”.في المرة الأولى التي ذكر فيها أسمه قال” أنه اقدم بائع كتب في تل أبيب، في الخامسة والسبعين من عمره.ليس هناك من في العالم من يستطيع أن يثير فيك المرح  وأن يجعلك تضحكين مثله.يحب الضحك على نفسه وأن يكون لطيفاً مع الآخرين.”
نذهب إلى محله الصغير حيث أكوام الكتب تصل إلى السقف.هناك عدد قليل من الأشخاص يجلسون على مساطب، يحتسون الشاي، يتحلقون حول رجل ملتحي بشعر أبيض.يذكرني بشخصية “غيبيتو” في رواية “بينوشوا”.أشعر برهبة ولكن حالما يلمحنا “زفي كامناسكي” ينهض وبرفق يطلب من الآخرين أن يغادروا.
“هلموا، لقد تعمقنا في الماضي بما فيه الكفاية، إفسحوا الطريق للشباب.وعلى أي حال فأن هذا الشاب يشتري كتباً مني”، يقول “زفي” وهو يشير إلى “غالي”.في عينيه بريق، أدرك ما كان يعنيه “غالي”.نجلس على المساطب.
“أهلا “فاليري”.”
انظر إلى “غالي” بإستغراب.
“حسناً، من الطبيعي أنه أخبرني عنك، على الأقل بقدر ما أخبرك عني.”
لا أعرف ماذا أقول.في هذه اللحظة، أبارك ذلك الشخص المميز الذي ابتدع الأخلاق الحميدة.
“أنا سعيدة بلقائك “سيد كامناسكي”.
“سيد كامناسكي”، المرة الأخيرة التي نوديت بهذا الأسم كانت في بولندا قبل الحرب!لا ينبغي أن نتحدث عن الأشياء التي تثير الإحباط، علينا أن نتعرف على بعضنا بدلاً من ذلك:هل تشربين شايك بالسكر أو بدونه؟”
“بالسكر، أرجوك.”
“ممتاز، اذن أنت من النوع الذي يحب الحياة.ولكن أنا أعرف ذلك من قبل.سأذهب لكي أجلب أقداحاً نظيفة.”
في أثناء غيابه، يهمس “غالي” لقد عرض عليك الشاي، معناه أنت الآن ضمن المجموعة.بإمكانك أن تأتي إلى هنا في أي وقت، حتى ولو كان في منتصف الليل، فسيفتح باب المحل لك بمفردك.”
يعود “زفي” وهو يصفر بمقطوعة “شوبيرت “السمفونية الناقصة”.لا أستطيع أن أرفع عيني عن أكداس الكتب، بينما الفنان الذي خلق كل هذا الكيان الغريب يقول:” لابد وأنك مستغربة من كل هذه الفوضى، أليس كذلك؟”
“يعني، قليلاً.”
“حسناً، هذا ما أحاول أن أفعله، أن أفاجئ الناس حين يدخلون إلى هنا.الكتب لا تهوى أن تنظم حسب الحروف الأبجدية أو حسب مواضيعها.فالترتيب الأبجدي يظهرها بشكل رتيب والترتيب حسب المواضيع يجعلها مثيرة للملل.فمقالة تاريخية لن يهمها اذا ما وضعت جنب رواية عن الحب…ذلك يعطي فرصة للتأمل، للتفكير بشيء مختلف.أكره المكتبات التي تبدوا وكأنها صيدلية”، يقول ذلك وهو يضع مسحة من الجد، “كل شيء فيها منظم والناس تأتي بقوائم صغيرة (الوصفات)، يتحدثون بهدوء(هناك مرضى موجودون)، يدفعون حسابهم على عجل، ثم يمضون، إنه شيء مثير للرثاء.”
“ولكنك توصي دائماً بأن القراءة مثل وصفة طبية؟” يتدخل “غالي”.
“ممممممممممم، هنا أنت على صواب…تلك هي المسألة.فأنت لايمكنك أن تعطي “المحاكمة” لـ”كافكا” لشخص إنفصل تواً عن صاحبه، فلربما لن يصلحا علاقتهما أبداً.”
“وماذا تقترح لشخص في طريقه للإنفصال؟” أسأل وكلي فضول.
ينظر الي بحنو.
“أولا أنصحهم أن يذرفوا دموعهم إلى آخر قطرة، حتى يشعروا أنهم جفوا مثل تراب هذه الأرض.بعد ذلك ليفتحوا “عشيقها” لـ”ألبرت كوهين”-إنه من مواطنيك.ألف صفحة من الحب والفراق، ذلك كثير.”
جرس صغير يرن في جيبي يدفع “زفي” إلى الصمت-كدت أموت من الخجل.منذ حوالي شهر أصبح على كل جندي في القسم أن يحمل جهازاً حيث بإمكان القاعدة أن تكلمه على مدار الأربع والعشرين ساعة.أنظر إلى الرسالة:
عاجل:على 3810159 العودة إلى القاعدة فوراً.توقيع-3575028، تلك هي قائدتنا الجديدة “دفورا”.
أنهض على مضض وأتلعثم بكلمات بأن على الذهاب.ينفطر قلب “غالي”، مثلي تماماً؛ “زفي” هو الوحيد الذي يبتسم.
“إنهم ينادونك بالعودة حتى تكوني أكثر إشتياقاً بالرجوع إلى هنا مرة ثانية.”هذا المحل هنا منذ أربعين عاماً ولن يغلق أبوابه غداً، هيا خذي هذا للطريق”، يضيف، ويناولني كتاباً صغيراً.أحاول أن أجد محفظتي ولكن “غالي” ينغزني بمرفقه بما يعني:لاتفعلي ذلك، سيشعره ذلك بالإهانة.ولذلك أشكره بأفضل ما يمكن، لكن أدرك أن الأمر ليس سهلاً عندما تكون متأثراً وعلى عجل.
في الحافلة وفي طريق العودة(نفس السائق الذي أتي بي بالذهاب، ولا يفهم إطلاقاً عندما يراني).فتحت الكتاب الذي أعطانياه “زفي”.
“قصائد عن القدس” بقلم “يهودا أمخاي”.
أدفن نفسي فيها فوراً.
“دفورا” تننتظرني عند بوابة القاعدة، شعرها الأحمر المجعد في فوضى، عيناها الخضراوتان، وجه هادئ ممتلء، وصوت عميق مذهل.تمنحك الأحاسس بكفاءة لامعقولة.أحس معها بأني بحالة أفضل كثيراً من القائد الذي سبقها.”أوري” كان يطلق نكاتاً سخيفة، في حين أن لدى “دفورا” روح المرح، وهما شيئان مختلفان.أحياناً تشتغل ثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد، وتجعلنا نشعر بالحاجة أن نعمل الشيء ذاته.أصحبت في التاسعة عشر والنصف من عمرها(في الجيش نحن مثل أطفال رضع، نقوم بحساب أعمارنا بدقة، فأشهر قليلة تجعل الأمر مختلفاً تماماً.
ترحب بي “دفورا” بإبتسامة عريضة، هدفها أن تطمأنني، على ما أعتقد.
“اتركي حوائجك عند البوابة، وتعالي معي.”
تقدم لي الشاي.وأخذه لأني لم يتسنى لي إكمال الشاي الذي كنت أشربه في تل أبيب:تحمل قلماً وتبدأ برسم بيت صغير بينما بدأت تتحدث.
“حسناً، سيتم يوم غد تنفيذ مهمة خاصة جداً.من الواضح أن لا أنت ولا أنا نريد أن نعرف ما هي في الوقت الحاضر.احدى طائراتنا ستقوم بالتحليق بأجهزة الإنصات فوق المنطقة.طلب منا أن نرسل شخصاً ما ووقع إختياري عليك.”
يكاد قلبي الذي ينبض بقوة أن ينفطر.بعض القدامي سبق وأن كانوا في مهمات كهذه وعادوا في منتهى الإثارة وأحتفظوا بتلك النظرة الغامضة على سيمائهم لعدة أيام تالية.لاتزال “دفورا” مستمرة بالرسم، تضيف أشجاراً إلى جانب البيت، بحيرة وزورق.
“عليك أن تعلمي أن هناك مخاطر”، تقول وهي تنظر نحوي.”الطائرة لن تبقى في الأجواء الإسرائيلية ولربما تم إعتراضها، ستكونين تحت الحماية، بطبيعة الحال، ولكن ليس هناك مهمة بلا مخاطر.”
“ألن تقومي برسم طائرة؟” أسئلها وأنا أشير إلى الورقة التي على المنضدة.
“لا، ذلك هو البيت الذي سأبنيه يوماً ما على بحيرة طبرية.”
أعجب بها لأن لديها خططاً محددة-أنا لدي أحلام فقط.
“حسناً؟” تسألني.
“سأتي لزيارتك في بيتك” أقول لها، ثم أضيف،”وسأخبرك كيف سارت الأمور في مهمة الغد.”
تتنفس الصعداء ثم يصبح صوتها أكثر جدية حين تقول، “هذه هي أوامرك للمهمة.هذا المساء ستركبين حافلة رقم (—) إلى قاعدة ب.القاعدة على بعد كيلو متر واحد منا فقط، وعليها علامة ام كي1086.سيقومون بشرح المهمة لك هناك.”
تنهض وأنهض أنا معها.ثم تصافحني.
“سترين.عندما تنسين كل ما جرى أثناء الخدمة العسكرية، فأنك ستتذكرين هذه.”
ها أنا في حافلة مرة أخرى، الثالثة التي أستقلها هذا اليوم.اذا كانت شركة “أيغيد” تمنح بطاقات اخلاص سيكون بإمكاني السفر مجاناً لثلاثة قرون بسبب النقاط التي جمعتها.الليل يهبط سريعاً جداً، أدمر عيناي محاولة أن اقرأ السطور الأخيرة من قصائد “اميخاي”.
أكاد أشعر بعينين حنونتين ترقباني.إلى يميني هناك أمرأة عجوز متغضنة الوجه تراقبني بلطف.
“أنت تذكريني بشخص ما.”تقول لي” شخص طيب.”
أرد عليها بإبتسامة.
“انت كذلك، عيناك تشبهان عيني جدتي، وهي كانت شخصاً طيباً أيضاً.”
أشعر بأننا قلنا كل شيء.مالذي يمكن أن تقوله بعد أن تطمأن إلى شخص كهذا؟لكنها تمضي بالقول.
“أنت فتاة طيبة، وأنا متيقنة أنك جندية جيدة.أتمني أن يكون لي بنت مثلك، لكن لم يكن لي أطفال.كنت في “فيلنا”.هل تعرفين أين تقع؟”
دروس التاريخ سرعان ما تبان، عاصمة “لتوانيا”، القدس الجديدة كما كانت تسمى، مدينة الألف حاخاماً قبل أن يجتاحها النازيون.أطأطأ رأسي، أشعر بألم في داخلي.
” الألمان أتوا.أطلقوا النار على بعض اليهود وأخذوا الباقين إلى غيتو.لماذا يقتلون شخصاً وليس غيره؟كنت في الثانية والعشرين، لدي أب، أم، أخ صغير، وأخت أصغر.كان لي حبيب وكنا على وشك الزواج.أراد الإنتظار حتى تنتهي الحرب، كان يقول لن يكون لنا أيام حلوة ونحن محاطون بالموت.كان أسمه “ياتسيك.”
” في اليوم الأول قتلوا أبي.مرضت أمي وتوفيت بعد ذلك بقليل.كنا جائعين ونعاني من البرد.كنت مرعوبة مثلما كنت في صغري أخاف من الذئب في الليل.ولكن حينها كنت في الثانية والعشرين، وكان يحوم حولنا مجموعة ذئاب ليل نهار.حاول “ياتسيك” أن يهرب من الغيتو لكنهم مسكوه.لم يره أحد منذ ذلك الحين.
أبكي بصمت.تستمر وهي تضع يدها فوق ذراعي.
“في أحد الأيام خرجنا أنا وأختي نبحث عن شيء نأكله.شاهدنا أحد الألمان، جاءنا ينفجر ضحكاً، ثم وجه بندقيته إلي، إلى أختي، إلي، إلى أختي.في النهاية كانت هي التي من تلقت رصاصاته.
“بعدها، بقي إثنان منا.”شلوميل” أخي الصغير، وأنا.تمكنا من الهروب من الغيتو وإستطعنا الإختباء لدى جيراننا القدامى.بقينا في سردابهم سنتين.عند نهاية الحرب سألونا إن كنا نرغب بالبقاء معهم، لكنا لم نستطع، كنا نريد أن نترك البلد الذي غرق بدم أهلنا.
“في عام 1948 ركبنا مركباً جاءت بنا إلى هنا.وصلنا في نفس اليوم الأول لحرب الإستقلال.أخذوا أخي حالما وطئت أقدامنا الأرض، وأعطوه بندقية، وقالوا له:”اذهب لتقاتل مع الآخرين لكي تدافعوا عن الوطن.”لم يحمل سلاحاً من قبل وصرع في اليوم الثاني من القتال.”
لا أعلم ان كنت لا أزال أتنفس.أنهت رواية قصتها بهدوء.
“لماذا أعيش بعد أن مات الجميع؟لا جواب عن هذا السؤال.أنت تذكريني بأخت “ياتسيك”-ذلك هو السبب الذي جعلني أقول لك كل تلك الأشياء.”تتوقف هنيهة، ثم تضيف،” لا ينبغي أن تبكي.الآن هناك فتيات مثلك بإمكانهن الدفاع عن الوطن اذا ما إحتاجكن.لم أتزوج أبداً، لم أرد أن أجعل أحد ما تعيساً طيلة حياته.لكن كل طفل في هذا البلد هو طفلي وأشعر بسعادة عندما أراكم…”
تخرج مني زفرة عميقة.علي النزول من الحافلة خلال دقائق، لدي مهمة ينبغي إنجازها.هناك دم جديد يتدفق في أوردتي، كأني سأقاتل من أجل هذه العجوز، ذات العينين الودودتين والتي ترتجف يدها وهي تمسك بذراعي.

****

                                      عندما كنت جندية
                                        فاليري زيناتي
                                              ترجمة                       
                                      صلاح النصراوي

ج2 ف8

                                  عملية الخشخاش الأزرق
أحتفل بعيد ميلادي التاسع عشر في الحافلة التي تقلني عائدة إلى القاعدة، منهكة القوى ولكني أستيقظ بين الحين والآخر مع سؤال واحد يؤرقني:لماذا طلبوا مني العودة في منتصف إجازتي؟لو كانت الحرب قد قامت لكنت قد عرفت ذلك.
لكن ربما هناك حرب ستقع وطلبوني لأنهم بحاجة إلى وجود جميع العاملين بخدمات الإنصات لكي يستطيعوا مواجهة الموقف.
عند الساعة 8:57 أضع حقيبتي فوق سريري، أعدو إلى الملجأ، أرفع بطاقتي إلى وجه الضابط المناوب عند الباب المؤمن وأندفع بكل قوتي لكي أفتح الباب الثاني المحصن المفضي إلى “المطبعة”.
بسرعة أفهم ما الذي يعنيه تعبير”فضاء ملغوم جداً .”
غرفة الإنصات مزدحمة بأناس كثيرين.حضر كل جندي في القسم، البعض يضع زوجين من سماعات الإنصات.جميع أجهزة التسجيل تعمل، هناك عشرة أشخاص على المنصة الرئيسية يصرخون، يصدرون إنذارات، وأوامر بشفرات ليس بإستطاعتي التعرف إليها.
“أوري” الذي لاحظ للتو أني موجودة، يسرع نحوي لكي يفسر لي الأمر على نحو سريع، ”يقومون بتغير كل الترددات والشفرات.إسرعي وخذي موقع “ياريف” التي تقوم بالبحث.”
أجلس فوق المنصة الصغيرة أمام جهاز الكومبيوتر أبحث في الترددات.كان من المفتترض أن تجري هذه العملية والتي تدعى “الربيع النظيف” الأسبوع القادم:كل ما لدينا من معلومات أنها ستجري يوم 8أبريل.الأردنيون يثبتون لنا أنهم اصحاب نكتة عملية:أنه يوم الأول من أبريل.
هناك عدة أرقام تظهر بالتناوب على الشاشة التي أمامي.أبقى مع كل تردد لمدة عشر ثواني، ثم أنقل المعلومات ألى “أوري” والى الجندي الذي يقوم بنقلها على شريط التسجيل.تمضي المعلومات كما يلي”
“تردد 176، سرب من ثلاثة طائرات!”
245، برج المراقبة.”
189، محطة الرادار.”
165، أصوات ما.”
213، طائرتان، هدف-1، هدف-2 .“
310، طيار ومساعد طيار.”
278، يتكلمان العربية.”
213، سرب، لا أعرف كم عدد طائراته.!”
213، تصحيح، ثلاثة طائرات.جمل-123!”
بحدود الثالثة بعد الظهر تهدأ الأجواء.لم أحس بإنقضاء الوقت.الإثارة والسرعة التي صاحبت العملية حملتاني على جناحين.
نبتسم جميعنا بملء أشداقنا، سعداء بأننا تمكنا من إنجاز المهمة.والآن يبدأ العمل الآخر:الإستماع إلى كافة الأشرطة التي سجلت، تبويب المعلومات، وضعها في الإطار الصحيح-الأسماء المشفرة، الترددات، الأسراب، أبراج المراقبة، التعرف على الأصوات واحداً واحداً لكي نعدل وتصبح “صياد-1” “نمر-1” والقاعدة التي كان أسمها “صحراء” أصبحت “الاراضي المقدسة.”
عند الساعة الحادية عشر مساءً نوقف فريق العمل الدقيق هذا، نسقط اعياء.يبقى جنديان فقط في محطة الإنصات-كل الأعمال تسير على قدم وساق تماماً مثلما عندما يتم إغلاقها في هذا الوقت كل يوم عدا حين يكون هناك تمارين ليلية.ولكن ليس هناك ما يشير إلى إمكانية حدوث ذلك هذه الليلة، أعتقد أن الأردنيين مرهقين مثلنا تماماً .أستلم النوبة من “نوا”، أنصت إلى خط مطار عمان الدولي.طائرة فرنسية تحلق في الأجواء الأردنية.
“إيرفرانس 847، في طريقها من باريس إلى بغداد، مساء الخير عمان.”
“مساء الخير إيرفرانس 847، ماهو ارتفاعك؟”
“خمسة آلاف قدم.”
“خمسة الاف قدم، حسناً .”
“إيرفرانس 847 إلى عمان، اليوم هو عيد ميلاد الطيار المساعد.هل بودك أن تقول له شيئاً؟”
“طبعاً ، عيد ميلاد سعيد”، يقولها بالفرنسية.
كاد أن يغمى علي عند سماعي المراقب الجوي الأردني وهو يلفظ “عيد ميلاد سعيد” بالفرنسية.الطياران الفرنسيان ينفجران ضحكاً ويعربان عن إمتنانهما للتحية السريعة التي جاءتهم.أبتسم لنفسي، أفكر أن هناك شخصاً ما على الأقل يشاركني الإحتفال بعيد ميلادي.لايهم على الإطلاق أنه لا يعرف ذلك.
استغرق الأمر عدة أيام حتى تمكنا من تحليل الأشرطة للعملية التي أطلق عليها الأردنيون أسماً مثيراً وهو “الخشخاش الأزرق”.إجازتي أجلت إلى إشعار آخر.لست سعيدة بذلك ولكن ما الذي بيدي أن أفعله؟
عزاءً لي منحوني إجازة صغيرة لعطلة نهاية الإسبوع.سأكون حرة منذ الرابعة عصراً الجمعة حتى السادسة مساء السبت.تلك هي بالضبط فترة السابات، يوم الراحة اليهودي، حيث لاتسير الحافلات.بالطبع أصحبت معتادة على إيقاف وركوب السيارات المارة (والتي أحبها حقاًً:هناك شيء من الإثارة في لعبة الحظ على الطرق هذه حيث تقضي وقتاً مع أشخاص غرباء تماماً، الذين يغرقونك بالحديث عن قصص حياتهم والذين أحياناً أنا أيضاً استأمنهم على حكاياتي، مدركة أن من غير المحتمل أن ألقاهم مرة ثانية)، لكن بئر سبع بعيدة جداً عن القدس وليس بإمكاني المجازفة بأن أعود في الموعد المحدد مساء السبت.
(لو…لو كان “جين-ديفيد” لايزال يحبني…لكان بإستطاعتي..لكان بإستطاعتنا…شششششش!هذه التمنيات مؤلمة.)
ما الذي علي أن أفعل؟ سيكون في منتهى الغباء لو أني بقيت في القاعدة.ذلك سيبدو مثل فوزي بالجائزة الأولى باليانصيب ولكنها لاتغير شيئاً في حياتي، أو كأني ربحت تذكرة سفر بالطائرة إلى البندقية ولكني لا أريد الذهاب لأني أخشى أن أدفع اجور التاكسي إلى المطار.
تل أبيب على مقربة 60 كيلو متراً من القدس.اذا ما اسرعت فسأتمكن من اللحاق بحافلة الساعة الخامسة.في رحلة العودة هناك فرصة أن أعثر على من يقلني إلى القدس في مدينة ساحلية كبيرة أكبر من مدينة صغيرة وسط الصحراء.
حافلة رقم 400 تنطلق حالما أحط في محطة الحافلات.أجرى ورائها والوح بيدي وأصرخ، قف”!.قف!”أعلم أني أبدو مثيرة للضحك تماماً، ولكني كنت قد قررت نهائياً بأني سوف أذهب لمشاهدة البحر وليس هناك قوة بإمكانها أن توقفني.لابد أن السائق شاهدني بمرآة الحافلة.يبطئ سرعته ويفتح الباب ثم يبتسم لي بحنو.
“على مهلك أيتها الجندية، خذي وقتك.هل تعتقدين بأني سوف لن أتوقف لجندي في طريقه إلى البيت؟”
أشكره، وأجلس على الأرضية وسط الحافلة.في هذا الوقت من النهار لا يمكن أن يكون هناك مقعد خال.منذ أشهر وبإمكاني أن أجلس أينما كان وأن أنام أينما كان.المهم هو أن أكون في حافلة تأخذني إلى حيث أود الذهاب.
نزل الجنود (شيء أشبه بنزل الطلبة محجوز للجنود-شيء يستحقونه) ليس بعيدا ً عن الشاطئ.يعطوني غرفة ربما لم تجر أي تحسينات عليها منذ ثلاثين عاماً.أخرج للتمشي في شوارع تل أبيب.
ها هو البحر، أمامي محاط بفنادق مترفة حيث لا يمكن لرواتب ثلاثة رقباء أن تكفي لأجر غرفة تطل على الكراج أو المطبخ.
أشعر بفورة من الحماس.مثل ذلك اليوم الذي أدعيت فيه أن نظاراتي تهشمت لكي أخرج من التمرين.ينتابني ذلك الشعور بأني ألعب لعبة طالب هارب من المدرسة، وأني أكثر حرية، ولأن لا أحد يعرفني هنا كما أن لا أحد يعرف أين أنا الآن.لم أتصل بالبيت لكي أخبرهم بإجازتي.ربما سيزعجهم أني لم أذهب لكي أقضي بضعة ساعات في البيت أو مع الأصدقاء.
أخلع نعلي وأغمس أقدامي بالرمل الذي سخنته أشعة الشمس الحارقة التي بإمكانك أن تشعر بها في أبريل.أعض على شفتي.لم أفكر أن أسأل نزل الجنود فيما اذا كان لديهم مشجب.فطبيعي لا يمكني السباحة مع بندقية “عوزي” التي أحملها، مالم أتعمد أن أدعها تصدأ.وبالتأكيد فليس بمقدوري أن أتركها على الشاطئ، حتى لو أني طلبت بشكل مؤدب من أحدهم أن يراقب سلاحي لمدة خمس دقائق، بينما أغطس قليلاً في الماء.
لذلك، لا سباحة اليوم.
يا للعار.لا يمكن أن اشعر بالراحة مثلما أشعر وأنا في الماء.في الواقع أنه شعور ينتاب الناس جميعاًً .لا أعتقد أن هناك أحد بإمكانه أن يتشاجر وهو يسبح، أو أن يبكي وهو يغطس تحت الماء، أو أن يشعر بموجات كراهية للبشر حينما يطوف على ظهره.
النتيجة:لا “فرانكو” ولا “هتلر” ولا “موسوليني” طافوا بما يكفي.
تراودني هذه الأفكار بينما أرفع بنطلوني إلى ركبتي، أحمل بندقيتي إلى خصري، أمشي فوق الشاطئ كأني في نوبة حراسة.فقط كاحلاي وأصابعي هي التي تتذوق الماء المالح اليوم.
أنتبه.هناك بعض الناس يستمتعون بالمشهد.مجموعة من السواح الهولنديين يهتفون بحماسة وهم ينظرون إلي.كلك..كلك..كلك! صور عظيمة.بإمكاني أن أتصور أنهم سيعرضون الصور في أمستردام أو أي مكان آخر، وسيقولون، “أنظروا، هناك جنود في كل مكان في إسرائيل.كما أن هناك جنديات أيضاً .
البعض منهن يستعرضن الشاطئ ويستمتعن بالفرصة التي واتتهن للتمشي.
بتلك الطريقة تبدأ الأساطير بالإنتشار.وفي الحقيقة اذا ما تأملوا ملياً، فسيدركون أن بشرتي ليست برونزية اللون كما هم، بإعتبار أني أقضي معظم اليوم داخل الخندق حيث لا أرى الشمس وحيث درجة الحرارة حوالي 15درجة، الدرجة المثالية الملائمة لأجهزة التنصت.
لكن الهولندين السعداء لايكتفون بصور من بعيد.يريدون الحديث معي، أن يأخذوا صوراً معي، أن يأخذوا معهم إلى الوطن تذكاراً من هنا. (ولربما يريدون أيضاً أن يشتروا قبعتي، إشارتي، بزتي، بطاقة هويتي وسلاحي اذا ما طالوه.
“لقد أخطأتم فأنا لست “دونالد ديوك”، كما هذه ليست “دزني لاند”، أقول لهم محاولة أن أحتفظ بكرامتي.
أتكلم الفرنسية ولكنهم لا يفقهون شيئاً تماماً مثل العبرية، ولا يثير ذلك استغرابي.لذلك أشرح الأمر بالانكليزية بأن الجيش يمنع أخذ الصور للجنود بدون رخصة خاصة (وهي نصف الحقيقة) وأنني أسفة، ولكن هكذا تجري الأمور هنا.هذه المرة لا يهتفون، بل يطلقون عويلاً ملئه الإحباط، وأنا أتركهم في تلك الحالة، مع نظرة مليئة بالأسف.أعتقد أن الهولنديين أناس رائعون، حين تتعرف عليهم عن كثب…ولكن لماذا يدعى كل من سمي سائحاً دائماً تافهاًً أكثر من الآخرين؟
“أنت صعبة المراس”، أقول لنفسي،”اذا مابقيت على هذه الحالة فلن تكوني سوى عجوز قاسية القلب، عديمة الصبر”.ولأني مرعوبة مما يخبأه لي زماني، فقد قررت الا أكون سلبية وأن أبتسم لأي شخص إلى جانبي.والشخص الذي إلى جانبي كان بالصدفة شاباً في حوالي العشرين(بملابس مدنية) الذي اخذ ابتسامتي كنوع من الدعوة له ودعاني بطريقة مستترة أن أقضي اللية اشاركه فراشه.تظاهرت بأني صماء.يطلق ضحكة هازئة، معتبراً (عن حق) أن الجيش لا يجند أناساً لديهم مثل هذا العوق.أترك الشاطئ(هناك الكثير من الناس لايزالون يرتادونه) مع وعد لنفسي بأن أنهض عند الفجر وأعود إليه.
وجهتي هي نزل الجنود وإلى غرفتي ذات الضوء الخافت.فجأة أشعر وكأني أتخطى وحدتي.”غالي” يعيش في تل أبيب، هو صديق قديم من أيام الدراسة، يمتلك أجمل عيون زرقاء على الأرض، أحلى شفتين وشعر بني كثيف.حين رسب في السنة التي سبقت سنة البكلوريا نشب صراع ضاري بين البنات.بدأت المنافسة مباشرة ولكنها لم تصل إلى نتيجة.هذا الولد الرائع كان اجتماعياً ولكنه بقي محتفظاً بمسافة.أنا شخصياً تخليت سريعاً عن فرصتي:لم نكن في نفس الصف وعندما كان يلتقيني لم يكن تماماً يبدو كأنه يهيم بي.
في سنة البكلوريا كنا سوية في صف الرياضيات.أثناء احدى الفرص وحين كان المطر يهطل كنت أقرأ ترجمة فرنسية لاحدى روايات “عاموس عوز”، أحد الكتاب الإسرائيلين البارزين.نط “غالي” وبريق ساطع في عينيه وبدأ يتكلم بانفعال عن فرنسا، والكتاب الفرنسيين.كان قد قرأ معظم الكتب التي لم أقرأها (جيد، بروست، وسارتر) وكلمني بطريقة وكأني سأقوم بشكل ما بتعريفهم به.ذلك اليوم جلسنا خارج المدرسة لحوالي ساعتين، نتكلم عن الله-الذي ربما لا وجود له، ولكن كتبت عنه تلك الكمية الهائلة من الكتب.تلا ذلك الحديث كلام حميمي.لم أتبادل مثل ذلك الحديث مع أي أحد بعمري، وفي الحقيقة أي أحد آخر.
في احدى المرات دعاني إلى بيته في طريق عودتي من “اكسترافارم”.أحببت غرفته:فراش على الأرض (شعرت حينئذ، وأشعر الآن، بأن ليس هناك شيء أكثر برجوازية من النوم على سرير)، كتب حول كل الموضوعات الممكنة، بضع شمعات، شبكة صيد تتعلق من السقف على الجدران.
كنت أرتجف، من غير أن أسأل لماذ دعاني.
أشعل سيجارة من سيجارة كان أنهاها لتوه، وعرض علي أن يقرأ لي من مذكراته التي يحملها بيده.كانت حقاً رائعة، معظمها حزينة تتخللها أفكار عنيفة عن السعادة، الله والحب.كنت أرتجف أكثر فأكثر.كنت أشعر وكأنه يتعرى أمامي.استمر بالقراءة حتى أصبح صوته مجرد همس حين قال…،”لأني أنا “غالي” شاذ جنسياً.”
شعرت بالمفاجأة لأنه يسرني بذلك، بدا ذلك وكأنه يويلني ثقته الكبيرة.في نهاية العام كنا قد أصبحنا قريبين لبعضنا، رغم أنا لم نكن نلتقي كثيراً.لم يكن حريصاً على أن يلتقي بصديقاتي.أثناء الإمتحانات أخبرني بأن أهله سينتقلون إلى تل أبيب.كان سعيداً بأنه سيترك هذه المدينة الريفية الصغيرة الثرثارة إلى حيث يكون نفسه دون أن يجد أحداً يسخر منه.
منذ ذلك الوقت كتب لي رسالتين أو ثلاث جميلات، وأنا كنت بطيئة جداً بالرد بسبب تتابع تلك الأفلام المثيرة (الإنفصال، الدورة، الإنهيار، الإنفصال-2، عملية الخشخاش الأزرق….) قال أن بإمكاني أن آتي لزيارته في أي وقت اشاء.
أضرب أرقام الهاتف، وحين يجيب أشعر بأنه سعيد حقاً بسماع صوتي.وعندما أقول له أني في تل أبيب يقول لابد أن نلتقي.
“اللية، حوالي العاشرة، في قهوة بيكاسو المطلة على البحر، ليست بعيدة عن السفارة الفرنسية.”
أشعر ببعض التوتر من رؤيته ثانية.مر أكثر من عام على ادائنا إمتحان البكلوريا،جرت خلاله أمور كثيرة.
يسير بإتجاهي.عيناه لاتزالان زرقاوان، شعره أقصر(في الجيش لابد من ذلك)، وإبتسامة صغيرة على شفتيه.نعانق أحدنا الآخر ونبدأ حديثنا كأننا أنهيناه البارحة.لا يستغرب صمتي الطويل، يفهم كل شيء حتى قبل أن أنهي الجملة.هو سعيد بعرض صدقاته دون أي مقابل.
لست معتادة على مثل هذا النوع من العلاقات:مع صديقاتي الأمر أكثر حميمية، عواطف، إمتلاك، غيرة- كل تلك الياردات التسع.اما معه فهناك حوار راق، ولست ادري كيف تسنى لي أن اكون بدونه طيلة كل ذلك الوقت.معه أتحدث عن الكاتب “ستيفان زويغ” وهو يحدثني عن “توماس مان”.هو يحدثني عن “فيردي” أنا أحدثه عن “براهامس”.أنا أكلمه عن الجروح التي لاتزال نازفة عن فقداني “جين-ديفيد”، هو يحدثني عن صديقه الذي يلعب معه لعبة “لن أكلمك، وسنرى من سيستسلم أولاً.”
أحدثه عن إنهياري الصغير خلال الدورة ومشاعر الإختناق التي تنتابني حين أريد الخروج من القاعدة ولكني لا أتمكن.يمؤ برأسه ويقول إنه ما كان بإستطاعته أن يتحمل ذلك.بعد دورة قصيرة تمكن من أن ينقل نفسه إلى القسم الثقافي بالجيش.ينزل كل يوم لكي يكون إلى جانب البحر كل ليلة.
يتكلم أيضاً عن الوضع السياسي.يقول أن علينا أن نعيد كل شيء إلى الفلسطينيين، بضمن ذلك الجزء من القدس الذي يريدونه منا.يعتقد أن ليس هناك ثمن للحياة وأن ذلك هو فقط الشعار الذي يستحق كل شيء.
“تل أبيب لا تنام، لكن أظن أنك تنامين”، يقول في حوالي الساعة الرابعة صباحاً.
جفوني تبدوا ثقيلة جداً.ولكن لو ذهبت للنوم الآن فلن أنفذ ما وعدت به نفسي:أن أعود إلى البحر عند الفجر.أقترح عليه أن نذهب وننتظر الإشعاع الأول سوية.نجلس بصمت رقيق نرقب النهار يطلع فوق تل أبيب، نغمر أقادمنا في الماء.   
 ****
                                       عندما كنت جندية
                                        فاليري زيناتي
                                              ترجمة                       
                                       صلاح النصراوي
ج2 ف7
                                     الجنديات يبكين أيضاًً
25فبراير، الساعة 6وعشرة دقائق مساءً.
أمس تمكنت من الإتصال بـ”جين-ديفيد.”قلت له أن لدي إجازة لليلة واحدة وأشعر بأني أرغب بالنوم في مكان آخر غير القاعدة.
تلكأ قليلاً، ثم قال ان بإمكاني أن أتي لكن سيكون لديه أصدقاء هذا المساء.
تملكني إحساس فضيع بالضعة، لكني قاومت، قلت لنفسي لابد من رؤيته، كانت حاجتي إليه أقوى مني، أقوى من مخاوفي بالرفض.
“سأترك لك المفاتيح لدى المنظفين”، أضاف،”سأكون هناك حوالي السابعة.”
شيء حسن أن أكون في بيته لوحدي، كأننا نعيش معاً.إستحميت، إرتيدت ملابسي، وإنسللت تحت غطاء سريره مع كتاب كنت إستعرته من “الإتحاد الفرنسي”.
لم أقرأ حرفاً واحداًً .
كنت في سريره، أتلحف بعطره الذي أستنشقه بعمق وعيناي مغمظتان.أفتحهما لكي أجدها أمامي.
حقيبة مكياج.
قنينة عطر، “جيوغرو من بيفرلي هيلز: التي اتنشقها مدركة انها الرائحة التي اكرها طيلة حياتي.
قميص قصير الأكمام من نوع “كوكي”.
مزيل روائح نسائي.
بدأت أرتجف وأتكلم بصوت عال، مرددة، “إنها ابنة عمه، إنها ابنة عمه، لابد أنها جاءت من فرنسا لكي تراه.”
لم يقل لي أن لديه ابنة عمة.
عندها سمعت صرير المفتاح في الباب، رفعت الغطاء إلى حد ذقني، متظاهرة بأني نائمة.سيكون رقيقاً معي على الأقل لثوان قليلة، ويوقظني.
مسد شعري بيد حزينة.
فتحت عيني ونظرت بإتجاه حقيبة المكياج.لم يقل أن “ابنة عمي جاءت لتراني”، تنهد.
وضعت الكتاب في حقيبتي و اتجهت نحو الباب.حاول أن يمنعني.
“انتظري على الأقل لكي تتعشي معنا.”
إنفجرت بالضحك، ضحك يائس، بلا رجاء.
“لا أريدك أن تجرحي”، قالها بصوت عنيد.
“حسناً، ها أنت قد فشلت”، أجبت وصفعت الباب خلفي.
لم يكن لدى وقت سوى أن أرى فتاة أكبر عمراً مني بقليل (22عاماً أو ربما 23) تنظر الي بتعجب.لم تكن حتى جميلة.
في الحافلة بطريق العودة، بكيت كما لم أبكي من قبل، ليس حتى مثلما تركته في المرة الأولى.
 المرأة الجالسة إلى جانبي بدت قلقلة سألتني إن كان هناك شيء يألمني، ثم إن كان هناك قريب لي قد مات.لم تطاوعني نفسي أن أجيبها، لذلك احتظنتني طيلة الرحلة، وظلت تقول إن كل شيء سيكون على مايرام وأن الله سيكون إلى جانب أولئك الذين سيتعذبون.لم أكن أتصور بأني سألقى عزاءاً عند شخص غريب تماماً عني لم يتسنى لي أن أرى وجهه كما لا أعرف حتى أسمه.
في القاعدة بحثت عن البنات اللواتي كن في نوبة الحراسة تلك الليلة.”هيدي” كانت في نوبة العاشرة إلى الثانية صباحاً .”نوا” كانت من الثانية حتى السادسة.عرضت عليهما أن أخذ مكانيهما.لم تقولا شيئاً بشأن عيناي الحمراوتين، غير أنهما طرحتا فكرة أن اللوائح قد لاتسمح بالقيام بنوبتي حراسة متعاقبتين.قلت لهما هذا ليس شأنكما.لم تصرا، كانتا ممتنتان بأنهما ستنامان دون مقاطعة.
قمت بالدورية مع “عوفر” وهو جندي إحتياط الذي حدثني عن رحلاته إلى الهند.قال لي أن أول رحلة قام بها جاءت بعد أن هجرته صديقته.
“شعرت بأني تحولت إلى قالب من الثلج واحتجت أن ادفأ نفسي تحت سماء مختلفة.”
حوالي الرابعة فجراً بدأ المؤذن في القرية المجاورة بدعوة المؤمنين إلى الصلاة.
“إنهم يهينوننا”، قال “عوفر” (هو يفهم العربية بشكل تام).”انهم يوعدونا بالنار قريبا.”
كانت أسناني تصطك من البرد ومن الإرهاق، ولكني وجدت لدي القوة لكي أرد.
“قل له الا يتعب نفسه، المهمة أنجزت، أنا هناك بالفعل.”
نظر إلي بعطف.
“لا أتحمل صوت المؤذن”، يقول.”أنت تغنين بالفرنسية، هل لك ان تغني، كي لا نسمع المزيد من صوته هذا.”
بصوت متهدج أبدأ بتلك الأغنية التي كان يحبها “جين-ديفيد”:”قل لي، قل لي اذن، إنها هجرتني ليس لشخص آخر بل لي…”
غنينا بهدوء سوية لساعتين، بالعبرية، بالفرنسية، أغاني لـ”ايديث بياف” وغيرها كثيرين، أكتشفت أن بعضها يحفضها عن ظهر قلب في حين أني كنت أحفظ أجزاءً منها.”
سأكون في نوبتي بعد نصف ساعة.لم أنم لأربعة وعشرين ساعة.أشعر بالإرهاق.ذلك بالضبط ما أردته.
خلال أيام سيحل الأول من أبريل.سأكون في التاسعة عشر من عمري، وسأكون في إجازة.كل ستة أشهر يمنحوننا إجازة “طويلة”، لمدة أسبوع.وضعت خططاً كثيرة ولكني أعلم أني سأقضي نصف الوقت أعمل ما يعمله الجنود في العطل:النوم.
في الوقت الحالي، نجلس جميعاً في غرفة التلفزيون في القاعدة، مجتمعين حول “إينات”، ذات الشعر الأحمر، والتي تغلي بالحماس.اليوم ستنتهي دورة الطيارين الأردنيين وأخيراً سيمكنها رؤية وجه فارس أحلامها.
كي نتمكن من تحديد شخصية الرجل، قدمنا طلباً رسمياً ليأتي ضابط من قسم آخر على معرفة بالرجال الذين نعرفهم نحن بأسمائهم الرمزية.أعتقد أنه يبتسم بطريقة معينة.
تبدأ مراسم الإحتفال بحضور الملك حسين والملكة نور.إستعراض عسكري، عرض تمارين قتالية، الضيوف يتظاهرون بأنهم مهتمون جداً بالعرض، في حين أنهم ضجرون بشكل عميق…على خلافنا، نحن اللواتي نراقب المشاهد وكأنها لشريط فيديو عن “هنود البوبيان” إكتشفنا فجأة أننا على صلة بهم.
تأتي اللحظة الكبيرة.نسر-1 سيقوم بمنح الجناح الفضي لكل من الطيارين المتدربين، نفس الأشخاص الذين كان يوجه لهم الإهانات دون رحمة لثمانية أشهر.تنتقل الكاميرا إلى المنصة التي يقف عليها الطيارون بإنتباه.
“أقرب، أقرب،” نصرخ على التلفزيون.
أسمه عدنان ب” يقول صديقنا الضابط، والذي من الواضح أن إبتسامته تصبح أكثر سخرية.
“أعتقد أن ذلك يعني بالعربية، رقيق”، تقول “نوا” لـ”إينات” التي تكتم أنفاسها.
“أقرب، أقرب، أقرب” لا تزال الفتيات الآخريات ينادين.
فجأة يقوم مصور التلفزيون الأردني بشيء كان يجب الا يفعله:أنه يلبي رغباتنا ويأخذ لقطة مقربة لـ “نسر-1“، المكنى عدنان ب.
عدنان ب، رائد ومعلم.
عدنان ب بصوته العميق الدافئ.
عدنان ب الذي يمتاز بخاصية أنه يغني أغاني البيتلز بعد كل تمرين، أغنيته المفضلة هي “الغواصة الصفراء”.
عدنان ب الذي تحبه “إينات” بصدق (مهما بدا ذلك غير واقعي).
عدنان ب، أو “نسر-1“، طوله 1,55سنتيمتراً، أصلع، سمين، بشوارب وفوق الخمسين.
صمت رهيب حل على الجبهة الإسرائيلية، حالياً، في حين أن الأردنيين يطلقون بالونات ملونة وسط صيحات الفرح.بإمكاني القول أن الفجوة بين الدولتين لم تكن بذلك العمق، أبداً .
لا يتجرأ أحد النظر إلى “إينات” التي تتسمر في كرسيها.
“لا يمكن أن يكون ذلك هو”، تهمس “ايميك” باذن الضابط الجاسوس.
يومئ برأسه بأسف بالغ.الآن أستطيع فهم إبتسامته الصغيرة التي رسمها في البداية.
“أنت قاسي القلب”، أقول له كي يتأكد من أنه لم يتمكن من خداعي.
“لا، أنا لست كذلك”، يرد ببرود؟ : ليس مهماً كيف يبدو المرء، اليس كذلك؟على الأقل هذا ما لا تتوقف البنات عن قوله.”إستناداً لمصادرنا فان لدى عدنان ب ذكاء خارق، وهو مثقف عال المستوى، متقن لعمله، حساس و….أرمل.مالذي تريدين أن تعرفي عنه أكثر؟”
تسقط كف بسرعة على خده.تهجم “إينات” عليه بغضب، ونحاول نحن أن نوقفها.إضافة إلى خيبة أملها فأننا في الواقع لا نستطيع أن نسمح بأن تقضي عدة أسابيع في السجن لأنها صفعت ضابطاً في وجهه.
تقوم المجموعة بإسترضائه.”نحن جميعاً سنعتبر أن ماحدث كان خارج النطاق العسكري.لن أتقدم بشكوى، عمتن مساء وتعازي لك أيتها السيدة الشابة.”
تعجبت من رد فعله، أو بالأحرى غياب رد فعله عن صفعة “إينات”.هناك تفسيران محتملان.اما انه كائن فضائي أو أنه بالواقع بريطاني.إحتمال ثالث: إنه مجرد شاب في العشرين من عمره وأنه مثل معظم الملازمين الإسرائيلين رغب بأن يكون هناك جو من المرح.
في اليومين الأولين من إجازتي أشعر بأني خارج السياق، يبدو أن هناك متسعاً من الوقت.أنام حتى منتصف النهار، أتغدى عصراً، أرقد في الحمام لساعات وألتهم ثلاثة كتب خلال يومين.لأكثر من سبعة أشهر لم أخرج من بزتي العسكرية لأكثر من ثمانية واربعين ساعة.أكاد أنسى أنني رقيبة في الجيش الإسرائيلي.أنا حرة بأن أذهب إلى السينما مع “يوليا” وغداً هو عيد ميلادي وسنذهب إلى النادي في تل أبيب مع “فريدي”.
نتوقف في بار ونشرب قليلاً ونتكلم كثيراًً .أدرك أن لدى مشكلة في تقبل “يوليا” كما هي الآن (واثقة جداً من نفسها، مغرية، ومندفعة جداً، لكنها الشخص الذي يمكنني معها أن أضحك بشكل هستيري.هي لا تقاوم، خاصة حين -مثل اليوم- تقلد معلمينا القدماء، قائد قاعدتها، رئيس الوزراء أو دورق الألوان.اللؤم الذي فيها والذي يزعجني أحياناً يتحول إلى دعابة مرة.
كانت الساعة قد قاربت الثالثة صباحاً حين عدنا إلى البيت، ذراعاً بذراع، ملتصقين معا بالفودكا.
“هوووو، انظري هناك ضوء في بيتك”، تقول لي، أرنو نحو الدور الأول من العقار رقم 12 في “شارع سافيد”.
أمي لا زالت مستيقظة، ذلك لا يثير إستغرابي:في غضون خمسين عاماً ستظل تدخل علي ليلاً في البيت لكي تتأكد أني عدت سالمة، وعندها ستؤي إلى فراشها.
لكن النظرة التي أراها في عينها الناعستين ليست تلك التي تعودت عليها.
تتكلم بجد، وتقول بأن الرائد “أوري” اتصل بالتلفون لكي يقول بأن إجازتي الغيت دون أن يشرح ذلك، بطبيعة الحال.علي أن أكون في القاعدة عند الساعة التاسعة على أقل تقدير.لدي ثلاث ساعات لكي أعد حقيبتي، أنام، وأستعيد وعي.
***
                                      
                                        عندما كنت جندية
                                          فاليري زيناتي
                                                ترجمة                       
                                         صلاح النصراوي
ج2 ف6
                                         حرب الحجر
لأول مرة منذ أسابيع تلتقي المجموعة كلها في بئر سبع في اجازة، نجلس جميعاً على العشب، عملياً تحت شباك غرفة نومي.”راحيل” تعود من مرتفعات الجولان حيث تعمل سكرتيرة في وحدة مدرعات، رغم أن عملها بعيد جداً عن عمل السكرتاريا.هي معالجة سايكولوجية، صديقة، أخت كبيرة وحافظة أسرار الجنود.هي التي تنظم الحفلات، والدعوات وأعياد الميلاد لكل الناس هناك.هي التي تعزي وتواسي، بعبارة أخرى هي التي توفر اللمسة الأنثوية لوحدة جميع أفرادها من الذكور.
تخبرنا عن مسرحية عرضتها مع باقي الجنود وعنوانها:الطاهي هو عدونا الأكبر.
“النص كان مثيراً للضحك.كل واحد أراد أن يكون له دور، وبضمنهم القائد والطاهي الذي عمل كل جهده لكي يدافع عن مكانته.”تبدو سعيدة جداً.أنا متأكدة أنها تشعر بالسعادة أكثر كونها تخدم في وحدة من الرجال وليست مختلطة.
عندما خرج “فريدي” من السجن لم يرد أن يعود إلى وحدته القديمة، فتم تعينه سائق لقائد الوحدة في المنطقة الجنوبية، والتي تتمركز في بئر سبع.
“يوماً ما كنت أغني بينما كان هو هناك، ومنذ ذلك اليوم وهو يطلب مني أن أغني على الأقل أغنتين في كل رحلة-يقول إنها تساعده على التركيز.بنته ستتزوج خلال شهرين وطلبت مني أن أغني في حفلتها.”
نصفق جمعنا، ونهنأه على ذلك.نشعر بسعادة لأن مواهب صديقنا أقر بها عقيد في الجيش.
“إيلان” يخدم في وحدة “غيفاتي” في غزة.“
“لا أريد التحدث عن ذلك.”يقول.”أنا أحيا في ذلك لمدة أربع وعشرين ساعة كل يوم.من حسن حظي أنهم يسمحون لي بأن أعزف على الغيتار، ولذلك يعود الفضل بأن لي الكثير من الأصدقاء.”
“إيلينا” ممرضة في قاعدة كلها من الرجال.
“كلهم يتملقونني”.بعظهم يريد أن تعطيه إجازة مرضية، في حين أن آخرين يريدون أن يبقوا نقاط ضعفهم مخفية.”
تبدو سعيدة للسلطة الصغيرة التي بين يديها.”راحيل” و”يوليا” وأنا نتبادل النظرات:”أنت لا تقصدين أنك أصبحت نجمة؟”
“كلهم يجثون تحت قدمي” تقول “يوليا”…لكن ليس للسبب الذي قد تظنوه، بينما تظفر حزمة من شعرها حول اصبعها.”ثم أني لا أقدم لهم القهوة، بل هم من يقدمها لي”، تقول بزهو.
تغمض عينها وتسحب نفساً من سيكارتها.منذ فترة قصيرة بدأت بالتدخين، وسط رعب أصاب المجموعة (نحن ضد التدخين بشكل قوي).ربما سأذهب للجحيم بسبب ما سأقوله ولكني سأقوله على أي حال، “التدخين يضيف شيئاً إلى شعورها بالثقة.”
بدؤا بتحويل إهتماهم إلي، بإنتظار أن أخبرهم عن حياتي في الجندية.
“هممممممم.لا أحد يجثوا على قدمي، والباقي كله “سري جداً”.أحياناً يتغير الأمر ويصبح “سري للغاية”، أضيف لكي يصبح الأمر مشوقاًًً .
“أنت غريبة الأطوار”، تستوقفني “يوليا”، ”هل أنت حقاً ممنوعة من الحديث إلينا؟”
لا، بإمكاني أن اتحدث إليهم.أكثر ما يمتعني في القاعدة هو ما أقوم به هناك، إنها اللحظة التي يعلن فيها طيار ما:”ثعلب-1” خلال تمرين والتي تعني أنه أصاب الهدف منذ البداية.أتخيله حينئذ نشواناً، سعيداً بما عمله، وأنا أشعر معه بنصيبي من تلك السعادة.الأصوات أصبحت مألوفة لدي وأحاول أن أتخيل الوجوه التي تختبئ وراء تلك الأصوات.”إيانيت”، ذات الشعر الأحمر وقعت بحب واحد من المدربين اسمه الشفري “النسر-1”، لا يمكنها الإنتظار إلى حين حفلة التخرج للدورة الحالية والتي سيتم بثها على التفزيون الأردني.(والذي نشاهده نحن هنا.) حتى تتمكن أخيراً من رؤيته وترسل إليه عرضاً للزواج- تلك ستكون قصة رهيبة.لم يأتي روائي بمثل هذه القصة بعد:جندية إسرائيلية شابة تعمل في محطة رصد تقع في حب طيار أردني من خلال صوته العميق.تغامر بحياتها بعبور الحدود وتكون إلى جنبه.هو مفتون بها ( هو دائماً يحب ذوات الشعر الأحمر).يسأل فيما اذا كانت مستعدة لأن تقضي حياتها معه.العصفوران يهربان من جيشيهما ويتزوجان في معبد بوذي في الهند.
“أنت ايتها الجاسوسة، هل لا تزالين معنا؟”
عودة على بدء:حلقت بعيداً جداً، جداً في السماء.
“منحوني بضعة ساعات بعد أن رقيت إلى رتبة الرقيب”، أتمتم، “ذهبت الى المركز الفرنسي وشاهدت هناك برنامجاً جيداً عن الثورة الفرنسية.”
الجميع ينظر إلي وكأني بدأت أتكلم بالصينية.
“فكرت ربما علينا نحن كذلك أن نبدأ بثورتنا أيضاً .”
يبدو أنهم بدؤا يعتقدون أني أسير من سيء إلى اسؤ.لكني استمر.فجأة أصبح لدي الكثير مما يمكني أن أخبرهم به.
“هيا، إسمعوا:مالذي تعلمناه في المدرسة؟اننا نعيش في بلد رائع بناه أبناءه بعملهم المضني وبقتالهم بلدانا أخرى تريد أن تراه يفنى.كل شيء وضع على خلفية موسيقية حيث كلمات “أرض”، “حقول”، “ينابيع”، و”جندي” تشكل ثمانين بالمائة من الأغاني.كما يقال لنا أنه دورنا الآن أن “نمنح الوطن شيئاً “، ننضم إلى الجيش ونمشي على خطى الأبطال الذين دافعوا عن الدولة.كل ذلك شيء جيد، ولكنه ليس الحقيقة، لم تعد كذلك.”
“ماهي الحقيقة؟” يسأل “فريدي” وهو يراقبني.
“حسناً، ينبغي أن نتوقف عن الهيمنة على الآخرين، علينا أن ننسحب من يهودا والسامرة ومن غزة.بعد ذلك علينا أن نتفرغ لمعالجة المشاكل في هذا البلد.ليس من المعقول أن نظل نقبل حقيقة أن بعض الناس يحصلون على الفتات من الرواتب في حين أن آخرين يملكون الكثير من الأسهم التي لا يدرون مالذي يفعلونه بها.ألم يكن الهدف هو بناء دولة يهودية إشتراكية؟حسناًً فلتكن كذلك.علينا أن نتوقف عن جعل الطلاب يدفعون رسوماً باهظة، في حين أن رجال الدين، الذين يجب أن أذكركم أنهم لا يخدمون في الجيش، ويدفعون ضرائب كل سبع سنوات، تدفع لهم الدولة دعما لكي يدرسوا.
“والقدس، مالذي ستفعلينه بالقدس؟” تسأل “يوليا”، التي تخذلني دائماً في اللحظة الحرجة.
أشعر بثقل في قلبي:لا يمكني أن أرى المدينة المقدسة مقسمة إلى جزئين.مشاعر لاعلاقة لها بالسياسة، ولكن مع ذلك…هل يمكن لجسم ما أن يعيش دون قسمه الثاني؟
“لا أعلم..علينا أن نجد حلاً ذكياً.”
تشعر “يوليا” بالإنتصار.وكما هي عادتها حين تكون متمكنة فأنها لاتتوقف.
“وماذا عن الإشتراكية؟هل تعتقدين الآن أن الإشتراكية جعلت الناس سعداء في الإتحاد السوفيتي؟”
“لا يمكنك المقارنة، تلك كانت دولة توتاليتيرية، اما إسرائيل فديمقراطية، وما أسأله هو مجرد القليل من المساواة لكل شخص”، أجيب واثقة من نفسي هذه المرة.
“لكن الفلسطينيين يهاجموننا كل يوم، كيف يمكن التفاوض معهم؟”، تحتج “ألينا”.
“ليس الأمر هو يمكن أم لا يمكن، بل علينا أن نقوم بذلك.”
“ماذا تعنين؟”، تتدخل “راحيل”.
“اذا ما استمرينا بالبقاء في الأراضي، اذا ما استمر الجيش بالتدريب بأسلحته على السكان المدنيين، فان هناك ما هو أسوء سيقع، العالم لن يعد يرانا كطلائع مثيرين للإعجاب.نحن لم نعد كذلك.لكن أسوء ما في الأمر أننا لم يعد بإمكاننا أن ننظر إلى أنفسنا بالمرآة…كما سيموت الكثير والكثير من الناس..للاشيء.أنظروا إلى “إيلان”، انه لا يريد أن يتكلم عما يبدو الأمر هناك.اذا كانت الأعمال العسكرية هناك مبعث فخر حقاً لجئت وقلت شيئاً، اليس كذلك؟”،أجيب، بينما أرمقه بنظرات نافذة.
“ليست تلك هي المسألة”، يقول بتردد.”أعتقد انك تغالطين نفسك اذا ما اعتقدت أن السلام ممكن.”
“لكن السلام ليس طيوراً تغرد وزهوراً تينع فجأة، مثلما تقول الأغاني!ما أقوله هو أن نعمل على حل هذا الصراع مرة واحدة والى الأبد، وليكن هذا البلد ما أراد أن يكونه حين ولد:بلد يعمه العدل، البناء والتضامن.”
“شوششششششش.صوتك مرتفع”، يحذرني “فريدي”، ولكن بعد فوات الآوان.أشعر بأني مبتلة من رأسي حتى أخمس قدمي.العجوز الرومانية التي أفرغت لتوها جردلاً من الماء علي كانت أفضل من اي رام محترف.
“هامففففف!إنه منتصف الليل”، تتأوف بينما تغلق شباكها.”أي وقت هذا الذي تتكلمون فيه بالسياسة.ليس تحت شباكي، على أي حال.”
أرد عليها بقوة، ليس لأني منقوعة بالماء بينما يحاول الآخرون أن يكتموا ضحكتهم، بل لاني لم أعد أجد المنطق الذي يمكنني به أن أقنع أصدقائي.
“لكن الثورات دائماً ما يتم التخطيط لها بالليل”، أصرخ بوجه الشباك المغلق.
بعد عودتي إلى البيت ألتقط النص حول نيوزيلاند الذي قرأته لنا “كينيريت” خلال الدورة.
لن أرغب بالعيش في بلد حيث لا شيء فيه يتغير.
الأحد صباحاً عند محطة الحافلات في بئر سبع.هناك حافلتان إلى القدس (التي علي أن أمر بها لكي أعود إلى القاعدة): حافلة رقم 405التي تمر من خلف الأراضي وتستغرق الرحلة فيها ساعة وأربعون دقيقة للوصول، وحافلة رقم 440 التي تمر خلال يهودا والسامرة عبر مدينتي الخليل ورام الله.خلال ساعة وخمسة وعشرين دقيقة تكون الحافلة قد وصلت إلى ضواحي المدينة المقدسة.
الحافلة التي تمر بهذا الطريق ستكون مميزة بين ألف حافلة:اذ عادة ما تكون معفرة بالتراب كما أن زجاجها مرقط بنجوم هي من نتاج الحجر الذي أعطى الإنتفاضة الفلسطينية اسمها، “حرب الحجر” أو الإنتفاضة.
أركب الحافلة رقم 440 وأعرف بأني لن أخلد للنوم هذه المرة.أعيش في إسرائيل منذ خمس سنوات، ومثل معظم الإسرائيليين، عدا الجنود الذين يقضون خدمتهم هناك، لم يسبق لي أن وطئت الأراضي.حان الوقت لكي أعرف عنها أكثر مما أشاهده على التلفزيون.
بين بئر سبع وأول القرى الفلسطينية هناك حوالي 20كيلومتراً من الأراضي التي هي أشبه بالصحراء.من السخف أني لم أعرف أنهما بهذا القرب.بدأت أشاهد بيوتاً مبنية بالحجر، غالباً فوق ركائز وبين الأحراش والطرق المحفورة.نسبة كبيرة منها غير مكتملة.الغريب أن معظمها يحمل فوق سطحه هوائي أشبه…ببرج “ايفيل”.تبدو لي بشعة ومؤثرة في آن.إذن هذا هو الحلم الفلسطيني:باريس!
يقول أحدهم في الحافلة،”إنها تمطر.”ذلك حسن، حين تمطر يقل الحجر الذي يرمى علينا.”
من لحيته وقبعته أدرك أنه يهودي يعيش في الأراضي، من يسمونهم المعارضون بالمستعمرين.لعله يتأكد من نشرة الأحوال الجوية قبل بدء الرحلة.
تنتشر القرى على مسافة كيلومترات عديدة.لا يعرف أحد أن يبدأ مكان ما وأين ينتهي.فقر، حزن، كراهية.بإمكاني أن أرى كل ذلك في الوجوه التي تنظر إلى الحافلة ذات اللونين الأحمر والأبيض بين حين وآخر.عجائز يتعكزون على عصي، يبدون محترمين، مثل أولئك البدو في فلم “لورنس العرب”.أطفال في ملابس مترهلة.نساء بوجوه تعبة متغضنة، يحاولن موازنة سلال فوق رؤسهن.هناك بعض الفتيات بملابس رمادية عائدات من المدرسة ويصرخن في وجوهنا- شيئاً ليس بودي سماعه.سيارات مرسيدس عفا عليها الزمن، حمير، قطعان من الخرفان، أشجار زيتون.
أشعر أني عبرت حدوداً، ولكنها ليست حدوداً جغرافية.أين أنا؟مائة سنة، مائتين إلى الورراء.
أبراج المنائر تستلفت نظري.بين الحين والأخر بإمكانك أن ترى الطابوق الأحمر لمستوطنة يهودية فوق التلال.
تتوقف الحافلة مرات عديدة، ينزل منها جنود ذاهبون إلى معسكراتهم ومدنيون إلى بيوتهم.لا يتبقى منا سوى حوالي عشرة حين نقترب من الخليل، أكبر مدينة في يهودا.كل الركاب إختاروا بحصافة أن يجلسوا عند الممشى، إلا أنا.أحشر أنفي في زجاج النافذة.أريد رؤية كل شيء.
صوت إرتطام عنيف تحت وجهي تماماً.خلال تلك البرهة أتيح لي أن أرى فتى يرمي من مقلاعه.وجهه صارم وحاقد.كان يوجه حجره نحوي.إني متأكدة فأنا ألبس البزة العسكرية، أنا العدو الأكبر.
أشعر كأني أريد فتح النافذة وأصرخ عليه.”أنت، أنا بمثل عمرك وأفكر تماماً كما تفكر!”
لكن الحجر كان ينهمر علينا في تلك اللحظة.السائق يسرع، سرعته أكثر من المقرر قانوناً، ولكني سأستغرب لو انه توقف عن ذلك.في الأراضي الجيش الأسرائيلي هو وحده صاحب السلطة.
كل من في الحافلة ينبطح أرضاً، وأنا من ضمنهم.نتطاير من اليسار إلى اليمن ومن اليمين إلى اليسار لكي نتفادى القذائف.مع كل حجر أشعر بألم كأني من ضربت به.أسمع إنفجار.لا يمكني القول من أطلق النار واذا كان هناك أحد قد قتل أو جرح.أنفجر بالبكاء ويحاول ركاب الحافلة تطميني.ليس لدي الرغبة بأن أخبرهم بأني لا أبكي لأني خائفة.
 ****              

Iraq’s fake democracy

A new elections law has revealed the extent of Iraq’s phoney democracy, writes Salah Nasrawi
Iraq’s political system after the US-led invasion in 2003 that triggered the end of the era of former president Saddam Hussein has long been touted as a nascent democracy and sometimes used as a kind of bumper sticker to trumpet democratisation throughout the Arab world.
Yet in practice Iraq’s executive and legislative branches of government have been dysfunctional, deadlocked and trapped in ethno-sectarian strife. Moreover, Iraq’s decade-long failure of good governance has provided fodder to sceptics who have argued that there is no such thing as a successful Arab and Muslim democracy.   
A row in recent weeks over amending the electoral law has now shown how entrenched political groups have made a mockery of democracy in the country and raised concerns that the new bill will produce another gridlocked parliament and a stalemated government.
At the heart of the dispute has been how parliamentary seats should be distributed. Iraq’s parliament on Monday passed amendments to the electoral law after a prolonged debate, as key political groups struggled to tailor the bill to maximise their gains in the 325-seat legislature.
Iraq is slated to hold its next national elections in spring, but first the outgoing parliament should make the amendments required by the Supreme Court, which had annulled provisions in the electoral law that allowed bigger blocs to harvest more seats and ordered proportional representation for minorities.
Shortly before the vote in parliament, Vice President Kudhair Al-Khuzaie, who is acting president in the absence of ailing Iraqi President Jalal Talabani, issued a decree setting 30 April as the date for the polling.
Under the new law, the three main blocs that represent the Kurds, Shias and Sunnis in Iraq agreed to increase the total number of seats in parliament to 328 and to adjust a 2005 voting system based on bloc lists of candidates chosen by the heads of the groups.
According to a new formula, the distribution of “compensatory seats”, which used to be awarded to blocs with high numbers of voters, has been replaced with the allocation of seats directly to provinces.
Under this arrangement four seats will go to the mostly Shia-populated provinces and three to each of the Kurdish and Sunni-populated provinces.
The breakthrough was made possible by a compromise proposal put forward by the United Nations Assistance Mission in Iraq (UNAMI), whose mandate includes providing advice and assistance on holding elections and referenda.
The United States also used its diplomatic leverage to push for a deal. US President Barack Obama has urged Iraqi Prime Minister Nuri Al-Maliki to make sure that parliament quickly passes the law, paving the way for the vote to happen on time.
Both acted on concerns that the deadlock in the country will jeopardize plans for the 2014 elections and stir up more sectarian violence.
At one point during the negotiations, president of the Kurdistan Regional Government Masoud Barzani threatened to boycott next year’s elections if the new legislation was not satisfactory to the Kurds.
The Iraqi Kurds believe the law that governed the 2010 parliamentary elections was unfair because they did not get the number of seats they felt they deserved.
The Kurds claim that the size of the turnouts in the elections in the Kurdistan Region have been bigger than in the rest of Iraq, making the number of voters in the constituencies in Kurdistan more than those in the rest of Iraq’s provinces and potentially depriving them of dozens of seats.
Under the new amendments, the Kurds have secured three guaranteed seats, or a third of the new allotment.
Yet, the new law has not been good enough for some of Iraq’s minorities, who believe that they are being unfairly treated by the three large communities. Small nationalist and liberal-oriented groups are also unlikely to benefit from the amendments.
Arshad Al-Salehi of the Tourkouman Front slammed the new law as “anti-minorities”.
“This law was enacted by those who consider themselves to be the untouchable rulers of Iraq, and it will reinforce sectarianism,” he told the Asharqiya TV network on Monday.  
Representatives of the Yazidi minority in northern Iraq who walked out of the parliament’s voting session said that the new law was “tailor-made for the large political blocs”.
“This is the worst elections law in the history of the Iraqi parliament,” said Viyan Khalil, a Yazidi lawmaker. “We will appeal to the Supreme Court in a bid to cancel it,” she told a press conference at the parliament.
The Yazidis have a strong case to appeal against the new law, since in 2010 the Supreme Court ordered an adjustment to their quota of seats based on a population census. 
Iraq’s 2005 constitution states that there should be one member of parliament for each 100,000 Iraqis, and the Yazidis claim that they deserve at least five seats because there are more than half a million Yazidis in Iraq.
Since Iraq has not had a census since 1997, seats in parliament are allocated to provinces according to a ration-card system that has been used as a basis for creating an electoral roll in the elections since 2005.
Using the ration-card system and ministry of planning statistics, the authorities say the country’s population is now more than 35 million people, which should bring the number of members of parliament to 350.
Shia politicians have said that their religious leaders have refused to enlarge the parliament after popular protests in recent months against lawmakers who have been accused of corruption and receiving extravagant privileges, including lavish salaries and pensions.
Another reason for the appeals by disgruntled parties could be based on claims that the new law is unconstitutional because it was proposed by the parliament itself and was not drafted by the government, as is required by the constitution.
The Iraqi Supreme Court has often annulled such enactments when challenged on the basis that the constitution allows the government alone to table legislation in parliament.  
The bickering over the law has come amidst an acute political impasse in Iraq that has lasted for nearly two years over Sunni complaints of marginalisation by the Shia-led government and the Kurds’ mistrust of Al-Maliki, further stoking sectarian tensions.
Sunni Arab insurgency groups, including Al-Qaeda, have stepped up their attacks against Iraq’s Shia-led government in recent months, raising fears of a return to full-scale sectarian strife in the sharply divided and war-battered nation.
In fact, as lawmakers were voting on the new bill, a series of bombings and other attacks ripped through areas of several Iraq cities and targeted members of the security forces and civilians.
The rise in violent attacks has left some 7,000 people dead this year alone.
While advocates of the new law say that the amendments will help to maintain stability in the country, opponents say they are a recipe for continuous chaos, arguing that Iraq’s electoral system is inflammatory because it was forged to create large ethnic and sectarian voting blocks.
The critics also say that the system has been used to create fiefdoms with senior clerics, warlords, tribal chieftains and wealthy politicians at the head of political blocs in parliament where they can control Iraq’s political sphere.
One of the salient features of this system has been both the weakening of the Iraqi state and the making of lawmakers not fully accountable to the voters because their first allegiance is to the party bosses who included them on their lists.
Most Iraqis would also argue that the parliament, whose members have been criticised for their greed and incompetence, has been useless in curbing violence, combating rampant corruption, or providing badly needed services such as electricity, water, housing and healthcare.  
Democracy in Iraq was meant to mark the end of Saddam’s autocracy and establish a government that was truly representative of the people’s desires and was accountable to its citizenry.
Yet, one lesson which Iraq gives today is that democracy and elections are not one and the same thing.
One way of explaining democracy in Iraq is in the way that elections have turned out to be the facilitators of the rule of the ethnic and confessional few who have dominated the Iraqi political arena for the last decade and diminished the national state into a kind of ethno-sectarian oligarchy.
They have marginalised the mainstream and deprived most Iraqis of their right to participate in the political arena, turning the state-building project into an enterprise at the service of a parasitical political elite controlled by power-hungry politicians and militia leaders.