Category Archives: ما بعد التجربة

مذكرات فكرية

مات عرفات لكن أحلامنا اغتيلت قبله

                                                     صفوة القول (14)
                                           مختارات من  اراء وقضايا 
                                            مات عرفات لكن أحلامنا اغتيلت قبله
                                                                               صلاح النصراوي
نشرت في جريدة الحياة 2004/11/24
التقيت ياسر عرفات للمرة الأولى في خريف عام 1972 وكان وقتها يشارك في مؤتمر للتضامن مع العراق بعد تأميمه للنفط. وخلال أيام انعقاد ذلك المؤتمر وجدتني وجهاً لوجه أمام هذا المارد الذي كان حينها تجسيداً حياً لآمالنا وتطلعاتنا نحن الجيل العربي الذي تفتح وعيه على هزيمة حزيران والانكسار المبكر الذي هز وعينا وحفر في ارواحنا اخاديد لا تردم. ولم يكن ذلك افتتان شاب عربي تتفتح آفاقه السياسية بالبطل الاسطوري. فقد كان ابو عمار طوال ايام المؤتمر نجماً ساطعاً تلتف حوله كوكبة من كبار قادة حركات التحرر في العالم المشاركين في المؤتمر والذين بدوا كأنهم يحتضنونه بروح تضامن الضحايا المتطلعة للحرية والانعتاق. كنت اقف الى جانبه في احدى دعوات العشاء احمل سكيناً وشوكة احاول ان التقط قطعاً من سمك المسكوف العراقي الشهير حين داعبني بلهجته المصرية «انت بتعمل ايه يا بني، في حد يأكل السمك كده» ثم غمس يده في السمكة وقطع منها جزءاً ووضعه في صحني. في تلك اللحظات الرومانسية جالت بخاطري صور هوشي منه وتشي غيفارا وابطال آخرين لحروب التحرير الشعبية وتذكرت قصيدة سعدي يوسف التي كان كتبها قبل فترة في الذكرى المئة لوفاة فلاديمير ايليتش لينين والتي يقول فيها «لم تكن نجماً ولا كنا مجوساً، انما انت مناضل معنا جنباً الى جنب تناضل».
هكذا كان مشهد ابو عمار قوياً وآخاذاً، وأخال ان ذلك لم يكن استنتاجي وحدي بل كان وعي جيل عراقي وعربي كامل رأى في الثورة الفلسطينية درب التحرير لا لفلسطين فحسب بل للاوطان الاخرى التي كانت تنهش فيها انظمة الهزيمة والقهر والتبعية. فأنا وأبناء جيلي قامت ثقافتنا السياسية على اسطورة ان فلسطين هي قضيتنا المركزية الاولى كما تربينا على اوهام حاكتها النخب الحاكمة عن الادوار البطولية التي خاضتها الجيوش العربية في حرب عام 1948 والتي لم يخسروها إلا بسبب الاستعمار وتبعية الانظمة الحاكمة حينها للقوى الاجنبية. لكن الحقيقة التي عرّتها الاحداث اللاحقة للنكبة، ومنها هزيمة أنظمة ثورية قامت على انقاض الانظمة الرجعية العميلة السابقة في حرب اخرى مع اسرائيل عام 1967، هي ان العرب بدولهم ومجتمعاتهم وحكوماتهم وجيوشهم مشلولون تماماً وعاجزون عن الفعل وان انبثاق الثورة الفلسطينية لن يكون العمل الذي يحرر فلسطين فقط بل سيحررنا جميعاً مما نحن فيه من تجزئة وموالاة وتخلف وطغيان.
وخلال اكثر من ثلاثين سنة، رأيت عرفات بل عايشته عن قرب، كانت خلالها سيول سياسية جارفة كثيرة قد مرّت تحت جسر العرب المتهاوي. تشظى الحلم العربي خلالها وغرق جيلنا مرة اخرى في واقع عربي اكثر انقساماً وتبعية وارتداداً واستبداداً. كما ان الثورة الفلسطينية، التي ظن جيلي انها كانت الأمل الذي سينتشل الاوطان من المستنقع الآسن الذي رمته فيه انظمتها، انتهت هي الاخرى الى مجرد سلطة تنتظر انطلاق مشروع سلام مقابل بقايا ارض تبتلعها المستوطنات وتسيجها حدود آمنة ليست لها ولكن لاسرائيل. والآن بعدما ودّع ابو عمار دنيانا مخلفاً وراءه ارثاً من تلك الاحلام الجميلة التي تراود اجيالاً جديدة من الفلسطينين والعرب، فإن ما تحتاجه هذه الاجيال ليس تدبيج الرثائيات البالية والغناء على اطلال زمن جميل لم يأت ابداً، بل إن الامر يتطلب منا جميعاً عملية مراجعة معمقة وشاملة ونقدية لتلك المرحلة من تاريخنا القريب ليس لأننا فقط مطالبون بالتعلم من اخطائنا التي دفعنا بسببها اثماناً باهظة بل بسبب مسؤوليتنا تجاه المستقبل الذي ينبغي ان يكون غايتنا وبؤرة اهتمامنا. وكعراقي تثقله اليوم آلام المحنة التي يمر بها بلدي، أجد نفسي، في اطار المراجعة هذه، امام تساؤلات عديدة عن نمط العلاقة التي اقامتها الثورة الفلسطينية وقائدها عرفات بالنظام البعثي في بغداد خلال العقود الثلاثة الماضية والتي لا يمكن لأي باحث جاد ان ينكر انها اثرت تأثيراً جوهرياً في مجريات الاحداث ليس في العراق وفلسطين فحسب بل في عموم المنطقة وفي مجرى تطورها التاريخي والسياسي والاجتماعي. ليس ضرورياً الآن العودة الى ملفات الماضي كلها لاثبات ان علاقات الطرفين كانت معقدة واشكالية إلا أنني لا اعتقد ان هناك من يختلف معي على ان غزو صدام حسين للكويت وحرب الخليج الثانية عام 1991 كانا في أساس ما آلت اليه الآمور الآن في العراق وفي فلسطين وفي عموم المنطقة. فالحقيقة المؤكدة الآن هي ان الحرب الاخيرة، وهي وليدة طبيعية ثانية للغزو، لم تضع المنطقة برمتها تحت الهيمنة الاجنبية فحسب بل انها حسمت والى مدى بعيد جداً الصراع العربي – الاسرائيلي ومكّنت اسرائيل من اقامة مشروعها التاريخي في فلسطين.
مرات عدة سألت ابو عمار لماذا اتخذ موقفاً مؤيداً لصدام في غزو الكويت، وكانت اجوبته تنم عن اقتناع شديد بان نتيجة المواجهة بين صدام والاميركان ستكون لمصلحة قضية الشعب الفلسطيني من دون ان يعطي تفسيراً مقنعاً. طبعاً تبرع العديد من الكتاب والمحللين لتفسير موقف عرفات حينها بأنه جاء انعكاساً لتوقعات الشعب الفلسطيني الذي افتتن بصدام وبتحديه السافر للولايات المتحدة وتهديده بحرق نصف اسرائيل بأسلحته الكيماوية وتوقع انتصاره الباهر مما ادى الى سحب قيادته وعلى رأسها ابو عمار وراء ذلك الموقف الشعبي. ادرك ان اكثر الاستنتاجات صواباً بشأن موقف عرفات من الازمة العراقية – الاميركية تحتاج الى شهادات ووثائق تنتظر من يوفرها، لكني وقد عاصرت ذلك وكنت قريباً من عرفات ايام الازمة بعدما اتخذ بغداد مقراً ثانياً له، اقتنعت دائماً ومنذ البداية بأن العكس كان صحيحاً تماماً وان ابو عمار كان يرمي بموقفه الداعم لصدام الى بلورة رأي عام فلسطيني مسلح بآمال عريضة عن صدام وآلته العسكرية لخدمة هدف آخر كان يدركه منذ البداية وهو دخوله المفاوضات مع اسرائيل والتوصل الى حل سلمي للصراع بعد هزيمة العراق الاكيدة وتدميره. كانت خيبة الآمل الفلسطينية المتوقعة هي بمثابة بساط الريح الذي سينقل عرفات الى مفاوضات السلام، والتي بدأت فعلاً بعد عام في مدريد. وبذلك لم يكن موقف عرفات مبنياً على اساس خطأ في الحسابات وسوء التقدير، كما قيل دائماً في تفسير تأييده لصدام، بل كان موقفاً مدروساً ومبنياً على حسابات دقيقة.
ما حملني على هذا الاستنتاج هو مواقف كثيرة كنت شاهداً عليها مع الرئيس الراحل في مرحلة اقترابه الكبرى من دخول عملية السلام مع اسرائيل والتي ارتبطت بالنشاط الذي دب في عمل القنوات السرية التي كانت بدأت عام 1986 خصوصاً بعد بيان بسام ابو شريف الشهير عام 1987 والذي اقر فيه «بحق اسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها». وهو بيان تابعت صياغته عن قرب في مكتب عرفات في بغداد قبل نشره. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1988. وفي مقابلة صحافية رتبتها مع عرفات اقر الرئيس الراحل بقبوله قرار مجلس الامن 242 للمرة الأولى قبل ان يقبل ذلك رسميا في الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته الجمعية العامة للامم المتحدة في جنيف يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) 1988 قبل ان يطلق تصريحه الشهير في باريس بأن الميثاق الوطني الفلسطيني الذي كان يدعو الى تحرير فلسطين ليس إلا «كادو»، بالتعبير الفرنسي، وهي خطوات كان من المطلوب اتخاذها شرطاً لدخول المفاوضات.
كان يجب تحويل غزو الكويت الذي فاجأ القيادة الفلسطينية مثلما فاجأ العالم الى فرصة فلسطينية، الا ان عرفات وحده من بين باقي القيادات راهن على ان ذلك يأتي من خلال المضي مع صدام الى الشوط الاخير من مغامرته فيما رأت العديد من القيادات الاخرى ان ذلك سيجر على الفلسطينيين الويلات مثلما افصح لي صلاح خلف (ابو أياد) بعد مقابلته الاخيرة مع صدام في لقاء معه في فندق الرشيد في بغداد وقبل ايام من اغتياله في تونس في 14 كانون الثاني (يناير) 1991، اي قبل الحرب بيومين في ما بدا ثمناً للموقف الذي اتخذه وأشهره في وجه صدام. قبل اسبوع من ذلك كان ابوعمار يقف منادياً صدام في احتفال اقيم في بغداد بمناسبة يوم الشهيد الفلسطيني بفارس العرب الذي سيدخل على حصانه الابيض معه وسوية الى القدس ثم يخاطبه بالآية القرآنية التي طالما رددها بعد ذلك من سورة الاسراء «وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة». سألته بعد الاحتفال الى من تعود واو الجماعة في الآية الكريمة فأجابني بطريقته المعهودة ألا تعرف تاريخك جيداً؟ ألححت عليه بأن يخبرني هو، سألني ثانية، ألم يكن نبوخذنصر عراقيا وهل نسيت صلاح الدين.قلت كلا لم انس وبدا كلامه مثل خطابه منسجما تماما مع رهانه على مغامرة صدام تلك.
ولم يكن من المدهش بتاتا ان يكون ذلك هو نفسه استنتاج بل رهان اعدائه الاسرائيليين.ففي كتابه المعنون «الحروب على صدام» يذكر الكاتب والمراسل التلفزيوني البريطاني الشهير جون سيمسون انه التقى مع بنيامين نتانياهو حين كان نائباً لوزير الخارجية الاسرائيلي بعد غزو صدام للكويت وبعد ان انتهى من التسجيل امام الكاميرا سأل نتانياهو عن وجهة نظر اسرائيل الحقيقية في الغزو وتوقعاته عن نتائجه على اسرائيل، فما كان منه إلا ان طلب التأكد من اقفال الكاميرا اولا ثم ليقول لسيمسون انها فرصه لا يمكن ان تقدر بثمن لاسرائيل. والحقيقة المؤكدة الآن انها كانت كذلك.
ما حصل بعد ذلك لا يزال قائماً امام العيان، اذ يكفي النظر الى ما يجري في فلسطين وفي العراق الآن لكي يستنتج المرء كم كان عرفات واهماً في ذلك الرهان. فلربما حمله حصان صدام الابيض الى سلسلة من المفاوضات لا تزال جارية منذئذ ولكنه لم يحمله الى القدس بينما انتهى صدام الى جحر سحيق والعراق نفسه الى احتلال. ليس هدفي هنا ان اضع موقف عرفات، رحمه الله، من غواية صدام في ميزان حسناته او سيئاته، فتلك مهمة سيتحمل مسؤوليتها التاريخ. كما اني لست بصدد تسجيل شهادتي بالرجل او بقضيته التي حملتها، مثلي مثل اي عربي في وجداني، لكنها فرصة، اراها ليست شخصية، وفرها موته الدرامي للنظر الى الخلف من دون غضب، الى مرحلة والى احلام أمة برمتها، ماتت بل اغتيلت قبل عرفات، بعوامل العجز والاخفاق والفشل الذي انتهت اليه دولها، وانظمتها وحكامها وقبل ذلك كله ثقافتها التي اوصلتها الى هذا الدرك. 


Iraqi-Russian Catch-22

The Iraq-Russian arms deal scandal exposes racketeering and political confusion in Baghdad’s government, writes Salah Nasrawi

The Iraqi establishment is so deeply corrupt and brimming with incompetent politicians that allegations of embezzlement and ineptitude in the government are no longer making a public uproar or even hitting newspapers’ banner headlines. But Iraq’s Prime Minister Nuri Al-Maliki’s scrapping of a $4.2 billion arms deal with Russia this week over corruption suspicions has caused a rare public scandal around the issue amid stunning allegations of graft and speculation of confusion and political miscalculations.
The deal, which would have made Russia the second largest military supplier to Iraq after the US, was initiated by Al-Maliki and Russian Prime Minister Dmitri Medvedev during Al-Maliki’s visit to Moscow in October.
The weapons deal for Russian MI-28 attack helicopters and anti-aircraft systems was also perceived as an overture for a broader strategic partnership that would also include Iran and Syria, Russia’s two closest Middle East allies.
Ali Al-Moussawi, a spokesman for Al-Maliki, said Saturday that the prime minister has cancelled the purchase and ordered an investigation into the deal after a parliamentary anti-corruption committee refused to endorse it on the ground of “entailing huge corruption”.
On Sunday Iraq’s Defence Minister Saadoun Al-Dulaimi, who played a major role in negotiating the deal, contradicted Al-Moussawi and said Iraq has not cancelled the deal and denied any wrongdoing. Government spokesman Ali Al-Dabagh on Monday added more confusion by announcing that the deal was not signed and will be renegotiated with Moscow.
Iraqi lawmakers and local media outlets, meanwhile, continued to heap criticism on the controversial deal as being tainted by corruption and indiscretion. Many lawmakers demanded a thorough parliamentary investigation and urged the prime minister to disclose the names of officials who negotiated the deal.
Bahaa Al-Aaraji, head of parliament’s Integrity Committee, spoke of widespread corruption in the deal including Lebanese arms dealers. Jihad Hassan, a Kurdish member of the parliamentary Security and Defence Committee, pointed the finger at the Ministry of Defence Procurement Department saying it was “responsible for corruption involving this deal”.
Another member of the committee, Hakim Al-Zamili of the Sadrist Movement, told Baghdad’s Al-Mashraq daily Monday that Al-Maliki was in charge of the negotiations of the deal and “he knows all those who are involved” in bribery.
Hamid Al-Mutlak, a Sunni lawmaker and a member of the Security and Defence Committee, said: “This deal is shrouded in a lot of confusion and fog and surrounded by suspicions of corruption.”
The London based Al-Hayat quoted sources at the prime minister’s office on Monday as saying that several of Al-Maliki’s aides are suspects in graft. The paper said bribes paid in the deal amounted to $200 million and were to be received by at least 11 of Al-Maliki’s staff members.
Iraq’s government establishment has been haunted by corruption accusations for years and several top officials have been accused of embezzlement. Last month Iraq’s cabinet sacked the governor of Iraq’s Central Bank Sinan Al-Shibibi following accusations of corruption in the Bank including fraud, currency manipulation and money laundering. Al-Shibibi denied the charges, saying he was the victim of a government campaign to try and control the autonomous bank’s foreign reserves.
According to the annual report of Transparency International, Iraq is one of the world’s most corrupt countries. Yet public exposure of corrupt officials is seen as largely aimed at blackmailing opponents, rather than attempting to combat the practice or bringing the wrongdoers to justice.
The Russian arms deal scandal is raising new questions about how vast corruption is undermining Iraq’s political system and even the country’s stability and has played havoc with the country’s economic, social and local government spheres.
Many observers believe the timing of the scrapping the arms deal with Russia suggests a cover-up of a political misjudgment on the part of Al-Maliki himself. Some also sense game-playing by Al-Maliki who is seen as not fully meeting the demands of Iraq’s transitional leadership.
The cancellation followed Baghdad’s warning to a Russian oil company to quit oil deals with the country’s autonomous Kurdistan region or pull out of its contracts for oil fields in southern Iraq.
In August, Gazpromneft, the oil arm of Russia’s gas monopoly Gazprom, acquired interests in two blocks with the Kurdistan Regional Government. The ultimatum is the latest in an long-running row between Kurdistan and the central government, which regards any contracts signed with the Kurdish region as illegal and has told companies they must choose between work in the northern region and the rest of Iraq.
The Russian oil contracts, therefore, seemed to have angered Baghdad and raised its concerns about the competition for oil control in Iraq’s Kurdistan that have already strained relationships between Baghdad and other world oil giants.
American ExxonMobil and French Total were the first majors to sign oil deals with Kurdistan, and the companies are now at the centre of a dispute with Baghdad which threatens to cancel their contracts.
Also, the cancellation of the weapons deal came a day after Russian President Vladimir Putin fired Defence Minister Anatoly Serdyukov who was behind the arms deal. The decision came after an investigative panel said the state suffered damages of millions of dollars in cases of sales of military assets.
There has been no word about whether Russian officials are involved in the scandal but the Baghdad newspaper Al-Mada reported Saturday that senior Iraqi government officials are involved with a brother of Putin in the deal.
More interestingly, Serdyukov, is married to the daughter of Viktor Zubkov, who is chairman of the state-controlled gas monopoly Gazprom. Although Russian media hinted that a clash of interests inside the sleazy Russian establishment could be behind the firing, foreign media suggested that Iraq’s oil deals could also be a factor in the arms deal debacle.
While there was no official reaction from the Kremlin to the stunning scandal surrounding the arms deal, Moscow’s Kommersant newspaper reported Monday that Russia has demanded that Baghdad should explain why it was canceling the deal. The paper quoted a government source as saying that Moscow has not been officially informed about the cancellation and need clarification.
RIA-Novosti news agency on Monday quoted Russian military experts as saying that the deal may be cancelled due to pressure from Washington which has signed lucrative military deals with Baghdad and hopes to make Iraq dependent on its weaponry.
Director of the Centre for Analysis of World Arms Trade Igor Korotchenko told the agency that if the deal does get axed, it would be an unprecedented event in the history of Russia’s arms trade. Other Russian experts warned that Iraq may incur harsh sanctions and multi-million dollar losses by paying off punitive fees for the move.
As Iraqi media and rival politicians continue a feeding frenzy over the Russian arms deal, many questions remain, leaving observers speculating about the real reasons behind the cancellation of the deal and its political impact.
A deeper look reveals that the cancellation is associated with corruption as much as with the Iraqi leadership’s error of judgment at a time of deepening government crisis inside and simmering regional conflicts outside.
The Russian weapons deal has been a sort of Catch-22. Al-Maliki has proven to be incapable of handling all the contradictory political and geopolitical constrains surrounding such a huge deal.
Kurdish leaders have vehemently opposed the purchase and warned that they might be used against the Kurdish region. Washington which has signed contracts for US weapons, equipment and training worth more than $12 billion with Baghdad considers Iraq to be its turf and it is unlikely taking the deal lightly.
The West’s conflict with Iran over its nuclear programme and its regional ambitions, which pitch Washington against Moscow, and fear of a broader anti-western alliance emerging in the Middle East is another key factor which Al-Maliki seems to have ignored.
And yet international struggle for control of the newly discovered oil wealth in Kurdistan remains a tremendous challenge to Al-Maliki’s government.
From the perspective of realpolitik, Al-Maliki seemed to have signed the weapons deal with Russia without doing his homework, and the turnaround could be a useful time-out for second thoughts.

                                            في الصميم
                       تحليلات ومتابعات
     ينبغي العمل بجد لجعل الفساد في العراق جريمة ضد الانسانية وجريمة ابادة جماعية
                                                          صلاح النصراوي
يكثر بعض المسؤولين والسياسين العراقيين هذه الايام الكلام عن الفساد ويتحدثون احياناً بالاسماء او المناصب عن سرقات ونهب لاموال الدولة او رشى تحصل بها زملائهم من اعمال وصفقات تجارية او مقاولات وغيرها كما يغمزون احياناً في تصريحات وبيانات اخرى من قنوات قادة سياسيين بانهم مشاركين او متواطئين في الفساد.
معظم العراقيين لا يصدقون ما يسمعونه لانهم يعلمون من خلال التجربة العيانية المعاشة ان هؤلاء السياسين الذين يرفعون عقيرتهم بالكلام عن الفساد ليسوا اقل فسادا ممن يوجهون لهم سهامهم ان لم يكونوا اكثر تلوثاً بهذا الداء الذي جعل العراق ليس واحدا من اكثر دول العالم فسادا، كما تقول تقارير منظمة الشفافية العالمية، بل وايضا اكثر دولة فاسدة اقيمت على ارض الرافدين منذ ولادة الدولة فيها قبل خمسة الاف عاما.
في الايام الاخيرة انطلقت التصريحات عن الفساد في صفقة الاسلحة مع روسيا ولم يكن من بدأ الكلام سوى مستشار رئيس الوزراء ورئيس لجنة النزاهة البرلمانية ثم كرت السبحة وبدأت حناجر مسؤولين أخرين تصرخ بما تعرف او تهرف عن الصفقة ومن تورط فيها ومن تفاوض بشأنها ومن قبض العمولات منها.
قبلها بايام كانت الحناجر تتحدث عن الغاء البطاقة التموينية وتم تبادل الاتهامات ايضا حول ربما مليارت الدولارات التي تهدر في نظام توزيع المواد التموينة والتي تذهب الى جيوب مسؤولين وقيادات سياسية مرتبطين بشبكة هائلة من الفاسدين داخل مؤسسات الدولة وخارجها يعتاشون منذ سنين على نهب قوت الناس.
وقبل ذلك بقليل كان نفس المسؤولين يجترون الكلام عن فساد محافظ البنك المركزي وحفنة من موظفيه عن طريق التلاعب بمزاد البنك من العملات الصعبة واسعار الصرف وتبيض الاموال وغيرها من جرائم تتعلق بادارة النظام المالي والنقدي للبلد الذي يتحكم باكثر من مائة مليار دولار من واردات النفط سنويا.
هذه التصريحات ليست الا من باب ذر الرماد في العيون وتختفي ورائها مصالح سياسية واقتصادية وطائفية وهي مجرد اداة من ادوات الصراعات والابتزاز والحصول على نصيب من كعكعة اموال النفط الهائلة ولا تعكس اية نوايا حقيقية للمحاسبة او مقاومة هذا الداء العضال.
السياسيون الذين يزعقون بالكلام عن الفساد معرفون انفسهم بتورطهم هم ورفاقهم في الجماعات والاحزاب التي ينتمون اليها في فساد مواز او اعظم ويقفون ضد اية محاولة حقيقية من الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني لكشف الفساد وجلب المفسدين امام القضاء.
لجان النزاهة والقضاء اخفقت في وقف هذا السيل العارم من الفساد والشبهات تحوم حولها في حين ان هناك ايضا من اقام واجهات اعلامية بحجة مواجهة الفساد معروف ان من يقف ورائها يستخدمها كأداة للابتزاز والارتزاق.
المؤسف ان المرجعيات الدينية لا تقوم بدورها المنوط بها في محاربة الفساد والمفسدين في الارض ووقفه بل ان هناك من يتستر باسم المرجعيات ويشارك بدوره في سرقة اموال المسلمين وارزاقهم.
الارقام التي تشير الى فساد المسؤولين العراقيين مهولة ولا يوازيها فساد في اي بلد في العالم نظرا لجسامة الموارد وانعدام الحكم الصالح العادل والرشيد وفقدان الشفافية والرقابة والمحاسبة.
الفساد في العراق يرتقي الى سلاح تدمير شامل يقوض اية فرصة لاعادة بناء الدولة والمجتمع بل يزيد من خرابهما مما يتطلب جهود استثنائية وافكار بارعة لمقاومته وايقافه فورا انقاذا للاجيال القادمة من مصير قاتم.
لابد من العمل فورا على دعم الحملة التي تدعو لجعل الفساد جريمة ترتقي الى مصاف الجرائم ضد الانسانية وحتى جرائم الابادة الجماعية لانها بالفعل كذلك بل ان نتائجها البشعة تفوق بكثير نتائج انتهاكات حقوق الانسان المعروفة او حتى اي مذبحة ترتكب في سياق الحروب والصراعات.
ان معظم الاموال المنهوبة اصبحت خارج العراق وينبغي ملاحقتها وملاحقة سراقها ومن يعاونهم في ذلك من اشخاص ومؤسسات واجهزة ودول وجلبهم امام القضاء واسترداد الاموال المنهوبة لاعادة استثمارها في بناء البلد المدمر وهي مهمة منوطة بالعراقيين اينما كانوا، ومهما طال الزمن.
                                          صفوة القول (13)
                      مختارات من اراء وقضايا
                                   هل دقت ساعة العمل العربي في العراق؟
                                                                         صلاح النصراوي
نشر ت في الحياة في  21 -10-2005

في المرحلة السابقة على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق لإسقاط نظام صدام حسين، كان واضحاً لكل صاحب بصيرة أن التغيير الذي سيحدث في بغداد سيضع كامل المنطقة على أعتاب عصر جديد. عصر سيطلق معه عملية تغير شاملة في المنطقة، ربما سيتجاوز دوره هزها وتغيير كثير من القديم السائدة فيها من مفاهيم وأفكار وسياسات ونظم، إلى تحولات جذرية في خريطتها الجيوسياسية. وكان السؤال الذي يتردد بإلحاح هو ما الذي فعله العرب، دولاً وشعوباً وحكومات، استعداداً للتعامل مع المرحلة المقبلة بكل استحقاقاتها، بعيدا من الجعجعات التي ميّزت تعاملهم في قضايا كبيرة واجهتم خلال تاريخهم الحديث وعلى رأسها قضية فلسطين.
كان بديهياً أن أنظمة عربية كتلك، ستبدي تضامناً غير محدود مع نظيرها في بغداد، وهو الأمر الذي عبرت عنه قرارات الجامعة العربية ومؤتمراتها ومواقف أمينها العام عمرو موسى التي ظلت حتى آخر لحظة تقاوم عملية التغيير التي كانت أصبحت حينها أمراً محسوماً على أرض الواقع الدولي، بعدما ظلت سنوات طويلة مطلباً شعبياً عراقياً ملحاً. وإلى جانب التضامن القبلي المعهود بين الأنظمة العربية، كان واضحا أن لدى هذه الأنظمة هواجس حقيقية من الهزات الارتدادية لزلزال التغيير في بغداد كانت تدفع بها إلى إبداء ذلك الرفض القوي لعملية التغيير.
كانت هناك مخاوف من أن يؤدي تغيير النظام بتلك الطريقة العنيفة إلى تقسيم العراق إلى كيانات صغيرة على أسس دينية أو طائفية أو إثنية، ما سيثير تداعيات لا حصر لها على أوضاع مشابهة في الدول المجاورة. كان التخوف قائماً أيضاً من إمكان تدخل دور الجوار بما لها من امتدادات ومصالح، ما سيؤدي إلى مفاقمة الأمور ويستدعي تدخلات إقليمية مقابلة. ومن المخاوف الرئيسة الأخرى هو أن نظاماً جديداً في بغداد آت على ظهر الدبابات الأميركية، سيجعل العراق حليفاً استراتيجياً قوياً للولايات المتحدة في المنطقة ما سيعزز من هيمنتها فيها ويطلق يدها في شؤونها. كانت هناك مخاوف أيضا من تربص إسرائيل لترسيخ وجودها وقوتها في المنطقة، ما سيؤدي إلى تقويض ما تبقى من توازن هش لصالح إسرائيل، ويتيح للدولة العبرية فرض شروطها للتسوية النهائية على العرب والفلسطينيين.
ولعل أهم تلك المخاوف هي التي أتت من توقع انعكاسات التغيير الدرامي في بغداد وتداعياته على الأوضاع السياسية الداخلية في البلدان العربية، خصوصاً أنه ترافق مع هجمة أميركية على المنطقة تستهدف ثورة إصلاحية جذرية في بناها السياسية والثقافية.
ولكن على عادة العرب ظلت مخاوف أنظمتهم تعبر عن نفسها في مواقف إعلامية وبيانات ختامية لاجتماعات استعراضية، بينما عبر سدنة الشارع العربي عنها بمواقف هي مزيج من الجهل والانتهازية السياسية المشبعة بروح القبيلة وعصبيتها وهوجة الغوغاء وزعيقهم. وفي حمى هذه الجعجعة غاب الموقف السياسي الجدي الرشيد المسؤول عما يمكن عمله تجاه العراق، بينما بدأ كثير من هذه المخاوف التي راجت قبل الحرب يتعمق حين أفاق العرب على الزلزال العراقي وهو يحدث الكثير من الارتدادات في منطقة ميزاتها الأساسية أنها هشة، كثيرة العورات… وضعيفة المناعة.
كان طبيعياً إذن أن تصطدم رغبة العراقيين في التخلص من نظام مسخهم وجودياً، كما لم يفعل أي نظام أو حاكم من قبل، مع حاجة النظام العربي إلى الحفاظ على «ستاتيكيته» وخشيته من التغيير. ما لم يكن طبيعياً هو عدم رغبة العرب في التعامل مع حتمية التغير في العراق باعتباره حاجة عراقية ماسة وفقا لخيارات العراقيين أنفسهم وليس حاجات وإملاءات الآخرين، وعدم استعدادهم لقبول الوضع العراقي الجديد بكل تعقيداته التاريخية والسياسية والاجتماعية. على خلفية هذا التناقض الموضوعي جرت الأمور بين العراقيين، وعلى وجه الدقة معظمهم، وبين العرب مما خلق تلك الفجوة النفسية الشبيهة بين الفلسطينيين والعرب بعد الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948 حين اتهم الفلسطينيون العرب المهزومين بالخيانة والتواطؤ وبادلهم العرب الاتهام بالخيانة وبيع أراضيهم لليهود والهروب من بلدهم بدلاً من المقاومة والصمود.
بعد اكثر من عامين ونصف العام على التغيير في العراق وحال عدم الاستقرار التي أوجدها وحال التناقض بين العرب والعراقيين التي أطلقها، هناك الآن محاولة لبلورة «استراتيجية عربية» تجاه العراق، كما افصح اجتماع وزراء خارجية لجنة الجامعة العربية الخاصة بالعراق. هذه المحاولة تستحق أخذها بجدية فائقة من كلا الطرفين حتى لو جاءت متأخرة، وعلى رغم الألغام التي وضعت في طريقها قبل أن تبدأ. غير أن المؤكد أن فرص نجاحها سترتبط منذ البداية بضرورة المصارحة والمكاشفة والفهم المتبادل لمصالح كل طرف وواقعه وظروفه وتوافر النية المخلصة لإيجاد قواسم مشتركة مبنية على أساس العلاقات والأواصر التاريخية والمصالح الحالية والمستقبلية المشتركة. بغير ذلك فان هناك مخاطر حقيقية أن تأتي هذه «الاستراتيجية» بما لم يكن في حسبان واضعيها وتتحول إلى معول هدم يزيد من حجم الهوة، بل قد تضع المسمار الأخير في نعش العراق الموحد وما يربطه بعالمه العربي.
هناك بعض الأمور التي ينبغي على واضعي هذه «الاستراتيجية» أخذها في الاعتبار قبل أن يشرعوا في العمل.
أولاً: هل هذه «الاستراتيجية» هدف ومسعى عربي خالص جاء لتحقيق مصالح وغايات عربية – عراقية، أم أنها مجرد استجابة لحاجات أميركية آنية تهدف إلى إنقاذ المشروع الأميركي من الانهيار؟ ليس من الخطأ التنسيق مع الجانب الأميركي، فهو بالتالي القوة المحتلة للعراق والأكثر نفوذا في المنطقة العربية، لكن على هذه «الاستراتيجية» أن تتجنب الانزلاق إلى الخلط بينها وبين علاقة الدول المعنية مع الولايات المتحدة ذاتها، كما حصل في مجرى الصراع العربي – الإسرائيلي. وعليها أيضاً أن تنأى بنفسها عن الاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة، وبالذات المتعلقة بالدول المجاورة للعراق. بمعنى آخر يجب ألا تُستخدم هذه «الاستراتيجية» لعقد صفقات مع واشنطن على حساب العراق.
ثانياً: يجب أن يكون لهذه «الاستراتيجية»، طالما سميت كذلك، هدف واضح منذ البداية. فهل هي مجرد مبادرة نيات حسنة للمساعدة في تحقيق المصالحة الوطنية بين الأطراف العراقية المتناحرة أم أنها مسعى اشمل يهدف إلى إعادة ربط العراق بمحيطه العربي؟ ما هو مطلوب في هذه المرحلة هو خطة تحرك تدريجية مبنية على تحقيق أهداف معينة بأسلوب يجمع بين التواضع والموضوعية من دون ضجيج من الشعارات البراقة التي عادة ما تصحب مثل هذه المبادرات.
ثالثاً: يحب أن تقبل هذه «الاستراتيجية» الوضع العراقي كما هو عليه، أي انه بلد متعدد القوميات والأديان والطوائف، وألا تتجاهل هذه الحقيقة أو أثرها في النتائج السياسية المتحققة أو المرجوة. إن أي محاولة لإلباس «الاستراتيجية» العربية لباس الطهارة أو التعالي على حقائق الواقع سيؤدي إلى انفراطها وربما يقود إلى عكس النتائج المرجوة منها.
رابعاً: من الضروري أن يكون الدور العربي محايداً إلى أقصى درجات الحياد، وألا يظهر انحيازاً قومياً أو طائفياً إلى أي طرف من أطراف الصراع. إن «استراتيجية» قائمة على أساس الدفاع المطلق عن مصالح السنة العرب العراقيين أو تبني الأساليب المتشددة التي يطرحها بعضهم ستؤدي بالنتيجة إلى إثارة الشكوك والاتهامات من قبل الشيعة العرب والأكراد بالانحياز من قبل عالم عربي سني إلى أقرانه من العراقيين، ما لن يلحق الضرر بالمبادرة العربية فحسب، بلبمستقبل العلاقات العربية مع الأطراف العراقية الأخرى.
خامساً: هناك حاجة ماسة الى العديد من إجراءات بناء الثقة التي تساعد في إقناع العراقيين بأن هدف «الاستراتيجية» العربية هو مساعدتهم فعلاً، لا مجرد إضاعة الوقت بمبادرات ومشاريع وزيارات لا طائل من ورائها. ويأتي ضمن هذه الإجراءات العمل الجدي على مكافحة الإرهاب في العراق من خلال جهد حقيقي لضبط الحدود والضرب بشدة على الشبكات الإرهابية المغذية في الدول العربية، والمجاورة منها بشكل خاص، وتجفيف منابعه البشرية والمالية والفكرية، ومنع أي شكل من أشكال التحريض من خلال وسائل الإعلام العربية كافة، وإقامة المؤسسات التي تهدف إلى مواساة ومساعدة العراقيين من ضحايا الإرهاب.
سادساً: يجب التخلي عن النظرة الضيقة إلى العراق كونه مصدراً للصفقات المالية السريعة، وعدم استغلال الأوضاع المأسوية التي يمر بها لجني أرباح اقتصادية آنية على حساب النظرة بعيدة المدى. يجب أن يشعر العراقي بأن ما يقوم به العرب تجاهه مبني على أساس من الاحترام المتبادل والتكافؤ وتوازن المصالح، وليس مجرد توظيف المبادرات السياسية بهدف اغتنام الفرص لجني المكاسب المادية.
سابعاً: من الضروري أن يكون هناك وجود عربي حقيقي وفاعل في العراق على المستويات السياسية والديبلوماسية والثقافية، وأن تُتبع سياسة الباب المفتوح أمام كل ألوان الطيف العراقي لدخول الدول العربية في أطر الحوار وتبادل الأفكار في شكل حر وموضوعي، بما يغني معارف الطرفين عن بعضهما ويقرب بين مواقفهما. يجب أن تتخلى الدول العربية والجامعة العربية والشارع العربي عن الإصغاء إلى صوت واحد، وأن تصيخ السمع إلى مختلف الأصوات العراقية.
إذا كانت ساعة العمل العربي في العراق دقت فعلاً بعد طول انتظار وتردد، فإن في انتظار العرب جميعاً عملاً شاقاً لكي يكلل هذا العمل بالنجاح. علينا أن نرى أولاً إن كانت هناك حقاً استراتيجية حقيقية وأهداف جلية وخطط مفصلة للتحرك أم إنها مجرد كلام عام في هبة عشائرية، كما جرت العادة العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية. قديماً أراح بعض العرب ضمائرهم حين اتهموا الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم لليهود رداً على اتهام الفلسطينيين لهم بالتقاعس والتفريط، لكننا لم نسمع أحداً يسأل: ولماذا لم يشتر العرب تلك الأرض، وهم يملكون كل هذه الأموال التي تفوق ما لدى يهود العالم قاطبة؟ اليوم يواجه العرب سؤالاً اكثر حدة، بل اكثر بشاعة، لكنه مع الأسف سؤال المستقبل: كيف سيتعاملون مع الغالبية الساحقة من العراقيين، أي الشيعة والأكراد، بغض النظر عن الوجهة التي سيسير فيها العراق، هل باعتبارهم يهودا أم فلسطينيين؟
                                                  صفوة القول   (12)              
                                          مختارات من اراء وقضايا
                                     ضعوا العراق تحت الوصاية الدولية
                                                                                       صلاح النصراوي 
نشرت في الحياة 
11/10/06

هناك تقويم للحالة العراقية يوافق عليه أيضا بعض المسؤولين الاميركيين، ومن ضمنهم السفير في بغداد زلماي خليل زاد، بأن ما تبقى من هذه السنة ربما سيكون المنعطف الذي سيحسم مستقبل العراق في أن يتمكن من تجنب حرب أهلية مدمرة، وبالتالي أن يبقى كياناً موحداً، أو أن ينشطر إلى كيانات طائفية وعرقية متعددة. الأساس الذي يقوم عليه هذا التقويم هو أن الوضع على الأرض بعد ثلاثة أعوام ونصف عام من الاحتلال، سواء ما يتعلق بالمأزق الخانق الذي وصلت اليه العملية السياسية أو الفشل المرير الذي واجهته جهود فرض الأمن والاستقرار، هو على وشك أن يتحول إلى أمر واقع تتخندق فيه الأطراف المتصارعة في جزر طائفية وقومية تستحيل إزالتها من بحر الدم المتدفق في معظم نواحي العراق.
هذا يعني أن هناك فرصة أخيرة توفرها بعض الجهود المبذولة عراقياً وعربياً ودولياً لتحقيق وفاق وطني من خلال سلسلة لقاءات المصالحة المستندة إلى مبادرة رئيس الوزراء نوري المالكي وجهود الجامعة العربية ولقاء مكة للمرجعيات الدينية، إضافة إلى محاولات القوات الأميركية والحكومية مواجهة الميليشيات وجماعات العنف المسؤولة عن التدهور الامني المتنامي بخطط لم تحقق نجاحاً حتى الآن. إلا أن الإخفاق الذي لازم المسارين السياسي والأمني خلال الفترة السابقة لا يبشر بأية إمكانية حقيقية للوصول بالعراق إلى بر الأمان، مما يعني أن استنفاد هذه الجهود خلال الفترة القصيرة القادمة يعني انهيار العملية برمتها وافتقار الوضع الحالي ليس فقط إلى الإجماع الوطني العام بل أيضا الى الشرعية الداخلية والدولية لاستمراره.
المسؤول عن هذا الفشل ونتائجه المريعة المتوقعة هو الاحتلال الذي لا تزال أخطاؤه وسوء حساباته تتوالى حتى بعد الكارثة التي حلت بالعراق، وكذلك القوى العراقية، سواء من تمكن منها من الهيمنة على السلطة ومارس وصايته عليها أو تلك التي تنازعها عليها باستخدام العنف والإرهاب، إضافة إلى التدخلات اللامسؤولة والأنانية لدول الجوار التي ساعدت على الدفع باتجاه هذه النتيجة المأساوية. إن عجز هذه الأطراف عن وضع العراق على سكة الأمن والاستقرار وإعادة البناء معناه أنها غير مهيأة وغير قادرة على إدارة دفة الأمور، هذا إذا كانت راغبة فعلاً في الوصول بالعراق الى بر السلام. ويبقى التحدي الأكبر الذي سيواجه الجميع هو كيفية الخروج من هذا المأزق، إذا ما كان الأمر يتعلق حقيقة بالسعي لانتشال العراق من مصير مدلهم وإنقاذ العراقيين من محنتهم القاسية
بعد كل التجارب الفاشلة التي تمت منذ الاحتلال لإعادة بناء الدولة والمجتمع اللذين قام بتفكيكهما، لا بد من التفكير الجدي بخيارات وبدائل أخرى، تستفيد من تجارب تاريخية ناجحة جرت في مناطق عدة من العالم. ولأن من المشكوك فيه أن تمتلك الأطراف التي ساهمت في إيصال العراق إلى ما هو عليه الآن، البصيرة والحكمة والشجاعة للإقرار باخطائها، وستبقى متمسكة بمواقفها القديمة الرافضة لنهج التفكير المشترك، فقد حان الآوان كي يجري البحث عن عملية سياسية جديدة وتحت رعاية وإشراف دوليين. إن انخراط المجتمع الدولي في مشروع حقيقي وفاعل لإنقاذ العراق بقدر ما هو مسؤولية اخلاقية، فهو واجب سياسي وقانوني، يتحتم القيام به لتجنيب المنطقة والعالم تداعيات فظيعة ستعاني منها لو تحقق الكابوس الأسوأ وانهار العراق.
ولعل صيغة وضع العراق تحت وصاية دولية، قد تمثل مخرجا قانونيا وسياسيا موقتاً للمأزق العراقي، ريثما يتم وضع أسس جديدة لعملية إعادة بناء العراق المدمر تحافظ على كيانه وتوفر العدالة والمساواة لجميع مكوناته الدينية والقومية. عراقياً هناك حاجة لإعادة بناء الدولة والمجتمع والهوية الوطنية العراقية ضمن إطار نظام سياسي شرعي توافقي يحقق مصالح الجماعات المختلفة، ولم يعد ممكنا تحقيق هذا النظام وفق الصيغ الحالية، وبواسطة الجماعات المهيمنة. أميركياً، ومع تزايد ضغوط الفشل والتراجعات هناك حاجة لمخرج مشرف يمنع هزيمة قاتلة للولايات المتحدة. اما اقليمياً ودولياً، فهناك دوافع سياسية واستراتيجية تتعلق بالأمن والاستقرار، وبخاصة إزاء تنامي ظاهرة الارهاب، تفرض مشاركة فعالة من المجتمع الدولي في بناء عراق موحد ومستقر وآمن. بينما تبقى هناك أرضية قانونية لفرض الوصاية الدولية الموقتة على العراق توفرها قرارات مجلس الامن ذات الصلة بعملية احتلاله وكذلك ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنح الحق بفرض الوصاية الدولية تمكيناً لشعوب الأراضي المحتلة والدول الفاشلة من تحقيق مصيرها، وفق إرادتها، وليس إرادة المحتل، أو القوى التي يأتي بها إلى السلطة.
تنبع الحاجة إلى فرض الوصاية الدولية على العراق من الحاجة الى المحافظة على كيانه، وتوفير الحماية للعراقيين في أرواحهم وحقوقهم الإنسانية، ومصادر ثرواتهم التي عجزت سلطات الاحتلال والإدارة الحالية عن حمايتها، إضافة إلى ضرورة ضمان السلام والأمن الدوليين من احتمال امتداد النزاع إلى مناطق أخرى. ويوفر ميثاق الأمم المتحدة في فصوله 11 و12 و13 جوهر وروح القواعد القانونية اللازمة لنظام الوصاية وتحقيق الأهداف المرجوة منه، بغض النظر عن الدوافع الأصلية التي بني عليها نظام الوصاية الدولية، الذي يستثني الدول الأعضاء، مثلما الحالة العراقية، من الوقوع تحت وصاية الأمم المتحدة. فالحقيقة الساطعة أن الدولة العراقية غير موجودة حاليا على الأرض والحكومة التي تتمتع بسلطات السيادة غير فاعلة وغير قادرة على ممارستها، لا لحماية أرواح وممتلكات شعبها، ولا لحماية ثرواته الوطنية مما يضع العراق فعلياً تحت شروط وضع الوصاية، كما جاءت في الميثاق بهدف توفير الأمن والاستقرار، وتحقيق المصالحة الوطنية، وبدء عملية إعادة البناء على أسس من الشرعية والاستقلال الحقيقي.
لقد ارتكبت أخطاء فظيعة منذ بداية الاحتلال حالت دون إيجاد الصيغة المناسبة لإعادة بناء الدولة ولإدارتها بما يحفظ وحدتها وتطلعات مكوناتها الطائفية والقومية المتعددة وفق صيغة تدعم الهوية الوطنية وتصالح بين توقعات ومصالح هذه المكونات. وبدلا من ذلك تعزز الشرخ الطائفي وتحول إلى صراع دموي وأصبحت مدن العراق دويلات تتحكم فيها الميليشيات وجماعات العنف، وانفرط عقد الدولة التي استبيحت هيبتها وسلطتها، وانهار السلم الاجتماعي، وعاث الفساد الذي جاء بأقل الناس كفاءة لإدارة السلطة الجديدة، التي هيمنت على موارد الدولة الطبيعية، وبخاصة النفط. والأهم من كل ذلك قضى الفساد على الحقوق الأساسية للإنسان العراقي، الذي أصبح يقتل لأسباب تتعلق بدينه ومذهبه وأفكاره، أو حتى من دون سبب، وترمى جثته في مياه الأنهار أو فوق أكوام القمامة. إن مثل هذا الواقع المرير لا يمنح شرعية لأية حكومة ولأية عملية سياسية، مهما ادعت انها جاءت كي تنقذ العراق من نظام استبدادي دموي، وأنها أتت على أساس انتخابات ودستور.
إن هدف الوصاية الموقتة يجب أن يكون واضحاً ومحدداً منذ البداية، وهو تحقيق الأمن والاستقرار بالطريقة التي تمهد لإطلاق عملية سياسية جديدة، هدفها النهائي إعادة بناء الدولة في العراق بطريقة سليمة، وإنهاء الاحتلال أو الوجود الأجنبي بكل صوره. هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق لا بالوسائل ولا بالقوى المهيمنة على المشهد السياسي حالياً، وعلى رأسها الاحتلال نفسه والإدارة العراقية والجماعات المعارضة لها، التي ساهمت جميعاً في الوصول إلى هذه النتيجة المروعة. لا بد إذن من إدارة دولية تمتلك تفويضاً لفرض السلام والأمن، وتبدأ عملية سياسية قائمة على مشروع وطني بقوى سياسية واجتماعية ترتكز على مشروعية تمثيلها للقوى الحية في المجتمع، لا على ميليشيات أو جماعات إرهابية أو دعم خارجي.
ومع هذا فليست الوصاية الدولية وصفة سحرية لعلاج الوضع العراقي المعقد، بل هي مجرد مقاربة جادة لم تختبر، وفرصة لم تنتهز، وحسنتها الوحيدة أنها جربت ونجحت في مناطق مشابهة كثيرة في العالم، اتيح للسكان فيها ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم بحرية، من دون ضغوط أو هيمنة أو تضليل وبلا إرهاب وترويع. أستطيع القول بثقة إن العراقيين لم يتح لهم أن يجربوا بحرية الخيارات الحقيقية التي تمكنهم من الاختيار، وأنهم خضعوا بسبب سياسات الاحتلال وتجاربه المختبرية إلى عمليات غسل دماغ وتهييج وتلاعب وخداع مورست من فوق المنابر بعناوين شتى منها الديموقراطية أو كليشيهات المقاومة، مما يستوجب إتاحة المجال أماهم لاختبار قدراتهم الحقيقية، بعيدا عن أولئك الذين تكلموا باسمهم طيلة الفترة الماضية وخاضوا مغامرات السيطرة على السلطة من دون إنجاز حقيقي.
أدرك مشاعر الإحساس بالعجز والإحباط وربما بالمهانة الوطنية التي يمكن أن تأتي من فكرة وضع العراق تحت نظام للوصاية الدولية طالما ارتبط بعهود الاستعمار البغيضة. لكن آن الأوان أولا للإقرار بالحقيقة المرة بأن جزءاً كبيراً من التدمير قد تحقق على أيدي العراقيين أنفسهم، وثانيا بتفحص اجتهادات أخرى لإنقاذ العراق من محنته عبر فتح القنوات التي أغلقها الاحتلال على العالم، كي يتحمل هذا العالم مسؤوليته أيضا في إصلاح الخراب الواقع. وأدرك أيضا أن الأمم المتحدة خذلت العراقيين مرات عدة خلال العقدين الماضيين بسبب خضوعها للهيمنة وفسادها وسوء إدارتها، مما يثير الشكوك في قدرتها على إدارة وصاية دولية كفوءة على العراق. لكن التجربة أثبتت، مرة تلو الأخرى، بأن التدخلات الدولية في شؤون الدول الفاشلة ستستمر وأن من المؤكد أن العراق، سواء بقي على حاله الآن، أو تقسم إلى دول وكيانات، سيكون محطة لهذه التدخلات، المشروعة منها وغير المشروعة. ولذلك سيكون من الأفضل حل المسألة العراقية عن طريق دولي ووفق مرجعيات القانون الدولي والضمانات التي يوفرها، حتى لو أضاف ذلك ندبة جديدة في الروح والجسد العراقيين، كجزء من متطلبات الصراع الذي يخوضونه من أجل البقاء.