( 16)
البحث عن النزاهة في كومة قش الفساد
من بين “الانجازات” التي طبلت لها سلطة الاحتلال الامريكي في العراق وزمرت هي تشكيل “مفوضية النزاهة” كمؤسسة وطنية تأخذ على عاتقها، حسب قرار تأسيسها الأمر رقم 55 الصادر عن “سلطة الإئتلاف المؤقتة”، القيام بـ” تنفيذ وتطبيق قوانين مكافحة الفساد وتحقيق معايير الخدمة العامة وذلك بهدف “خلق قيادة نزيهة وشفافة تتسم بالمسؤولية، والنزاهة، وتخضع للمحاسبة.”ورغم ان الدولة العراقية في العهود السابقة كانت تمتلك جهاز محاسبة وهو “ديوان الرقابة المالية” الا ان سلطة الاحتلال ارتأت تشكيل المفوضية والتي تحولت بعدئذ الى هيئة بسبب الحاجة، وفقا لقرار التأسيس الى “منع الفساد الذي استشرى في البلاد اثناء حكم البعث.”وفي ذات الوقت قامت سلطة الاحتلال بتعديل قانون “ديوان الرقابة المالية” بهدف تقنين العلاقة بين المؤسستين وتعزيز التعاون والتنسيق بينهما في مجال الرقابة على ادارة أموال الدولة.(1)
غير ان نظرة متأنية على حصيلة عقد ونصف من “حكم دولة علي بابا” تبين ان هذه الهيئة لم تكن فقط متواضعة في انجازاتها وانها فشلت في تحقيق مهماتها الموكلة اليها، بل انها اصبحت عبئا ثقيلا على جهود مكافحة الفساد، وفي حالات كثيرة وفرت الغطاء امام الفاسدين للافلات من المحاسبة والعقاب وفي استمرار، بل وتنامي وتيرة الفساد.فمنذ اليوم الأول لانشائها تعثر عمل المؤسسة بعد ان اصبحت لقمة سائغة بيد الاحزاب والجماعات السياسية التي هيمنت على عملها وادراتها بكل السبل والاشكال لكي يتم تطويعها ومنعها من القيام بواجباتها بالشكل الصحيح.ويكفي للتدليل على بدايتها المتعثرة ان رئيسين من رؤساء الهيئة وهما “راضي الراضي” ورحيم العكيلي” فرا من بغداد بعد اتهامات واتهامات مضادة بالفساد.(2)
في شهر تشرين الاول (اكتوبر) عام 2007 وبعد اسابيع من هروبه الى امريكا وقف الراضي امام لجنة من “مجلس النواب” الامريكي كانت تحقق في الفساد في العراق ليكشف ان هروبه جاء بعد ضغوط تعرض اليها من قبل رئيس الوزراء “نوري المالكي” لكي يتستر على قضايا فساد في ادارته.ما كشفه الراضي ان واحدا وثلاثين موظفا في هيئة النزاهة تم قتلهم خلال تلك الفترة فقط اضافة الى نحو اثني عشر شخصا من افراد عوائل موظفي آخرين.وبين الراضي في شهادته ان بعض من تم اغتيالهم تعرضوا لتعذيب وحشى على يد مختطفيهم الذين قاموا بقتلوهم فيما بعد.وخلص الراضي الذي كان تعرض لتهديدات ومحاولات اغتيال في شهادته بانه هرب من العراق بعد ان ادرك بان لا شيء يمكن ان يقف اما الفساد في العراق بعد اليوم.اما العكيلي فقد هرب الى اقليم كردستان وتم الحكم عليه بالسجن سبع سنين على خلفية مقال بدعوى التعدي على القضاء العراقي بعد كتابته مقالا عما دعاه بـ”تراجع الثقة” بالقضاء العراقي كما بقي ملاحقا على ذمة قضايا اخرى.(3)
ولم يكن رئيس الهيئة التالي “حسن الياسري” بمنأى عن الضغوط التي تعرضت لها الهيئة في الفترة التي تولى فيها المسؤولية في عهد “حيدر العبادي” حيث كشف في حديث لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عما يتعرض له من ضغوط بسبب عمله في محاربة الفساد التي دعته الى تقديم استقالته للعبادي التي رفضها بدوره.ووصف الياسري مهمته في محاربة الفساد كما ذكره بمثابة محاولة “افراغ مياه البحر بملعقة.”ولم تقتصر شكوى الياسري من التدخلات من الجهات العراقية، بل انه اشتكى من عدم تعاون البريطانيين، مثلا، مع مؤسسته لاسترداد المطلوبين العراقيين ممن يحمل الجنسية البريطانية واسترجاع الأموال التي سرقوها.(4)
ومع استمرار اتضاح الصورة البشعة لحجم الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة اصبح واضحا ايضا ان المؤسسة التي هلل لها الامريكان انها ستصبح الجهاز الذي سيحارب الفساد كانت عاجزة تماما عن القيام بواجباتها ومن ثم تحولت شيئا فشيئا الى جهاز يحمي الفساد ان لم يكن يشجع عليه ايضا بسبب فشلها في المحاسبة، والرقابة، وتحقيق النزاهة، في اداء مؤسسات الدولة، وتقديم المجرمين للعدالة، وعدم السماح لهم بالافلات من العقاب.ما انتهت اليه “هيئة النزاهة” هو اصدار تقارير دورية واطلاق التصريحات من قبل مسؤوليها عن نشاطات مفعمة بالأرقام عن قضايا وملفات وتحقيقات ومشاريع منجزة، او قيد الانجاز، لا هدف من ورائها سوى اثارة جو من الدعاية والترويج الاعلامي لعملها دون نتائج حقيقية ملموسة على الارض.(5)
هناك عوامل عديدة تقف وراء فشل هذه المؤسسة في اداء واجباتها من النواحي الفنية والاجرائية وتحولها الى آلة للجعجعة بلا طحين، لكن السبب الرئيسي هو خضوعها من البداية للجماعات السياسية الحاكمة وللضعغوط التي مارستها من اجل ان تكون اداة طيعة بيديها وفي خدمة اطماعها في الاستحواذ على ثروات البلد ونهب اموال الدولة وممتلكاتها.ويعود الفضل الى الصراعات السياسية والمماحكات بين الجماعات الحاكمة المتهمة اساسا بالفساد الى الكشف عن قضايا الرشاوي، والعمولات والسرقات وهدر الأموال العامة التي تفشل “هيئة النزاهة” حتى عن التحقيق فيها.(6)
وخلال كل الدورات الانتخابية لم تستطع الهيئة اجبار معظم قيادات الدولة والوزراء واعضاء البرلمان ورؤساء الأحزاب على الكشف عن ذممهم المالية، ناهيك عن التحقق من مصداقيتها، وهي مسؤولية اقرها الدستور، كما اناطتها بها القوانين الخاصة بعملها وغيرها من القوانين النافذة والتي تتطلب من الموظفين العموميين تقدديم الاقرارات عن الذمة المالية سنويا تشتمل بيان سبب ومصدر كل زيادة او نقصان عن الذمة المالية لصاحب الاقرار وزوجته واولاده القصر عما كانت عليه في الاقرار السابق.وتشير تقارير “هيئة النزاهة” السنوية الى امتناع اعداد كبيرة من المعنيين بالاقرار من تقديمه، الا انها مع ذلك لم تقدم دليلا طيلة كل هذه الفترة انها لاحقت الممتنعين بموجب القانون، او انها اعلنت اية نتائج عن التدقيق في الاقرارات ومطابقتها مع التقارير الرقابية الاخرى المتعلقة بالكسب غير المشروع والفساد في صفوف هؤلاء المسؤولين مما جعل من عملية كتابة الاقرارات عملية روتينية لا معنى لها.
ولم تقتصر الشكاوى الخاصة بالاقرار المالي على العراقيين، بل ان جهات دولية كـ”صندوق النقد الدولي” طالبت الحكومة العراقية بايلاء الموضوع الأهمية اللازمة نظرا لارتباط ذلك ببرنامج الاصلاح المالي والنقدي الذي كانت ترعاه.ووسط تزايد الانتقادات للهيئة والمطالبات المحلية والدولية بهذا الشأن فانها عزت عجزها عن ملاحقة الممتنعين عن تقديم اقرارات الذمة البرلمانية الى رفض البرلمان التصديق على قانون اقترحته لذلك.(7)
ولم تسلم “لجنة النزاهة البرلمانية” من الانتقادات عن تقاعسها في مواجهة الفساد، وبكون اعمالها مسيسة، وتخدم الصراعات الحزبية والفؤية بين الجماعات المشاركة في العملية السياسية.وخلال دورات البرلمان منذ تأسيسه تركز اغلب النقد على ان العديد من اعضاء اللجنة كانوا يعملون اما مخلب قط بيد قيادات الكتل والاحزاب، او انهم يستغلون مهامهم في ابتزاز المسؤولين والوزارات بملفات الفساد بغية الحصول على مكاسب ومنافع وخاصة من المقاولات الكبرى والعمولات الدسمة التي ترافق التوقيع على هذه المقاولات.وفي اسلوب يتلائم مع منهج المافيات والعصابات على الطريقة الشرقية كان يتم اللجؤ في اغلب الاحيان الى عضوات برلمانيات ممن يتمتعن بقدرات ملحوظة في الردح وفي البلطجة بغية استخدامهن في معارك وهمية ضد الخصوم الذين يراد ابتزازهم.وشكلت النائبة “عالية نصيف” نموذجا صارخا لهؤلاء الاعضاء الذين خاضوا قضايا قانونية ومحاكم وصراعات مفتوحة مع شخصيات وجماعات واجهوها هم ايضا باتهامات قاسية عن فسادها في مجالات عديدة.(8)
ووسط تلك الانتقادات ظل اعضاء “لجنة النزاهة البرلمانية” يدافعون عن انفسهم بمحاولة مستميتة وخاصة من خلال رمي الكرة الى داخل البرلمان نفسه واعتبروا ان اعضاء اللجنة يتعرضون لضغوطات حزبية وسياسية وعشائرية كلما تصدوا لملفات الفساد، او تم فتح ملف استجواب الوزراء وكبار المسؤولين لمنع اللجنة من إتمام عملية التحقيق والتدقيق والمحاسبة.(9)
ان اكثر ما يثير الإنتباه في قضايا الفساد ان اغلبها لم يقدم للقضاء اساسا وان العديد منها قد جرى معالجته بطريقة الصفقات السياسية والتجارية سمحت بالتالي للمتهمين من الافلات من المحاسبة والعقاب.وبالرغم من الجهود التي بذلت بالاستعانة بالأمم المتحدة وهيئات دولية مختلفة بغية تحقيق تعاون وتنسيق دولي لانفاذ القانون بحق المتهمين العراقيين الهاربين الى دول اجنبية ومكافحة الفساد، الا ان الافلات من العقاب ظل السمة السائدة في جرائم الفساد في العراق، مما يؤشر الى نجاح متلازمة الأبعاد الداخلية والخارجية في اجهاض جهود مقاومة الفاسدين.(10)
ان عشرات الأسماء لمدانيين في قضايا الفساد هربوا، او جرى تهريبهم للخارج، وتم تداول قضاياهم اعلاميا على نطاق واسع الا انهم ظلوا في منأى عن يد العدالة لاسباب عديدة منها امتناع الأجهزة الدولية والسلطات الأمنية المحلية في بعض الدول عن إعتقالهم وتسليمهم للعراق، وغالبا، لارتباط هؤلاء المدانيين بأجهزة سرية ومافيات دولية متنفذة.وعلى رأس القائمة التي تضم هؤلاء يأتي “حازم الشعلان” اول وزير دفاع في حكومة “دولة علي بابا” الذي اتهم بسرقة مئات الملايين من الدولارات من خلال صفقات الاسلحة و”زياد قطان” مسؤول المشتريات في الوزارة و”أيهم السامرائي” وزير الكهرباء الذي تم تهريبه من وسط سجنه في بغداد الى امريكا و”فلاح السوداني” وزير التجارة الذي هرب ايضا الى بريطانيا التي يحمل جنسيتها وغيرهم كثر.
وطرحت قضية المسؤولين المتهمين بالفساد والهاربين مسألة التجربة العراقية في استرداد الأموال المنهوبة على طاولة البحث والنقاش لسنوات عديدة كما اثارت صرخات احتجاج ودعوات للحكومة للعمل الجاد من اجل إسترداد هذه الأموال التي تبلغ بلايين الدولارات، وكذلك المتورطين فيها.الا ان الوقائع تشير الى عدم حصول “صندوق استرداد أموال العراق” المشكل بموجب القانون رقم 9 لسنة 2012 لدولار واحد مما يثير الكثير من الاسئلة عن مدى جدية الإجراءات التي قامت بها كل الجهات المسؤولة بدءاً من “هيئة النزاهة” و”ديوان الرقابة المالية” ومرورا بالقضاء وانتهاء بدائرة الإدعاء العام، وغيرها من الأجهزة المسؤولة.(11)
من المؤكد ان لا أحد يعرف على وجه الدقة كم هي الأموال العراقية المهربة لخارج، لكن حسب شهادة لعضوة برلمانية فان مجموعها بلغ حوالي 361 مليار دولار على مدى تلك الاعوام لم يتم إسترداد دولار واحد منها.كان من السهل قيام الحكومة او الجهات المعنية بتوكيل شركات محاماة ومحققين دوليين متخصصين والتعاون مع الأجهزة الدولية والوطنية المختصة لملاحقة المتهمين ومحاسبتهمـ لكنها لم تفعل ذلك مثلما عجزت عن حصر قضايا الفساد في المؤسسات وتدقيق حجم الأموال المهربة ومتابعتها.(12)
وتمثل قضية محافظ البصرة “ماجد النصراوي” نموذجا سافرا على مقدرة المسؤولين الفاسدين من الإفلات من المحاسبة، ليس فقط بسبب الإهمال وسؤ الإدارة والتسيب، وانما ايضا بسبب الغطاء والحماية اللتان توفرهما لهم قيادات الجماعات السياسية الشريكة لهما في الفساد.لقد تمكن النصراوي والذي يحمل الجنسية الأسترالية هو وعائلته من الهرب بعد اعتقال “جواد البزوني” رئيس مجلس المحافظة على خلفية قضايا فساد عديدة راجت اخبارها في البصرة كان ابطالها الحقيقيون هم قيادات الجماعات السياسية الحاكمة في بغداد التي استخدمت المسؤولين المحليين مجرد ادواة وغطاء للفساد والتربح من اموال الدولة.ان قضية النصراوي والبزوني كما كشفت الوقائع العديدة المنشورة تجاوزت كونها قضية فساد محلي في عقود الطاقة والإعمار الى قضية شبكات محلية ودولية متورطة في الفساد في العراق والتي تضم قيادات سياسية ورجال اعمال وشركات من دول عديدة.(13)
وفي الوقت الذي سجلت الكثير من قضايا الفساد ان المتورطين فيها كانوا ممن يحملون جنسيات دول كبرى، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، او انهم كانوا يحتمون بإجهزة المخابرات التي وفرت لهم فرص السرقة وفرص الهروب والوصول الى ملاذات آمنة لهم ولأموالهم، فان البعض الآخر من المتورطين بالفساد احتموا بالجماعات المتنفذة المسنودة من ايران ومن ايران نفسها للافلات من الحساب مقابل ابداء الولاء السياسي وتقديم خدمات اخرى.ان واحدة من اشهر هذه القضايا هي تلك المتعلقة بمحافظ صلاح الدين “احمد عبد الله الجبوري” (ابو مازن) الذي كان متهما بعدة قضيا فساد وعلى رأسها صرف 130 مليار دينار على مشاريع وهمية حيث تم الحكم عليه بعام واحد فقط بعد ضجة كبرى اثيرت بشأن الاموال التي كانت مخصصة لاعادة اعمار المحافظة اثر تحريرها من داعش.ومع ضئالة الحكم الذي صدر بحق ابو مازن الا انه تم اطلاق سراحه بعد فترة قصيرة جدا ولإسباب قيل انها تتعلق بتعاونه مع الحكومة والأحزاب الشيعية والحشد الشعبي، ولعلاقاته الخاصة التي نسجها مع ايران.(14)
ولم تكن تلك هي بطبيعة الحال اول حالة من نواعها يتم افلات فاسدين من العقاب بسبب العلاقات التي نسجوها مع الجماعات الشيعية وايران.ان ابرز تلك الحالات، ولعلها اكثرها خسئة ودناءة ،هي حالة “مشعان الجبوري” الذي كان له باع طويل في الفساد بدءاً من نشاطاته التجارية المريبة مع نظام “صدام حسين” وابنه عدي، ومرورا بمشاركته بالفرهود الكبير في مدينة الموصل اثناء الغزو الامريكي، وانتهاء بنهبه لملايين الدولارات بعد التحاقه بالجماعات التي تسنمت السلطة غداة الاحتلال.تم الحكم على مشعان عام 2007 بالسجن 15 عاما بتهم تتعلق بفساد مالي كبير تجاوزر الـ 200 مليار دينار في عقود وهمية في تغذية الجيش العراقي وحماية انابيب النفط ومصافي النفط في بيجي.لكن هذه القضية اسقطت بشكل مفاجئ عام 2012 وعاد مشعان ليمارس دوره في سوق السياسة في “دولة علي بابا” وينضم بعدها للبرلمان، على الرغم من ماضيه القريب ونشاطاته السياسية والإعلامية المضادة للحكومة، وتعاونه مع الجماعات الارهابية المختلفة من القاعدة الى تنظيمات ما سميت بالمقاومة خلال اتعس فترة مر بها العراق في سنوات الصراع الأهلي والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين.(15)
ان قصة مشعان ومعه العديد من وجوه الفترة اللاحقة للغزو الامريكي ونشؤ “دولة علي بابا” والذين تقلبوا في مواقفهم وانتمائاتهم درجات حادة ومرات عديدة تلخص بشكل وافي قصة الفساد في العراق في تلك المرحلة حيث اختلطت كل العوامل الداخلية والخارجية لكي تنتج هذه النماذج القميئة التي تصدرت المشهد العراقي منذ الغزو، واقامت شبكة علاقات نفعية ومصلحية اخطبوطية ضاربة عرض الحائط بكل القيم الوطنية، والانسانية، والشرائع السماوية، والقوانين النافذة لكي تنتج تلك الطبقة الفاسدة التي حكمت العراق وتحكمت بثرواته ومقدراته كل تلك السنين.فبعد هروبه من العراق عام 2007 اثر الاحكام التي صدرت بحقه اصبح مشعان مشروعا للمعارضة و”المقاومة” من خلال عمله مع الأطراف السنية المسلحة التي كانت تسمي نفسها بالمقاومة، وانهمك من خلال قناتي “الزوراء” و”الرأي” اللتان امتلكهما بالأموال المسروقة في واحدة من اكبر وابشع حملات التحريض الطائفية ضد الشيعة وممثليهم في السلطة والذين ظل طوال تلك الفترة لا يصفهم سوى بالصفويين والفرس والشيعة.ولم تسقط المحاكم العراقية تهم الفساد، وسرقة المال العام فقط، بل اسقطت كذلك تهم التعاون مع الارهابيين والتحريض الطائفي التي كانت قد وجهت له والتي كانت الادلة الأساسية عليها قائمة واكيدة من خلال برامج قناتيه التلفزيونيتيين التي كان يشاهدها الجميع.(16)
وفي غضون فترة قصيرة من اسقاط التهم عنه عاد مشعان ثانية للمشهد من خلال عضوية في البرلمان لكي يصبح هذه المرة واحدا من الوجوه الأكثر استماتة في الدفاع عن “دولة علي بابا”، ناقلا لسانه، الذي هو بندقيته، من موقع سب الشيعة وشتمهم الى موقع الحليف المساند الواقف معهم ضد الجماعات السياسية السنية المضادة.وبالتأكيد لم يكن كل ذلك ممكنا دون الضؤ الاخضر الذي اعطي له من قبل الجماعات الشيعية الحاكمة، ومن قبل ايران التي دأب على وصفها بالصفوية.وبطبيعة الحال فان الأمر ما كان لغزا كي يحتاج تفكيكه، بل كان مجرد صفقة بذيئة ابرمها “نوري المالكي” مع مشعان من خلال وسيطه “عزت الشابندر” والتي كانت تفاصيلها على كل لسان في بغداد.واذا كانت تلك مجرد عينة من عينات الصفقات التي تمثل فشل الهيئات الرقابية والقضاء في مواجهة الفساد فان شمول الفاسدين من الكبار والصغار وبالجملة بقانون العفو العام الذي صدر في بداية عام 2018 يجسد تماما صور التدني السياسي والاخلاقي الذي مارسته هذه الطغم الحاكمة، والتي تفسر الكثير من عوامل نشؤ وارتقاء “دولة علي بابا”.(17)
ويعتبر تشكل “اللجنة العليا لمكافحة الفساد” التي اعلن عنها رئيس الوزراء العبادي ضمن ما دعي بخطته الاصلاحية التي اطلقها في آب (اغسطس) 2015 اثر موجات الاحتجاجات على الفساد دليلا على الاقرار بفشل هيئة النزاهة والاجهزة القضائية في ملاحقة الفساد ووضع حد له.وكانت خطة الاصلاح تلك قد حددت خارطة طريق لهذه اللجنة للعمل وفق مبدأ (من اين لك هذا) ودعوة القضاء للتحقيق في مصادر الاثراء المشبوهة للاشخاص وهو ما لم يتم بعد اكثر من ثلاثة اعوام على انشاء تلك اللجنة العليا.لقد انظمت هذه اللجنة الى باقي المؤسسات الادارية والقضائية المعنية بالفساد التي عجزت عن ايقاف، او الحد من نمو هذه الآفة الخبيثة، ليس بسبب عدم توفر التشريعات القانونية اللازمة كما ادعى البعض، بل بسبب المناخ العام للفساد الذي اصبح البيئة الحاضنة للدولة العراقية بكل مؤسساتها وثقافتها وطريقة ادارتها لمؤسساتها والتي تحولت الى حلقة مغلقة من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، كسرها بالطرق التقليدية.
هوامش مراجع ومصادر الفصل السادس عشر
1-انظر:نص أمر سلطة الإئتلاف المؤقت رقم 55 على موقع هيئة النزاهة
http://nazaha.iq/pdf_up/1544/55.pdf
انظر كذلك:الأمر رقم 77 في مجموعة التشريعات التي اصدرتها سلطة الإئتلاف حالف المؤقتة
http://wiki.dorar-aliraq.net/iraqilaws/law/16413.html
2-انظر:”هروب رئيس هيئة النزاهة خارج العراق،4/9/2007
http://www.aljarida.com/ext/articles/print/1461357403100973100/
انظر ايضا:”استقالة رئيس هيئة النزاهة في العراق”، موقع البوابة، 9/9/2011
3-انظر:القاضي الراضي يدلي بشهادته عن الفساد في العراق”، موقع ذي نيشن، (بالانكليزية) 5/10/20017
https://www.thenation.com/article/judge-radhi-testifies-iraqi-corruption-gopers-attack-update
انظر ايضا:”السجن سبع سنوات لقاض إنتقد القضاء العراقي”، مرصد الحريات الصحفية: /12/2017
4-انظر:”حسن الياسري يطالب محاوريه البريطانيين بالإفراج عن أموال هُرّبت من العراق، صحيفة العرب، 5/10/2017
وانظر: المقابلة بالانكليزية نقلا عن لو فيغارو بالفرنسية:
5-انظر:”حملة مكافحة الفساد في العراق ربما تكون موجهة ضد الضحايا”، موقع ميدل اسيت اي، (بالانكليزية)، 15/8/2015
http://www.middleeasteye.net/columns/iraqs-struggle-slash-corruption-1269346759
انظرايضا:”النزاهة: إعادة ما بذمَّة 34 مسؤولاً سابقاً ضمن ملف استرداد أموال وممتلكات الدولة”، موقع شفق، 24/10/2017
http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/0e50f786-5ca4-4e01-86af-0020aa158ec8
6-انظر:”بغداد: لجنة النزاهة البرلمانية تتهم كتلاً سياسية بالحيلولة دون محاسبة المسؤولين الفاسدين، جرية الحياة، 29/10/2013
http://www.alhayat.com/Details/566615
7-انظر:”العراق: خطاب النوايا، ومذكرة السياسات االقتصادية والمالية، ومذكرة التفاهم الفنية بين العراق وصندوق النقد الدولي”، 22/ 12/ 2015
https://www.imf.org/external/np/loi/2015/IRQ/ara/122215a.pdf
انظر ايضا:”الفضيلة: فشل البرلمان بإقرار قانون مساءلة المسؤولين المتخلفين عن كشف ذممهم المالية مخيب للآمال، وكالة انباء العراق،
http://www.al-iraqnews.com/news/newwss/political-news/98379-%D9%88%D8%A7%D8%B9
8-انظر:”السلوك السياسي لبعض البرلمانيات العراقيات.. من يضمن للعراق وللعالـم المطالب بأن يعمّر المناطق المدمرة ألاّ تعود القاعدة وداعش ولكن بأسماء أخرى؟
شهاب احمد، صحيفة البينية، 14/2/2016
9-انظر:”لجنة النزاهة: مكافحة الفساد من قبل البرلمان ليست إلا أكذوبة”، موقع بغداد بوست، 28/8/2017
http://www.thebaghdadpost.com/ar/story/46050/%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-
10-انظر:”الامم المتحدة تقول انها ستساعد العراق في مكافحة الفساد المتعاظم”، وكالة انباء رويترز، 11/8/2016
11-انظر:”القضاء العراقي يصدر مذكرات لاسترداد الأموال المهربة وإعادة المطلوبين في قضايا فساد من الخارج”، جريدة القدس العربي ، 30/4/2016
http://www.alquds.co.uk/?p=525961
انظر: “العبايجي :361 مليار دولار الاموال التي هربت خارج العراق ، موقع الموقف، 27/11/2017
http://www.al-mawqif.com/75103
انظر: جعفر: “العبادي” جمع قاعدة معلومات عن الأموال المهربة خارج العراق”، موقع انا العراق، 22/11/2017
http://iamiraq.com/2017/11/22/%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3/
13-انظر:”محافظ البصرة ماجد النصراوي يغادر العراق بعد استقالته ويكشف حقائق جديد”، موقع المستقلة، 11/8/2017
/
انظر ايضا:”ماجد النصراوي:عصابة من حزب الدعوة هي من تتحكم بالبصرة بالتعاون مع ؟؟”، موقع البغدادية 9/7/2017
https://elbaghdadia.com/xoemyv9frlkd
14-انظر:”بالوثيقة: ابو مازن يسرق 130 مليار ويأخذ سنة مخففة”، موقع الفرات الاخباري، 21/9/2017
http://www.faceiraq.net/inews.php?id=5869547
15-انظر:”مشعان الجبوري يعترف: أنا وكل ساسة العراق فاسدون، قال إنه أخذ رشوة بملايين الدولارات لإغلاق ملفات تتعلق بالفساد”، موقع العربية، 31/1/2016
16-انظر:”مشعان الجبوري يؤكد أن القضاء اسقط تهم الارهاب ضده ويبدي دعمه الكامل لفصل العراق عن الكرد”، موقع قناة السومرية، 22/3/2012
http://www.alsumaria.tv/mobile/news/53996/iraq-news
17-انظر:هيئة النزاهة ترفض شمول جرائم الفساد باحكام قانون العفو العام،موقع ان ار تي الاخباري، بلا تاريخ
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=27109