دولة علي بابا

 

cover 5 

(5)

 

                                   وللفساد تأصيل شرعي

 

 

في زياراتي العديدة لمكاتب وبيوت قيادات المعارضة الاسلامية العراقية لنظام صدام حسين في دمشق وبيروت ولندن وغيرها من مدن المنافى والشتات قبل الغزو الامريكي كنت انتبه دائما الى لوحة متميزة غالبا ما تتوسط الجدران، او الطاولات، نقشت عليها آية قرأنية تقول “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ”.كانت تلك الآية الخامسة من “سورة القصص” تزين ايضا بعض المطبوعات التي يصدرها الاسلاميون كما تأتي عادة في خطاباتهم في المناسبات المختلفة.كنت شخصيا قد التفت الى المغزى السياسي لتلك الآية عند الاسلاميين عندما قرأتها في كتاب “الحكومة الاسلامية” لآية الله روح الله الخميني الذي صدر قبل الثورة الاسلامية بفترة وجيزة، وكان يبدو نوعا من مانفيستو لتلك الثورة التي قادها الزعيم الديني الايراني عام 1978 وتكللت بعودته لكي يؤسس للجمهورية الإسلامية بعد عام من ذلك.ولذلك لم يكن غريبا بالنسبة لي ان يكون لتلك الآية الكريمة هذا الاستخدام الواسع في آلة الدعاية لدى هذه الأحزاب الدينية، ولكن ما لم اكن على دراية به هو التفسير الباطني الذي تأتي به هذه الجماعات والتي تجعل من الآية القرأنية التي يقول المفسرون انها نزلت في فرعون وآل اسرائيل لكي تصبح قانونا من قوانين مسعى وصول الاسلام السياسي الشيعي الى السلطة وطريقة ادارتها بعد ذلك.في تفسير هذه الأحزاب للآية اصبح فرعون هو كل حاكم ظالم للشيعة، في حين أصبحوا هم آل اسرائيل المظلومين.(1) 

وبغض النظر عن التأويلات التي تطورت كنظرية عقائدية للحكم لدى الجماعات الاسلامية الشيعية فان الأمر أصبح المبدأ الذي على ضوئه تم صياغة القواعد الشرعية لكل جوانب الحكم والتشريع في “دولة علي بابا” التي يتولى قيادة حكومتها المركزية، وإدارة اغلب محافظاتها الجماعات السياسية الاسلامية الشيعية، ومنها الموقف الشرعي من قضايا  الفساد، ونهب المال العام، والرشاوي، والابتزاز، والسرقة، وغير ذلك مما عالجته ابواب الشريعة الاسلامية المختلفة.واذا كان الفساد ظاهرة سياسية واخلاقية بشرية عابرة للأديان والمذاهب والمعتقدات فان التساؤل بشأن الموقف العقدي والفقهي لهذه الجماعات حول الموضوع يبقى جوهرياً طالما انها تؤسس شرعيتها على اساس ديني ومذهبي، كما انها تطرح مشروعها الاسلامي الذي يستوجب ان يكون لمماراسات السلطة فيه تأصيل شرعي محكم.

في البداية لا بد من القول ان الاسلام وقف موقفا حديا من الفساد الذي اعتبره بكل أشكاله من الكبائر، وحفل القرأن الكريم بتحذيرات عديدة للمؤمنين من مغبة الوقوع في براثنه، كما توعد مرتكبيه بعذاب الدنيا والآخرة والطرد من رحمة الباري ومن بركاته.بل وفي عبارات قاطعة حذر القرأن الكريم ممن يحاول ان يغطي على فساده بالادعاء والكذب كما ورد في سورة البقرة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ.اَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).وترسخت في العقيدة ان الفساد من الرذائل التي ينبغي على المسلم تجنبها كما شرع بتجريمها ووضع لها العقوبات الرادعة بشكليها الإلهي في الآخرة والدنيوي.اذ بينما يحفل القرأن بالكثير من الآيات التي تنذر الفاسدين وتضع أفعالهم في الآخرة موضع الموبقات فان جزائهم في الدنيا كان اشد وضوحا.ففي القرأن يقول تعالى (إنما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسعَونَ في الأرضِ فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرضِ ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم-المائدة). 

لكن من الواضح ان التفسيرات الفقهية ذهبت بعد ذلك مذاهب شتى بشأن الفساد ومعانيه، حيث تباينت التؤيلات والاجتهادات التي ينسب بعضها الى الأحاديث النبوية وبعضها الآخر الى رؤيا الخلفاء الراشدين والصحابة والفقهاء.واذا كان الفساد في معناه المعاصر أكثر شمولية مما ورد في النصوص القديمة فان هذه النصوص اخذته بالمعنى الضيق بإعتباره سرقة للمال، كما ميزت بين السرقة التي جاءت عقوباتها واضحة بالإسم والتعين، وبين سرقة المال العام.اذ يبدو في بعض المصادر ان الاجتهاد قد طال سرقات المال العام بالتخفيف من العقوبات، او الحدود، المفروضة على السرقة، باعتبار ان النصوص لم تحدد ذلك بالإسم، وايضا تحت ذريعة انه مال عام مشاع وللناس نصيب منه، وهي نظريات استغلها الفاسدون والمفسدون عبر التاريخ الإسلامي.

واذا ما كان يعنينا هنا بالدرجة الأولى هو موقف الجماعات الشيعية في العراق من مسألة الفساد، فان الأمر يبدو حتى لغير اهل الاختصاص ان فقهاء الشيعة لم يهتموا كثيرا بهذه المسألة حيث تكاد كتبهم ورسائل المجتهدين تخلوا من ابواب خاصة باظهار الأحكام بشأن الفساد بانواعه المالي والاقتصادي والاداري، وبالذات نهب الأموال العامة، وسؤ استخدامها، وعدم المحافظة عليها.صحيح ان البعض من الفقهاء تناول قضايا الرشوة المعنوية والمادية وحرمها من باب السحت الحرام، الا ان البعض الآخر اجازها، او احتاط بشأنها، اذا ما كانت، حسب قولهم، في “مورد الحاجة”، وهو تفسير او بالاحرى فتوى اباحة شاذة وغريبة، ربما توفر لنا تفسيرا لما يجري في عراق اليوم.

ان اكثر ما نراه في التفسيرات الفقهية الشيعية الحديثة بشأن الفساد هو انه يدخل في باب “اكل المال بالباطل” (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ-البقرة) وهو مصطلح فقهي مستحدث يراد له ان يشمل النهي عن كل انواع الفساد، مع الإقرار ممن صكه ان بعض المفاسد المالية والاقتصادية ليست لها عقوبة دنيوية في الاسلام، وانما من الاعمال التي تترتب عليها عقوبات آخروية فقط.

ان جزءا اساسيا من هذا الموقف الشرعي الشيعي من مالية الدولة والعلاقة بينها وبين الناس، يعود في ما اظن، الى جوهر النظرية الشيعية المتعلقة بالامامة وايامانهم ان السلطة في العالم الاسلامي السني كانت مغتصبة من قبل الحكام من صاحبها الاصلي، اي الامام الغائب وورثته.اذ ما دامت الدولة تحكم من قبل سلطة مغتصبة فلا حدود ولا تعزير فيها لانها ليست اسلامية، وتفتقد للشرعية، ولربما اعتبر البعض من فقائهم ايضا ان اموال الدولة (غير شرعية لانها ليست دولة الامام) انفالاً، والتي يعرفها آية الله السيد محمد محمد صادق الصدر بانها “كل ما كان ملكا للامام من اموال.”(2)

غير ان جماعات الإسلام السياسي الشيعي ذهبت بعيدا في غلوها في الموقف من استحلال اموال “المخالفين” ففي حادثة بليغة الدلالة يروي الكاتب الاسلامي العراقي “عبد الجبار الرفاعي” الذي عمل في صفوف المعارضة الاسلامية في ايران ضد نظام صدام بانه جادل بعض رفاقه في احد الأحزاب الذين كانوا يقومون بتزوير العملة العراقية وتهريبها الى داخل العراق يومذاك بان ما يقومون به يساهم في تدمير الاقتصاد العراقي، الذي كان تحت الحصار، كما يضر بالانسان العراقي، وليس بنظام صدام، الا انه كان يواجه دائما بان لديهم فتوى شرعية تبيح لهم ذلك.ويصف الرفاعي تلك الفتوى بانها من نتاج “فقه لا اخلاقي تمقته شرائع السماء والارض.”(3)

واذا كانت تلك هي الفلسفة المتعلقة بشكل الملكية في دولة غير الامام فان السؤال هو كيف تعاملت الجماعات الشيعية العراقية مع الدولة التي يقودونها ويتولون الحكم فيها منذ سقوط صدام.لا تتوفر هنا اجابات نظرية في مجالات الفقه والتشريع بشأن المفهوم الفقهي، او الموقف الشرعي، من مالية الدولة وهو موقف غريب لانه يطرح السؤال الأهم وهو موقف المرجعية الشيعية العليا من الدولة العراقية الحالية ومدى علاقاتها بدولة الامام المتصورة، او على الاقل، هل هي من وجهة النظر الشرعية دولة شيعية كي يستقيم تعامل الفرد الشيعي معها بما تمليه عليه عقيدته الامامية.ان عدم التحديد هنا يثير اشكالات بشأن الموقف الشرعي من التعامل مع الدولة، وبضمن ذلك ماليتها وقوانينها ومعاملاتها، وبطبيعة الحال، الموقف من الفساد باشكالة المختلفة، وخاصة نهب المال العام.

وخلاف المفهوم الفقهي، فان الكيفية التي تعاملت بها الحركات والقيادات الاسلامية السياسية الشيعية العراقية مع المال العام عمليا تكشف انها بشكل عام اعتبرت المال العام مالا سائبا ومباحا.فحتى قبل ان تتولى السلطة كانت الحركات الشيعية تنظر للدولة باعتبارها ارثا تستحقحه على نحو شرعي، كما جاء ذكره في المقدمة بشأن آية المستضعفين.في هذا السياق ايضا نجد ان هذه الجماعات قد لجأت عمليا الى التوسع المفرط في تفسيراتها الخاصة بشأن قضية توارث الملكية العامة، حيث استندت ضمنيا الى تشريعها الخاص بان الأرض ومن عليها هي ارث لهم في هذه الحياة وفقا لتفسيرهم للآية القرأنية “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون” حيث اعتبروا انفسهم دائما “الصالحون” الذين تخاطبهم تلك الآية.(4)

ولم يكن ممكنا ان تتوالى عمليات نهب مماثلة جرت للمال العام منذ بداية الاحتلال الامريكي الا بعد ان ضربت قيادات شيعية بارزة مثالا بنفسها على ذلك باستيلائها على مباني واراضي ومنشئات الدولة حين احتلت قصوراً وبيوتا تتبع ملكيتها رجالات نظام صدام، او الدولة، بحجج رد المظالم التي تعرضوا لها وبالتالي اباحوا استباحة المال العام ونهبه.ولقد شجع ذلك العامة من الناس على الاستيلاء على اراضي الدولة والتجاوز عليها بالبناء والبيع في واحدة من اكبر عمليات انتهاك للمال المال العام في تاريخ الدولة العراقية والتي تم تقنينها لاحقا من خلال قرارات حكومية اعترفت بالكثير من تلك التجاوزات رسميا.

يشكل استيلاء “السيد حسين الشامي”، المقرب من رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” و”حزب الدعوة الاسلامي” على مباني وارض “جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا” وسط بغداد نموذجا سافرا للفساد الذي تقوم به هذه الجماعات الدينية.وقصة هذه المنشأة التي تعود ملكيتها الى وزارة الدفاع وتحولت الى مؤسسة خاصة تحمل اسم “جامعة الامام الصادق” اصبحت موثقة بسبب الجدالات التي دارت بشأنها وكيفية تحويلها الى مؤسسة تدر ارباحاً هائلة لاصحابها الجدد والتي لم تنفع كل المحاولات الى اعادتها الى ملكية الدولة.ولم يحاول الشامي، وهو رجل دين معروف ، ان يبرر شرعياً كيفية استيلائه على المبانى، والارض الشاسعة التي تحيط بها، ومن ثم شراءه لها بسعر بخس ودون اجراءات سليمة، كعرضها في مزاد علني، او التقيد بالشفافية، مستغلا مركزه وعلاقاته مع السلطات الحاكمة، سوى وصفه للمشروع الذي اقامه بانه جامعة اسلامية.ولقد اضطر الشامي بعد اتساع دوي الفضيحة الى الاعلان انه اشترى المبنى المقام على ارض مساحتها تربو على دونم واحد او ما يربو على 2337 مترا مربعا، بمبلغ مليون دولار في حين ان التقديرات اشارت الى انه يستحق اكثر من 800 مليون دولار بسعر السوق العقاري يومئذ.(5)

وفي الوقت الذي شاعت فيه قصة جامعة البكر على نطاق واسع بسبب حجم الفساد الذي احاط بها وبسبب تسريب الوثائق الرسمية المتعلقة بها بعد الخلافات التي دبت بين الأطراف الحاكمة بشأنها فان قضايا فساد اخرى ومنها الأستيلاء على عقارات الدولة والمال العام تتعلق بشخصيات دينية وسياسية ظلت حديث الشارع العراقي طيلة كل هذه السنوات دون ان يجري اي تحقيق بشأنها او اجلاء الموقف الحكومي منها.ولم يقتصر الأمر على الاستيلاء على قصور ازلام صدام في بغداد، والتصرف بها كما ظل معروفا، بل امتدت عمليات النهب الى ممتلكات واراضي الدولة في العديد من المحافظات واستخدمت في ذلك اساليب غير قانونية، او ملتوية، لكنها جرت كلها تحت ذرائع “شرعية”، وفرتها لهم فتاويهم وتؤيلاتهم الفقهية الموضوعة خلافا للشريعة الاسلامية ولعقيدة أهل البيت الصحيحة.ولم يقتصر أمر الاستحلال على مجرد الاستيلاء على الأراضي والعقارات على اساس تسويغها انها ارث إلاهي مشاع، او انها من مخلفات النظام السابق، بل بمفهوم سرقة المال العام نفسه الذي اباحته الجماعات الحاكمة لنفسها ومارسته على اوسع نطاق، والى كل ما وصلت اليه اياديهم، على الرغم من انها اصبحت تمسك بالدولة وبمفاصلها المختلفة باعتبارها دولتها التي ورثتها بموجب فهمها للآية الكريمة.

وفي ما بدا درس مبكر في المحاصصة في عملية “النهب العام” للدولة استوعبته الأطراف الاخرى فقد قامت قوات الأحزاب الكردية بالمشاركة في غزوة الغنائم في الأيام الأولى للإحتلال بالهجوم على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية في المناطق والمدن الممتدة من شمال العراق الى داخل بغداد لنهب وسرقة كل ما وقع تحت ايديها من معدات ومن ممتلكات شملت مصانع وورش ومعسكرات وأسلحة بضمنها دبابات وسيارات حكومية والقيام بنقلها الى المدن الكردية الرئيسية.وعلى عكس الجماعات الشيعية، كان إهتمام القوى الكردية يتركز على  نهب الأموال المنقولة لانها كانت معنية بالدرجة الأولى بتدمير البنى التحتية للدولة العراقية التي كانت تنوي الإنفصال عنها، وليس إستملاك أراضي وعقارات في الجزء العربي من العراق. 

تلك كانت بداية رحلة الفساد التي شرعت فيها الجماعات السياسية الشيعية الحاكمة والتي اسست لـ”دولة علي بابا” لاحقا والتي حتى لو انها لم تكن قد جهرت وصرحت بهذا “الغطاء الشرعي” علنا، فانها عملت به ومارسته فعلا بل وسارت به الى منتهاه، كما انها عجزت عن ان ترفع هذا الغطاء عمن يمارسونه، وهو أمر كان سيحدث فرقا كبيرا، ولربما سيوقف تضخم الفساد الذي ترسخ، ثم تغول، ثم طغى حتى اصبح مضرب الأمثال في كل البلاد.ان قضية التأصيل الشرعي للفساد هي في جوهرها خدعة ووهم مارسته تلك الزمر للتضليل مثلما ما رسوا كل أساليب الخداع الاخرى بهدف تشكيل هياكل سياسية وعقائدية في محاولة تغير عقول العراقيين الشيعة وسلبهم قلوبهم وارواحهم.

لقد جرى كل ذلك بالضد من الموقف الشيعي المبدئي من الفساد المتمثل في المنهج العلوي الأصيل الذي جسدته دولة “علي بن ابي طالب” والذي حارب الفساد بكل انواعه قولا وفعلا، وبلا هوادة من اجل الاصلاح، وإقامة دولة العدل والحق والانصاف.واذا كانت آذان جماعات الفساد قد صمت عن سماع الرسالة العلوية التي تتشدق بها، فانها قد تعامت ايضا عن كل النداءات والمواقف التي جاءت على لسان أكبر مرجع للشيعة في العراق وهو “آية الله علي السيستاني” والتي واجهت محاولات “التأصيل الشرعي” للفساد التي سعى اليها أرباب “دولة علي بابا”.فخلال هذه الفترة اصدر السيستاني العديد من الفتاوي والأراء الفقهية والمناشدات بشأن وقف الفساد والتي حرم فيها عدة أمور مثل الرشوة وسرقة المال العام واستغلال الوظيفة العمومية كما ادان كل من اعتبر كل ذلك “رزقا حلالا” باعتباره، “توهما”، اي خداعا للنفس.وفي واحدة من المواقف الصارمة للسيستاني أزاء الفساد وصف المرجع الأعلى المفسدين والمتلاعبين بالمال العام  بأنهم “أسوأ من تنظيم داعش”، داعياً الى محاسبتهم بقوة القانون.(6)

واذا كان هناك من شيء تمثله مواقف السيستاني هذه، فانها ترسخ الرفض والقطيعة مع كل ما تمثله دولة الفساد واللصوصية التي حاول مقاوليها ان يظهروها وكأنها دولة عادلة يؤسسها الشيعة على انقاض دولة الجور الصدامية.ومع ذلك فالحقيقة هي ان الأمر لم يكن يتعلق دائما بالنظرة، او الرؤية، الشرعية، حول التعامل مع المال العام، وانما بطبيعة وخلفية الزمر التي كان من سؤ حظ العراق ان يكون على موعد معها لتولي زمام السلطة والمسؤولية فيه بعد سقوط صدام حسين.فلم يكن تمسح هذه الطغم بالتشيع سوى الغطاء الاديولوجي الذي استخدموه لتمرير مشروعهم الشيطاني لتدمير العراق.لكن نتيجة ذلك ايضا كانت تدمير البنية النفسية لدى الشيعة العراقيين حيث سعوا الى ترسيخ منهج جديد وهو ان الهوية الجمعية للشيعة تستند الى الهيمنة والقهر والسلطة، لا الاخلاق القرأنية والمحمدية ولا الى التقاليد والثقافة والقيم النبيلة التي قام عليها التشيع العلوي.لقد جلب هؤلاء بممارساتهم المشينة وبالتدليس على روح التشيع ومبادئه العارعلى الشيعة، في كل زمان ومكان.

لكن هذه الممارسات لا تشكل انتهاكا شرعيا لمبادئ الدين وجرائم اخلاقية في سياق حسابات الصواب والخطأ في قانون العلاقات الاجتماعية فقط بل هي ترسخ قواعد عرفية للتعامل مع موارد الدولة ومصادر ثرواتها وتمنح الرخصة لنهبها دون قيود وهو أمر يحطم اي اساس مادي لبناء الدولة مهما كانت هويتها سواء دينية او مدنية.ان احد تعريفات الدولة الحديثة هي وجود قوة مادية تقوم عليها اي وجود بنية اقتصادية قوية تقوم على قواعد تنظيمية وادارية واضحة تعتمد مبدء الكفاءة والتوزيع العادل للموارد.ودون ادنى شك فان دولة يقوم اقتصادها على مفهوم الاستلاب والاستحلال، اي قائم على “نمط نهبوي” هي دولة مستحيلة وهذا هو بالفعل معنى ان يكون العراق الجديد مجرد مغارة لللصوص وليس بدولة.

 

 

                        هوامش ومراجع ومصادر الفصل الخامس

 

1-انظر:”الإستكبار والإستضعاف في فكر الامام الخميني”، موقع الامام الخميني، 29/10/2013

http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n6594/%D8%B9%D9%84%D9%89_%D9%86%D9%87%D8%AC_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%DA%A9%D8%A8%D8%A7%D8%B1_%D9%88_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B6%D8%B9%D8%A7%D9%81_%D9%81%DB%8C_%D9%81%DA%A9%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%DB%8C%D9%86%DB%8C

2-انظر: “ما وراء الفقه”، اية الله السيد محمد محمد صادق الصدر، الجزءان الثالث والرابع، دار الاضواء، بيروت، 1995

3-انظر:”الاخلاق والمدونة الفقهية”، عبد الجبار الرفاعي، موقع مؤمنون بلا حدود،5/12/2017

http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87%D9%8A%D8%A9-5535

4-انظر:صورة الانبياء، 105 ، القرأن الكريم

5-انظر:” فساد اهل الدين!حسين الشامي يشتري جامعة البكر بمنشائتها بمليون دينار فقط!”، موقع العراق سنتر، 22/4/2011

http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=63333

 انظر كذلك:”ملفات فساد ضخمة في العراق، موقع قناة الجزيرة،22/9/2011

http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/39299D6F-D188-4DC4-A711-69432CAD261B.htm

6-انظر: “المرجع السيستاني: المفسدون والمتلاعبون بالمال العام أسوأ من داعش، راديو سوا بريس، 29/3/ 2015

https://www.radiosawa.com/a/iraq-corruption-al-sistani-najaf/268403.html

انظر فتوي لآية الله السيستاني تحرم الفساد الاداري واهدارالمال العام

موقع ٢٠٠٥/٣/٢٨

المصدر: وكالة الاخبار العراقية

https://www.sistani.org/arabic/in-news/927/

انظر إستفتاء حول الفساد الإداري

موقع مكتب سماحة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني

https://www.sistani.org/arabic/archive/276/

انظر:”السيد السيستاني: المال المأخوذ على غير وجه قانوني يجب إرجاعه لخزينة الدولة” موقع شفق نيوز ،9/3/2016

http://iraq.shafaqna.com/AR/28429

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *