البعض يراه هوسا قطريا!
صلاح النصراوى
الموقع الالكتروني الذي بث أخيرا ان قطر اشترت حصريا حقوق تنظيم جنازة ابرز رئيسة وزراء بريطانية البارونة ثاتشر في عاصمتها الدوحة, كان سيحقق سبقا صحفيا هائلا لولا أن المتابعين للمصدر يعرفون جيدا أنه موقع يجنح للسخرية السياسية كأسلوب للتعامل مع قضايا المنطقة رغم أن اكثر قضاياها هي فعليا من أنواع الكوميديا السوداء التي يجدر بعد مشاهدتها القول ان شر البلية ما يضحك.
قبل ذلك بأيام اثار مقدم البرامج الساخر باسم يوسف ضجة عندما حور نشيد الوطن الاكبر في حلقة من حلقات برنامجه والتي استهدف فيها قطر في تعبير يعكس استياء طيف واسع من المصريين مما يرونه من محاولات قطر في دس أنفها بشئون بلادهم واستغلال ظروفها الصعبة لاهداف مريبة.
وفي الحالتين تقف قطر, التي يراها المتشككون مجرد ظفر إبهام يبرز كنتوء علي ساحل الخليج العربي يتعملق امام رموز ذات دلالات كبري, مثل لندن وكاتدرائيتها الشهيرة سانت بول حيث سيسجي جثمان ثاتشر, في الحالة الأولي, في حين أنها وقفت في الثانية ازاء ايقونات خالدة في الوجدان الشعبي المصري كالوحدة العربية وجمال عبد الناصر, وبطبعية الحال مصر ذاتها.
في الواقع ان طموحات قطر مقارنة مع صغر حجمها كانت دوما موضع علامات استفهام واحيانا سخرية منذ اختط اميرها الحالي بعد توليه الحكم عام1995 لها هذا النهج الطموح.
واذا كان أكثر ما يروي يظل في خانة التنكيت فان ما هو موثق ان الرئيس السابق حسني مبارك لم يستطع أن يحبس احساسه بالازدراء حين زار عام2000 مبني تليفزيون الجزيرة, وهو رمز الدورالقطري الاشهر, حين تساءل كيف بإمكان علبة كبريت صغيرة أن تثير كل ذلك الضجيج.
لكن هل تستحق قطر فعلا كل هذه السخرية في حين تقف اليوم في الصف الاول من الدول التي تلعب ادوارا بارزة في السياسة والاقتصاد والاعلام والرياضة وغيرها من المجالات الحيوية بفضل تلك الاموال المهولة التي في حوزتها والتي تستثمرها في ميادين متعددة, أم أن الأمر ينطوي علي عدم استيعاب وسوء فهم من قبل المشككين للتغيرات في موازين القوي في المنطقة وللتطورات الدراماتيكية الجارية فيها؟.
بطبيعة الحال لا يمكن لقطر ان تتكلم عن مكونات جغرافية او تاريخية أو بشرية أو ثقافية أو ايديولوجية أو عسكرية, وغيرها من عوامل القوة والقيادة التقليدية, إلا أن مصادر القوي المتمثلة بثروتها من مليارات الطاقة والحيز الذي تدير به سياساتها الخارجية ربما لا يقل اهمية عن كل تلك المكونات, ان لم يكن اكثر اهمية في عصر العولمة والسماوات المفتوحة وتكنولوجيا المعلومات والتي تؤهلها كقوة ناعمة ان تكون شريكا في نادي الفاعلين الدوليين.
فقطر تضع نحو250 مليار دولار في استثمارات متنوعة تتوزع علي قارات العالم, هي الاضخم عالميا نسبة لسكانها, وبما ان وارداتها السنوية تزيد علي100 مليار دولار في بلد لا يتجاوز عدد سكانه ربع مليون نسمة الا قليلا ولن يكون بحاجة الي اي استثمارات كبيرة في البناء التحتي لسنوات طويلة, فلنا ان نتخيل حجم هذه الاستثمارات خلال الاعوام المقبلة.
وفي حين ان القيادة القطرية ترفض الربط عادة بين هذه الاستثمارات وسياسات المعونة السخية التي تتبعها وبين اي طموحات او اجندات فان شاشات الرادار لا يمكنها ان تخطئ في رصد الابعاد السياسية للدور القطري المتصاعد سواء في دعم اقتصاديات الدول الغربية المنهارة أو في ملفات اقليمية عديدة ومحاولاتها المستميتة لتولي دور قيادي في المنطقة, محل قوي تقليدية آفلة بعد ان تعرضت مراكزها للاهتزاز خلال العقد الأخير.
هذه المسألة بالذات هي التي تثير الكثير من الاسئلة بشأن السياسة الخارجية لقطر.هناك سؤالان هما الاكثر إلحاحا; اولهما لماذا تقوم قطر بكل ما تقوم به, وهل ينسجم ذلك مع حاجاتها الاساسية ومصالحها الوطنية من ناحية, ومتطلبات الأمن والاستقرار في الاقليم, من ناحية ثانية, في حين يتمادي البعض في السؤال عما اذا كانت تلك السياسة القطرية تعمل لمصالحها فقط ام وفق اجندة خفية تتناغم فيها مع مصالح قوي دولية واقليمية واهدافها.
أما السؤال الثاني فهو الي اي مدي نجحت قطر فعليا الي الآن في تحقيق أي من مرآبها او اشباع طموحاتها كي يكون ذلك معيارا حقيقيا للحكم علي فاعلية نهجها هذا, أم أن الأمر سيبقي في نطاق التجريب, او في حدود المغامرات التي لن توصلها الي نتائج فاعلة او حقيقية, عدا طبعا الارتدادات التي تتحق فعليا علي الأرض.
في الحقيقة ليس هناك اجابات شافية لهذه ولغيرها من الاسئلة في ظل غموض قطري بشأن أجندتها الخارجية كما يغيب اي تفسير مقنع عما تقوم به, سواء في ضوء حجم الاستثمارات القطرية المهول عالميا, او الدور المتزايد الذي تلعبه الدوحة في ملفات اقليمية بالغة الخطورة, في حين تلجأ القيادة القطرية هي ايضا كما يفعل مهندس هذه السياسة رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني بالرد الي طريقة لاتقل سخرية عن تلك التي يلجأ اليها منتقدو قطر.
ومع ذلك فان غياب, او بالاحري احجام قطر عن أن تطرح اطارا مرجعيا لسياستها الخارجية او اي رؤية نظرية لها لا يعني بأي حال من الاحوال أن ما تقوم به طلسم يستعصي علي الفهم والتحليل, فسلوكيات أي دولة ضمن أي نظام اقليمي أو دولي هي بالتالي التي تفسر سياساتها الخارجية, وليس بيانات او تصريحات قادتها التي لا تخرج عادة عن معسول الكلام.
وهناك عدة ملفات تتأبطها قطر الآن هي الأخطر في حاضر ومستقبل المنطقة, وخاصة بسبب ارتباطها بمواقف دولية واقليمية متشابكة, وهي الاسلام السياسي وعلاقاته بالثورات العربية وما يتفرع من ملفات وخاصة التمويل, القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي والنظام العربي المتمثل بالجامعة العربية, التي اصبحت فعليا تدار بريموت كونترول قطري.
إن السخرية السياسية التي تطال قطر لا تعبر عن استعلاء أو حسد أو غيره, بل هي موقف نقدي تجاه ما يراه البعض من هوس قطري بالادوار والمواقع والزعامات الوهمية ينبغي ألا تصم القيادة القطرية آذانها عنه, كما فعلت تلك الانظمة العربية التي عملت وتعمل قطر علي اسقاطها.