الصحفي ومعالي الوزير … انا وهوشيار زيباري (4)
صلاح النصراوي
في حين يركز “معالي وزير” الخارجية في مقاله في الاهرام ويكلي على غزوات وفتوحات وزارته في تمثيل مصالح العراق الوطنية يتجاهل تماما مثلما يفعل منذ سنين كل الاتهامات الموجهة اليها بالفساد وسؤ الادارة والفشل في صياغة سياسة خارجية فعالة ودبلوماسية قادرة.وبدلا عن ذلك فانه يطلق زخات رصاصاته اولا بعبارات مثل التحيز والاخطاء والتهيئات والتشكيك ثم يتحول الى رشقات المدافع الثقيلة فيمطر القراء باتهامات للكاتب بالفبركة واعادة انتاج الادعاءات المريضة القديمة والتضليل والقفز الى الاستنتاجات الساذجة والخيالية والخداع.
يالها من لغة دبلوماسية راقية تليق بالعراق الجديد، انتظر من “معالي الوزير” ان يرد بمثلها على مقال “العراق يعاني من فوضى سياسته الخارجية” في صحيفة الغاردين البريطانية الثلاثاء 16 تشرين الاول 2012.اليست الغاردين ايضا منارة للتنوير مثلما هي الاهرام وتستحق من معاليه عناية، ولربما زيارة مماثلة، ام انه يجوز ردع وتخويف والتنكيل بالصحفي والكاتب العراقي وليس بالاخرين.
أخذت وزارة الخارجية مثلها مثل باقي المؤسسات في العراق الجديد حيزا كبيرا من اهتمام العراقيون بقضايا الفساد، وخاصة المحاصصة والمحسوبية وانعدام الكفاءة في التعينات وفي شغل المناصب وسوء استخدام المال العام وغيرها من اوجه استغلال السلطة وكان اخر تلك القضايا ما افصحت عنه النائبة البرلمانية الكردية وعضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية الا الطالباني يوم 16 تشرين الاول عن ان “جميع المقبولين في معهد الخدمة الخارجية للدورة 27 للعام الحالي هم من أبناء المسؤولين في الحكومة لاسيما السفراء.”
هل بالامكان التشكيك بشهادة الطالباني وهي شاهدة من اهلها بامتياز حتى بافتراض ان هناك دوافع شخصية او سياسية وراء انتقاداتها المتكررة لوزارة الخارجية.
لم نسمع من “معالي الوزير” ردا على اتهام خطير كهذا وهو ان وزارة خارجية “العراق الجديد” مثلها مثل ذلك “العراق الجديد” نفسه مجرد ضيعة استولى عليها البعض ويريدون ان يورثوها للابناء وربما الاحفاد من بعدهم.
غير اني سأتجنب الان الخوض في قضايا الفساد المالي والاداري والاخلاقي في الجهاز الدبلوماسي العراقي وهي ما تزكم حتى الانوف العفنة واريد ان اعود الى ما اشرت اليه سابقا عن الممارسات التي ترتقي الى درجة الخيانة الوطنية رغم علمي بان الوطنية لم تعد مفردة مدرجة في قاموس العراقيين الجدد.
خلال السنوات التسع الماضية اطلعت وبحكم عملي في الصحافة الدولية في عواصم عديدة على نماذج مهولة من تلك الخيانات قام بها دبلوماسيون ومسؤولون عراقيون كانوا ينقلون فيها الى مسؤولين واجهزة رسمية اجنبية معلومات تتناقض كلية مع مهماتهم المكلفين بها وواجباتهم الرسمية والوطنية.ان بعض ما اطلعت عليه من وثائق ومنها تسجيلات صوتية ومحاضر اجتماعات كان يتجاوز النفاق والنميمة الى الاستعداء والتحريض السافر على الحكومة التي يمثلونها.
كم رأيت من وثائق ومحاضر عراقية رسمية مسربة الى الدول الاجنبية كان مصدرها دبلوماسيون عراقيون.
هل احتاج هنا الى الايضاح بان اي واحد من هؤلاء كان يمثل هنا الانتماء او المصلحة التي يختارها لنفسه غير الانتماء للعراق ومصالحه الوطنية.يمكن ان يتفهم المرء ان البعض يضع انتماءه الطائفي والاثني فوق كل اعتبار ولكن هل احتاج هنا للتساؤل عما اذا كان بعض الدبلوماسيين ومنهم سفراء يمثلون حقا العراق الجديد ام دولا اخرى يرتبطون بها بروابط عديدة.كيف سيتصرف السفير العراقي الذي قضى سنوات من عمره يعمل مع الامير الفلاني والشيخ العلاني او زيد من الدول وعمرو من الاجهزة حين يجلسون معا في مؤتمر او اجتماع دولي وتتباين مصالح العراق مع اجندات هؤلاء؟
في مقاله يرمي “معالي الوزير” قفاز التحدي ويطالب بادلة تثبت الفساد المستشري في وزارته.حسنا تلك هي مهمة لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية وهيئة النزاهة والقضاء في العراق الجديد.ولان هذه المؤسسات في غير وارد هذا الامر ليعمل “معالي الوزير” بقاعدة دفع الشبهات ويطلب بنفسه تحقيق شامل بكل اوضاع الوزارة السياسية والادارية والمالية منذ استلامه لها ولحد الان.واذا كان معالي الوزير حريصا على سمعته وتاريخه النضالي او انه يحمل المسؤولية لعملية المحاصصة وتدخلات الاخرين فبامكانه ان يتحدى كل منتقديه ويطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تتولى تلك المهمة.
طبيعي ان كل ذلك لن يحصل ابدا لكن حين يأتي يوم الحساب او حين تبدأ ويكيليكس العراقية عملها سيكتشف العراقيون ما مدى ما اصابهم من ضرر مس صميم حياتهم ومستقبل بلادهم جراء الفساد في وزارة الخارجية وتضارب المصالح فيها وفقدانها للفاعلية في السياسة الخارجية وانعدام المصداقية بالدبلوماسية العراقية لدى الدول والمنظمات في العالم.