الإعــــــــــــــــــلامــــي الدولـــــــــــــــــــي صــــلاح النصـــراوي لـ»الأخــــبار«:
العرب لا يتقنون التعامـــــــــل مع الإعلام الغربي ولا يسعون إلي فرض توازن يضمن مصالحهم
27/10/2011 11:29:28 م
toolbar AkhbarElyom
أجري الحوار : فوزي مخيمر
أكثر من ربع قرن أمضاها الاعلامي الدولي الكبير صلاح النصراوي، تنقل خلالها في منطقة الشرق الاوسط، لتغطية الكثير من الأحداث والثورات والانتفاضات الشعبية العربية، لواحدة من أكبر وكالات الانباء العالمية وهي وكالة الاسوشيتيدبرس الامريكية، أدرك خلالها أن معظم الانظمة العربية معنية فقط بالدفاع عن سياساتها لما تراه من نقد وهجوم عليها من قبل الاعلام الاجنبي، وهي تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يكون هناك تقرير عن انتهاكات حقوق الانسان لديها، ولكنها غير معنية بفهم آليات الصناعة الاعلامية ووظائفها الاساسية في الغرب.
وقال في حواره مع الأخبار: انا كنت شاهدا علي الثورة المصرية منذ ارهاصتها الاولي قبل سنوات ومقدماتها، وعشتها لحظة بلحظة، ومحصولها المعرفي منها غزير ولم يكن بوسعي أن أري أن تكتب وقائعها بطريقة مغايرة، وأن الثورات العربية كشفت أن هناك حاجة ملحة لاعادة تعريف لدور الصحافة والاعلام علي المستوي الوطني كي يتلاءم دوره مع حاجات التغيير والاصلاح والتحديث والمساعدة في تحقيق أهداف هذه الثورات في الحرية والديمقراطية والعدالة والشفافية، وأضاف: أنه رغم الاستشعار القوي لدي وكالات الانباء الدولية للاعلام الغربي، الا أن الاعلام الغربي فوجئ بثورة الشعب المصري السلمية وتوحد المصريين وموقف الجيش.، مما أذهل العالم.
< كيف تلخص رؤيتك للثورة المصرية؟
<< علي المستوي الشخصي تمنيت لو اننا كعراقيين نجحنا باسقاط صدام حسين بثورة شعبية كهذه وليس بالغزو الامريكي.
اعتقد ان التاريخ سيضع الثورة المصرية حين تكتمل في مكان بارز بين الثورات العالمية، قديمها وحديثها.وفي اطار الربيع العربي، وما يحصل في ليبيا وسوريا واليمن، فان سلمية الثورة وحماية الجيش لها وصمودها اذهلت العالم وسيجعلها النموذج الارقي الذي ستفخر الاجيال القادمة من المصريين ان بلادهم قدمته للعالم.
صلاح النصراوي شهد معنا وعايش الثورة المصرية، ومن قبلها الثورة التونسية منذ بدء الثوارات العربية والعديد وهو يري أن أجهزة الاعلام في المنطقة تشهد تحولات جذرية حتمتها ظروف هذه الثورات والمطالبات باعلام جديد يواكب التطورات الحاصلة في المنطقة.
< هل يمكن القول أن الثورات العربية كشفت عن أزمة في الاعلام؟
<< طبعا.. الاعلام في المنطقة في قلب الازمة والثورات العربية كشفت أن هناك حاجة ملحة لاعادة تعريف لدور الصحافة والاعلام علي المستوي الوطني كي يتلاءم دوره مع حاجات التغير والاصلاح والتحديث والمساعدة في تحقيق أهداف هذه الثورات في الحرية والديمقراطية والعدالة والشفافية.
علي مستوي الاعلام الدولي في المنطقة اتضحت الحاجة الي فهم أفضل للشرق الاوسط المعاصر.هذا الاعلام يشعراليوم بحرج من تنامي دور شبكة التواصل الاجتماعي حيث تنقل ما يقوله الناس بحرية مما أفقده دوره التقليدي الاحتكاري وهو يحاول اليوم اعادة انتاج ما تنقله الشبكة ووضعه في اطار رؤيته التحليلية.
< كيف تري الاعلام المصري في مرحلة ما بعد الثورة؟
<< أولا أعتقد أن جزءا من الاعلام ساهم في الثورة من خلال توجيه الاهتمام نحو قضايا الديمقراطية والحريات وكشف الفساد، ومن المبكر الحكم الان في اذا ما كان الاعلام المصري يواكب الثورة، أم لا، و أتمني أن تكون هذ مرحلة انتقالية في الصحافة والاعلام، سواء القومي أو الخاص أو الحزبي، اذ من المستحيل في عصر الثورة أن يتم التشبث بالوضع الراهن وتقديم نفس المحتوي القديم، والا فقد مصداقيته.
< ما المطلوب من الصحفي العربي في عهد الثورات؟
<< مهمته صعبة، فقدره في هذه اللحظة ان يقوم بدور اعلامي، ومؤرخ، ومستشرق، وعالم اجتماع، وسياسي، ومثقف وأديب، ومواطن في نفس الوقت.هي صعبة ولكن ليست مستحيلة، فالصحفي المعاصر أمامه ايضا مبتكرات ثورية في حقل الاتصالات بامكانه استخدامها في التوليد والابداع. مسئوليته ان يقدم اعلاما جديدا ومبتكرا يواكب الثورات ويدفعها الي امام.
< الاعلام الدولي يعبر عن مصالح دوله ومؤسساته النافذة؟
<< هذا صحيح .. الاعلام الدولي ذو امكانات كبيرة، ونفوذ واسع، ودور هائل ولدي العاملين فيه خبرات هائلة، ولكن السؤال هو ما فائدة كل ذلك لي؟كيف استفيد انا كعربي سواء من المدخلات او من المخرجات دون أكون ضحية أو أن أصبح مجرد أداة.
< هناك العشرات، ولربما المئات من العرب العاملين في الاعلام الدولي، هل هم مؤثرون سواء في مؤسساتهم أو في الرأي العام هناك؟
<< بدون وجودهم في مكاتب المؤسسات الصحفية سيكون من الصعب علي الاعلام الدولي العمل، هم عصب هذا العمل وقرون الاستشعار والبارومتر الحقيقي للاحداث، لكن أغلب ذلك هو في المدخلات، طبعا هناك دائما استثناءات فالعديد من الصحفيين والصحفيات العرب أثبتوا جدارة فائقة، كلما أتيحت لهم الفرصة أو انتزعوها، ولكن لم يصل ولا صحفي يحمل جنسية عربية الي مستوي الكبار، هناك البعض من حاملي الجنسية الاجنبية لا يزال يكابد، والجميع يتعثرون في الطريق.
< لماذا؟
<< ان جزءا من المشكلة هو أنك تنتمي الي عالم أخر، من العسير أن تجد لك مكانا خارجه مهما حاولت، يكفي ان يكون اسمك ليس جورج او ديفيد او بيل، بعض الصحفيين العرب غيروا أسماءهم الي أسماء غربية، وبعض الصحفيات المحجبات تخلين عن حجابهن، ومع ذلك لم يجد الامر.
< ما الذي يغري اذن الصحفيين العرب بالعمل في هذه المؤسسات؟
<< النية الطيبة أحيانا، الرغبة في التعلم والتدريب واكتساب الخبرات، وغالبا الرواتب العالية والمظهر، أو السمعة، أي “البرستيج” وهو “شو” أكثر من كونه حقيقة.
الاعلام الغربي متحيز؟
< دائما ما يتهم الاعلام الغربي بانه منحاز؟
<< الانحياز ميل طبيعي يتحكم فيه ارث تاريخي من الصراعات الحضارية والاستعمار ومصالح سياسية واقتصادية متجذرة، وبالتأكيد الصراع العربي الاسرائيلي.المشكلة في العرب اذن أنهم لا يتقنون التعامل مع هذا الاعلام ولا يسعون الي اقامة توازن يضمن لهم مصالحهم الحقيقية وليست الضيقة.
< كيف؟
<< الانظمة العربية معنية فقط بالدفاع عن سياساتها لما تراه من نقد وهجوم عليها من قبل الاعلام الاجنبي، وهي تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يكون هناك تقارير عن انتهاكات حقوق الانسان لديها، ولكنها غير معنية بفهم آليات الصناعة الاعلامية ووظائفها الاساسية في الغرب. الاعلام لا يقتصر علي الحيز السياسي وما يخص الانظمة، بل يطال قضايا حيوية في مجالات الثقافة والفكر والثقافة والواقع الاجتماعي. اسرائيل اقدر علي فهم هذه الاليات واستخدامها في فرض وجهة نظرها، حتي ايران تجبر الاعلام الدولي علي استخدام مصطلح الخليج الفارسي، مثلا.
< شهدت بعض اجهزة الاعلام ومنها عربية ودولية استقالات وتغيرات، بعضها طال قيادات مثل مدير عام الجزيرة وضاح خنفر، وانت ممن قدم استقالته مؤخرا فما دوافع ذلك؟ وهل هو تعبير عن ظاهرة أو أزمة في الاعلام في المنطقة أطلقتها الثوارت؟
<< لا أستطيع الحديث عن ظاهرة، ولكنها بالتأكيد شيء لافت للنظر، وهي كما يبدو تتسق مع حركة الربيع العربي والثورات والحاجة لتسليط الأضواء علي وضع الاعلام بكل أشكاله والذي يعاني أزمة بنيوية في كل جوانبه، ابتداء من طبيعة الملكية، مروراً بالادارة، وانتهاء بالمشكلات المهنية والسياسات التحريرية.الاعلام شأنه شأن أي شئ آخر لم يتحمل هول الصدمة وكشف أنه غير مؤهل علي التعامل مع الثورات وتبعاتها القادمة.
< ما هي اسباب الاستقالات، بنظرك؟
<< لا أستطيع الحديث عن الأسباب الخاصة بكل شخص أو حالة، لأن من المبكر أن يتكلم الاشخاص عن الدوافع الحقيقية الان، ولربما سنعرف منهم في المستقبل، ولكن كما قلت فان الوضع الجديد كشف عن تناقضات بين الحاجة لاعلام جديد يواكب الثورات وبين الواقع الذي ينحدر أحيانا ليكون ثورة مضادة يقودها الاعلام نفسه، أجهزة الاعلام لم تكن مهيئة للحدث الكبير لا مهنيا ولا سياسيا، ولعل البعض منها لا يزال في حالة صدمة، أو ذهول لا يعرف كيف يخرج منها، مما يعني أن الاعلام نفسه بحاجة الي ثورة.
< الجزيرة كانت أبرز هذه الاجهزة حيث أطاحت الثورات برؤوس كبيرة بينها مديرها العام؟
<< اعتقد أن الجزيرة هي ضحية طموحات الادارة التي سعت الي أن تكون المحطة أداة من أدوات السياسة الخارجية والدبلوماسية القطرية، أكثر الناس احساسا بالتناقضات التي تختزنها هذه العملية المزدوجة هم العاملون في الجزيرة الذين يبدون حائرين بين مكاتب واستوديوهات تدير عالم الثورة الافتراضي وبين عالم ثوري حقيقي خارجها، هذه الحالة تخلق نوعا من عدم التوازن النفسي ولربما الانفصام لان الصحفي او الاعلامي غير مطمئن الي السقوف المتاحة امامه ومتي تتغير، اضافة الي ازدواجية واضحة في المعايير.
< ماهي دوافع استقالتك من أكبر وكالة صحفية في العالم؟
<< أنا كنت مقتنعا… ولا أزال، أن مهمة الصحفي العربي في المؤسسات الصحفية الاجنبية هو أن يكون جسرا بين الحضارات، عمله هو أن يساهم في ردم الفجوة بين عالمين كانا وما يزالان متباعدين، من خلال الحرص علي تقديم تفسير واقعي لعالمه، لأنه أدري به من غيره من الصحفيين الأجانب، كل ذلك دون الاخلال بقواعد المهنة من المصداقية والموضوعية والدقة وغيرها، الصحفي العربي ليس سائق تاكسي مهمته أن يوصل الزبون الي مكان ما ويستلم أجرته مع البقشيش، بل يجب ان يكون شريكا كاملا في العمل.عندما لا يمكنك أن تفعل ذلك عليك أن تترك الموقع الاعلامي وتمشي، والا ستكون متواطئا.
متطلبات العمل الاعلامي
< ولكن للاعلام الدولي، وخاصة وكالات الانباء متطلباته، هم يعملون بما يسمونه بروح الفريق؟
<< متطلبات العمل الاعلامي واحدة في كل مكان وزمان، أما مسألة العمل بروح الفريق، التي تستخدم كذريعة، فلا يجب أن تعني انعدام التوازن، بل يجب أن يكون هناك دائما شراكة وندية وتكافؤ، والا تحول العمل الي صناعة ترويج سلعي لا عملية اتصال تجري علي نحو نقدي.
وفي عصر الثورات العربية هناك تاريخ جديد يكتب للمنطقة مثلما يكتب حاضرها ومستقبلها، وانا كصحفي عربي بغض النظر عن المؤسسة التي أعمل بها اذا لم أستطع المشاركة الحقيقية في كتابة هذا التاريخ فمن يمكنه أن يفعل ذلك؟
< هل كنت تخشي أن تكتب هذه اللحظة بطريقة مغايرة؟
<< كان في ذهني دائما ما حصل في ايران اثناء الانتفاضة في عهد مصدق عام 1953م، وفي انتفاضة الشعب الهنغاري عام 1956م، مصائر الشعوب يجب الا تكون أداة في توجيه العقول وادارة المصالح الدولية، انا كنت شاهدا علي الثورة المصرية منذ ارهاصتها الاولي قبل سنوات ومقدماتها، وعشتها لحظة بلحظة، ومحصولي المعرفي منها غزير ولم يكن بوسعي أن أري أن تكتب وقائعها بطريقة مغايرة.
< ما هو حصاد تجربتك الصحفية بعد أربعة عقود من العمل؟
<< في مجمل عملي سواء أكان في الوكالة أو في مساهماتي في الصحف والدوريات السياسية أو في كتبي التي ألفتها خلال كل تلك السنين اجتهدت أن اقدم صورا وتفسيرات رأيتها أقرب للواقع لما يجري في العراق وفي مصر التي عشت بها وللمنطقة العربية وشؤون الشرق الاوسط للقراء في باقي انحاء العالم، وهي القضايا التي اهتممت بها.لم تكن تلك مهمة سهلة اطلاقا، ولكني راعيت دائما انني مدين فقط لضميري وأن علي أن أقول للناس ما يجب أن يسمعوه وليس ما يحبون سماعه، اعتقدت دائما أن قول الحقيقة هو شكل من أشكال الاخلاص للناس ولقضاياهم وهي الطريقة الوحيدة ليكون العمل الصحفي جادا ومثمرا، لم يكن الامر سهلا ولكنه، علي أي حال، كان يستحق العناء والمجازفة.
< واخيرا، ما خططك للمستقبل؟
<< اكتب مقالاتي الصحفية وأساهم في المؤتمرات والندوات البحثية كالمعتاد وانشغل بكتابة مذكراتي الصحفية التي أمل أن انتهي منها قريبا، ولدي افكار تتسع لعشرات الكتب سأستلها من تجاربي ومعايشاتي وعملي في معظم البلدان العربية، ادعو الله تعالي ان يمنحني من العمر ما يكفي لانجاز هذه المهمة.
الاعلامي صلاح النصراوي
الاعلامي الكبير صلاح النصراوي عراقي المولد، أمضي معنا في القاهرة 27 عاما في العمل الصحفي بعد أن عمل في الصحافة والاعلام في العراق لعقدين من الزمن، عمل بعدها مراسلا للبي بي سي ووكالات أنباء وصحف عالمية، ثم عمل مراسلا للاسوشيدتبريس في بغداد بين عامي 1985 و1991 وغطي الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج 1991 من جبهات القتال.
التحق بالمكتب الاقليمي للاسوشيدتبريس عام 1994م، شارك في تغطية مؤتمرات القمم العربية منذ عام 1978م، وحتي المؤتمر الاخير في سرت/ ليبيا عام 2010م، وشارك في تغطية مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية منذ بدئها في مدريد عام 1991ت وأهتم بقضايا الصراع العربي الاسرائيلي.
متخصص بالشأن العراقي ومهتم بالشئون العربية والصراعات الاقليمية وقضايا الاسلام السياسي والعلاقات العربية الامريكية وتطورات الثورات العربية وشارك كباحث في العشرات من المؤتمرات الدولية بهذه المجالات، وهو كاتب متخصص بالشئون العراقية والعربية في صحف ودوريات عربية ودولية.