بيان
تدخل القضية العراقية مع عام 2013 وبعد عشر سنوات من الغزو الامريكي منعطفا جديدا بسبب تفاقم الصراعات السياسية المستمرة والتهديدات بالتصعيد العسكري بين الاطراف المتنازعة والانهيار الامني والخراب الاقتصادي وسوء الخدمات وتغول الفساد وانتهاكات حقوق الانسان مما ينذر باحتمالات خطيرة على مستقبل البلاد والشعب العراقي برمته.
لقد اشرت سلسلة النزاعات الحادة التي شهدها عام 2012 المنصرم بين الفرقاء المشاركين بالسلطة والتي وصلت الى مستوى المواجهات العسكرية والتهديدات السافرة التي مست صميم الكيان العراقي والحقت المزيد من الضرر بالتعايش الوطني الى وصول العملية السياسية الجارية الى طريق مسدود تماما والحقت ضررا بالغا بجهود اعادة بناء الدولة والمجتمع.
كما كشفت الاحتجاجات الجارية في محافظات عدة على خلفية شكاوي التهميش والاقصاء وما رافقها من احتقانات طائفية والتهديدات بالحرب الاهلية عن عمق الازمة الوطنية والمخاطر التي تحدق بمصير الشراكة الوطنية بل بمصير الوطن ذاته.  
وفي الوقت الذي تتحمل فيه الاطراف المشاركة في الحكم المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الاحوال المآساوية في بلادنا لاسباب تعود اساسا الى الفساد والتخبط وسوء الادارة وانعدام الرؤية وغياب القيادة فان نظام المحاصصة الطائفية الذي اقامه الاحتلال الامريكي يتحمل دورا كبيراً في فشل العملية السياسية ذاتها بما فيها الشلل الحكومي والجهاز التنفيذي وتعطيل دور البرلمان التشريعي والرقابي وعجز القضاء عن اقامة نظام للعدالة النافذة.
ان احد تجليات الازمات المتالية والمتفاقمة هو التنازع بين اهل الحكم والفرقاء السياسيين على الادوار في السلطة وعلى الثروة  ومحاولات الهيمنة والاقصاء والتهميش التي الحقت اشد الضرر بمبادئ الدستور التوافقية والديمقراطية وبمدأ الفصل بين السلطات وشرعت المجال لاقامة الدكتاتورية من جديد في العراق.
ان عشر سنوات من الاحتلال الغاشم ومن نظام المحاصصة الطائفية البغيض لم تفلح في وضع لبنة حقيقية لاعادة البناء، بل ادت على العكس من ذلك الى تدمير كامل في البنى المادية والبشرية في العراق مما يستوجب عقودا طويلة وجهودا جبارة واموالا طائلة سوف يتحمل عبئها اجيال عديدة من العراقيين في المستقبل.
ومما يزيد الامر سوءا تفاقم التدخلات الاجنبية في الشؤون الداحلية العراقية والتي اسفرت في الفترة الاخيرة عن مشاريع شيطانية بدت بوادرها في الافاق ضمن المخططات الجارية هدفها زج العراق في المزيد من الصراعات الاقليمية المذهبية والقومية وتحويله الى ساحة حرب بالنيابة عن دور الجوار وغيرها من القوى الدولية تمهيدا لرسم خرائط جديدة للمنطقة.
وفي ظل التدهور الحاصل والاحتمالات الكارثية المتوقعة من استمرار الازمات فلم يعد الصمت عما يجري خيارا، خاصة وان هناك فى الافق ما يشير الى ان الفرقاء المتنازعين يستغلون حالة الاستقطاب المذهبي والقومي التي تفجرها صراعاتهم في تهيج الشارع خدمة لاغراضهم الانتخابية وادامة لعبة السلطة التي ادمنوها الامر الذي يتطلب العمل ليس على ادانة وفضح هذه الممارسات فقط وانما ايضا مواجهتها بكل السبل السياسية والسلمية الممكنة.
انني ومن هذا المنطق اتوجه مرة جديدة كما توجهت في السابق الى كل قوى شعبنا  السياسية والاجتماعية المؤمنة بخيار دولة المواطنة الديمقراطية، دولة العدل والحرية والمساواة والرخاء، بالشروع الفوري للتكافل بالعمل على تغير نهج الحكم والعملية السياسية القائم عليها وابعاد المتسلطين عليها بغية فسح المجال للقوى والتيارات الوطنية لممارسة دورها في بناء هذه الدولة قبل ان تعصف بها السياسات الطائفية والممارسات الديكتاتورية.
ان اولى الخطوات في هذا المجال تستدعي نبذ كل من شارك في ايصال هذه العملية الى نهياتها الكارثية وذلك من خلال مقاطعتهم في جولتي الانتخابات القادمة المحلية والتشريعية والعمل على الدفع بوجوه جديدة تلتزم ببرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي شامل للانقاذ واعادة البناء على اسس وطنية متينة.ان عدم فسح المجال لمثل هذه الوجوه والقوى الجديدة والتضيق عليها يعني ضرورة الدعوة الى مقاطعة الانتخابات والعمل على نزع الشرعية عن الطبقة السياسية المتنفذة التي تعمل على الابقاء على الاحتكار والتهميش والاقصاء.  
كما يتطلب الامر اطلاق حملات شعبية ودولية واسعة لمناهظة الفساد بانواعه وانتهاكات حقوق الانسان والارهاب وجرئم تخريب الدولة والعمل على ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم الى القضاء المحلي والدولي بما فيها محاكم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية من خلال تفعيل بنود قرارات الامم المتحدة بهذا الشأن وفق الباب السابع الذي لايزال العراق خاضعا له.
لقد حان وقت العمل من اجل انقاذ العراق من مصيره الحالك الذي يدفعه اليه البعض ممن شاءت الاقدار وارادة الاحتلال الامريكي ان يتبؤ المشهد السياسي وان يعمل على تحقيق اجندات طائفية وفؤية ضيقة تتعارض مع المصالح الوطنية واهداف بناء عراق موحد  وحر ومستقل ومزدهر ولجميع ابنائه. 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *