(11)
والآن يبيعون العراق بعد ان نهبوه
كما كان متوقعا فان نتائج عمليات النهب المنظمة لأموال الدولة العراقية وثرواتها الطبيعية التي مارستها الطغم التي استولت على الحكم منذ عام 2003 وسؤ ادارتها وتخبطها ادت في نهاية المطاف الى استنزاف الموارد التي تتأتي من بيع النفط ووضعت العراق على حافة هاوية اقتصادية سحيقة.لقد ادت الأزمة المالية التي جاءت على ضوء انخفاض اسعار النفط بنحو 50 بالمائة عام 2014 والاخفاق في توفير المصادر المالية لموزانتي الدولة التشغيلية والاستثمارية لأعوام 2015 و2016 و2017 و 2018 الى ان يوضع العراق على حافة الافلاس المالي بسبب تضخم العجز في الميزانية واتساع الهوة بين الموارد والنفقات وبالتالي زيادة الديون.
ولم يكن السبب الرئيسي للأزمة تدهور اسعار النفط وتكاليف الحرب على تنظيم داعش الارهابي بين عامي 2014 و2017، كما ظلت ابواق الحكومة تكرر، بل استمرار نهب وسرقة ثروات البلد والفساد بأنواعه المستحكم في ادارة الدولة، والفشل في وضع خطط مالية واقتصادية سليمة تأخذ بنظر الاعتبار كل ما يتعلق بالسياسات النفطية، والعوامل التي تتحكم في السوق الدولية، والتذبذبات المتوقعة في الاسعار التي هي من بديهيات التخطيط في الاقتصاديات الريعية.ما حدث هو ان حصيلة عقد ونصف من استنزاف الموارد النفطية التي تجاوزت ثلاثة ارباع تروليون دولار، كما ذكرت تقارير عديدة، ذهب أغلبها الى الهدر والى جيوب الفاسدين دون ان تقوم الحكومات المتعاقبة باية احتياطات او استعدادات حقيقية لمواجهة هذه الاحتمالات التي يدركها اي بقال يدير محل بقالة صغير، وليس حكومة مسؤولة عن دولة وعن حياة اكثر من 35 مليون من البشر.
كان واضحا ان الاجراءات التي اعلن عنها لتخفيف العجز من خلال التقشف وتقليص النفقات وزيادة الموارد الضريبية وغيرها لن تنفع في مواجهة الانفاق المتزايد، وخاصة الذي استجد بسبب الحرب على داعش من أسلحة وعتاد، وكذلك نفقات الحشد الشعبي والنازحين، وغير ذلك من متطلبات مواجهة استمرار حالة عدم الاستقرار والتدهور الأمني.لم تكن في الخزينة من موارد كافية، ولا لدى الحكومة من وسائل توفير، او تدبير للأموال، بعد ان ابتلع الفساد وسؤ الادارة كل موارد السنوات الماضية مما ادى بعد بضعة شهور الى مواجهة أزمة مالية حقيقية وصلت الى تأخير موازنات المحافظات والميزانية العامة بكل ما يعنيه ذلك من وقف عمليات التنمية والاستثمار، بل تعرضت حتى رواتب الموظفين والجنود الى التأخير ومن احتمالات تقليصها، او حتى توقفها.
ما واجهه العراق في الفترة التي اعقبت انهيار اسعار النفط وتقلص الموارد هو السؤال:كيف ستستطيع حكومة مفلسة ان تواجه نفقاتها التشغيلية والاستثمارية حين يصل عجز الميزانية الى نحو 20 بالمائة كما سجلته موازنة عام 2015، ثم يرتفع بعد ذلك الى اكثر من 30 بالمائة قبل نهاية العام المالي نفسه ويظل في حدود مماثلة في الأعوام التالية.(1)
كان من المأمول ان تلجأ الحكومة الى اجراءات لايقاف الفساد واستنزاف موراد الدولة مثلما تكثف من نشاطها لاسترداد الأموال المنهوبة في الداخل والخارج.كان من المتوقع ان تتخلي عن الاعتماد الكلي على الاقتصاد الريعي وتقوم بضخ الدماء في القطاعات الاقتصادية والخدمية الانتاجية بغية وقف او الحد من الاستيراد من الخارج الذي يستنزف العملية الصعبة.كان من المتوقع ايضا ان تضع الحكومة سياسات مالية رشيدة بهدف وقف الهدر لتوفير موارد اضافة.لكن ما تفتقت عنه عبقرية الحكومة ووزير ماليتها انذاك “هوشيار زيباري” ومستشاريها الإقتصاديين يومئذ هو اللجؤ الى سلسلة من الاجراءات المالية والنقدية الاستثنائية التي طالما كانت هناك خشية من ان يدفع اليها العراق دفعا بسبب عملية التدمير المنظم للاقتصاد وسياسات غض النظر عن الفساد وتشجيعه.
كان الخيار الاسهل الذي لجأت اليه الحكومة هو الاقتراض من الخارج لسد العجز وتمويل بعض القطاعات الرئيسية كالنفط وشراء الاسلحة.وكان معروفا منذ البداية ان هذه الاجراءات رغم خطورة ما يترتب عليها من نتائج، وعلى رأسها رهن ثروات العراق الى المصالح الأجنبية وعملائها المحليين، لن تكون الحل لاي من المشكلات الاقتصادية العويصة التي كان يواجهها العراق بقدر ما ستزيد من الطين بلة.في شهر نيسان عام 2015 اعلن زيباري وفي سلسلة من التصريحات المفاجئة التي اطلقها من واشنطن ومن الكويت عن سلسة الاجراءات التي يقترحها لمعالجة الازمة التي وصفها بانها “مشكلة جدية في التدفقات المالية” ( a serious cash flow problem.) متجنبا تسميتها بمخاطر الافلاس.(2)
في الأشهر اللاحقة اجرى زيباري مفاوضات مكثفة في واشنطن مع “صندوق النقد الدولي” بشأن قروض جديدة اضافة الى اللجؤ الى حقوق السحب الخاصة في الصندوق، وهي الائتمانات الطارئة التي توفر للدول الأعضاء لمواجهة أعباء العجز في الموازنة.كما كشف زيباري النقاب بان الاتفاقات مع الصندوق تتضمن قيام العراق باصدار سندات حكومية دولارية تطرح في الخارج وفي الداخل ببلايين الدولارات.ورغم ان كل ذلك يأتي في اطار مواجهة تبعات فساد القائمين على “دولة علي بابا” والتي خلفها على الأوضاع المالية والاقتصادية، الا ان النشاط الحثيث لزيباري في اغراق العراق بالديون كان ينطوي على دلالات اخرى للمهمة التي اخذها زيباري على عاتقه منذ تولى وزارة الخارجية، وهي الدفع بالعراق للسير في طريق الخراب والتشظي، خدمة للمشروع الكردي بقيام دولة كردية على انقاض العراق المدمر.(3)
وفي نفس السياق بدأت الحكومة اتصالاتها مع “البنك الدولي” للحصول على قروض ومساعدات بغية دعم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها في مواجهة اعباء الديون.ولم تكن نتيجة الاتفاق مع البنك هي المزيد من الأعباء المالية فقط وانما ايضا السماح للبنك بالهيمنة على سياسات العراق الإقتصادية والمالية وادارتها بطريقته وفق شروطه المعهودة في رفع الدعم وفرض ضرائب وروسوم جديدة وخدمة السياسات اللبرالية الاقتصادية الجديدة التي عادة ما تهدف لخدمة الاستثمارات الأجنبية والمحلية التابعة لها هلى حساب افقار وتجويع الطبقات الأوسع في المجتمع.(4)
ولكن القادم كان اسؤ بكثير اذ تم الاتفاق مع “البنك الدولي” ومع “صندوق النقد الدولي” على الاشراف على اعداد وتنفيذ الميزانية وفقا لشروط حددها الاثنان تتعارض مع السيادة العراقية وحق البرلمان في ان يحدد تفاصيل الميزانية.كما تم تكليف البنك من قبل الدول المعنية بادارة ملف اعادة الاعمار في المدن المدمرة بعد تحريرها من داعش بالعمل ايضا مع “برنامج الامم المتحدة الانمائي” وبذريعة الفساد المستشري في الاجهزة الحكومية العراقية، مما ادى الى تعزيز دور الدول الكبرى المتنفذة في الوضع العراقي، وبكل ما يعنيه ذلك من تدخلات وتأثيرات ونزع للسيادة العراقية.(5)
الا ان من بين اكثر الاجراءات المثيرة للجدل التي قال زيباري ان الحكومة كانت تفكر فيها هي بيع جزء من احتياطات البلد النفطية الهائلة للشركات الراغبة وكذلك اعادة النظر بعقود الخدمة التي وقعتها الحكومات العراقية مع الشركات الأجنبية لاستخراج النفط.(6) ومما كشفه زيباري ايضا خطط للحكومة لبيع اصول المئات من الشركات التابعة للدولة من موروثات القطاع العام في عهد نظام صدام والتي حولتها سلطة الاحتلال الى ادارة التمويل الذاتي، او حصص الدولة ضمن شركات القطاع المختلط والتي ادت سياسات الاهمال والتدمير المخطط خلال الفترة التي اعقبت الغزو الى تعطل الانتاج فيها.ولان غالبية هذه المصانع معطلة وغير صالحة للانتاج بدون استثمارات كبيرة فقد اصبح من المؤكد ان التخلي عنها سيؤدي ليس فقط الى تبديد اموال الدولة وثرواتها، وانما ايضا تعرض حياة ومستقبل مئات الالاف من العوائل من العاملين فيها للضياع وستضطر الى الانظام الى طوابير الفقراء والجياع التي صنعها الفساد والفشل.
ادى طرد زيباري من الحكومة بعد استجوابه من قبل البرلمان واتهامه بالفساد اثناء عمله كوزير للمالية الى توقف الحديث العلني عن تلك الخطوات رغم عدم اعلان الحكومة عما اذا كانت تلك هي مجرد اجتهادات للوزير المقال ام انها من بين الاجراءات التي فكرت بها ايضا.اما الخطوة التي لم يجر الكلام بشأنها علنا كثيرا فهي اللجوء الى الإحتياطي من النقد الاجنبي المتوفر لدى البنك المركزي والذي تشير ارقام البنك نفسه المنشورة على صفحته على الانترتيت ببدء تأكله منذ عام 2014 حيث بدأ المؤشر بالهبوط من نحو 100 مليار دولار الى نحو 49 مليار دولار عام 2017، اي انه فقد خلال ثلاثة اعوام نحو ثلث موجوداته من العملات الاجنبية.(7)
ولم يقتصر اللجوء الكثيف الى السحب من الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي في توجيه ضاربة قاتلة للدينار العراقي بكل ما يعنيه ذلك من انخفاض في اسعار صرف العملة الوطنية، وارتفاع التضخم، واسعار السلع المستوردة، بل وجه ضربات مباشرة الى الاقتصاد العراقي برمته نظرا لخليط الضغوطات التي مارسها انخفاض قيمة الدينار على التحويلات الخارجية وانعكاسات ذلك على قوى السوق وخاصة عمليات الاستيراد والخدمات والاختلالات الهيكلية التي احدثها.
مالذي يعنيه كل هذا؟اولا لا بد من التذكير بان العراق كان اساسا مثقلا بالديون التي تراكمت عليه منذ العهد البائد والتي بلغت في نيسان 2003 ما يقارب 140 مليار دولار من ضمنها ديون دول الخليج العربي.وكان العراق قد تمكن عبر مفاوضات شاقة وطويلة مع “صندوق النقد الدولي” و “مجموعة نادي باريس” من إطفاء نحو 80 بالمائة منها في حين لم يتم اطفاء بعض القروض وتم ربطها بتنفيذ مشاريع في العراق، في حين بقيت ديون دول الخليج وتعويضات حرب الكويت بانتظار تسديدها.
غير ان العراق سرعان ما بدأ يغرق بالديون الخارجية نتيجة للفساد والسياسات الرعناء التي اتبعتها زمر الحكم في كل المجالات المالية والنقدية والادارة الاقتصادية.فمنذ عام 2006 بدأت تتراكم الديون الخارجية على الرغم من الايرادات العالية من تصدير النفط حيث ربطت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 نفسها بقروض جديدة مع الكثير من الدول ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان وغيرها بهدف استخدامها في مشاريع متوسطة المدى في قطاعات الموانئ ومشاريع المياه والطاقة وكذلك لاغراض التسلح.
ونتيجة لذلك سرعان ما وصل الدين الخارجي العراقي الى حوالي 45 مليار دولار في 2010 ثم بدأ رحلة صعوده الى بلغ نحو 100 مليار دولار نهاية عام 2016 ثم الى 120 مليار دولار نهاية عام 2017 وهو ما يمثل نحو 64 بالمائة من الناتج القومي الاجمالي للعراق، وهي نسبة عالية جدا بكل المقاييس.(8)
ان ما انتجته سياسات النمو السرطاني في الحصول على القروض، وما ستنتجه لاحقا، هي كوارث حقيقية لا يمكن تخيل مداها وتبعاتها ليس فقط على الاقتصاد العراقي، وانما على مسقبل العراق برمته ابتداء من رهن الاقتصاد والثروة الوطنية بالمؤسسات وارادات الدول الاجنبية وانتهاء بتأثيرات ذلك على السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني.ففي الحقيقة فان الاقتراض في العراق لم يكن لسد العجز في ميزان المدفوعات او توفير تكاليف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل كان بالأساس تغطية لنفقات الفساد والنهم في سرقة المال العام.ان نتائج الاقتراض لم تكن فقط تحويل الطبقة الوسطى العراقية الى كبش فداء لفساد الحاكمين وزيادة افقار الطبقات الفقيرة وانما تمهيد الطريق لكي تدفع الإجيال القادمة من العراقيين ثمن الفساد مثلما دفعه اباؤهم واجدادهم من قبل.
لقد انتظم كل ذلك التخبط في السياسات النقدية والمالية وادارة الاحتياطي الاجنبي وللانظمة المصرفية التي اتبعتها عصابات “دولة علي بابا” مع محاولات التدمير المتعمد للاقتصاد الوطني ولجهود التنمية من خلال النفاذ الى مكامن موارد النفط بغية استنزافها.كانت احدى اهم الوسائل لذلك هي مزادات العملة التي يقيمها “البنك المركزي العراقي” والتي ابتكرتها سلطة الاحتلال الامريكي، واستمرت عليها الحكومات المتعاقبة.وعلى مدار السنوات الطويلة تلك اصبحت منافذ المزاد التي افتتحها البنك بهدف توفير الدولار لتغطية قوائم الاستيرادات من السلع والحاجات الأساسية منفذا لواحدة من اكبر قنوات الفساد في العراق التي خرجت من خلالها بلايين الدولارات المتأتية من تصدير النفط لكي تصب في جيوب والحسابات المصرفية للجماعات المتنفذة واعوانهم ومحاسيبهم في الخارج.(9)
وفي شهادة نادرة من داخل أجهزة دولة الفساد كشف رئيس “ديوان الرقابة المالية” السابق و”محافظ البنك المركزي العراقي” السابق “عبد الباسط تركي” يوم 1 آيار (مايو) 2015 في مقابلة مع تلفزيون البغدادية بان معظم هذه البنوك هي واجهات، او مجرد محلات صرافة، يمتلكها سياسيون ورجال اعمال فاسدون مقربون منهم هدفهم مجتمعين هو الحصول على الأموال بمختلف الطرق وتهربيها للخارج.وكشف تركي، الذي أقر بانه لم يستطع اتخاذ اي اجراء للحد من هذه الجريمة، انه خلال فترة رئاسته للبنك المركزي من 2011 الى 2015 هرب نحو 12 مليار دولار من الاحتياطي العراقي عن طريق مستندات ووثائق وهمية.(10)
وطبعا لا يصح القول هنا بانه “ولا ينبئك مثل خبير” اكثر مما يصح عن “احمد الجلبي” الذي طالما طالته الاتهامات بالفساد منذ كان مديرا لـ”بنك البتراء” في الأردن في اعوام الثمانينات من القرن الماضي.فشهاداته المثيرة عن الفساد التي ادلى بها قبل موته الغامض في تشرين الأول (اكتوبر) 2015 تكشف تفاصيل مذهلة عن نشاطات هذه البنوك في مجال تحويل العملات الأجنبية الى خارج العراق بعد الحصول عليها من خلال مزاد الدولار الذي يقيمه البنك المركزي.وفي واحدة من تدويناته ذكر الجلبي، ممستخدما وثائق بحوزته بصفته رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، ان تاجرا واحدا فقط قام بتحويل 1.2 مليار دولار الى شركة صرافة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال فترة عام واحد فقط.وفي مقابلات وتصريحات عديدة قدم الجلبي تفاصيل وافية عن عمليات بيع العملة من قبل البنك المركزي والتي وصلت مجموعها، خلال عهد “نوري المالكي” بين عام 2006 و2014 نحو 312 مليار دولار ذهب اكثر من ستة بلايين دولار منها الى مصرف واحد هو “بنك الهدى” المقرب من مجموعة المالكي الذي حولها بدوره الى فروع للصرافة تتبع له في الأردن.(11)
لقد كان معروفا لدى العديد من الاقتصاديين والمتابعين منذ البداية ان العراق سيصل حتما الى هذه المنحدر الخطير من التدهور الاقتصادي والانهيار المالي بسبب السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة على مدار السنيين الماضية وبسبب فسادها ونهبها للثروات الوطنية.الأمر الأسوء هو ان تبعات كل ذلك ستستمر سنوات ان لم يكن عقودا طويلة.فوفقا لمنظمة الأوبك ليس هناك امكانية لعودة اسعار النفط الى سابق عهدها او حتى الى مستوى 100 دولار ربما حتى عام 2025 في حين ان تقديرات وتوقعات مبنية على اساس ازدياد اللجؤ الى استخدام السيارات الكهربائية والالكترونية في الدول الغربية ومنع استخدام الوقود خلال السنوات القادمة ستؤدي الى ضربات قاصمة للدول المصدرة للبترول، مما يعني ان امام العراقيين الكثير والكثير من السنين العجاف الاخرى.(12)
لا تبدو ان هناك حلول سهلة وميسرة للازمة المالية المستعصية في العراق والتي ستبقى دائرة ويتم ترحيلها من حكومة الى حكومة.ما هو مطروح من اجتهادات تتماشى مع توجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كاعادة النظر بالرواتب وبالدعم الحكومي للسلع والخدمات وزيادة الضرائب والرسوم، كلها حلول تأتي على حساب مصلحة المواطن وتتجاهل الاسباب والعلل الاساسية وعلى رأسها الفساد ونهب المال العام والهدر وسؤ الادارة الاقتصادية وتعطل عجلة الانتاج.ان حكومات قائمة على المحاصصة في نهب الثروة الوطنية وسرقة موارد البلد لا يمكنها ابدا حل المعضلات الاقتصادية ومعالجة الازمات المالية لان زمر الحكم تدرك انها غير مستعدة على تحمل تكلفة الاصلاح الاداري والاقتصادي، وعلى رأس ذلك وقف الفساد.
وبطبيعة الحال فان الاخفاق في ادارة الازمة المالية ستترك اثارا خطيرة على الأوضاع السياسية والأمنية المتردية، وخاصة في ما يتعلق بالحرب على الارهاب وعلى منظومة المحاصصة الإثنو-طائفية التي تتحكم في ادارة حكم العراق، وعلى مستقبل العلاقة بين الجماعات المتصارعة على اقتسام السلطة والثروة.ان افلاس الخزينة العراقية، او التهديد بأزمة مالية طاحنة، سيشعل المزيد من النار في الصراعات العراقية الحالية، بل ربما تتعدى شراراتها الى دول الجوار، ويكفي ان نتذكر هنا احتلال صدام للكويت عام 1990 انه كان بذريعة تجويع العراق وتركيعه، وقصة “قطع الاعناق ولا قطع الارزاق” لا يزال يتذكرها معاصرو تلك الفترة جيدا.اليس من الطبيعي بعد كل ذلك ان تثار شكوك جدية عما اذا كان هناك من دوافع وحسابات واجندات، قد لا تكون خافية عن كثيرين، وراء المضي وراء هذه الحلول المدمرة التي لن تزيد فقط من تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية برمتها، بل ستدفع بالعراق الى السقوط في مهاوي الافلاس والخراب مما سيسهل بالتالي من عملية تقسيمه.هل من الغرابة بعد ذلك ان نرى ان اولئك الذين ساهموا في عمليات الفساد والسرقات والنهب هم انفسهم الذين يقومون الآن على بيع إقتصاده وثرواته الطبيعية بعدما افقروه واذلوه وتركوه لتنهش به قطعان الارهاب.
هوامش ومراجع ومصادر الفصل الحادي
1-انظر:” 26.6 مليار دولار العجز التقديري للموازنة العراقية في 2017″، موقع روداو الاخباري، 25/8/2016
http://www.rudaw.net/arabic/business/250820161
2-انظر:”وزير المالية العراقي:مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولكن لا قرار بعد”، وكالة انباء رويترز( بالانكليزية) ،7/4/2015
3-انظر:”زيباري: العراق يبحث مع بنوك إصدارا محتملا لسندات بقيمة 6 مليارات دولار”، 3/3/2015
http://www.rudaw.net/NewsDetails.aspx?pageid=109777
انظر ايضا :”صندوق النقد الدولي ينقذ العراق، ليس تماما”، صلاح نصراوي، صحيفة الاهرام ويكلي، (بالانكليزية) 6/10/2016
http://weekly.ahram.org.eg/News/17483.aspx
4-انظر: “مستشار العبادي يكشف عن شروط البنك الدولي لاقراض العراق” 25/12/2015
https://www.iraqpressagency.com/?p=176781&lang=ar
5-انظر:”البنك الدولي يربط دعمه للعراق بالشروع في المصالحة الوطنية”، موقع أن ار تي، بلا تاريخ
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=40278
انظر ايضا:”نائب: صندوق النقد أبدى ملاحظات وتحفظات على موازنة عام 2018″ ، موقع اس.ان. جي الاخبار ي، 26/123/2017
http://sngiq.net/wordpress/?p=105243
6-انظر:”زيباري:العراق يخطط بيع احتياطاته النفطية وحقول الانتاج الجديدة”، وكالة انباء رويترز (بالانكليزية)، 25/3/2015
http://www.reuters.com/article/2015/03/25/us-iraq-economy-zebari-idUSKBN0ML20M20150325
7-انظر:”رسم بياني لمؤشرات اكثر من عشر سنوات”، موقع البنك المركزي العراقي، بيانات واحصاءات
http://cbiraq.org/SeriesChart.aspx?TseriesID=341
انظر ايضا:”احتياطي العراق من العملة الصعبة يبلغ 49 مليار دولار، موقع السومرية، 19/2/2017
8-انظر:”موقع تريدنغ ايكونمست المتخصص بالتقارير الاقتصادية
http://www.tradingeconomics.com/iraq/government-debt-to-gdp
انظر كذلك :”اتجاه برلماني عراقي لإقناع الحكومة بتغيير آليات صرف القروض الأجنبية” جريدة الحياة، 3/10/2017
http://www.alhayat.com/Articles/24435766
انظرايضا:” نائبة تكشف حجم ديون العراق”، موقع روسيا اليوم، 5/7/2017
انظر ايضا: “ديون العراق بلغت 120 مليار دولار.. والفساد في مقدمة الأسباب”
موقع راداو، 15/8/2017
9-انظر:”استنزاف خزين العراق من الدولار بسبب الفساد في مزاد العملة، موقع ان ار تي الاخباري ،بلا تاريخ
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=35077
10-انظر:مقابلة مع عبد الباسط تركي على قناة البغدادية على يوتيوب
ttps://www.youtube.com/watch?v=hsZXHdCt4MU
11-انظر: وثائق بيع العملة تفجر معركة حتمية على الفساد في العراق،جريدة العرب،18/11/2015
http://www.alarab.co.uk/?id=66599
12-انظر:اوبك ترى ان اسعار النفط ستصل الى 100 دولار العقد القادم،ولستريت جورنال، 12/5/2015
https://www.wsj.com/articles/opec-sees-oil-price-below-100-a-barrel-in-the-next-decade-1431347035
انظر ايضا:”زيادة استخدام السيارات الالكترونية يتحدى عطش العالم للنفط، جريدة الفاينانشال تايمز، 8/8/2017
https://www.ft.com/content/3946f7f2-782a-11e7-a3e8-60495fe6ca71