Tag Archives: العراق-فساد

دولة علي بابا

cover 5 

10)

                 شدوا الأحزمة على بطون العراقيين وارخوها عن بطونهم

 لاشيء يمكنه ان يوضح بشكل جلي ويكشف عن مدى تمادي الزمر التي تمكنت من رقاب العراقيين من خلال سياسات النهب المنظم واللصوصية اكثر من الاساليب التي لجؤا اليها في التعامل مع موازنة الدولة المالية السنوية خلال عقد ونصف من عمر الحكومات التي تسلموا ادارتها بعد عام 2003.ان تحليل نصوص قوانين الموازنة السنوية خلال هذه الفترة ومتابعة الطريقة التي تم من خلالها اعدادها واقرارها وتنفيذها يكشف عن منهجية متعمدة في نهب المال العام وفي تخريب أية محاولة لاعادة بناء الدولة العراقية والتعامل مع الحكم باعتباره مجرد وسيلة من وسائل الهيمنة والاستئثار بالموارد والثروات كأسلاب حرب وليست كثروة وطنية.

تقول ادبيات المالية العامة بان الموازنة المالية هي الخطة التنظيمية للدولة التي تتضمن تقديرات بالواردات التي من المتوقع أن تحصل عليها الدولة، من جهة، والنفقات المترتبة عن التزاماتها السنوية في تشغيل مفاصلها المختلفة، اضافة الى المشاريع الاستثمارية التي يتم تدويرها من عام الى آخر، من جهة ثانية.ان اصل المالية العامة هو ما كانت تجبيه الدولة القديمة من أموال من الرعايا من ضرائب ورسوم بالطريقة والكمية التي يحددها حكامها، لكنها اصبحت في دولة المواطنين في العصور الحديثة اداة من ادوات الحكم التي تخضع للمساءلة من قبل المحكوم وفق العقد الاجتماعي الذي اصبحت تحدده القواعد الديمقراطية التي يخضع اليها الحاكم.

ان فلسفة الموازنة السنوية في الدولة الحديثة ترتكز الى كونها الفرصة التي تتاح للمواطنيين عبر ممثليهم الذين انتخبوهم في المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصيرهم والتي تتخذها اجهزة الدولة، وخاصة في ما يتعلق بطريقة ادارة المالية العامة ومصادر الثروات.والموازنة هي بالتالي اداة من ادوات ممارسة السلطة، وفي نفس الوقت مراقبة تلك الممارسة عبر تحديد الأهداف والمهمات والبرامج المطلوبة خلال عام واحد يدعى بالسنة المالية.وجوهر عملية اعداد الموازنة هو العمل بروح الجماعة والتعددية والتوازن والشفافية والنزاهة مثلما يتظمن الاعداد والتنفيذ الناجح لها التواصل مع المواطنين والمشاركة المجتمعية والالتزام العالي بتحقيق اقصى درجات الفاعلية لبنودها والبحث عن حلول خلاقة للمشكلات التي تواجه تطبيقها، وكل ذلك بهدف خدمة الخطة التنموية والعمل على تحسين نوعية الحياة لجموع المواطنيين بالموارد المتوفرة وبكلفة معقولة.

فهل كانت كل هذه المبادئ هي ايضا فلسفة الجماعات السياسية التي تمكنت من الوصول الى الحكم منذ عام 2003 في العراق، ام ان الموزانات التي اعدت منذ ذلك الحين كانت مجرد غطاء تشريعي وفرته لنفسها من خلال البرلمان الذي تهيمن عليه كي تمضي في عمليات النهب والسلب المنظمة التي جرت منذ ذلك الحين والتي اوصلت البلد الى كل هذا الخراب وحولته بالتالي الى مغارة لصوص “علي بابا” الجدد؟

تعود بداية مشكلة موازنة الدولة الى فترة الاحتلال الامريكي حيث كانت عملية تنظيم الشؤون المالية خلال السنوات الأولى من الاحتلال مضطربة بسبب الاندماج الذي حصل في موارد الموازنة بين الأموال التي كانت تضخ من الجانب الامريكي، في ما دعى حينها باموال “برنامج اعادة الاعمار”، وبين الأموال العراقية المتحصلة من بيع النفط عبر الصندوق الخاص الذي وضع تحت اشراف “مجلس الامن الدولي” بسبب استمرار بقاء العراق حيئنذ تحت بنود الفصل السابع لـ”ميثاق الامم المتحدة” بموجب القرارات الأممية التي اتخذت اثر غزو الكويت عام 1990.

شهدت تلك الفترة خروقات مهولة سجلتها تقارير “مكتب المحاسبة الحكومية الامريكي” ومنظمات دولية اضافة الى  مارصده الاعلام الدولي ضاعت من جرائها مليارات من الدولارات نتيجة الفساد والهدر وعمليات نهب الأموال التي جرت في ظل ادارة الاحتلال، او ما كان يسمى بـ”سلطة الائتلاف المؤقتة”.وتحفل تلك التقارير بالكثير من المعلومات عن ضياع تلك المليارات من الدولارات خلال تلك الفترة، والتي لم يجر التحقق بشكل جدي من كيفية ضياعها، ولا عمن يقف خلف ذلك، ولا الى الجهات التي تسربت اليها.فعلى مدى السنوات الماضية تواصلت التقارير بشأن البحث عن مصير مليارات الدولارات التي خصصت للاعمار والتي وصلت بعض الأرقام التي نشرت بشأنها الى حوالي 88 مليار دولار ولكن لم يتم ابدا الافصاح عن القنوات التي تسربت اليها ومن هم المستفيدون من ذلك.ومن المرات القليلة التي تمت الاشارة فيها الى السرقات التي جرت في “صندوق الامم المتحدة للاموال العراقية” هو ما ذكر عن قيام “لجنة النزاهة البرلمانية” بالطلب الى “الامم المتحدة” بالتدقيق في ضياع نحو سبعة عشر مليار دولار من تلك الأموال خلال فترة عمل “سلطة الائتلاف الموقتة” والتي كانت تتمتع بحق مطلق، ودون اية رقابة، في الحصول على حصة العراق من الاموال والتصرف بها.(1)

 اضافة الى ذلك فقد سجلت الفترة الممتدة من الغزو عام 2003 حتى عام 2007، اي مع البدء بوضع موازنة لاول حكومة منتخبة، غيابا كاملا للاحصاءات والمعلومات الحقيقية عن كميات النفط المصدرة والأموال المتحصلة من التصدير، حيث تشير التقارير الصادرة عن مختلف الجهات الى ارقام متضاربة مما يكشف عن فوضى عارمة في عمليات بيع النفط وفي عمليات الرصد والتحقق من الكميات المصدرة ومن الأموال المتحصلة من التصدير وطرق توزيعها وصرفها.لقد كان شائعا حينها ان حقول النفط وموانئ التصدير تعمل دون عددادات يمكنها ان تسجل كميات النفط المنتجة والمصدرة.لقد استمر هذا الوضع اي عدم وجود رقابة وشفافية على تصدير النفط حتى النهاية بشهادة منظمة “مبادرة الشفافية العالمية في الصناعات الاستخراجية” التي اصدرت تقريرا في شهر تشرين الاول (اكتوبر) 2017 اشارت فيه الى استمرار عدم ايفاء العراق بالتزاماته بالافصاح الدقيق عن صادراته النفطية والذي قررت بناء عليه تعليق عضوية العراق في المنظمة، وهي ضربة ساحقة لمصداقية الحكومة العراقية في عالم الاعمال الدولي.(2)

والحاصل، هو ان هذه الممارسات التي جرت بمباركة وتشجيع، وربما تخطيط امريكي ايضا، هي التي ارست حجر الاساس لكل ما جرى في العراق بعد ذلك من ممارسات في الاستهانة بعمليات وضع الخطط المالية والمتابعة والمراقبة والتدقيق في عمليات التصرف في الثروة النفطية والاموال المتحصلة من الضرائب والرسوم مما فتح ابواب الفساد على مصراعيها.وعندما كانت روائح الفساد قد بدأت تزكم الأنوف وشرعت الصحافة العالمية في فضح الكثير من قصص السرقات والهدر حاولت الادارة الأمريكية ان تتظاهر بانها تفعل شيئا لمعالجتها فاوكلت عام 2007 الى “الوكالة الأمريكية للتنمية” تدريب نحو 500 موظف عراقي على عمليات ادارة ومتابعة تنفيذ الموازنة المالية، غير ان الوقت كان قد فات حينها واصبح العراق غارقا حتى قمة رأسه في الفساد بكل انواعه.

 وعلى الرغم من شحة التفاصيل وغياب التقارير الموثقة والدراسات عن موزانات العراق المالية خلال هذه الفترة بسبب تقاعس الاجهزة المعنية كـ”مجلس النواب” و”ديوان الرقابة المالية و”هيئة النزاهة” في توفيرها الا ان الصورة الكلية التي توفرها التقارير المختلفة تشي بفلتان وتخبط رافق كل مراحل تشريع الموازنات من اعداد الخطط مرورا بمراحل التنفيذ وحتى المتابعة.واذا كان ذلك للوهلة الأولى يعطي انطباعا عن حجم الفوضى والعشوائية السائدة في محاولات بناء الدولة الا ان التعمق في دراسة الظاهرة المستمرة طيلة كل تلك السنوات اصبح يدل على عمل ممنهج ومتعمد يهدف الى تدمير الدولة من خلال نهبها واشاعة ثقافة الفساد وممارساته في مفاصلها المختلفة، كل ذلك تحت غطاء القانون والتشريعات البرلمانية.

وكما هو متوقع، فلا توجد ارقام كلية عن مجموع الايرادات النفطية منذ الغزو الامريكي وحتى اللحظة، الا انه حسب ما هو متداول من معلومات وما وفرته الموازنات المالية منذ عام 2003 من مؤشرات فان هناك حوالي 800 مليار دولار سجلت كايرادات رسميا حتى عام 2016، وهي اموال بامكان اي انسان، وليس باحث متخصص، ان يخمن انها كانت ستحول العراق الى مصاف دول متقدمة في المنطقة من حيث التنمية والعمران والتطور في المجالات المختلفة.اما اذا كنا قد اضفنا الى ذلك المليارات التي ذهبت دون حسابات، او متابعة، من خلال نهب النفط وبيعه بصورة غير مشروعة، او من خلال الصفقات السرية وعمليات تبيض الأموال وطرق الفساد الأخرى فقد كان بامكان العراق ان يتحول من خلالها الى مرتبة الدول المتقدمة عالميا.لكن ما وصلنا اليه على ارض الواقع بعد كل هذه السنين هو ان العراق وبعد اكثر من عقد من الزمان يقبع الان في اسفل قوائم معظم المؤشرات الاقتصادية والتنموية الدولية في حين ان مجرد نظرة سريعة الى شوارع المدن العراقية كافية لكي تكشف عن واقع شديد البؤس والتخلف والانحدار.

ان هذه الصورة البائسة التي تتجلى فيها “دولة علي بابا” من خلال الميزانية تبدأ من طريقة صرف الايرادات في باب الميزانية التشغيلية حيث يظهر منذ البداية مفهوم الدولة كبقرة سائبة حلوب، او ان تجري عملية نهب موارد الدولة وتوزيعها كغنائم واسلاب، وكأن القائمين عليها يعتبرونها عدوا يبنغي استنزافه حتى آخر قطرة دم في عروقه، وليس وطناً مدمراً يبنغي اعادة اعماره.هكذا بدأت مليارات الدولارات تصرف على بيروقراطية تم بناؤها من خلال توظيف مئات الألوف من الاشخاص لاسباب سياسية وطائفية لا علاقة لها بالحاجات الأساسية لجهاز الدولة ومن خلال وزارات وهيئات وصناديق تم انشاؤها لضخ المليارات من الدولارات الى جيوب مستفيدين من الأزلام والمنتفعين تحت ذرائع التعويضات المختلفة.وما الهيئات التي انشأت لتعويض المهاجرين وذوي الشهداء والمساجين السياسيين وتعويضات المادة 140 في الدستور الخاصة بالأراضي المتنازع عليها الا ابوابا من ابواب الفساد والنهب التي تسلل منها مئات الآلاف، بل ربما الملايين ممن لا يستحقون تلك التعويضات وعلى حساب الضحايا الحقيقيين الذين استبعدوا منها.

وخلال كل هذه الاعوام لم تتقدم الحكومة بتقارير الحسابات الختامية للسنة المالية المنصرمة للبرلمان لمناقشتها واقراها كما ينص على ذلك الدستور العراقي، وكما هو متبع في كل دول العالم، كممارسة رقابية ديمقراطية من قبل البرلمان على عمل الادارة الحكومية وطرق تصرفها بالمال العام.لقد حرم العراقيون طيلة هذه السنوات من الاطلاع والتعرف على تفاصيل صرف الميزانية العامة ومجريات الانفاق العام التي اوكلت للحكومة ومن مراقبة الاداء الحكومي، ولكن الأهم من ذلك انهم عجزوا عن ان يضعوا حدا لعمليات النهب المستمرة لموارد البلاد.(3)

ما يلفت النظر في هذا الاطار ان رئيس الوزراء الثاني “حيدر العبادي” كان رئيسا لللجنة المالية في البرلمان خلال الدورة السابقة على انتخابه مما يعني انه كان يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال وعدم قيامه بمحاسبة الحكومة السابقة عن عدم تقديمها الحسابات الختامية للموازات السابقة مما اثار أسئلة كثيرة عن مدى جدية التزاماته تجاه اعداد وتنفيد ومتابعة موازنات حكومته خلال السنين المالية لعهده وفق السياقات المعهود دوليا وتقديم حسابات المراجعة بصورة شفافة.

وتلخص ميزانية عام 2015 والتي اقرت في 29 كانون الثاني (يناير) 2015 اي في السنة الاولى لحكمه المعضلة الاساسية التي واجهت العراق في قضية ادارة موارده المالية حيث كشفت جهود اعداد الموازنة عن حقيقة الأوضاع المزرية التي عليها الوضع المالي للعراق رغم كل المليارت التي حصل عليها خلال السنين السابقة.ما اتضح من اعداد موازنة التقشف تلك والتي جاءت بعد الانهيار الكبير في اسعار النفط ان العراق  يقف عاريا تماما من اية استعدادات وضمانات تمكنه من مواجهة تقلبات السوق النفطية وحماية شعبه من الانعكاسات السلبية لانخفاض الاسعار وذلك بسبب طبيعة الاقتصاد الريعي الذي اقامه القائمون على الحكم وعدم بنائهم لقاعدة اقتصادية منتجة ومتينة وغياب الاحتياطي المالي اللازم والصناديق السيادية، مثلما تفعل باقي الدول النفطية.

واذا كانت تلك هي عين الكارثة الكبرى فان ما كشفت عنه النقاشات والجهود التي صاحبت اعداد موازنات السنين التالية التي تأخر اقرارها اشهرا عن موعدها الدستوري هو الغياب التام للخبرة والكفاءة الاقتصادية في اعداد الموازنة، وخاصة ما اتضح جليا من الطريقة التي اتبعت في حساب اسعار البرميل الواحد من النفط، مما كشف عدم كفاءة وزارتي النفط والمالية في تقديم تقديرات وتصورات واقعية عن دور النفط في موارد الموازنة.ونتيجة لذلك فقد استعيض عن الاساليب المنهجية في تخطيط الموازنة باساليب الفهلوة والترقيع اضافة الى سيادة السياسات التي تتعامل مع الموازنة من منطق المحاصصة الاثنو-طائفية في تقسيم الموارد وليس على اساس المصالح العليا للبلد وهو ما دلت عليه التفاهمات التي تمت بشأن صادرات النفط مع اقليم كردستان.

ما نتج عن ذلك هو العجز الذي ظلت تكشف عنه الموازنات تلك الذي بلغ أكثر من 20 بالمائة واضطرار الحكومة ليس الى تقليص الميزانيتين التشغيلية والاستثمارية فقط بل اللجؤ الى سياسات شد الأحزمة والى سلسلة اجراءات مالية حساسة شملت اللجوء الى احتياطي “البنك المركزي العراقي” واصدار سندات حكومية والاقتراض من البنوك المحلية والدولية وغير ذلك من الوسائل بهدف سد العجز وتوفير الأموال اللازمة لادارة عجلة الدولة.واذا ما ظلت تأثيرات كل تلك الاجراءات على المواطن العراقي العادي ومستوى معيشته خلال تلك الفترة ملمومسة، فان نتائجها على المدى البعيد ستكون كارثية.

ومع ان “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” كانا من الجهات التي روجت لخرافة انعكاس ارتفاع مؤشرات الناتج القومي الايجابية على التنمية، الا انهما اقرا من خلال تقاريرهما الدورية بالحالة المزرية للاقتصاد العراقي نتيجة الاداء الحكومي خلال العشرية الماضي وطالبا بالاصلاحات الهيكلية المالية والنقدية اللازمة لوقف تدهور الاقتصاد العراقي وخاصة ازالة الأسباب التي ادت الى ظاهرة الفقر في بلد هو واحد من اغنى بلدان العالم بثرواته الطبيعية.ففي احدى تقاريرها تلخص “مجموعة البنك الدولي” ما وصل اليه العراق عام 2012 من حالة مزرية حيث يعيش نحو 20 في المائة من السكان فيه بمستوى تحت خط الفقر.وكشف التقرير الذي اعتبر اول تحليل معمق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق منذ  الاحتلال ان الفئات الأكثر ثراء من السكان حصدت النسبة الأكبر من المكاسب على حساب الأغلبية من العراقيين التي ظلت مستوياتها المعيشية تترواح بين الاكتفاء وبين الفقر او حتى الوقوع تحت مستوى خط الفقر.وليست الفئات الثرية هنا بطبيعة الحال سوى جماعات “دولة علي بابا” وحلفائهم من الطبقة الطفيلية التي تكونت من خلال الإعتياش على الفساد وليست الفئات التي كسبت اموالها عن طريق النشاطات الاقتصادية الطبيعية والقانونية المعروفة.

ما يدعم نتائج هذا التقرير وما يؤكد على استمرار حالة التدهور المعيشي هو ما جاء في تصنيف العراق في المرتبة الـ87 عالمياً في مؤشر الجوع العالمي لعام 2017  ليتقدم بذلك العراق على العديد من البلدان المعروفة عالميا بارتفاع مؤشرات الفقر نظرا لأسباب تتعلق بانعدام، او شحة الموارد.ولكي تتضح صورة موقع العراق في هذا المؤشر فانه يعني بتصنيف البلدان على اربعة مرتكزات اساسية هي: نقص التغذية، ووفيات الاطفال، وهزال الاطفال، وتقزمهم.(4)

هناك تقارير اخرى عديدة صدرت عن المؤسسات الدولية خلال الفترة المدروسة تشير الى ان هناك ارث صعب من الفساد وسؤ الادارة والهشاشة والضعف المؤسسي في العراق مما يجعل الاقتصاد العراقي يواجه تحديات هائلة على المدى البعيد قد تستغرق وقتاً طويلاً للتغلب عليها.ففي تقرير لـ”برنامج الأمم المتحدة الانمائي” تشير المنظمة الى عجز المؤشرات الكمية المتأتية من وفرة المصادر النفطية على تنمية القدرات البشرية وتمكينها من ادارة الموارد الضرورية لبناء اساليب حياة كريمة ومعززة.كما يشير الى ان العديد من المشكلات المتراكمة تهدد التمنية الشاملة وتضعف من جهود احراز تقدم حثيث في جهود التنمية.ولعل اهم استنتاجات هذا التقرير هو ان التشويهات التي انتجها الاعتماد الكلي على موارد النفط ادت الى تعثر برامج التنمية الاقتصادية، وخاصة لجهة تدهور نسبة نمو النشاطات الاقتصادية التي توفر فرص العمل والتي عملت بدلا عن ذلك على خلق سوق عمل غير متجانس اصبح مستودعا للبطالة والبطالة المقعنة.(5)

ومع كل هذه الصور البشعة للأوضاع المعيشية للعراق فقد جاءت ميزانيات الدولة منذ عام 2014 تقشفية وتفتقر الى تخصيصات استثمارية بسبب العجز الهائل الذي كانت تعانيه والذي عزي ظاهريا الى تدهور اسعار النفط، ولكن واقعيا كان ذلك بسبب الفساد الذي ابتلع موارد الدولة، والنزيف في احتياطاتها النقدية، واستمرار سرقة المال العام.فعلى مدى السنوات اللاحقة تظمنت الميزانيات استقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين ووقف التعينات في دوائر الدولة وتعليق الدعم للكثير من السلع والخدمات وزيادة اسعار الكهرباء والماء وفرض ضرائب ورسوم جديدة اثقلت كلها اعباء الحياة على المواطن، وخاصة الفئات الأكثر حاجة.وفي نفس الوقت فقد توقفت، او كادت، كل المشاريع التنموية التي توفر  للمواطنين الخدمات الأساسية ولتطوير البنية التحيتة التي من شأنها ان تحسن من الاداء الاقتصادي العام.ولعل اسوء نتائج التقشف هو تعرض المستشفيات والمدارس الى ازمات مالية ادت الى تعثر الخدمات الصحية والتعليمية حتى خلت العديد من المراكز الصحية من الأدوية والمعدات والأطباء مثلما افتقرت المدارس الى ابنية لائقة والى المعلمين والكتب الدراسية.ان خير دليل على الأثار التدميرية للاجراءات التقشفية هو انحدار مؤشرات جودة الحياة في العراق مثل الصحة والسكن والحياة الاجتماعية والرفاه المادي والأمن الوظيفي، والتلوث والبيئة، والتعليم والثقافة، ورعاية الطفولة والمسنين والايتام واصحاب الحاجات الخاصة، وغير ذلك مما يتطلبه الإنسان من مواجهة متطلبات الحياة وضغوطها.

وفي الوقت الذي خلفت الميزانيات التقشفية الكثير من التشوهات في البنى الاقتصادية والاجتماعية وعمقت من معاناة العراقيين استمرت زمر الحكم تمارس فسادها الذي اعتادت عليه والذي كشفت عنه المزيد من الفضائح وقصص الفساد التي ظلت تتوالى خلال السنوات التي تم اللجؤ خلالها للميزانيات التقشفية.لقد ظل اكبر منفذ للفساد، وهو مزاد العملة في “البنك المركزي العراقي” مفتوحا على مصراعيه ممثلا المصدر الاكبر لاستنزاف موارد البلد من العملة الصعبة من النفط، بل واستنزاف الاحتياطي النقدي للبنك ذاته.ومثلما هو الأمر منذ احلال هذا النظام بعد الاحتلال فقد استمرت البنوك وشركات الصيرفة التي تمتلكها الجماعات الحاكمة وحلفاؤها من الأوليغاركية المتنفذة في شفط مليارات الدولارات سنويا والتي يجري تحويلها بعدئذ الى خارج العراق ثم يجري تبيضها في عمليات تتم عبر مافيات دولية واقليمية.(6)

وعلى نفس المنوال الذي كانت عليه منذ 2003 فقد استمرت عمليات نهب المال العام والفساد المالي والاداري للجماعات المتسلطة واعوانها بالرغم من معاناة الناس من الغلاء وشحة الموارد والفقر والعوز نتيجة سياسات شد الأحزمة على البطون التي اعلنتها الحكومة لمواجهة العجز في الموازنة.لقد كانت تلك ايضا رسالة تيئيس من تلك الجماعات للعراقيين عن أية امكانية حقيقية لوقف الفساد مهما كانت ظروف البلد الاقتصادية، حتى ان رئيس “هيئة النزاهة” “حسن الياسري” اقر في تصريحات له ان مهمته بمحاربة الفساد هي بمثابة محاولة “إفراغ مياه البحر بملعقة.”(7)

                        هوامش ومراجع ومصادر الفصل العاشر

 

1-انظر:”هيا يا سيد بريمر، اين ذهبت أموال العراق؟” صحيفة الغاردين البريطانية (بالانكليزي)، 7/7/2005

https://www.theguardian.com/world/2005/jul/07/iraq.features11

انظر ايضا:”البحث عن 17 مليار دولار من اموال العراق ضاعت بعد الاحتلال الامريكي”، وكالة انباء رويترز (بالانكليزية)، 19/6/2011

https://www.reuters.com/article/us-iraq-usa-money/iraq-hunting-17-billion-missing-after-u-s-invasion-idUSTRE75I20S20110619

2-انظر:”مبادرة الشفافية الدولية تعلق عضوية العراق”، موقع عراق بزنيز نيوز، 6/11/2017

http://www.iraq-businessnews.com/2017/11/06/transparency-initiative-suspends-iraqs-membership/

3-انظر:”ديوان الرقابة المالية عاجز عن تقديم الحسابات الختامية للحكومة، 17/12/2012

http://www.almadapaper.net/ar/news/4388/%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D8%B2-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9

4-انظر:”الفقر في العراق بين عامي 2012-2014″، مجموعة البنك الدولي (بالانكليزية) ،1/1/2016

http://documents.worldbank.org/curated/en/239351468915807676/Poverty-in-Iraq-2012-2014

انظرايضا:مؤشر الجوع العالمي عام 2017

http://www.globalhungerindex.org/pdf/en/2017.pdf

5-انظر:تقرير التنمية البشرية في العراق 2014، برنامج الامم المتحدة الانمائي (بالانكليزية)

http://www.iq.undp.org/content/dam/iraq/img/Publications/UNDP-IQ_IraqNHDR2014-English.pdf

6-انظر:”الفساد ينخر في مزاد العملة العراقية”، موقع العربي الجديد، 14/12/2015

https://www.alaraby.co.uk/supplementeconomy/2015/12/13/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D9%86%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9

انظر كذلك:”بسبب فساد مزاد بيع العملة.. انخفاض احتياطي العراق الى 43 مليار دولار”، موقع بغداد بوست، 26/5/2016

http://www.thebaghdadpost.com/ar/story/8610/%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%AE%D9%81%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-43-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1

7-انظر:”لوفيغارو:سرطان الفساد ينهش العراق”، موقع الجزيرة، 30/11/2017

http://www.aljazeera.net/news/presstour/2017/10/5/%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D9%84%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D9%88-%D8%B3%D8%B1%D8%B7%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D9%86%D9%87%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

 

cover 5

دولة علي بابا

cover 5 

9)

                            وحين ينقلب الفساد الى تنمية                                

خلال سنوات الاحتلال والفترة القصيرة التي تلت الانسحاب الامريكي من العراق ظل الاعلام الغربي يحتفي كثيرا بالاخبار والتقارير التي تتحدث عن التقدم الاقتصادي في العراق اعتمادا على احصائيات وبيانات تتعلق بزيادة انتاج النفط خلال تلك الفترة وباعتبار ان النمو المتحقق في الدخل القومي الاجمالي جراء تدفقات الأموال النفطية هو مؤشر على تلك التنمية  الاقتصادية المزعومة.واذا كان علينا ان نصدق تلك التقارير، كما هو الهدف من نشرها، فقد كان ينبغي ان نصدق ايضا ان العراق كان ينعم بازدهار إقتصادي يؤهله ان يصبح خلال السنين القليلة القادمة احد الاقتصاديات المتقدمة في المنطقة، كما ظل يروج له قادة دولة الفساد، وهي صورة لم تكن قريبة من الحقيقية ابدا بل كانت مضللة وهو ما كان يدركه العراقيون اكثر من غيرهم من خلال ملامستهم للواقع المغاير الذي يعيشونه وسط انعدام للخدمات الاساسية وتهالك البنى التحتية وتوقف تام لعجلة التنمية في القطاعات الاقتصادية الاساسية وخاصة الصناعة والزراعة.(1)

لم يكن الأمر بحاجة لانتظار الانخفاض المريع في اسعار النفط مع نهاية عام 2014 لكي يتضح زيف تلك الاسطورة، بل الخدعة الكبيرة، والتي كشفت كم كان العراق عاريا من كل ما يستر بدنه المتهالك رغم الثروات الهائلة التي حصل عليها خلال السنوات الاثني عشر السابقة بسبب تخلف الاقتصاد والتنمية الناتج عن الفساد المتوحش وسؤ الادارة.كان واضحا منذ البداية ان الأموال الطائلة التي جاءت من موارد النفط، والتي قاربت، او ربما تجاوزت، ترليون دولار لم تذهب الى التنمية وبناء الاقتصاد الوطني، بل الى بطون منتفعين لا تشبع ومثلهم مثل جهنم يسعون دوما للمزيد.ولم يكونوا وحدهم في اقتراف تلك الجريمة الشنعاء في تدمير بلد وشعبه فقط، بل شارك فيها وحرض عليها وادارها من الخارج الشركاء الدوليون المعروفون.

ما كانت تشير اليه التقارير المسربة للصحافة عن مؤشرات عن التقدم الذي يحرزه العراق في المجالات الاقتصادية كانت ترتبط بحملة علاقات عامة تساهم بها مؤسسات العولمة المختلفة لصالح الشركات والمصالح الدولية التي انكبت على الحصول على مختلف انواع المقاولات والعقود والاستثمارات، ومحاولة الحصول على المزيد من خلال الايحاء بان تلك الارقام الزائفة عن نمو الاقتصاد العراقي في تلك الفترة هي مؤشرات حقيقية عن الاداء الاقتصادي لبلد كان كل من يعيش فيه يرى الحالة المزرية التي هو عليها من تخلف وفقر وارتداد.ولم تكن هذه التقارير التي نشر بعضها الجيش الامريكي والتي تروج لأوهام واكاذيب من خلال المحاولات المستميتة لرسم صورة وردية عن ااإقتصاد العراقي تبرر فقط المصالح الجشعة للشركات الأجنبية، بل انها ساهمت مساهمة فعلية في استمرار وتنامي الفساد في العراق.(2)

ان قصصا مضللة من هذا النوع عن المكاسب التي يمكن ان تتحقق  في مجالات الاستثمار في مناطق العنف هي ليست بالجديدة في الاعلام الغربي الذي يحاول دائما ان يضفي عليها طابع المغامرة والبطولة والتشويق للترويج لفكرة ان الارهاب والعنف، وحتى الحروب الاهلية، لا يمكنها ان تقف امام عجلة الاستثمار الدولي ونشاط الشركات العالمية، وخاصة شركات النفط والسلاح، بهدف فتح المزيد من الفرص ومن اجل المزيد من الأرباح وتراكمها.وكما هي الحالة في كل مكان روجت فيه هذه الاكاذيب فقد كان الهدف هو التغطية على الجانب المظلم الحقيقي لاداء الدولة وهو الفساد الذي يدمر الاقتصاد.

في شباط 2014 نشرت العديد من وسائل الإعلام تقريرا عن افتتاح فرع لسلسة مطاعم “بيتزاهات” في اربيل مع عنوان براق ان “العراقيين سيتمكنون منذ الان من تذوق البيتزا الامريكية”، كما تبشرهم بالمزيد من فروع هذه السلسة في باقي انحاء العراق.بعد ذلك باشهر تم التطبيل لافتتاح فروع لسلاسل اخرى من المطاعم والمقاهي الامريكية.الرسالة الأولى التي تبعث بها هذه الاخبار كانت موجهة للعراقيين جميعهم بانهم على موعد مع اكثر منتجات العولمة شهرة، اما الرسالة الاخرى التي كانت موجهة للرأي العام العالمي والامريكي فهي ذات الرسالة المعروفة عن منتجات وخدمات الشركات الامريكية العابرة للحدود لنشر ثقافة الاستهلاك المعولمة وامتداد النفوذ الاقتصادي الامريكي في العالم.لاتحدثنا وسائل الاعلام هذه بطبيعة الحال عمن يمتلك هذه السلسلة من المطاعم من العراقيين، ولا عن الطريقة التي حصلوا من خلالها على الرخصة، ولا عن تفاصيل اخرى ضرورية من اجل اعمام الحقيقة والشفافية لكي يعرف العراقيون لماذا ان افتتاح مطعم للبتيزا الامريكية هو اهم من توفير الماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات وغير ذلك من المؤسسات التي توفر فرص العمل والسلع والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن العراق.(3)

ولا يمكن بطبيعة الحال ان تغفل وسائل الاعلام الغربية هذه الحديث خلال هذه الفترة عن نجاحات الشركات النفطية الكبرى مثل “اكسون موبيل” او “رويال دويتش شيل” او “بريتش بتروليوم” في ادارة المشاريع العملاقة التي حصلت عليها في استخراج نفط العراق، فتلك مهمة من مهماتها الاعتيادية في الترويج للرسالة السامية لهذه الشركات في توفير التكنلوجيا المتقدمة لمساعدة الشعوب على الانتفاع من خيراتها الطبيعية.ولكنها مع ذلك تتغافل عن حقيقة ان كل تلك العقود المهولة التي حصلت عليها خلال وزارة “نوري المالكي” كانت كارثية لانها رسمت صورة خيالية مضللة عن قدرات العراق لانتاج  9 ملايين برميل او اكثر من النفط خلال سنين قليلة، مما نتجت عنه خسائر فادحة، بسبب تكاليف الانتاج الباهظة التي ترتبت على العقود بعد ان فشل العراق في انتاج تلك الكميات الكبيرة بسبب الفائض الكبير في سوق النفط العالمية.

اذ كما كان التضليل في حالة مطاعم الـ”بيتزاهات، و”الهارديس”، و”السنامون” فقد تم التطبيل والتزمير للعقود النفطية التي وقعها العراق مع الشركات البترولية الكبرى والتي سببت خسائر فادحة للاقتصاد العراقي وحققت ارباحا طائلة للشركات الاجنبية.لقد كانت عقود التراخيص اساسا عقود خدمة لكنها تحولت فعليا الى عقود للمشاركة ادت الى خسائر كبيرة للاقتصاد العراقي تقاعست الحكومات عن معالجتها خلال كل تلك السنين انصياعا للكارتلات النفطية العالمية، وللمصالح السياسية التي تقف وراءها.ما كان مهما هو التأكيد على اجواء الاستثمار المهيئة في العراق من خلال نموذج العقود النفطية هذه وكذلك التأكيد على ان الاوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية اصبحت مهيئة لاستقبال الاستثمارات وفروع الشركات الأجنبية وبالتالي تقديم البراهين على ان الغزو الامريكي ان كان قد اخفق في الجانب العسكري والأمني فانه حقق نتائج باهرة في مجالات التنمية والاقتصاد.

لا يجري كل ذلك بمعزل عن عمل الحكومات والهيئات الرسمية والشركات الكبرى التي تقوم بتوظيف شخصيات سياسية لها صلات مع القادة العراقيين للحصول على عقود مشاريع وصفقات تجارية وإستثمارية ضخمة مقابل عمولات كبيرة.واذا كانت ابرز هؤلاء الشخصيات هي البارونة البريطانية “ايما نيكلسن” التي عينت الممثلة التجارية للشركات البريطانية مع العراق بسبب علاقاتها المتينة مع شخصيات المعارضة في زمن صدام ودعمها لهم فان عددا كبيرا جدا من رجال السياسة والسفراء والدبلوماسيين والجنرالات الذين اشتركوا في الغزو انخرط في العمل بعد ذلك مع الشركات الأمريكية الكبرى بهدف تسهيل مهماتها في العراق وحصولها على صفقات مجزية.(4)

ولا يتقتصر الامر على البريطانيين والامريكيين، فاليابان مثلا استعانت بدبلوماسيين واكاديميين وخبراء، كما استعانت بشخصيات عراقية بعضهم كتاب وسياسيين، لدعم عمل الشركات اليابانية والتي ضمنت خلال السنوات الاولى للاحتلال الحصول على خمسة عشر عقدا كبيرا لاعادة اعمار وتطوير موانئ ومحطات طاقة بمبالغ تجاوزت 500 مليون دولار.ولجأت كندا واستراليا وغيرها من الدول الى اشخاص من جنسياتها للحصول على فرص استثمار من خلال علاقات هؤلاء الذين ينحدرون من الأصول العراقية مع اقربائهم وأصدقائهم من رجالات الحكم في العراق.في حين ان دولا اخرى مثل روسيا والتشيك والباكستان حصلت على فرص من خلال وسطاء عرب، وخاصة من الشيعة اللبنانيين وعراقيين ضليعين باعمال السمسرة هذه.

ولم تعد محاولات البحث عن فرص الاستتثمار، او الصفقات التجارية، من قبل الدول الأجنبية امرا مثيرا للاستغراب، بل ان بعض الدول اخذت تتذمر وتشتكي من قلة حصتها في الاستثمارات في العراق وتوكل الى صحفييها ان يتبنوا موقفها هذا للضغط على المسوؤلين العراقيين.ففي شهر اذار (مارس) 2014 لم يتردد صحفي الماني يعمل في مجلة “دير شبغيل” من ان يسأل نوري المالكي في مقابلة صحفية عن السبب وراء قلة حصة المانيا من كعكة التجارة والاستثمار في العراق غامزا من طرف لوبيات المصالح الامريكية وغيرها التي تقف وراء ذهاب معظم الصفقات الى الشركات الامريكية.(5)

من بين المؤشرات التي تم التطبيل لها عام 2014 هو زيادة نسبة النمو السنوي الى 9 بالمائة وهو ما يوحي بالنسبة لغير المتخصصين ان وضع العراق التنموي اصبح في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا.ان كل المعنيين بالاقتصاد يدركون ان الحديث عن اي تقدم او نمو اقتصادي في العراق من خلال التركيز على مؤشرات نسبة النمو التي تستند الى موارد النفط الريعية انما يدخل في خانة الدجل اكثر منه من الكلام العلمي الموضوعي.فالناتج القومي الاجمالي في العراق انما يقوم في 95 بالمائة منه على موارد النفط وليس على اقتصاد حقيقي متنوع ومنتج.ثم ان هذه الأرقام المتعلقة بنمو الناتج الاجمالي لا يمكنها ان تكون بحد ذاتها مقياسا للتقدم والنمو الاقتصادي طالما هي لا تتأتى من قطاعات انتاجية فاعلة ومثمرة.وحتى بالنسبة لغير المتخصصين فان المؤشر الفعلي للتنمية الذي يفهمه اي انسان هو ما يلمسه بيده وما يراه امام عينه من انجازات على الارض، او حتى ما يتوقعه وفقا لبيانات حقيقية، وهو ما لم يكن متوفرا  تماما.(5)

كيف يمكن الحديث عن معدلات نمو عالية في حين تفتقر مدن العراق الى مساكن ومدراس ومستشفيات وبناء تحتي يليق بالبشر ويتناسب مع ما يحصل عليه العراق من موارد مالية هائلة يمكنها ان تلبي حاجة سكانه المتزايدة من كل الخدمات.كان الحديث عن النمو الاقتصادي من خلال ارتفاع مداخل النفط يجري في حين يعاني القطاع الصناعي العراقي من غياب كامل لاي دور في المنظومة الاقتصادية بسبب توقف معظم المصانع القديمة وعدم بناء مصانع جديدة منذ الغزو.كان الاعلام الغربي يطبل لاسطورة النمو في حين كانت الزراعة في العراق قد اندثرت تماما واصبح العراق بكل اراضيه الخصبة وانهاره الكبرى يعتمد اعتمادا شبه كلي في  امنه الغذائي على استيراد المواد الزراعية والغذائية من الخارج.(6)

كانت التقارير الغربية تنشر عن النمو المضطرد في حين ان مؤشرات نوعية او جودة الحياة كانت ترصد إختلالات جوهرية عميقة في كل القطاعات التنموية الأساسية، الاقتصادية والبيئية والبشرية منها.كان ملايين العراقيين، وفقا لتقارير “البرنامج الانمائي للامم المتحدة” وتقارير حكومية ايضا يعيشون في فقر مدقع في حين تعاني ملايين اخرى من النقص في الغذاء والدواء، ودون خدمات صحية وبيئية ضرورية، وسكن لائق، وحيث يعيش اغلب العراقيين في مستويات معيشية متدنية.كان نحو 25 بالمائة من السكان يعانون من البطالة بينما بلغت الأمية نسب عالية بين مجمل السكان في حين ان نصف الأطفال ظلوا محرومين من فرص الذهاب للمدرسة بينما بقي معظم العراقيين يحصلون فقط على 14.6 ساعة من الكهرباء يوميا  في حين كان نحو 38 بالمائة منهم فقط يحصلون على الماء النظيف.كان الحديث عن التنمية يجري في بلد لا تنقطع الأخبار فيه عن الانهيارات الأمنية ابتداء من حوادث الارهاب والعنف العشاوئي ونشاط المليشيات الى الاختطاف لقاء فدية وانتهاءً بالجريمة المنظمة وحيث تحيط الشركات الاجنبية مقراتها بالأسوار من كل جانب وتستأجر الشركات الأمنية الخاصة لحراستها كما تدفع الأتوات درءا لهجمات المافيات.ولم يقتصر الأمر على الشركات الصغيرة، بل ان شركات النفط الكبرى العاملة كانت تتعرض للابتزاز لقاء القبول بحمايتها من الهجمات او التفجيرات او اختطاف العاملين فيها من مافيات محلية.

في مقابل كل هذا الحديث عن التقدم كان يتم تجاهل الفساد المستشري في الصفقات والعقود التي تبرم بين الاجهزة الحكومية العراقية والشركات الاجنبية وتأثيرات كل ذلك على موارد العراق وعلى مجمل العملية التنموية فيه.فخلال هذه الفترة لم نسمع الا النزر اليسير عن قضايا الفساد التي جمعت مسؤولين عراقيين وشركات اجنبية والتي جاءت على خلفية مخالفات تتعلق بالقوانيين الوطنية في تلك الدول في حين نجت معظم القضايا التي كان يتم فضحها في العراق من المتابعة والتحقيق والملاحقة.وحتى حين تم الكشف عن تورط مسؤولين عراقيين في قضايا فساد مثل قيام شركة (GlaxoSmithKline) البريطانية للدواء عن دفع رشاوي لأطباء وصيادلة عراقيين يعملون لصالح “وزارة الصحة” العراقية وخضوع شركة (Leighton Holdings) الاسترالية للانشاءات للتحقيق لدفعها رشاوي للحصول على عقود عمل في مشروعات النفط في العراق فان الدول المعنية لم تسع لدفع الجانب العراقي لملاحقة المرتشين العراقيين، وبالطبع لم تفعل الحكومة العراقية ذلك.

لم تقم الجهات المعنية في كندا وسويسرا مع كل الامكانيات الهائلة المتوفرة لديها بملاحقة الفضيحة التي فجرها الوزير العراقي السابق “جواد هاشم” في شهر اب (أغسطس) 2011 بشأن توقيع “وزارة الكهرباء” عقدا مع شركة كندية تدعى( Capgent ) لبناء محطات للكهرباء في عدد من مناطق العراق قيمته حوالي 1.2 مليار دولار امريكي مع العلم انه ثبت ان الشركة لا وجود حقيقي لها حسب تفاصيل كثيرة نشرها هاشم.كما اخفقت سويسرا عن متابعة كشف المهندس العراقي “مثنى كبة” النقاب عن عقد وهمي وقعته الحكومة العراقية مع شركة مقرها في سويسرا لبناء مصفاة للنفط بقيمة 6 مليار دولار ولكن تبين الا وجود لهذه الشركة على ارض الواقع ايضا.(7)

كانت قصص الشركات الوهمية التي توقع عقودا وتقبض المليارات والتي تتداول على السنة العراقيين وعلى مواقع الانترنيت مهولة في تفاصيلها وفي ابطالها من العراقيين ومن الاجانب الا انها لم تكن موضعا للاهتمام من قبل وسائل الاعلام الغربية التي  تمتلك مكاتب وفيالق من العاملين وامكانيات هائلة للحصول على المعلومات في الدول المعنية وتدقيقها.كيف يتمكن عراقيان احدهما في كندا والآخر في سويسرا لا يمتلكان خبرات صحفية تحقيقية او مهارات الصحافة الاستقصائية من الوصول الى الشركات الوهمية بالوسائل الشحيحية التي لديهم ولا تتمكن من ذلك وكالات ابناء وصحف دولية عملاقة.

كان الحديث عن النمو والتنمية وربط ذلك بفرص الاستثمار امام الشركات الدولية جزءاً من تلك الأساطير التي حاكتها امريكا عن غزوها للعراق لتبرر الاحتلال وترسم صورة إيجابية عن نتائجه.كانت الآلة الاعلامية الامريكية تسعى لمواجهة الانتقادات المتزايدة للفساد الذي خلفته وراءها في العراق من خلال اظهار المنتقدين بانهم يبثون كل ما هو يدعو لليأس ويبث القنوط حول تجربة الاحتلال التي استنزفت  العراق ماليا وانهكته اقتصاديا، بعدما دمرته ماديا وبشريا.اما الزمر الحاكمة فمن الطبيعي ان يستهويها ترويج تلك الصورة الوردية المنافية للواقع المزري مهما انطوت على مبالغات وتدليس واكاذيب وان تشارك هي ايضا في الترويج لها بهدف رسم صورة مغايرة لحقيقة الخرابة التي جلست فوق أنقاضها  لتجكم في العراق الجديد.

ان الحقيقة المرة هي ان جزءا كبيرا من هذه النشاطات الاجرامية تقف وراءها مافيات دولية، من شركات، ومصارف، ورجال سياسة ومخابرات، وليست مجرد اعمال فردية، او مغامرات شخصية.هذا النوع من النشاط ينطوي على مصالح وتحويلات مالية وغسيل اموال تجري من خلال مؤسسات دولية عملاقة تخشى وسائل الاعلام ان تناول القضايا المتورطة بها لكي لا تزعجها حتى لا تقطع عنها اعلاناتها، مثلا.ان احد اشكال التواطئ المعروفة في الإعلام هو ما يسمى بتغير الموضوع، او مجرى الحديث، وهو في هذه الحالة التغير من تناول قضايا الفساد والنهب الى الحديث عن التنمية وفرصها المتوفرة، مما يعني في المحصلة النهائية توفير الغطاء للفساد والقائمين عليه.

لقد ظلت حكومة حيدر العبادي حتى الاسابيع القليلة التي سبقت انتخابات عام 2018 تتبجح بسياساتها التنموية ووضعها خطة تنموية خمسية جديدة للاعوام 2018-2022 وخطة اطول مدى للعام 2030 والتي لم يكن الحديث بشانهما الا كلاما مرسلا في اطار الدعاية الانتخابية نظرا لافتقاد الدولة لاية موارد استثمارية حقيقية وعجزها عن توفير ذلك من مصادر محلية او من المصادر الخارجية التي ظلت تشتكي دائما من الفساد وسؤ الادارة اللذان يعطلان عملية الاستثمار في العراق.ولقد وقع بعض الاقتصاديين والمتخصصين في شباك التدليس الذي مارسته عصابات “دولة علي بابا” في الترويج لاكاذيب التنمية في العراق.ففي 6 نيسان (ابريل) 2018 نقلت وسائل اعلام عراقية عن المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية مظهر محمد صالح “ان العراق سيشهد تغييرا ملحوظا في النمو خلال السنوات القادمة مع انطلاق الخطة الخمسية للاعوام ٢٠١٨-٢٠٢٢.”واعاد صالح الذي يفترض به ان يكون اقتصاديا محترفا العزف على نفس الاسطوانة البالية بان المسار التنموي للخطة “سيترجم بصورة حقائق لبلوغ معدل نمو سنوي في الناتج المحلي الاجمالي يزيد على ٧ بالمئة مما يضاعف من الرفاهية كونه يزيد على معدل نمو السكان البالغ قرابة ٣ بالمئة سنوياً وبنسبة تزيد على الضعف”. (9)

لقد اكدت كل الدراسات والابحاث التي تتعلق بالتنمية بديهية اساسية وهي استحالة قيام تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وفعالة في ظل تفشي ظاهرة الفساد بانواعه نظرا لوجود علاقة سببية بين حاجات التنمية وبين العوائق التي يضعها الفساد باطره الادارية والقانونية والسياسية.ان دولة اقامت نمطا اقتصاديا  كاملا قائما على النهب والاستحلال لايمكنها ابدا ان تطرح اي نموذج تنموي مستدام غير ذلك الذي يقوم على اتجاه اجباري واحد، وهو ذلك الذي يؤدي الى المزيد من الفساد والى تدمير كل الخيارات التنموية الممكنة وهو ما سيبقى امام العراقيين ان يتحملوه لعقود طويلة.

                     هوامش ومراجع ومصادر الفصل التاسع

 

 

1-انظر:”العراق مصدر جذب للمستثمرين الاجانب بعد تحسن الاقتصاد”، موقع فاينانشال تربيون، 14/12/2017

https://financialtribune.com/articles/world-economy/77896/iraq-attracts-foreign-investors-as-economy-improves

انظر ايضا:”العبادي: نتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9٪ في العام المقبل”، موقع  الغد، 19/11/2017

https://www.alghadpress.com/news/%D8%A7%D9%87%D9%85-%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/124155/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%86%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9-%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-29

2-انظر:”مصور يوثق النمو الاقتصادي في العراق منذ عام 2003″، موقع القيادة المركزية للقوات الامريكية،21/3/2010

http://www.centcom.mil/MEDIA/NEWS-ARTICLES/News-Article-View/Article/884024/photographer-documents-iraqs-economic-growth-since-2003

3-انظر:”هارديز وصل الان الى كردستان العراق”، موقع فايس، 17/11/2014

https://www.vice.com/en_uk/article/qbenw3/hardees-has-just-come-to-iraqi-kurdistan-102

4-انظر:”القضية الغريبة للبارونة نيكلسين مع العراق”، موقع كاونتربانش (بالانكليزية)، 26/2/2014

https://www.counterpunch.org/2014/02/26/the-curious-case-of-the-baroness-of-winterbourne/

5-انظر:مقابلة نوري المالكي مع مجلة ديرشبيغل، 23/3/2014

http://vista.sahafi.jo/art.php?id=c6e51ba2fe44127c9ba693fa72493d333fd86d67

6-انظر:”بعد عشر سنوات الاقتصاد العراقي ينمو، لكن كم هم المستفيدون؟، موقع ايرين الاخباري، 24/4/2013

http://www.irinnews.org/feature/2013/04/24/iraq-10-years-economy-grows-how-many-benefit

7-انظر:”كانت في العراق صناعة”، موقع الجزيرة،24/11/2013

http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2013/11/24/%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9

8-انظر:”الكشف عن عقد مزيف آخر في العراق”، صلاح النصراوي، بالانكليزية، موقع الاهرام اولاين،15/12/2013

http://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/8/89177/World/Region/Another-bogus-contract-in-Iraq-revealed-.aspx

9-انظر: “وزارة التخطيط: تحقيق التنمية المستدامة في العراق، مركز الروابط ،23 /1 /2018

 

http://rawabetcenter.com/archives/60587

 

دولة علي بابا

cover 5 

(8)

                                تمخض الفساد فولد بؤسا

 

 

للعراقيين تقاليد اجتماعية راسخة معروفة مزجت بين الموروث الحضاري والديني والعشائري الذي اختلط عبر القرون نتيجة لاستمرارية المجتمع وديمومته عبر دول وممالك وامبراطوريات وثقافات وعقائد، بعضها كان عالمي الامتداد وانساني الروح والنزعة.هذه التقاليد امتزجت في عصر الدولة العراقية الحديثة التي تأسست في مطلع القرن الماضي مع محاولات وتيارات التحديث لكي تنتج تقاليد مجتمعية جديدة ملائمة لروح العصر وغاياته ومتطلعة لبناء مستقبل واعد.ولم تنجوا هذه التقاليد والأعراف من الضغوط الاجتماعية المختلفة، ولا من من التحديات التي واجهتها عبر العقود التي تلت تشكل العراق الحديث، سواء ما كان منها يتعلق بالصراع بين القديم والجديد على الصعيد الاجتماعي، او القلاقل والاضطرابات والانقلابات على الصعيد السياسي.ولعل اكبر تلك التحديات التي شهدها العراق قرب نهاية القرن العشرين كانت التبعات الاجتماعية لسلسلة الحروب التي شنها “صدام حسين” والحصار الاقتصادي القاسي الذي عانى منه العراقيون لفترة ثلاثة عشر عاما ادت الى تفكيك الكثير من البنى الاجتماعية والاطاحة بها لصالح بنى افرزتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي سببتها الحروب والحصار والعزلة الدولية.

وكنتيجة طبيعية لتلك الاهتزازات السياسية والاجتماعية والمعاناة الاقتصادية خلال نحو سبعين عاما بدأت تظهر الكثير من الآثار السلبية والتدميرية على بنية المجتمع وعلى السلوكيات الفردية والجماعية من مشاكل اجتماعية واضطرابات نفسية وانهيارات قيمية تحمل تبعاتها الانسان العراقي.وبعد خمسة وثلاثين عاما على حكم البعث الاستبدادي ودكتاتورية صدام كان من الطبيعي ان يكون المجتمع العراقي قد مر باسؤ تجربة يمكن ان يمر بها شعب تحت الحكم الشمولي.لم يعرف العراقيون معنى حرية التعبير وحرية الفكر وحرية العمل السياسي والدستور ودولة القانون واستقلال القضاء، وكل ما له علاقة بالنظام الديمقراطي وممارساته.وكان خضوع العراقيين كل تلك السنوات للدكتاتور ونزواته قد تركت نتائج مريعة على منظومة القيم الاجتماعية التقليدية وعلى الانسان العراقي الذي اصبح بحكم رغبته في البقاء والنجاة مطواعا ومتكيفا مع الدكتاتور وطباعه وسياساته.ولعل اسؤ تداعيات المرحلة الصدامية اجتماعيا هي انها جعلت كل الآمال لدى الناس واحلامهم وتطلعاتهم تضطر لان تدور حول الهالة الموهومة للدكتاتور وحول عائلته وحزبه ونظامه لسبب واحد وهو انه منع اية احتمالية لتوفر البديل.

وبسقوط نظام “صدام حسين” كان العراقيون يأملون ان تنتهي معه تلك الصفحة الأليمة من تاريخهم، وبدء مرحلة جديدة يستعيدون فيها الدينامكية التي ميزت مجتمعهم الناهض مع دولتهم الحديثة، بداية القرن الماضي، بعد بدء تلاشي البنى القديمة الموروثة من عهد الدولة العثمانية.كان الأمل ان يعوض اي نظام جديد سنوات القطيعة التي حدثت مع  النهضة والتحديث، ويعيد العمل على بناء المجتمع بناءً حضارياً عصرياً.لكن ما حصل مع الحكم الجديد  القائم على الفساد والهيمنة بعد الاحتلال كان ارتداداً عكسيا دمر الكثير من البنى والقيم والانجازات الاجتماعية واعاد العراق عقودا طويلة الى وراء.هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه حول الضربات الموجعة التي وجهت لمشروع الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية، بل لمفهوم دولة القانون والمؤسسات، وخاصة في الفضائين الديني والقبلي حيث سادت النزعات الدينية الطقوسية والشعائرية والرمزية واحتل رجال الدين مكان الدولة ودورها في الكثير من الميادين، كما اضطردت ادوار العشيرة والقبيلة حتى انها تجاوزت محيطها القروي والبدوي، او المحلي الضيق، لكي تفرض قوانينها وقيمها وعاداتها على المدن الحضرية، بل وحتى على اجهزة الدولة ذاتها.

ان كل ذلك يأتي في اطار الابعاد السوسيولوجية الكثيرة للفساد وآثارها على الدولة والمجتمع من خلال سلطتي السياسة والمال اللتان تكتسبهما الجماعات المهيمنة والتي تستطيع من خلالها اعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية وانتاج المزيد من السلطة لها.فالمعروف ان الأبنية الاجتماعية يجري تشكيلها عادة من خلال الصراعات بين القوى المختلفة، وخاصة بين القيدم والجديد، وما تطرحه من افكار وتمثله من مصالح.ومن هنا فان القوى التي تمسك بالسلطة وبالمصادر هي في وضع افضل لكي تعيد صياغة المجتمع على هواها ورعاية مصالحها بالطريقة التي تشاء.وفي التجربة العراقية وفي الاطار السوسيلوجي الكلي فقد اثبت الفساد ومن خلال الثروات الهائلة التي تكدست لدى الجماعات الحاكمة انه كان عاملا كبيرا في محاولات هذه القوى اعادة صياغة ليس فقط العلاقات الاجتماعية وانما عقول الناس وقلوبهم ومصائرهم.

 اما في الاطار الجزئي فقد لعب الفساد من خلال نهب المال العام والرشاوي وتبادل المصالح دورا مهولا في تغير نمط العادات والسلوك ومنظومة القيم والمؤسسات الاجتماعية ودمر ثقة الافراد بها وبالمجتمع نفسه بعد ان دمر ثقته بالدولة.ما انتجه الفساد على هذا الصعيد هو هدم ما تحقق عبر عقود من الزمن في بناء منظومة قيمية واخلاقية للمجتمع تتماشى مع مساعي بناء دولة حديثة، واعادة تلك الجهود الى نقطة الصفر.هناك الكثير الذي يمكن ان يقال بشأن التداعيات السلبية التي خلفها الفساد اجتماعيا والتي ورد البعض منها في ثنايا فصول هذا الكتاب ولكني سأقتصر هنا على بعض الجوانب التي تكشف الأدوار المباشرة للجماعات المتنفذة في ما وصل اليه العراق من الانحطاط الإجتماعي كما تكشف كيف ان نتائج الفساد اصبحت هي منظومات القيم السائدة بدل المنظومات القديمة.

من الظواهر الناتجة عن هذا الانهيار الكبير في البنى الإجتماعية هو زيادة معدلات الجريمة غير المرتبطة بالعنف الطائفي او الارهاب بشكل اسثنائي ومتصاعد في العراق. فوفقا لموقع البيانات (نامبيو) فان العراق احتل المرتبة الرابعة في الشرق الأوسط في الدول التي يتدهور فيها الأمن عام 2017.ووفق الموقع ذاته فان الجرائم المرتكبة شملت حوادث القتل والنهب والسرقة والسطو المسلح واقتحام المنازل وسرقات السيارات والاعتداءات المباشرة وغيرها من الجرائم الجنائية العادية.كل ذلك جعل بغداد استنادا الى تقرير آخر نشره موقع “اي. بي. سي. نيوزبوينت” تتربع مع تسع دول اخرى اخرى على عرش المدن الأكثر خطورة في العالم.(1) 

وفي الوقت الذي يرتبط ذلك الارتفاع الهائل لمعدلات الجريمة بالجو العام الذي خلقته الانهيارات الأمنية التي تسبب بها الارهاب، الا ان جزءاً كبيراً من اسبابها يظل مرتبطا بالممارسات التي خلقها الفساد وخاصة داخل مؤسسات انفاذ النظام والقانون.وخلال السنوات المنقضية نشرت اللآلاف من التقارير الصحفية، او تلك الصادرة عن منظمات حقوق الانسان، او الشهادات الشخصية بخصوص حالات الفساد في الأجهزة الامنية التي تؤشر على  الدور الذي تلعبه الأحزاب والجماعات الحاكمة داخل هذه الأجهزة مما يمنعها من القيام بواجبتها، او استغلالها مراكزها في في نشر الفساد.(2)

ولم تكن الكثير من الجرائم لتقع بمعزل عن عمل الجماعات السياسية والجهات المتنفذة فيها مما يكشف عن الصلة المباشرة بين الفساد الذي تمارسه هذه الجماعات وانتشار الجريمة.ومن الظواهر المخيفة في هذا المجال هو تزايد حالات الخطف من قبل جهات سياسية او عصابات على صلة بها.في  كانون الاول  عام 2014 خرجت وسائل الاعلام العراقية بخبر صاعق وهو بيان من وزارة الداخلية تعلن فيه القاء القبض على زعيم عصابة خطف في بغداد بالتعاون مع وزير النقل انذاك “باقر جبر الزبيدي”.ووفقا لحيثيات الاعلان فان من القي القبض عليه هو “كميل علي محمد” الذي تزعم عصابة خطف في بغداد”.ما لم يشر اليه البيان ان كميل هو ابن اخ الوزير الزبيدي الذي هو عضو قيادي كبير في “المجلس الاسلامي الاعلى في العراق”، احدى ابرز جماعات الاسلام السياسي والذي تبؤ قبل ذلك عدة مناصب وزارية ومنها وزارة الداخلية.

الزبيدي كان قد اصدر بيانا بعد ظهور الفضيحة يقر فيه بجرائم ابن اخيه، الذي يعمل ضمن فريق حمايته  الشخصية، والتي ارتكبها مع “مجموعة من الذين يعملون في الاجهزة الاستخبارية” وتوعد انه سيتابعها عند القبض على الجناة الهاربين”. ما لم يشر اليه الزبيدي هو العديد من الجرائم التي كانت تتداول على السنة الناس في بغداد والتي تشير باصابع الاتهام الى ابن اخ الوزير وافراد في حمايته والتي لم يكن بامكانه التغطية عليها بعد ان فاحت رائحة آخر جريمة اختطاف قام بها وهي لشابة من عائلة شيعية ووصلت الى اتهام المجلس ورئيسه “عمار الحكيم” بالتغطية عليها.(3)

كانت تلك واحدة من جرائم لاحصر ولا عد لها ارتكبت من قبل اشخاص يرتبطون بالجماعات الحاكمة، لكن اهميتها تكمن في انها من المرات النادرة التي يضطر المسؤولون فيها الى الاعلان عن بعض تفاصيلها لاسباب هي في الحقيقية لا تتعلق باحقاق العدل ومعاقبة المتهمين في جرائم راح ضحيتها مواطنون ابرياء، ولكن بسبب محاولات تصفية الحسابات في الصراعات الدائرة بين جماعات الحكم ذاتها.ولم يكن اقرباء او مسؤلي حماية الزبيدي هم اول من ارتكب مثل هذه الجرائم البشعة التي تناولتها اجهزة الاعلام فقد سبق ذلك قيام مجموعة في حماية القيادي الآخر في المجلس ونائب رئيس الجمهورية “عادل عبد المهدي” بالسطو على فرع “مصرف الرافدين” في منطقة الزوية في الكرادة ليلة 30 تموز (يوليو) 2009 وسرقة مبلغ قدره 8 مليارات دينار (حوالي 8 مليون دولار) كما قتلوا ثمانية من الحراس.حرص عبد المهدي على النأي بنفسه عن القضية، ولكن كما في قضية ابن اخ الزبيدي فقد اختلط الحابل بالنابل في عرض تفاصيل القضية ولم يستطع العراقيون ان يتعرفوا على تفاصيل هذه الجرائم وغيرها كما لم يتم الافصاح عن العقوبات التي وجهت للجناة او معرفة مصيرهم.وروجت العديد من التقارير يومها ان العملية جرت بعلم وربما بتخطيط من عبد المهدي الذي كان يسعى لشغل منصب رئيس الوزراء الفعال بهدف اظهار ضعف السلطة وهشاشتها وعدم قدرتها على حماية بنك يقع في معقل المربع الأمني التي تديره.(5)

لقد اشاعت تلك الممارسات ظواهر اجرامية تنسجم مع “ثقافة دولة علي بابا” التي دشنتها المرحلة والتي بدأت بعمليات النهب اثناء الغزو والتي اطلق عليها العراقيون “الحواسم” سخرية من الفوضى التي نتجت عن الحرب التي اطلق عليها صدام حسين تلك التسمية.ما لم يدركه العراقيون ان تلك الممارسات ستبقى مستمرة سنوات طويلة ويستمر معها استنزاف المال العام والثروة الوطنية سواء اكانت نفطا مسروقا، او اراضي الدولة التي يتم الاستيلاء عليها، او رشاوي وإختلاسات.وفي فترة لاحقة سيبتكر العراقيون تعبير “العلاسة” وهي كلمة تشير الى المجرمين الذين يتبعون شخص، أو مجموعة من الأشخاص، من أجل تنفيذ عمل إجرامي، مثل الاختطاف والسرقة والقتل بمساعدة من اشخاص ينتمون للجهاز الأمني، او الميلشيات المسلحة مقابل اموال او خدمات.اما الكلمة ذاتها فجاءت من جذر ” علس ” وهي بالعامية العراقية  تعني بها فرم الشيء أو عصره وهو ما يغني عن اي شرح آخر.(6)

ولم يقتصر دور الجماعات السياسية على القيام بالجرائم لمصلحتها ومصلحة انصارها، بل امتد ايضا الى رعاية الجماعات الإجرامية والمافيات واقامة شراكة فعالة معها.فقد كشف النائب المستقل “فايق الحاج علي” ان مليشيات وجماعات سياسية شيعية سماها بـ”جماعات الاسلام المزيف” تقوم بحماية صالات القمار والملاهي البارات ومحلات بيع الخمر في بعض مناطق بغداد لقاء أموال طائلة تجبيها شهريا.كما كشف ان هذه الجماعات تحمي ايضا عصابات تهريب المخدرات  القادمة من ايران.بل وذهب الى ما اكثر من ذلك حين قال”حتى القوادون يدفعوا امولا للاحزاب الاسلامية في العراق.(7)

في نفس اليوم الذي صرح به الشيخ علي باتهاماته اعلنت وزارة الداخلية  انها اغلقت 40 مما توصف بأنها “نوادٍ ليلية” في بغداد. لكن الكاتب عدنان حسين، ونقلا عن معلومات متوفرة لديه مصدرها وزارة الثقافة والسياحة والآثار ذكر انها مئات وليست اربعين وانها “قائمة رغماً عن أنف القانون في العاصمة وان وهي في الغالب ليست نوادي وانما “محال للدعارة وبيع المخدرات وغسل الأموال وسوى ذلك من الأعمال الخارجة على القانون.”ومرة اخرى يضيف حسين بان المعلومات المتوفرة لديه بشأن هذه النوادي تفيد بأن جماعات وعصابات مسلحة تقف وراء إنشاء هذه المحال وهي تفرض عليها الأتاوات بعشرات آلاف الدولارات شهرياً مقابل توفير الحماية لها وللقائمين عليها. (8)

واذا كان من المتوقع ان يؤدي الفساد المتعاظم الى استنزاف موارد الدولة والى مصاعب اقتصادية ينتج عنها الفقر والبطالة والحاجة فان واحدة من نتائج ذلك هو انتشار التسول كظاهرة اجتماعية تعكس حالة الحرمان التي يعاني منها المواطنون الأكثر تأثرا، مما يضطرهم الى اللجوء الى التسول لسد حاجاتهم وحاجات عوائلهم الاساسية.الا ان الأكثر بشاعة هو ان يتحول التسول الى ظاهرة اجرامية تديرها عصابات ومافيات تعمل في الشوارع والساحات العامة وتحت انظار الاجهزة الأمنية.لا يرتبط الأمر بظاهرة اولاد الشوارع وما يصاحبها من جنوح، بل بتصرفات اجرامية كالاعتداء على المارة وعلى سياراتهم وقذفهم بالحجارة او حتى مهاجمهتم بآلات جارحة وسكاكين.وفي ظل الظروف الصعبة والتدهور الأمني فقد اصبحت الشوارع المكان الذي تفرخ فيه عصابات الجريمة بالاعتماد على الأحداث الذين يجري تجنديهم في هذه الأماكن.(9)

 

ويمثل انهيار العملية التعليمية والتربوية احدى تجليات التداعيات السوسيولوجية للفساد نظرا للأبعاد الخطيرة لهذه الآفة المدمرة والتي ستتجاوز الكثير من نتائجها الكارثية في المؤسسات والهياكل الاجتماعية الحالية الى أجيال عديدة لاحقة من العراقيين الذي سيعانون لعقود طويلة قادمة من تردي المستويات التعليمية والتربوية.وفي حين عانى التعليم العالي والجامعات العراقية من مختلف أوجه الفساد المالي والاداري  والسياسي التي طالت مختلف اوجه العملية التعليمية، ظلت ملفات الفساد فيها عصية امام المحققين نظرا لرفض الوزراء الذين تولوا المسوؤليات فيها تباعا على التعاون مع “هيئة النزاهة” والبرلمان بسبب تشابك مصالح الجماعات السياسية الحاكمة مع قضايا الفساد المختلفة والتي تورطت فيها أحزاب السلطة ومليشياتها بشكل او بآخر.(10)

اما وزارة التربية المسؤولة عن مراحل التعليم ما قبل الجامعي بكل مستوياته فانها عانت هي الأخرى من اوجه الفساد المختلفة خلال تولي وزراء من مختلف الكتل السياسية حتى انها جاءت عام 2016 بالمرتبة التاسعة في سلم الفساد الحكومي بموجب احصائية لـ”هيئة النزاهة” بمجموع ملفات فساد بلغت نحو تسعة آلاف ملف، متفوقة بذلك على نحو عشر وزارات جاءت بعدها في ذلك السلم.(11)

لم يكن النظام التعليمي في العراق الموروث من زمن صدام حسين مثاليا فقد وصل في  نهاية عهده الى درجة من السؤ وربما التدهور لم يسبق له مثيل.فوفقا لليونسكو فان نظام صدام ورث نظام تعليميا اصبح في الثمانينات يتمتع بـ”معايير رفيعة المستوى بامتياز”(12).غير ان هذا المستوى المتقدم نسبيا مقارنة بمثيلاته في المنطقة تراجع بسبب السياسات التعلمية الخاطئة والتي جاءت نتيجة هيمنة النظام الأيديلوجية والسياسية والتحكم في المناهج الدراسية وفي تدريب وإعداد المدرسين وفي إخضاع العملية التربوية برمتها لفكر وفلسفات الحزب الحاكم.وساهمت الحروب التي شنها صدام وتأثيراتها الإقصادية، ومن ثم الحصار الدولي الذي فرض على العراق بسبب غزو صدام للكويت، بانهيار النظام التعليمي مما ادى الى نتائج مأساوية على العملية التربوية والتعليمية بجميع مراحلها وعلى جهود البحث العلمي والتطوير.ما افرزته المرحلة اللاحقة من نتائج هو خروج العراق من معايير جودة التعليم العالمية وهو ما تؤكده تقارير دولية عديدة، منها مؤشر التعليم في “تقرير التنمية البشرية” لـ”برنامج الامم المتحدة الانمائي” الذي وضع العراق في المرتبة 120 من بين 187 من دول العالم ومؤشر “المنتدى الاقتصادي العالمي” المعروف بـ”دافوس” الذي اخرج العراق اساسا من جدول دول الشرق الاوسط موضوع الدراسة وتقرير جودة التعليم غربيا وعالميا.(13)

وفي اطار مساعدة العراق في مواجهة التحديات التي خلفها نظام صدام في قطاع التعليم وتحسين جودته اقترحت منظمة “اليونسكو” بعد الغزو خططا استهدفت تطوير العملية التربوية من خلال التركيز على اعادة تأهيل البنى التحتية، والكوادر التعليمية، وتطوير المهارات التعليمية، والمناهج الدراسية.وجاءت مقترحات “اليونسكو” التي قدمتها بعد دراسات مستفيضة للنظام التعليمي وللبنى التحتية للمؤسسات التعليمية والتي لاحظت فيها تدهورا فضيعا شمل المباني التعليمية التي كانت قاصرة ان تستوعب الاعداد المتزايدة من السكان وحيث الاكتظاظ الهائل للغرف الصفية بالطلاب الذين لايجدون مكانا لهم في المدارس مرورا بضعف القدرات التدريسية وارتفاع معدلات الغياب والاعادة والتسرب.

لكن بدلا من ان تسعى الجماعات التي جاءت للسلطة بعد الغزو الى العمل على بث الحياة من جديد في النظام التعليمي واستعادة المعايير رفيعة المستوى التي كانت تميز النظام التعليمي في عقد الثمانينيات وقبله وتطويره بما يتناسب مع  التطورات على الصعيد العالمي، ومع حاجات البلد الجديدة الى عملية البناء التي يشارك فيها جيل جديد من المهندسين والعلماء والخبراء والفنيين، فقد عملت كل ما في وسعها لكي ينتكس القطاع التعليمي ويعود سنين طويلة الى وراء. فبعد اكثر من عشر سنين من الاحتلال وتولي زمر “دولة علي بابا” الحكم ظلت الآلاف من المدارس في العراق تعاني من غياب الأبنية المناسبة ومن مقاعد الدراسة ومن المعلمين ومن الكتب وكل المستلزمات الدراسية.(14)

تكمن مظاهر الفساد في التعليم عموما كما نوه الى ذلك تقرير لـ”المعهد الدولي للتخطيط التربوي” التابع لـ”لليونسكو” في شحة التمويل، وفي الاداء الاداري للمعلمين، وسلوكهم، وفي الأبنية  المدرسية، وفي انتاج وتوزيع الكتيبات المدرسية، وتنظيم الامتحانات.،كما تكمن المشكلة في تفشي الغش وفي نظام اعتماد الشهادات واصدار التراخيص في قطاع التعليم العالي، وفي الدروس الخصوصية وغيرها من الممارسات الضارة.الاستنتاج الرئيسي في هذا التقرير ان الفساد السائد في قطاع التعليم العراقي منذ الاحتلال الامريكي فاق مثيلاته في العالم كثيرا، وخاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار النفقات الهائلة المقررة والتي كان يجب ان تستخدم في اثراء العملية التعليمية.(15)

ومن أبرز نتائج الانهيار التام في مختلف أركان العملیة التربوية نتيجة للفساد في قطاع التعليم هو تدهور البنى التحتية للمنشآت التعلیمیة، التهديدات الامنية، هجرة المعلمين والخريجين والطلاب، تسرب عدد كبیر من الأطفال من التعلیم، تصاعد استهداف المعلمین والقائمین على المؤسسات التعلیمیة، واستنزاف الموارد المالیة المحدودة المخصصة للتعلیم، وخاصة تلك المتعلقة بالكتب الدراسية وأجور المعلمين.ولم تقتصر مشاهد الواقع المزري في المدارس والمؤسسات التعليمية على القرى والمناطق الريفية بل وشملت ايضا العاصمة بغداد والمدن الكبرى حيث تعجز هذه المؤسسات عن استيعاب العدد المتزايد من الطلبة مما يضطرها اما لرفض الطلاب الجدد، او القبول بتكدس هائل للطلبة في الصفوف الدراسية.ان معظم أسباب تصدع أركان العملية التعليمية هو الفساد وسؤ الادارة والتوظيف السياسي للعملية التعليمية من قبل زمر الحكم وجماعاتهم المتسلطة.

غير ان اخطر ظاهرة رافقت الفساد في التعليم هو عمليات الغش في الشهادات المدرسية والجامعية التي كانت تتم لأغراض التعيين في دوائر الدولة، وفي اجهزة القوات المسلحة والأمن، وخاصة في المواقع العليا، وبغية هيمنة العناصر التي تنتمي الى الجماعات الحاكمة على جهاز الدولة. لقد شكل الكشف عن حالات التزوير في كل مرة فضيحة أخلاقية وسياسية مدوية، نظرا لان معظم المتهمين بالتزوير كانوا من اعضاء، او اتباع، او حتى من قيادات هذه الجماعات التي تستغل الدين للهيمنة على السلطة.ومع توالي الكشف عن الشهادات المزورة في مؤسسة بعد اخرى وفي عام بعد آخر الا انه لم يتم الافصاح بشكل رسمي عن العدد الكلي عن هذه الشهادات المزورة والتي تستخدم دائما للتعيين والترقية والحصول على عدد كبير من الامتيازات.(16)

وفي خطوة اعتبرت تحد سافر لكل الشرائع السماوية والوضعية والاخلاقية قرر البرلمان الذي تسيطر عليه الجماعات الاسلامية ذاتها شمول المزورين بالعفو عن الجرائم التي قاموا بها والتي أهلتهم للحصول على الوظائف والرواتب التي استلموها بموحب الشهادات المزورة.ورغم ان قانون العفو العام  رقم 27 لسنة 2016 استثنى المزورين ممن هم في درجات عليا من العفو الا ان تفسيرات القانون اللاحقة التي وفرتها جهات قانونية وتنفيذية فسحت المجال لهؤلاء المزورين بالافلات من العقاب، بل البقاء في مناصبهم العليا والاستمتاع بالسلطة وبالرواتب العالية التي يتقاضونها. (17)

ما تكشفه هذه الوقائع وغيرها ان قانون العفو هذا والذي مرر بعد مساومات عديدة بين شركاء “دولة علي بابا” وفقا لتفاهمات المحاصصة الطائفية كان ضربة قاصمة توجه للعملية التعليمية في العراق لانه اسس بالنتيجة لقاعدة وهي ان التزوير والغش والتدليس هي الطرق التي ينبغي سلوكها من اجل الحصول على الوظائف وترقي سلم المسؤليات وليس التحصيل العلمي والاكاديمي او الاجتهاد والمثابرة.اما في المجال العملي فقد رسخ لفكرة ابعاد الكفاءات والكوادر العلمية والاكاديمية والمتعلمين وتسليط اهل الثقة بدلهم.

في السنوات الاخيرة لجأت السلطات الى قطع خطوط الإنترنيت عن كل المدن العراقية في ساعات الصباح في الأيام التي تجري فيها الإمتحانات النهائية وذلك بحجة ان الطلاب يلجأون الى الغش من خلال الاستعانة بتلفونات المحمول التي تنقل لهم الاجابات عن الاسئلة الامتحانية.ووفقا لتقارير صحفية فان طريقة الاتصال تجري عن طريق سماعات اذن خاصة غالية الثمن تركب بطريقة يصعب اكتشافها ويجري من خلالها تلقي الأجوبة مما يساعد الطالب على اجتياز الامتحانات بنجاح.(18)

واذا كان هذا الاجراء يعتبر اعترافا رسميا بتفشي ظاهرة الغش في الامتحانات خلال السنوات الأخيرة فانه في الواقع يسلط الضوء على الكثير من الحقائق المثيرة التي تتعلق بالعملية التعليمية في العراق منذ سقوط نظام صدام وما آليه من فشل واخفاق ذريعين على يد الجماعات الاسلامية السياسية التي ادارت دفة السلطة وفرضت على المجتمع ثقافتها التي انتجت بالنهاية عملية تربوية وتعليمة وصفتها مديرة عام اليونسكو انذاك :ايرنا بوكوفا” بانها “الأزمة الخفية” في العراق.(19)

ما آلت اليه العملية التربوية في العراق على يد تلك الجماعات والفساد الذي نشرته في كل ارجاء الهياكل التعليمية سيحتاج الى عملية إصلاح جذري قد تستغرق سنين طويلة وتتطلب جهوداً جبارة.فبالامكان الآن تصور المستوى الاكاديمي والعلمي لأجيال من العراقيين تم تخريجهم من الجامعات العراقية في تلك الفترة والذين لم تتسنى لهم الفرصة في تلقي تعليما وتدريبا مناسبا يؤهلهم للعمل وخاصة في الحقول العلمية والتطبيقة كالطب والصيدلة والهندسة بفروعها المختلفة.اما الكارثة الأخرى فهي جيش الأميين وانصاف المتعلمين الذين لفضتهم المدارس والذين سيشكلون عبئا هائلا على انفسهم وعلى عراق المستقبل.ان اي اصلاح لمنظومة التعليم يحب ان تأتي في اطار عملية اعادة البناء والتي ستجيء بدورها مع انتهاء الصراعات الأهلية وتحقيق الاستقرار وعودة الأمن، وقبل ذلك مكافحة الفساد بكل اشكاله والذي اصاب بمقتل العملية التعليمية، مثلما اصاب كل جوانب التنمية البشرية في العراق.

 

وفي اطار التداعيات السوسيولوجية للفساد تبرز مشكلة تنامي الأمراض النفسية وتأثيراتها البالغة على الحالة الصحية للسكان بدءا من انعكاساتها السلبية على العلاج النفسي للصدمات التي تعرض لها قطاع كبير نتيجة الصراعات والحروب وانتهاء بتاثيراتها على الطاقات الانتاجية وعلى عملية التنمية البشرية والاقتصادية.لقد تعرض العراقيون خلال اكثر من عقدين من الزمن خلال فترة حكم البعث الى أزمات نفسية حادة نتيجة للقمع الذي سلطته جمهورية الخوف التي اقامها صدام  وللحروب والازمات السياسية والمقاطعة الاقتصادية الدولية.ولم تنته تلك المعاناة مع النظام الجديد، بل ان العكس هو الصحيح، فقد جاءت ظروف عدم الاستقرار والصراعات الأهلية والارهاب الوحشي الذي وصل الى عمليات الذبح والحرق والاغتصاب اضافة الى الأزمات الاقتصادية والمعيشية كي تفاقم من المشكلة وتزيد من اعداد الذين يعانون من الأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية والتي جعلت العراق برمته يدخل بسببها في ما يشبه حالة من العصاب الوطني.

لا تتوفر ارقام نهائية عن عدد العراقيين الذين عانوا خلال هذه الفترة من الاضطرابات النفسية الا انها ظلت في تزايد مستمر بسبب النقص في العناية والمستلزمات الطبية واستمرار معاناة الناس من نفس الأسباب التي ادت الى اصابتهم بالأعراض، وعلى رأسها الازمات السياسية، والاضطرابات الاجتماعية المستعصية واستمرار حالة الشعور بعدم الاستقرار وغياب الاحساس بالأمن وتنامي العنف والتدهور الاقتصادي والبطالة وانعدام الخدمات.ووفقا لـ”منظمة الصحة الدولية” و”منظمة اطباء بلا حدود” فان الاضطرابات النفسية والعاطفية كانت تشكل عام 2009 السبب الرابع وراء الامراض والاعتلالات الصحية للعراقيين من هم فوق سن الخامسة.وكانت المنظمتان قد قدرتا نسبة من يعانون من هذه الاضطرابات عام 2006 بنحو 18.6 بالمائة من عدد العراقيين البالغين.(20)

ويأتي ارتفاع نسبة الانتحار بين العراقيين خلال السنوات الماضية كأحد العوامل المباشرة لانعاكاسات تدهور الأحوال الاجتماعية وتأثيراتها النفسية المباشرة على نوعية الحياة.ورغم ان الجهات الحكومية حاولت ان تخفي او تخفف من عدد حالات الانتحار، او ان تعزوها لأسباب اخرى، الا ان منظمات دولية ومحلية وتقارير مختلفة اشارت الى تحولها من حالة الى ظاهرة كما عزتها الى الضغوطات النفسية والمعيشية التي بدأ الانسان العراقي يتعرض لها خلال هذه الفترة.(21)

واذا كان واقع الحال يشير الى ان عقودا من العيش تحت دكتاتورية ودموية نظام صدام وحروبه قد اخذت نصيبها في تدمير نفسية العراقيين، فان الصدمات الحادة التي عانى منها العراقيون تحت الحكم الذي اتى به الاحتلال الامريكي جعلت من المجمتع العراقي مجتمع مأزوما نفسيا الى درجة الشيزوفرينا الجماعية.وكان من بين من نتائج هذه الأزمة النفسية العامة تعمق الشعور بعدم الانتماء وفقدان الإحساس بالولاء الوطني وتنامي النزعات الطائفية والعرقية وتفاقم فقدان الثقة بين الناس بعضها بالبعض الآخر.وعلى مستوى العلاقات الإجتماعية فقد اصبح واضحا ان هناك انهيارا في منظومات القيم الأساسية تمثلت بانعدام حضور قوة الضمير الاخلاقي وغياب تحمل المسؤولية المجتمعية وعدم توفر الانضباط والاتقان والاخلاص في العمل.ولم تعد قيم التسامح والحميمية وتجاوز الذات والتعاون والعطاء التي كانت من طباع اغلب العراقيين متوفرة، وبدأت تحل محلها قيم سلبية كالتعصب المذهبي والقومي ورفض الآخر والتطرف والسرقة والنصب والاحتيال والعدوانية والغش وتخريب الممتلكات العامة وامراض إجتماعية كالادمان على الكحول والمخدرات والحسد والكذب، وغيرها من الخصال الذميمة.

لم تكن كل تلك الإضطرابات النفسية الا نتيجة الانهيار الاخلاقي الذي تفشى في جسد العراق والذي صنعته بيئة الفساد الكبرى التي طالت الوسط الاجتماعي العام الذي يتحرك ويعيش فيه الفرد ومع المطالب والعوامل والضغوطات التي تتفاعل به.فلقد خلق الفساد تناقضا جوهريا بين تلك التطلعات التي راجت بعد سقوط نظام صدام باعلاء قيم المواطنة والحقوق والمساواة وبين الواقع الفعلي الذي انشأته دولة خلفائه.كان التناقض متجليا بين الدعاوي المؤسسة للحكم الجديد كالمظلومية واقامة دول العدل الإلهي، وبين الحقيقية التي يعيشها العراقيون في ظل “دولة علي بابا” المتجردة، ليس فقط من العدل والانصاف، بل وايضا من مكارم الاخلاق التي هي مقصد كل مصلحة عامة كما هي أساس كل مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية.

 

 

 

 

                       هوامش مصادر ومراجع الفصل الثامن

 

 

1-انظر:”موقع قاعدة البيانات نامبيبو على الانترنيت بشأن معدلات الجريمة في بغداد في عام 2017″

https://www.numbeo.com/crime/in/Baghdad

انظر كذلك:”بالخريطة هنا يقع العراق ضمن تصنيفات معدل الجريمة”، موقع السومرية، 11/4/ 2016

http://www.alsumaria.tv/news/200567/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D9%87%D9%86%D8%A7-%D9%8A%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%B6%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81-%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9/ar

2-انظر ايضا:”بغداد على لائحة اخطر 10 مدن في العالم”، موقع السومرية،26/9/2016

http://www.alsumaria.tv/news/180695/%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%84%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%B9%D8%B4%D8%B1-%D9%85%D8%AF%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%84/ar

3-انظر:”وزير عراقي يتحدث عن دور الفساد في الدولة في عرقلة القتال ضد داعش”، جريدة الاندبيندت، (بالانكليزية)، 1/3/2016

http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/war-with-isis-iraq-s-interior-minister-on-why-his-country-is-impotent-against-the-militants-a6905941.html

4-انظر:”شهادة شخصية للإعلامية  نور القيسي، “نور القيسي : الجنس مقابل البراءة من الارهاب .. ومفعول إبرة الحجي!”، موقع وكالة الصحافة الاوربية،18 /10/2017

http://europressarabia.com/?aa=news&id22=10876&iraq=%E4%E6%D1%20%C7%E1%DE%ED%D3%ED%20:%20%C7%E1%CC%E4%D3%20%E3%DE%C7%C8%E1%20%C7%E1%C8%D1%C7%C1%C9%20%E3%E4%20%C7%E1%C7%D1%E5%C7%C8%20..%20%E6%E3%DD%DA%E6%E1%20%C5%C8%D1%C9%20%C7%E1%CD%CC%ED

5-انظر:”تفاصيل القاء القبض على العصابة التي سرقت مصرف الزوية، المنتدى العراقي، 1/8/2009

http://www.iraqiforum.net/vb/2624.html

انظر ايضا:”نفاق الإسلام السياسي في العراق..عادل عبد المهدي نموذجا”..موقع الحوار المتمدن،7/10/2009

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=187124

6-انظر:”العلاسة في سطور”، موقع منتديات العراق، 18/7/2006

http://iraq.iraq.ir/vb/showthread.php?t=16582

7-انظر:”أحزاب إسلامية شيعية هي من يحمي البارات والملاهي في بغداد”، النائب فائق الشيخ على، على يو تيوب.

https://www.youtube.com/watch?v=exV4nt7ViDA

انظر كذلك:”ملاهي بغداد المورد الثاني للمليشيات بعد الخطف”، العربي الجديد، 9/8/2017

https://www.alaraby.co.uk/amp//society/2017/8/9/%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%87%D9%8A-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D9%81

8-انظر:”نعم لإغلاق هذه “النوادي”، عدنان حسين، المدى، 10/ 8/ 2017

http://www.almadapaper.net/ar/news/534419/%D9%86%D8%B9%D9%85-%D9%84%D8%A5%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AF%D9%8A#.WYtg_1nE2hw.facebook

9-انظر:”شبكات منظمة للتسول في بغداد… والأطفال أبرز الضحايا”، موقع العربي الجديد، 8/11/2017

https://www-alaraby-co-uk.cdn.ampproject.org/c/s/www.alaraby.co.uk/amp/society/2017/11/8/%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%AD%D8%A7%D9%8A%D8

%A7

10-انظر:” مجلس النواب يرسل ملفات فساد خاصة بوزارة التعليم العالي الى هيئة النزاهة”، موقع واحة الحرية /06/29 2013

http://alhurrya.com/archives/38723

11-انظر:”قائمة بملفات الفساد في الوزارات العراقية وفقا لإحصائيات هيئة النزاهة، عراق بريس 1/1/ 2016،

https://www.iraqpressagency.com/?p=1782

12-انظر:”استراتيجة اليونسكو لدعم التعليم الوطني جمهورية العراق، تقرير 2014

http://www.unesco.org/new/fileadmin/MULTIMEDIA/FIELD/Iraq/pdf/Publications/UNESS_2011%20Arabic.pdf

13-انظر:مؤشر برنامج الامم المتحدة الانمائي

http://hdr.undp.org/en/content/education-index

انظر كذلك:”اي البلدان تأتي في المقدمة في المهارات والتعليم، المنتدى الإقتصادي الدولي،13/5م2015

https://www.weforum.org/agenda/2015/05/which-country-comes-top-for-skills-and-education

انظر ايضا:” العراق مستمر في خروجه من معايير الجودة في التعليم”، موقع التحرير 19/11/2017 نقلا عن وتقرير جودة التعليم عربيا وعالميا

http://altahreernews.com/inp/view.asp?ID=35246

14-انظر:”التعليم في العراق…مدارس بلا ادراج وتلاميذ بلا كتب”، موقع بغداد بوست، 30/10/2016

http://www.thebaghdadpost.com/ar/story/7177/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D9%88%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B0-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%83%D8%AA%D8%A8

15-انظر:”مدارس فاسدة وجامعات فاسدة مالذي ينبغي عمله، تقرير اليونسكو، 2007

http://unesdoc.unesco.org/images/0015/001502/150259e.pdf

16-انظر:”كيف تغلغلت الشهادات المزورة الى مناصب قيادية في العراق؟، موقع يقين، 15/8/2017

http://yaqein.net/investigations/52962

17-انظر:”السلطات القضائية تعلن آلية شمول المزورين بالعفو”، قنا السومرية، 27/ 12 /2016

http://www.alsumaria.tv/news/190187/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A8/ar

18-انظر:”سعر القطعة 1000 دولار:طلبة المراحل المنتهية يستعدون للإمتحانات بسماعات الغش، موقع الجورنال،

http://journaliraq.com/%D8%B3%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B9%D8%A9-1000-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A6

19-انظر:”مديرة اليونسكو تقول ان التعليم والثقافة في العراق هما مفتاحا مستقبل البلد نحو السلام والإستقرار”، موقع جمعية موظفي الامم المتحدة السابقين في غينيا

http://gafics.org/index.php/featured-item-2/k2-category/item/520-in-iraq-unesco-chief-says-education-culture-key-to-country-s-future-peace-and-stability

20-انظر:”ازمة الصحة النفسية الصامتة في العراق”، تقرير مركز التعليم من اجل السلام في العراق،5/5/2017

http://www.epic-usa.org/iraq-mental-health/

انظر ايضا: “العراق… موطن الأمراض النفسيّة، موقع المونيتر،29/5/2014

https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2014/05/iraq-increase-mental-illnesses-social-stigma.html

انظر ايضا:”علاج العراقيين، تحديات توفير الصحة النفسية في العراق”، موقع منظمة اطباء بلا حدود،

http://www.doctorswithoutborders.org/news-stories/special-report/healing-iraqis-challenges-providing-mental-health-care-iraq

21-انظر:”تفشي ظاهرة الإنتحار في العراق.. وذي قار في المرتبة الأولى”، جريدة الشرق الاوسط، 15/6/2015

https://aawsat.com/home/article/384026/%D8%AA%D9%81%D8%B4%D9%8A-%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%88%D8%B0%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AA%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89

 

 

 

 

 

دولة علي بابا

 cover 5

7)           

                                     عن دبلوماسية المغارة

 

لم يقتصر الفساد على مؤسسات “دولة علي بابا” التي في الداخل، اذ كان لوزارة الخارجية نصيب، بل نصيب وافر منه، كان له تأثير بالغ على السياسة الخارجية وحد كثيرا من فاعلية الدبلوماسية العراقية في مواجهة تحديات جمة.اذ شأنها شأن المؤسسات الاخرى التي عانت طويلاً من الفساد وتبعاته المدمرة فقد طال الفساد وزارة الخارجية بانواعه المختلفة منذ اليوم الاول لاعادة تأسيسها على يد سلطة الاحتلال الامريكي بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.فلم تكد تمضي اسابيع قليلة حتى بدأت روائح الفساد العفنة في هذه المؤسسة تنتشر داخل وخارج العراق، تحمل معها قصصا ووقائعا عن فساد مالي واداري واخلاقي تصب كلها في نتيجة واحدة، وهي ان هذا الجهاز الذي  تم انشاؤه لتمثيل العراق في العالم، والدفاع عن مصالحه، وتبني قضاياه كما ينبغي لأي وزارة خارجية ان تعمل، ذهب بالاتجاه المعاكس، وراح يعكس صورة مغايرة تماما لما هو مطلوب منه، وكأنما كان مهيئا ومكلفا سلفا بمهمة حصرية واحدة، الا وهي تدمير صورة العراق في الخارج تماما كما يفعل الارهاب والفساد والمحاصصة من الداخل.

وعلى نفس المنوال الذي نسجت به سلطة الاحتلال هياكل اجهزة ودوائر “العراق الجديد” فقد عينت ما اسمته بـ”اللجنة التوجيهية لادارة وزارة الخارجية” والتي وضعت على رأسها السفير الامريكي السابق في مسقط “ديفيد دنفورد” ويساعده الدبلوماسي العراقي “غسان محسن حسين” الذي كان يعمل سفيرا في وزارة خارجية النظام السابق الذي كان قد تم اسقاطه للتو.بعد نحو عشرة اعوام سيصدر المذكوران كتابا عن تجربتهما تلك لكنه سيخلو من تلك القصص التي كشف النقاب عنها لاحقا عن رحلة الفساد في تلك الوزارة التي بدأت اعادة بنائها معهما، وظلت ترافقها طيلة السنوات اللاحقة.فخلال فترة قصيرة لم تتجاوز اشهر معدودة اعادت اللجنة المذكورة بناء وزارة الخارجية رأسا على عقب، بطريقة عشوائية ومستعجلة، ظلت هي الأساس الاداري والدبلوماسي الذي يقوم عليه هيكل وعمل هذه الوزارة لحد الان.كان الهدف من وراء الاستعجال هو السعي لغسل سمعة  الولايات المتحدة التي كانت هي رسميا وفعليا سلطة احتلال من خلال تقديم الحكومة العراقية التي عينتها الى العالم باعتبارها حكومة وطنية لدولة مستقلة.

سرعان ما رست الوزارة على تشكيلة فريدة من الدبلوماسيين البعثيين وضباط المخابرات من ازلام نظام صدام العاملين في وزارة الخارجية القديمة، ومن خليط من القادمين الجدد مع جيش الاحتلال الامريكي، من اعضاء وانصار الجماعات الحاكمة الجديدة، وآخرين من اتباع الغزاة وعملائه الذين كانوا يتعاونون مع اجهزته ومؤسساته المختلفة في الفترة التي سبقت الغزو.ولم يكن هذا الخيلط المتنافر للجهاز الدبلوماسي الجديد، ولا انعدام الخبرات والكفاءات والمهارات لدى القادة الجدد للوزارة، ولا نظام المحاصصة الطائفية الذي طبق بحرص في تعيين الأطقم الجديدة في سفارات العراق بالخارج، هو السبب الوحيد لما آلت اليه أوضاع الدبلوماسية في “العراق الجديد”، من فشل عجز وضمور، وانما كذلك الفساد المالي والادراي الهائل الذي صاحب عملية اعادة بناء الوزارة منذ اول لحظة والذي جعلها تتفوق في النهب والاستحلال بعدئذ على باقي كهوف مغارة “دولة علي بابا”.(1)

فخلال السنوات اللاحقة راجت الكثير من الشهادات الشخصية، والتسريبات، والوقائع، والوثائق التي ملئت المواقع الالكترونية وصفحات الجرائد عن حكايات الفساد المالي والاداري والاخلاقي والسياسي في وزارة الخارجية وسفاراتها واجهزتها لم تستطع لا لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان ولا الحكومة ولا “هيئة النزاهة” ولا دائرة المفتش العام في الوزارة ان تضع حدا لها.لقد تكسرت كل المناشدات وصيحات الاستنكار التي انطلقت بضرورة المراقبة والمتابعة والمحاسبة لما يجري من فساد مستشر في وزارة الخارجية على صخرة مخطط مدروس موضوع منذ لحظة التأسيس كانت معالمه واضحة للجميع، وفي مقدمتهم قادة “دولة علي بابا” الذين عجزوا عن ايقاف مد الفساد واللصوصية في وزارة الخارجية بسبب منظومة المحاصصة والمصالح والمنافع المتبادلة التي اقاموها والتي ترسخت يوما بعد يوم.

ولم تكن حصيلة كل ذلك الفساد المخطط والمبيت الا فشلا ذريعا في السياسة الخارجية وعلى الصعيد الدبلوماسي وفي ملف ادارة العلاقات الاقليمية والدولية وصل الى حد انعدام الفاعلية، سواء على صعيد العلاقات الثنائية، او العلاقات الدولية متعددة الأطراف، على الرغم من فيلق “الدبلوماسيين” الذين ارسلوا الى بلدان العالم والمنظمات الدولية في مشارق الأرض ومغاربها ومع كل الرواتب والمخصصات والمزايا الفلكية التي لا يحصل عليها اي دبلوماسي في اي دولة في العالم.ان قصة العائدات المالية المهولة التي يحصل عليها دبلوماسيو “دولة عي بابا” وعالم الصفقات والبنزنس الذي ينخرطون فيه هي في حد ذاتها سبب من اسباب الفشل والشلل الذي آلت اليه هذه الدبلوماسية في تخليها عن القيام بوظيفتها الحقيقية وواجبها الوطني.

(ينظر في كل ذلك مذكرات وكتب دونها موظفون ومستشارون امريكيون في “سلطة الإئتلاف المؤقتة” وصحفيون وآلالاف من المقالات على مواقع الإنترنيت وفرت مادة غزيرة لاي جهة تحقيقية، او بحثية تتناول تاريخ هذه الحقبة منذ تشكيل الهيئة التوجيهية وحتى الوقت الحالي).

وعلى رغم كل الأموال التي توفرت لها والضغوط التي مارستها الادارات الامريكية على دول العالم والتي فتحت للوزارة ابواب العلاقات الخارجية، سواء لدى الدول الاجنبية، او المنظمات الدولية منذ البداية وحتى فترات قريبة، الا ان وزارة الخارحية فشلت فشلا ذريعا في تمثيل “العراق الجديد”، كما كان الشعار المحبب لوزيرها السابق “هوشيار زيباري”، وفي الدفاع عن مصالحه الوطنية، والعمل على صيانة امنه القومي وحماية شعبه.ان استعراض عمل عقد ونصف من عمر الوزارة وبمعايير التخصص والاستقصاء البحثي والقياس النوعي يكشف عن حالة مريعة من عدم الكفاءة واللاانجاز والتداعي، مما انعكس سلبيا على الواقع العراقي الذي كان في امس الحاجة لمن يحمي مصالحه في الخارج ويدافع عنها لدى دول العالم ومنظماته الدولية في ظل هجمات شرسة ومؤامرات دولية واقليمية يتعرض لها العراق من كل حدب وصوب.

كان الاخفاق الأكبر للوزارة هو عدم توفرها على استراتيجة شاملة وفعالة في مواجهة أكبر خطر يواجه العراق وهو الارهاب والذي لم يكن ليصل الى هذه الدرجة من التدمير لولا الامتدادت والحواضن الخارجية، ووسائل الدعم السياسي والاعلامي والمالي الذي كان يأتيه من الخارج.اما الفشل الثاني فقد تمثل في العجز عن مواجهة تحديات التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن العراقي والتي كانت سببا رئيسا في بقاء العراق في حالة من العزلة والحصار، من ناحية، وميدانا لصراعات النفوذ الاقليمي والدولي، من ناحية ثانية، ونهبا للمصالح الاقتصادية الضيقة، من ناحية ثالثة.اما الفشل الثالث فقد تمثل في تقاعس الدبلوماسية العراقية عن تقديم رؤى وأفكار وخطط كمبادرات، سواء اكانت استباقية، او كردة فعل على تطورات اقليمية كانت تؤثر او تنعكس على العراق بشكل مباشر او غير مباشر وان تحاول الحد من نتائجها الكارثية.

ان أهم عنصر يقوم عليه عمل اية وزارة خارجية هو العنصر البشري بما يعني من اختيار سليم للأطقم وللأفراد الكفوئين المناسبين للعمل الدبلوماسي والعلاقات العامة، ومن الخبراء والدارسين في مجال العلاقات الدولية والتخطيط السياسي وغيرها من الاختصاصات ذات الصلة، اضافة الى خلفيات وخبرات وتجارب شخصية، ومواصفات كثيرة اخرى تتلائم مع طبيعة هذا العمل الدقيق وتقاليده الدولية الراسخة.ان هذا النوع من النشاط العام يقوم الى حد كبير على محددات ذات صلة مباشرة بالتعليم والبحث والمعرفة والدراسة والتجربة والاطلاع والتي هي جميعها من الركائز الأساسية في العمل الدبلوماسي والسياسي والأمني والاداري والقانوني، حتى تتمكن الدولة ان تدير شؤنها الدولية وتقود سياستها الخارجية بنجاح في عالم يعتبر صراع العقول والارادات فيه أهم وأخطر من الصراع بالسلاح.

لكن ماذا فعلت وزارة الخارجية لـ”دولة علي بابا” لكي تبني سياسة خارجية فعالة وجهاز دبلوماسي كفء يتعامل مع كل تلك التحديات التي يواجهها العراق؟بدلا عن ذلك احتفظت الوزارة، من جهة بالمئات من ازلام النظام البائد ممن كانوا يعينون في هذه الوزارة اما لانتمائهم لاجهزة مخابراته وامنه، او لإعتبارات حزبية وعائلية ومناطقية، في حين استبعدت من بينها الكفاءات المهنية والعلمية العراقية.ومن جهة اخرى، عززت هذا الكادر المعادي لـ”العراق الجديد” بعناصر من ممثيله ممن ينتمي لأحزاب السلطة الجديدة ومن اعوان واقارب المسؤولين فيها، دون اي تقييم اكاديمي، او علمي، او فكري، او توفر مهارات متميزة، وطبعا دون اية معايير تتعلق بالمواطنة والعدالة والشفافية في الاختيار.كما اخضعت التعينات في هذه الوزارة في مختلف درجاتها الى نظام من المحاصصة الطائفية والقومية والى صفقات سياسية ومالية وغيرها.ولقد جرى كل ذلك في حين تم استبعاد كفاءات عراقية عالية من عناصر متميزة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين ومن العاملين في منظمات وهيئات دولية متميزة.

من المؤكد ان الفشل الحكومي العام واستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة كان سببا من تلك الاسباب التي جعلت من وزارة الخارجية وجها آخر من اوجه فشل بناء الدولة العراقية.لكن السبب الآخر يكمن في اداء “هوشيار زيباري” نفسه الذي تولى شؤون الوزارة لاكثر من ثمان سنوات ادارها خلالها بطريقة الاقطاعي الذي يدير مقاطعته لا كمسؤول في دولة ناهضة من رماد الحروب ومتطلعة لمستقبل واعد.خلال الفترة التي تولى فيها زيباري الوزارة، اي من ايلول (سبتمبر) 2003 الى تموز (يوليو) 2014 حفلت الوزارة بوقائع فساد مالي واداري شملت ملفاتها اختفاء ملايين الدولارات من حسابات اعادة بناء الوزارة التي خصصتها “سلطة الائتلاف المؤقتة” والتي اشتملت على اعمال صيانة وبناء لمكاتب السفارات العراقية في الخارج، او شراء ابنية جديدة لها، كما شملت اختفاء ملايين اخرى من خزائن وحسابات السفارات كانت قد اودعت فيها اثناء فترة النظام السابق ولكنها لم تنقل للسلطة الجديدة.ومن ظواهر الفساد الكبرى في وزارة الخارجية في عهده انه وضع نظاما خاصا للرواتب والمخصصات بحيث اصبح الموظف في السلك الدبلوماسي يقبض راتبه مرتبين، احدهما في الداخل، والآخر بالعملة الصعبة في الخارج، اضافة الى مخصصات خدمة متنوعة، في انتهاك للقانون الذي يمنع الجمع بين راتبين حكوميين.ان كل مظاهر الفساد التي نشرها زيباري كان مقصودة وتستهدف اولا شراء ذمم موظفيه والسيطرة عليهم والتخريب المتعمد للوزارة وللسلك الدبلوماسي والعلاقات الخارجية للعراق بهدف واحد وهو تدمير العراق تمهيدا لانجاز حلم الانفصال الكردي الذي كان يسعى اليه ويعمل على تحقيقه.

لم تجر اية تحقيقات جدية في ملفات فساد وزارة الخارجية في عهد زيباري وتمكن بسبب عضويته في القيادة الكردية وقرابته من “مسعود برزاني” من التملص من كل دعوات الاستجواب البرلمانية، او محاولات التحقيق من قبل “هيئة النزاهة” في كل ما نشر حول الفساد في وزراته.وفي واحدة من الوقائع الشهيرة المتداولة في الاروقة الرسمية فقد تقدم احد النواب بشكوى الى البرلمان طالبا التحقيق في ان زيباري تزوج اثناء توليه المنصب من امرأة ثانية من عائلة بعثية ادرج اسم والدها ضمن قائمة المطلوبين للعدالة، لكنه مع ذلك عين ثلاثة من اخوتها واربعة من ازواج اخواتها في الوزارة كما نقلهم للعمل في سفارات في الخارج، ضاربا بعرض الحائط كل القيم والمعايير التي تتعلق بالتوظيف في السلك الدبلوماسي وبمعايير الكفاءة والجدارة والمساواة في المواطنة والوظيفة العامة.(2)

ان واحدة من مآسي الفساد في وزارة الخارجية هي الشهادات المزورة التي قدمها الكثيرون وتم تعيينهم بموجبها كدبلوماسيين وحتى كسفراء في تحدي سافر للقوانين والأعراف ولحق التنافس العادل بين المواطنين على الوظيفة العامة.فخلال كل هذه السنين ظلت الأخبار والحكايات عن الشهادات المزورة للمئات من كوادر الوزارة تتوالى دون استجابة حقيقية للتحقيق في ذلك بشكل شفاف يتيح للعراقيين الأطلاع على الخلفيات العلمية والاكاديمية والدراسية والبحثية والخبرات العملية والالتزام الوطني التي ينبغي ان تكون متوفرة لدى الأطقم الدبلوماساية والتي تدير السياسة الخارجية العراقية.كانت الشكاوي تتكاثر والأخبار تنشر عن مزوري الشهادات وعمن من هم بدون شهادات اصلا ولكنها كانت تصطدم بآذان صماء وبردود متعجرفة، بل وبتعيين المزيد من اولئك المحاسيب والأزلام في تحد صارخ لارداة العراقيين المطالبة بالاصلاح والنزاهة والشفافية وكذلك في الامعان في تلك الممارسات التي الحقت اشد الأضرار بالدبلوماسية العراقية وبسياسة البلد وعلاقاته الخارجية وبسمعته الدولية.(3)

لقد كان محتما ان تواجه حكومة جديدة حلت محل حكومة “نوري المالكي” عام 2014 ووزير جديد في مكان زيباري ذلك العبء الثقيل بحركة اصلاحية شاملة في الوزارة تفتح الطريق امام صياغة سياسة خارجية جديدة وقوية ودبلوماسية فاعلة تقوم بواجبها في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق.كانت هناك آمال عريضة بان يفتح الوزير الجديد ملفات التعينات في وزارته كخطوة أولى في طريق الاصلاح لكي ينقي هذا الجهاز من حملة الشهادات المزورة، وممن تم تعينهم بالمحاصصة والوساطات والرشاوي، ومن ازلام النظام البعثي، ومن الفاشلين، وان يأتي بوجوه جديدة من عراقيين لديهم خبرات حقيقية ومن اصحاب الكفاءات العلمية والفكرية لكي يقودوا الدبلوماسية العراقية في تلك المرحلة الصعبة التي تتطلب مواجهة الارهاب في الداخل، والهجمة الشرسة على العراق في الخارج، بعقول بامكانها ان تقدم الرأي والمشورة وتقود دبلوملسية فاعلة تتعامل مع الاوضاع الدولية والاقليمية المعقدة والمستجدات، كما تسهم في صناعة السياسة الخارجية.لكن “ابراهيم الجعفري” لم يفعل اي من ذلك واكتفى بمطاردة البعض على خلفيات طائفية، كما ظل محاطا في مكتبه، وفي الدائرة المقربة، منه وعلى طاولة اجتماعاته، باشخاص يعرفهم القاصي والداني بانهم من مزوري الشهادات، وممن لا خبرة ولا تجارب لهم في العمل السياسي والدبوماسي، وانهم جاؤا الى كراسيهم لاعتبارت لاعلاقة لها بكل ذلك بل بالولاء الشخصي للوزير ذاته لو لشركائه السياسيين.كما لم يتخذ اي من الخطوات لكي ينقي الجهاز الدبلوماسي والسفارات من تلك الطفيليات التي الحقت اشد الضرر بسمعة العراق وفشلت فشلا ذريعا في القيام بابسط واجباتها، بل وساهم البعض منها في تشويه صورة العراق عمدا لاسباب لا تخفى على احد.

لم يفتح الوزير الجديد اي من سجلات الفساد التي تراكمت خلال عشر سنوات والتي هدرت فيها مليارات الدولارات والتي تم توثيقها بجهود قام بها عراقيون نشرت بعضها على الملأ.لم يفتح الوزير ملفات التعينات في الوزارة لكي يطلع العراقيون على “فضائيين” من نوع آخر لم تأت بهم معايير الجودة والحق والانصاف والعدالة، وانما القرابة والانتماء الحزبي والمحاصصة، بل جاؤا في احيان كثيرة عبر علاقات مشبوهة.ان وراء كل تعين في هذه الوزارة قصة يعرفها الآخرون جيدا، مثلما يعرفون المآسي التي تسبب فيها البعض والتي دفع فيها العراق خلال السنوات الماضية ثمنا باهظا لا في سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية والاقليمية فقط، بل في الدم المسال في شوارع ومدن العراق.كما لم يفتح الجعفري سجل السفارات التي تعجز ان تقيم نشاطا جادا ورصينا او ان تبني علاقات وصلات مع المسؤولين وصناع القرار وممثلي الأحزاب والهيئات السياسية الفاعلة ومراكز الأبحاث في الدول المضيفة وان توظف كل ذلك في خدمة السياسة العراقية، ومصالح العراق وليس من اجل تلميع الأسماء الشخصية او لمصالح خاصة او فؤية ضيقة.

لم يفتح الوزير سجل تعامل البعثات الدبلوماسية السياسية والقنصلية في الخارج مع الجاليات العراقية والشكاوى الكثيرة من الأساليب البيروقراطة التي يعامل بها افراد الجاليات العراقية والممارسات والعقبات التي يضعونها في تسهيل معاملاتهم القنصلية.ان احد اسباب تدني سمعة جواز السفر العراقي في الخارج ومعاناة العراقيين في السفارات والمطارات الأجنبية هو تقاعس السفارات بان تقوم بعملها في حماية العراقيين والدفاع عنهم لدى الحكومات الأجنبية، وهو معيار دولي معروف في اثبات فاعلية حمل جواز اي دولة.لم يفتح الوزير الجديد سجل جوازات السفر الدبلوماسية التي فاحت رائحتها النتنة والتي وصفها اعضاء في “لجنة العلاقات الخارجية” بالكارثة الكبيرة رغم تمني العراقيين ان يقوم بذلك لكي يعرفوا من هم الآلاف المؤلفة ممن يحملون جواز سفر بلادهم الدبلوماسي والذي يمنحهم الامتيازات الخاصة لهم ولعوائلهم وهل هم مؤهلين حقا لذلك الشرف والامتياز، ولاي سبب.(4)

هناك الكثير والكثير جدا مما لم يفعله الوزير الجديد خلال اربع سنوات من تبوئه منصبه، وخاصة في تطهير الوزارة من الفساد، كما انه لم يقم باية اصلاحات بهدف عزل العناصر الفاشلة وغير الكفأة والتي ثبت الا خبرة ولا معرفة ولا دراية لها بالعمل الدبلوماسي ولا في مجال السياسة والعلاقات الخارجية وجرى تعينها على اساس المحاصصة والقرابة والتي حولت الوزارة وسفارتها الى عزب للاحزاب ولزعمائها.لكن الذي فعله الوزير الجديد الذي يقود حركة اسمها الاصلاح وينتمي الى تيار ملتزم دينيا كان ان سار على خطى سلفه زيباري حيث بدأ بملء مكاتب الوزارة والسفارات باقاربه وبالأعوان الذين يرتبطون بحركته السياسية الكارتونية واولاد واقارب المسؤولين من احزاب السلطة ممن لا يمتلكون اية كفاءة او خبرة او تجربة في الحقلين السياسي والدبلوماسي.

وفي خطوة اقدم عليها الجعفري في نهاية عهده بالوزارة قدم قائمة مرشحين جدد لشغل مناصب السفراء وجهت بمعارضة قوية كونه قام بالترشيح على اساس الولاء والتبعية لشخصه وللجماعات السياسية القريبة منه دون اعتماد لمعايير الكفاءة والمقدرة والخبرة، بل وحتى بالمخالفة لقانون الخدمة الدبلوماسية اضافة الى اتهامات له بالتعيين على اساس طائفي ضاربا بعرض الحائط بكل معايير الجدارة والكفاءة والتوازن، وبالدرجة الاساس مبدأ العدالة والمساواة والمواطنة.كان هدف الجعفري وهدف الطغم الحاكمة من ذلك هو ترسيخ الأمر الواقع وابقاء الوضع على ما هو عليه امام اي وزير جديد يأتي بعده.(5)

غير ان الأخطر من كل ذلك هو اداء الجعفري على الصعيدين السياسي والدبلوماسي والذي كشف خلال سنوات توليه الوزارة ضعفا وهزالا لدور الوزارة في تسيير السياسية الخارجية العراقية وادارة علاقات العراق مع الدول الاجنبية.لقد ظلت الدبلوماسية العراقية في عهده عاجزة عن القيام باي دور فاعل سواء في رسم وتخطيط السياسة الخارجية او المشاركة بفاعلية في ادارة ملفات ازمات المنطقة بما يدعم المصالح الوطنية العراقية.بقيت الوزارة بلا عقيدة، او رؤية، بشأن السياسة الخارجية العراقية يمكنها ان تدعم المواقف العراقية، خاصة وان العراق واجه خلال تلك السنوات تحديات مواجه الارهاب وتهديدات اخرى عديدة لأمنه الوطني، بل ولوجوده وكيانه كدولة.ان ضعف دور الدبلوماسية العراقية جاء في ظل ظرورف اقليمية ودولية شديدة التعقيد والخطورة ساهمت خلالها استراتيجيات مختلف القوى الاقليمية والدولية وسياساتها، باضعاف قدرة العراق على تولي دور فاعل في تحولات المنطقة ودرءا للاخطار المحدقة به.

ان جزءاً كبيراً من اسباب بلورة دبلوماسية الجلوس على الدكة تلك يعود الى شخصية وخلفية الجعفري الذي يفتقد الى اي نوع من الكفاءة والامكانيات والخبرة والخلفية التاريخية، سواء الوظيفية، او الاكاديمية، او الثقافية، التي تؤهله لقيادة سياسية خارجية لدولة مأزومة مثل العراق تحتاج الى دبلوماسية فاعلة وخلاقة.واضافة الى انعدام كفائته والتي تجلت في غياب الدور اللائق للدبلوماسية العراقية وفي ادائه العلني البائس المعبر عنه في تصريحاته ولقاءاته الصحفية وفي خطاباته المرتجلة امام المحافل الاقليمة والدولية والتي تفتقد الى اي مضمون حقيقي والتي تحولت احيانا الى تهويمات وهلوسات من التعبيرات والكلام الأجوف الذي لا معنى له.غير ان الطامة الكبرى والتي كانت دائما تتجلى في اداء الوزير العلني هو احتمال معاناته من اضطرابات نفسية، وهو ما اشار اليه واحد من اقرب المقربين اليه خلال رحلة عملهما في “حزب الدعوة الإسلامي” وهو طبيب الاعصاب “موفق الربيعي” والذي شغل منصب “مستشار الامن الوطني” الاول في “دولة علي بابا” في مقطع فديو وضعه على موقعه على الفيس بوك والتي وصفها بانها “قضية تضر بالوطن”.(6)

لقد انعكس كل ذلك الفساد بشكل جلي على الدبلوماسية العراقية حيث شكلت الاوضاع الادارية المزرية داخل الوزارة، والاداء البائس للسياسة الخارجية، معضلة حقيقية امام العراق في الفترة الماضية التي واجه فيها تحديات وجودية تطلبت اضافة الى الانتماء والاخلاص لقضايا الوطن، مهارات وخبرات عالية في الدراسة والبحث والتقيم والتخطيط السياسي على درجة كبيرة من الكفاءة والفاعلية.لم يكن ممكنا ابدا ادارة سياسة خارجية ودبلوماسية فعالة من قبل جهاز لا يمتلك نظرية، او عقيدة واحدة في السياسة الخارجية، او ايمان بالمصالح الوطنية.وقد اثبتت وقائع تلك السنوات العجاف من خلال آلاف الحكايات والرويات المتواترة وشهادات العيان ان اغلب من تم تعينه في السفارات وفق برنامج المحاصصة خدم طائفته او قوميته او جماعاته السياسية على حساب المصلحة الوطنية.بل ان بعضهم كان قد مضى اكثر من ذلك في التدليس والطعن بهذه المصالح الوطنية لدى الدول التي كان يمثل العراق فيها واجهزتها في حالة مزرية من عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية، ان لم يكن الخيانة.ان الاستنتاج الأخير من تحليل حالة وزارة خارجية “دولة علي بابا” هو انه لم تكن لهذه الدولة من سياسة خارجية على الاطلاق يمكن ان يتم الحديث عنها وان عمل الوزارة واجهزتها وسفارتها لم تكن غير واجهات استعراضية لمواجهة متطلبات صلات العراق بالعالم الخارجي، او تلبية بعض المتطلبات والحاجات من الخدمات القنصلية للجاليات العراقية بالخارج.اما السياسة الخارجية بمعنى ادارة العلاقات الدولية وفق اطار نظري يستهدف تعزيز وادامة قوة الدولة في اطار المنافسة مع البلدان الاخرى فقد ظلت غائبة تماما.ان التأثير المترسب Residual Influence)) لاخفاقات الدبلوماسية العراقية من الفترة الماضية سيظل يلاحق علاقات العراق مع العالم الخارجي وسيقوض لاحقا اي جهد حقيقي لبناء سسياسة خارجية متينة ودبلوماسية فعالة تخدم المصالح العراقية ما لم يتم اعادة بناء فعلية لهذه الوزارة التي نخر فيها العجز وعشعش فيها الفساد بكل انواعه.(7)

لايعني وجود عدد كبير من السفارات المنتشرة في انحاء العالم ولا عدد الاميال التي يقطعها وزير الخارجية في رحلاته ولا مناصب دولية معدودة منحت للعراق وفق اعتبارات الحصص في المنظمات الدولية نجاحا للدبلوماسية او للسياسة الخارجية، بل هي المبادرة والمشاركة والفاعلية والتعبير بالقوى الناعمة والحنكة التي تمتلكها تلك الدبلوماسية وتدير بها سياسة البلد وعلاقاته الدولية.ان نظرة عاجلة على التدخلات الاقليمية والدولية في الاوضاع  الداخلية العراقية من احتلال عسكري سافر لبعض الدول الى تدخلات ونفوذ سياسي واقتصادي وثقافي كاسح لدول اخرى الى تجاوزات خطيرة على الاراضي والمياه الاقليمية العراقية من طرف دول غيرها ستبين الى اي مدى فشلت فيه الدبلوماسية اوالسياسة الخارجية العراقية في تمثيل المصالح الوطنية وتركتها نهبا لاطماع الآخرين.واذا كانت السياسة الخارجية في احدى تجلياتها هي مقياس لقوة الدولة ومكانتها وفاعليتها في الساحات الاقليمية والدولية فان غياب الدور الفاعل للعراق في ادارة الملفات الحيوية الرئيسية في المنطقة وفي معالجة النزاعات والصراعات الدائرة فيها وفي المبادرة الجسورة في العمل الدولي لهو دليل آخر على عجز النشاط السياسي الخارجي في الدفاع عن مصالح العراق وعن دوره ومكانته كدولة اساسية في المنطقة.ان احد اسباب هذا العجز هو الفشل في ادراك العناصر والعوامل التي تشكل القوة العراقية وعلى رأسها الدور التاريخي المهم للعراق ومزايا موقعه الجغرافي في المنطقة وفي العالم وهو الاخفاق الذي ارتد سلبا على شكل الاستهانة التي تتعامل بها الدول الاقليمية والاجنبية بالوضع العراقي.

 

 

                         هوامش ومراجع ومصادر الفصل السابع

 

1-انظر:”الحديث مع غرباء، النضال من اجل اعادة بناء وزارة الخارجية العراقية”، غسان محسن وديفيد دنفورد (بالانكليزية)، دار نشر مطبعة ساوث ويسترن كولج الاكاديمية 2013

2-انظر: “بالوثيقة.. هذا مافعله هوشيار زيباري اثناء توليه وزارة الخارجية العراقية؟ وكالة موازين 6/10/2017 

http://www.mawazin.net/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D9%85%D8%A7%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87-%D9%87%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%B2%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D8%AB%D9%86%D8%A7-%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

3-انظر:”الفساد يستشري بالخارجية العراقية.. ملف شائك يبحث عن تسوية”، موقع الخليج اون لاين، 18/4/2017

http://alkhaleejonline.net/articles/1492454649391831800/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D9%83-%D9%8A%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9/

4- انظر:”الخارجية النيابية:اجراء اصلاحات كبيرة في الوزارة بعد كشف شهادات مزورة لموظفيها”، موقع قناة الاتجاه،11/12/2014

http://aletejahtv.org/permalink/38783.html

انظر:ايضا: “الفساد هنا .. يا حيدر العبادي، موقع كتابات 21/11/2017

https://kitabat.com/2017/11/21/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%87%D9%86%D8%A7-%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A

5-انظر: “المخالفات القانونية في قائمة مرشحي الجعفري لمناصب السفراء”، موقع كتابات، 3/12/2017

https://kitabat.com/2017/12/03/%D8%A7%D9%84%D9%85%

D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD%D9%8A-

%D8%A7%D9%84

انظر كذلك:”قائمة سفراء قدمها الجعفري تثير جدلاً في العراق”، صحيفة الشرق الاوسط، 3/12/2017

https://aawsat.com/home/article/1101736/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%B3%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%AF%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%8B-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

انظر:”تسجيل موفق الربيعي الذي نشره على صفحته على الإنترنيت، 10/12/2017

https://www.facebook.com/search/top/?q=%D9%85%D9%88%D9%81%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A

انظر كذلك: “الربيعي في فيديو مثير يتحدث عن صحة الجعفري العقلية وفقدانه الذاكرة” موقع، موازين، 11/12/2017

http://www.mawazin.net/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9

7-انظر:”دبلوماسية العجز في العراق”، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 15/9/2011

https://www.masress.com/en/ahramweekly/27632

انظر ايضا:”الطنطة في السياسة الخارجية، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 19/11/2014

http://weekly.ahram.org.eg/News/7729.aspx

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دولة علي بابا

cover 5

 

 6)                          

                                             قمة جبل الفساد

 

 

ما ان سقط “نوري المالكي” من سدة الحكم بعد فشله في الحصول على ولاية ثالثة اثر الانتخابات التي جرت في شهر نيسان (ابريل) 2014 حتى بدأت تتضح صورة الفساد الذي تراكم في عهده والذي استمر ثمان سنوات وكان ينتظر منها ان تكون المرحلة الانتقالية لاعادة بناء الدولة العراقية الجديدة.لم تمر معركة اسقاطه التي اجتمعت فيها اطراف عراقية واقليمية ودولية عديدة بسهولة فقد تشبث المالكي باسنانه واضافره بكرسي رئاسة الوزارة حتى اللحظة الاخيرة.ولولا الضغوط التي مارسها عليه حلفاؤه، وخاصة ايران، والفصائل الشيعية الرئيسية، والادارة الامريكية، ما كان المالكي ليقبل بالخروج من المنافسة رغم انه ضمن منصبا آخرا يوفر له المكانة والدور في الحكومة الجديدة وفي مؤسسة الحكم والاهم من ذلك الحصانة من المحاسبة.كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وادت الى زوال فرص تجديد الولاية هي انهيار الجيش والقوات الأمنية في الموصل والتي سهلت عملية اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمدن اخرى اضافة الى استيلاء البيشمركة الكردية على اراضي شاسعة في اربع محافظات عراقية وضمها الى اقليم كردستان مما افقد الحكومة المركزية السيطرة على مساحة تعادل نحو ثلث مساحة العراق.لم تكن كل تلك الفجيعة ممكنة الوقوع من دون الفساد الذي كان مستشريا في صفوف قادة الجيش والشرطة وضباطه والذي مهد الى تلك الهزيمة المريعة، وما ترتب عليها لاحقا من دخول البلاد في نفق مظلم اصبح يهدد كيانه بالتمزيق.(1)

كانت هناك آمال بفتح ملفات الفساد الذي جرى في عهد المالكي بعد فشله في تولي رئاسة الحكومة لثالث مرة، ولكنها آمال سرعان ما تبددت ولم تلق التجاوب المطلوب من الحكومة الجديدة لاعتبارات عديدة، اهمها ان الفساد خلال الفترة السابقة اصبح منظومة مهولة راسخة تغطي كل مفاصل الدولة والطبقة السياسية الحاكمة، وبالتالي فانها لم تكن تشمل المالكي وبطانته فحسب، بل كذلك جماعات وشخصيات نافذة من كل الأطياف السياسية، وشبكة واسعة من المصالح والمنتفعين، مما يعني ان القيام باية عملية كشف حساب حقيقية عن الفساد وجذوره ستواجه بمقاومة شديدة من اقطاب هذا المعسكر الذين كانوا مراكز قوى اساسية.ما يرتبط بهذا ايضا هو ان المالكي نفسه كان يمتلك ملفات ومعلومات عن فساد اقطاب الطبقة السياسية والتي ستجعل الكثيرين من افرادها يتردون في فتح ملفات فساد حكومته خشية من كشفهم ايضا، او التشهير بهم وملاحقتهم قانونيا.اضافة الى كل ذلك فان تعيين المالكي في منصب نائب الرئيس اعتبر نوعا من الحصانة منحت له في صفقة من التفاهمات مع الأطراف الاخرى بغية ضمان عدم ملاحقته قانونيا.هذه وغيرها من الأسباب زادت من الشكوك لدى العراقيين بامكانية ان تقوم حكومة حيدر العبادي بكشف حجم الفساد الحقيقي الذي جرى خلال تلك الفترة وفي جميع مفاصل الدولة.

غير ان سقوط الموصل في شهر حزيران (يونيو) 2014، واستيلاء داعش على أراضي ومدن في خمس محافظات والذي تزامن مع اعلان نتائج الانتخابات والأزمة التي اعقبتها بشأن تشكيل الحكومة، سلطت الأضواء بقوة على قضية الفساد، وخاصة بعد ان اتضح بان الفساد في القوات الأمنية وسؤ الادارة كانا العاملان الرئيسيان في الانتصارات المدوية التي حققها الارهابيون.لقد كان سقوط الموصل نكبة وطنية سرعان ما اتضح انها كانت ناجمة عن الانهيار السريع في صفوف الآلاف من أفراد القوات الأمنية امام زمرة، لم يتعدى عددها المئات، مما ادى الى زيادة وتيرة الحديث عن اداء هذه القوات التي كان معروفا للقاصي والداني انها تعاني من اخفاقات كبيرة على كل المستويات نتيجة لما عانت منه من فساد مالي واداري ناجم عن فشل قيادة المالكي للحكومة وللقيادة الأمنية طيلة الأعوام الثمانية السابقة.

خلال السنوات العشر التي سبقت الانهيار المدوي في الموصل وباقي المحافظات قامت الحكومة العراقية والجيش الامريكي بصرف بلايين الدولارات على بناء وتجهيز وتدريب واعداد القوات الأمنية العراقية.فبين عامي 2003 و2011 انفق الجيش الامريكي نحو عشرين بليون دولار على اعداد وتدريب القوات العراقية اضافة الى مبالغ اخرى لأغراض متفرقة، في حين صرفت الحكومة العراقية اضعاف هذا المبلغ على بناء القواعد والمعسكرات واعداد القوات وتجهيزها وتسليحها وتهيئتها للقتال ضد الإرهابيين.(2)

فمنذ حل الجيش السابق جرى بناء الجيش الجديد على أساس الاعتماد على خلطة من الأفراد من اقلية منتقاة من بين ضباط الجيش القديم، واغلبية من المتطوعين الجدد، اضافة الى اعضاء في الجماعات الشيعية المسلحة التي كانت قد شكلت في ايران من قبل معارضي صدام لمحاربة جيشه.ولقد اثبتت الأحداث التي توجت بسقوط المدن العراقية بيد داعش ان هذه الخلطة المتنافرة العناصر لم تنجح بالاندماج الفعلي بما يكفل تشيكل نواة لجيش وطني، خاصة انها افتقدت لتوازن حقيقي بين المكونات العراقية.كان من النتائج المباشرة لهذا الفشل في عملية الاندماج هو العجز عن بناء قوات امنية تتمتع بالكفاءة والقدرة في مواجهة التحديات الأمنية التي يواجهها العراق، وخاصة الارهاب، في حين ان من بين النتائج الاخرى هو الإخفاق في تعزيز الهوية الوطنية عن طريق خلق جيش يكون رمزا لوحدة العراقيين من خلال تمثيله لجميع المكونات والجماعات على قاعدة المساواة والمواطنة، وليس المحاصصة الطائفية والعرقية، كما حصل.

عشية سقوط الموصل كان الجيش العراقي الجديد يتكون من خمسة عشر فرقة عسكرية تضم كل فرقة منها بين 12-15 فردا حيث قدر “معهد ستوكهولوم لابحاث السلام” المجموع الكلي بحوالي 190,000 جنديا في حين ان القوات الأمنية الاخرى كانت تضم فرق قتالية من الشرطة الاتحادية، ومن قوات مكافحة الارهاب، وقوات جوية وبحرية وغيرها تضيف آلافا اخرى لعدد القوات الأمنية العراقية المسجلة في سجلات الدولة رسميا.(3).

ومقارنة بجيوش اخرى في المنطقة وفي العالم فان قوات امنية تضم هذه الأعداد الهائلة من الأفراد، وتحظى بميزانيات هائلة، وتدريب جيد من قبل واحد من اكبر جيوش العالم، لابد ان تكون على مستوى عالي من الخبرات ومن الاداء ومن الروح القتالية.الا ان الوقائع المعروفة يومئذ كما النتائج التي تحققت في انهيار القوات الأمنية امام فلول داعش، اثبتت ان اوضاعها كانت اسؤ بكثير مما كان معروفا ومتوقعا.وفي حين ان عوامل كثيرة لعبت دورها في وصول القوات العراقية الى هذه النتيجة، الا ان الفساد بكل انواعه، في المؤسسة الامنية يبقى العنصر الأساس وراء الكارثة التي حلت بالعراق بصعود داعش في صيف عام 2014 والتكلفة المادية والبشرية العالية التي دفعها العراقيون بعد ذلك بالدم والدموع والخراب من اجل طرد الإرهاببين من المدن التي احتلوها.(4)

ومثلما سلطت كارثة سقوط الموصل الأضواء على عوامل فشل القوات الأمنية العراقية امام داعش فانها منحت الفرصة للأطراف لتقديم معلومات هائلة عن حجم الفساد داخل المؤسسة العسكرية الذي هيأ الاجواء لتلك الهزيمة.الطرف الامريكي صحا فجأة على وجود فساد مستشري في هذه المؤسسة التي ظل يتبجح انها من بنات ابداعاته، وبدأت وسائل الاعلام الامريكية تنشر المزيد من التقارير عن ملفات الفساد في الجيش والشرطة، كما اتضح من الحملات التي قامت بها صحف امريكية رئيسية كـ”الواشطن بوست” و”نيويورك تايمز” و”لوس انجلس تايمز” و”وكالة انباء الاسوشيتدبريس” ومن خلال تسريبات واضحة.لكن الهدف الامريكي هنا لم يكن ردا على مطالبة الادارة الامريكية من قبل “الكونغرس” والرأي العام الامريكي بان تجيب عن السؤال كيف انهارت هذه القوات التي اشرفت على اعدادها وتدريبها وتمويلها بهذه السرعة والكيفية، ولكن من اجل تمهيد الطريق امام عودتها للعراق وقيادتها التحالف الدولي لمحاربة داعش الأمر الذي كان يتطلب وضع مسألة معالجة الفساد الذي تغرق فيه الأجهزة الأمنية العراقية امام الحكومة العراقية وعلى الطاولة كشرط من شروط عمل التحالف الدولي لمحاربة داعش.(5)

ومثلما حاولت الولايات المتحدة ان تدفع عن نفسها تهم الفشل في بناء مثل هذه القوات وبالتالي ان تتحمل مسؤولية كارثة الموصل وغيرها من مدن العراق فان اطرافا عراقية كانت ضالعة في سقوط الموصل لعبت لعبة كشف وقائع الفساد في القوات الأمنية في الموصل بغية تبيض صفحتها، وغسل يدها، من المسؤولية عن تلك النبكة.فوفقا لمحافظ الموصل “أثيل النجيفي” فان المدينة كانت ساقطة بيد داعش “منذ سنوات” بسبب الفساد المتفشي بين الضباط، وتغاضي الحكومة والاميريكان عن عمليات التهريب الكبرى التي كان ينفذها تنظيم “داعش”، وعن فرضه اتاوات على التجار والشركات.وحسب شهادة النجيفي فان رئيس الوزراء “نوري المالكي” رفض الإستماع الى معلومات قدمها له شخضيا عن تورط ضباط كبار في الاستخبارات في تسهيل عمل “داعش” في الموصل، وفي عمليات تهريب النفط بالتعاون مع التنظيم.ووفقا للنجيفي فان “ضباط الاستخبارات” في وزارة الداخلية وفي الفرقة الثانية المنتشرة في الموصل “كان عملهم يقتصر على ابتزاز المقاولين والمتعهدين واصحاب مواقف السيارات ومحطات الوقود” وليس في محاربة داعش.(6)

ومع ان التقارير الأمريكية، وشهادات خصوم للحكومة، تبقى مشكوك في دوافعها الا انها تضيف بعض الأبعاد لصورة الجريمة التي اقترفت بحق العراق والتي لن تمحى اثارها ابدا.غير ان المشكلة ايضا هي ان حكومة “دولة علي بابا” لم تتخذ اية خطوة جادة للكشف عن حقيقية ما جرى في قصص سقوط المدن العراقية واحدة تلو الاخرى بيد داعش بداية من الشهر الاول لعام 2014، وبالتأكيد تفريطها في العثور على المتسببين بذلك ومحاسبتهم، مما يعني انها تولت بذلك حماية الفاسدين والمفسدين وجبل الفساد الذي اقاموه داخل المنظومتين العسكرية والأمنية.

المحاولة اليتيمة التي جرت في التحقيق بسقوط الموصل هي تلك التي قام بها البرلمان تحت ضغط الانتقادات الشعبية المتصاعدة والتي تم من خلالها تشكيل لجنة تحقيق شاب عملها الكثير من العيوب والنقائص من النواحي القانونية والفنية كما شابها خلافات وصراعات بين القوى السياسية ادت بالنتيجة الى الخروج بتقرير بائس يفتقر الى الخبرة والكفاءة في تحديد المسؤوليات وفي رسم صورة دقيقة وتفصيلية لما جرى في الموصل.ومع هذا فقد عجزت الدولة بأجهزتها التنفيذية والقضائية في فتح التحقيقات اللازمة في ما ورد من وقائع تدين الكثيرين من المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين في مأساة الموصل، بل ان العديد من اولئك ظلوا يمارسون عملهم وادوارهم في “دولة علي بابا” في تحد صارخ لدماء الآلاف من العراقيين الذين سقطوا ضحايا الغدر عند تسليم تلك المدن لداعش والآلاف الآخرين الذي ضحوا من اجل تحريرها.(7)

واذا كانت قصة الفساد في الأجهزة الامنية تبدأ مع تشكيلها بالطريقة التي اشرنا اليها، فان الوقائع التي كشف عنها خلال السنوات اللاحقة عن الفساد وسؤ الادارة تؤكد على ان حصاد تلك التجربة المرة كان يتطابق مع الأسس الخاطئة التي اقيمت عليها هذه المؤسسة المهمة.كانت اكثر صور الفساد انتشارا في القوات الأمنية هي ظاهرة “الفضائيين”، وهو تعبير عبقري من نتاجات ابداعات فن التهكم الشعبي لدى العراقيين، اطلقوه على الجنود والضباط المسجلين في سجلات القوى الأمنية والذين يستلمون رواتبهم وإستحقاقاتهم الاخرى دون ان يكون لهم وجود حقيقي على الأرض في صفوف القوات العاملة.كانت ظاهرة الفضائيين شائعة في كل مفاصل الدولة الا انتشارها الأوسع كان في القوات الأمنية بسبب الانفلات والتسيب الذي شاب عملها من جهة وتدخلات الجماعات السياسية المهيمنة من جهة ثانية.لم يتم الكشف عن هذه الظاهرة علنا الا بعد كارثة سقوط الموصل حين اتضح ان عدد القوات المسجلة لدى الفرق والالوية وباقي الوحدات العسكرية والامنية في الموصل كان يتجاوزر ثلاثين الفا لكن من كان موجدا فعلا في الخدمة على الارض لم يتجاوز بضعة آلاف.من هنا بدأت الاسئلة تطرح عن الأعداد الكلية للفضائين في الجيش والشرطة، وعن مجمل الأموال التي هدرت على رواتبهم وإعاشتهم وتجهيزهم دون ان يكون لهم وجود فعلي.لم يتسنى للعراقيين الحصول على اي من هذه الاجوبة ولا الاطلاع على مظاهر الفساد الاخرى المؤكد ارتباطها بذلك وتأثيرها على اداء الجهاز الأمني وعلاقات ذلك بجرائم الإرهاب التي حصدت حياة الآلاف من العراقيين الأبرياء.

في خضم هذا الجدل والمطالبات الشعبية بالكشف عن تفاصيل فضيحة سقوط الموصل وتحديد مسؤولية القادة السياسين والعسكريين فيها اضطر رئيس الوزراء الجديد العبادي” للحديث عن قيام حكومته بالغاء وظيفة 50 الف جندي فضائي في وزارة الدفاع خلال شهر واحد، وهو رقم رغم تواضعه، اذهل العراقيين الذين بدؤا يطالبون بكشف الحقيقة عن الفضائيين كاملة سواء في وزارة الدفاع او في باقي الاجهزة الامنية.(8)

لايبدو ان هذا هو فقط عدد الجنود والضباط الفضائيين، ولا يمكن ان يكون خمسون الفا من الذين تم اعفائهم هم فقط من يتحمل نتائج تلك الكوارث.فقد ارتفعت اصوات برلمانيين وسياسيين وخبراء تؤكد ان اعداد الفضائيين تفوق ذلك بكثير وان الظاهرة عميقة الجذور ومستمرة منذ سنوات وان المتورطين فيها لا يعدون ولا يحصون.واذا ما اخذ بنظر الإعتبار ان العدد الذي كشف عنه هو في فرق عسكرية محدودة العدد فان العدد الكلي لا بد ان يكون اكبر من ذلك بكثير ضمن الأرقام التي كشف عنها، ولعل اهمها الرقم الخاص بالعسكريين الذين ادلوا باصواتهم في انتخابات 2014 والذي بلغ نحو 700 الف حسب ارقام رسمية منشورة.هناك فجوة كبيرة بين عدد المصوتين في الاقتراع من القوات الامنية وبين الأعداد المحتملة في الوحدات العسكرية، وحتى مع إحتمالات وقوع التزوير، وتضخيم الأعداد للاغراض الانتخابية،  فان العدد الفعلي لهؤلاء الأفراد يبقى متضخماً مما يؤكد ان عدد الفضائيين الذي كانوا يتسلمون رواتبهم اكثر بكثير مما قيل يومها.  

ان مجرد الكشف عن رقم لا يعني شيئا دون تحقيقات شفافة تجري من قبل قضاء نزيه ومستقل تكشف عن كل المتورطين من محرضين وفاعلين اساسين في هذه الجريمة.كيف سيثق العراقيون بالقوات الأمنية بعد الان وهم يعرفون ان ارواحهم واموالهم واعراضهم ووطنهم لم تكن بايدي امينة.هل من المعقول ان تجري هذه العملية الواسعة النطاق ولا تجري اي عملية مراقبة، او مراجعة، او محاسبة، كي لا تتسع الكارثة الى هذا المدى الإجرامي الدنيء.هناك حاجة لكي يعرف العراقيون ان كانت هذه عملية منظمة ومن يقف وراءها من قوى محلية واجنبية كانت تسعى لتدمير الجيش والاجهزة الأمنية كي تصل الى ما وصلت اليه، وبالتالي فهي ليست مجرد عملية فساد داخلي، بل هي عملية منظمة ترتقي الى مصاف الخيانة الوطنية التي راح ضحيتها الآلاف من الشباب كما كلفت البلد تدميرا كاملا لمدن عديدة. 

لقد طبلت وزمرت اجهزة الإعلام المختلفة لخطوة العبادي في الكشف عن وجود 50 الف جندي فضائي، لكن لم يسمع العراقيون عن اية اجراءات فعلية في التحقيق عن هذه الوقائع وملاحقة المسؤولين عنها واحالتهم للقضاء.فقد نشرت جريدة “الشرق الاوسط” يوم 10 كانون الاول (ديسمبر) 2014 وقبلها موقع “باسنيوز” الاخباري يوم 4 كانون الاول (ديسمبر) 2014، نقلا عن تحقيقات اجريت من قبل الامانة العامة لمجلس الوزراء مع “الفريق علي غيدان” قائد القوات البرية اثناء اقتحام الموصل ان “مكتب رئيس الوزراء السابق (نوري المالكي) كان على علم بالجنود الفضائين في الدفاع والداخلية وأن 40 بالمائة من رواتب الفضائيين كانت تستقطع وترسل الى مكتب القائد العام للقوات المسلحة، اي مكتب المالكي نفسه.(9)

واذا كانت ظاهرة الجنود والضباط الوهميين قد اثارت الكثير من الاهتمام بسبب طبيعتها الشاذة وتلازمها مع قضايا اصلاح القوات الامنية والحرب على داعش وشروط التحالف الدولي فان القليل من ملفات الفساد الاخرى في القوات الامنية التي تبرعت أجهزة اعلام عراقية بالكشف عنها خلال هذه الفترة القصيرة تم تجاهلها رغم الالحاح الشديد على رئيس الوزراء والبرلمان والطلبات المتكررة للقضاء والادعاء العام لفتحها باعتبار ما ينشر بشانها بلاغات رسمية تستوجب التحقيق فيها قانونيا.

ما بدأنا نشهده مع كشف العبادي عن اعداد “الفضائيين” هو مجرد قمة جبل الفساد في المؤسسة الأمنية التي كان منوطا بها حماية البلد من الارهاب والتهديدات الاخرى. لكن جبل الفساد نفسه ظل مطمورا في غياهب التردد في فتح ملفات الفساد الاخرى والتحقيق فيها وفي بدء عملية المحاسبة وجلب المتهمين امام القضاء وانجاز العدالة التي يستحقها العراقيون الذين دفعوا اثمانا باهظة نتيجة لهذا النمط من الفساد بالذات.كانت احدى الملفات المهمة هي تلك التي تتعلق بهروب السجناء من الارهابيين، او المتهمين بالارهاب، مرات عديدة من المعتقلات والسجون وتمكنهم بعد ذلك من الالتحاق بالجماعات الارهابية والعودة لممارسة نشاطاتهم في القتل والتفجير والتدمير.وعلى الرغم من ان عمليات الهروب تلك استمرت لسنوات طويلة وفي سجون امتدت من الموصل الى البصرة، واحيانا من مراكز، اعتقال شديدة الحصانة في بغداد، الا انه لم يجر اي تحقيق رسمي، او محاسبة، للمسؤولين عن هذه السجون في حين تمكن الأرهابيون من الافلات والعودة التي تنظيماتهم السابقة.كانت كل التقارير تشير الى وجود شبكات من الضباط والمسؤولين المتواطئين الذين يسهلون عمليات التهريب لإسباب شتى، تتراوح بين التعاون مع المنظمات الارهابية الى تلقي الرشاوي لتسهيل الهروب.(10).

وتمثل عملية هروب الارهابي الداعشي الخطير “شاكر وهيب” احدى القصص المثيرة عن تواطئ الأجهزة الأمنية وحراس السجون في التعاون مع المنظمات الارهابية لتهريب عتاة الارهابيين من السجون وعودتهم لممارسة نشاطاتهم في القتل والذبح، كما هي في حالة وهيب.فوفقا لصفحة أحمد الجلبي على االفيسبوك فان “شاكر وهيب” كان يقبع في سجن المطار الذي وصفه الجلبي بانه “سجن لا يدخله ولا يخرج منه سوى الجن لكثرة الأبواب الموصدة فيه”.ويتساءل الجلبي كيف تمكن وهيب من الخروج عبر هذه البوابات وفي ظل “وجود مايقارب 50 نقطة حرس.” الا ان الجلبي يسارع  للاجابة بنفسه بان ذلك تم عبر “صفقة تجارية كبيرة” مكنته من “الخروج بسيارة عسكرية من المطار” وبعلم “كل القادة العسكريين في المطار.”

ما حصل بعد ذلك هو عودة وهيب الى ممارسة دوره الاجرامي ونشره بعد فترة قصيرة لفيديو يصوره وهو يذبح عددا من سائقي الشاحنات وهم يقومون بعملهم على الطريق الذي يربط العراق بسوريا والأردن قبل ان يعود الى قيادة التنظيم ليتزعم الارهابيين الذين استولوا على مدن محافظة الانبار شتاء عام 2014.

غير ان الهروب الكبير لنحو 1000 نزيل معظمهم من الإرهابين من “سجن ابو غريب” ليلة 21 تموز (يوليو) 2013 اثار فضيحة مجلجلة لحكومة المالكي بعد ان تمكن معظم الهاربين من الإفلات ووصولهم الى قواعد ومضافات التنظيمات الارهابية وعبور اعداد كبيرة منهم الى سوريا للانظمام الى تنظيمي داعش والقاعدة.ومرة اخرى لم يكن ذلك الهروب الكبير نجاحا لتنظيم داعش الذي ادعى مسؤوليته عن عملية الهجوم لتحرير السجناء، بل لفساد القوات التي تحرس المعتقل شديد الحراسة وعدم كفائتها وسؤ ادارتها.وبإمكاننا ان ندرك حجم الجريمة التي ارتكبت هنا اذا ما عرفنا ان بضعة مئات من ارهابي داعش فقط هم من شارك في الاستيلاء على الموصل بعد اقل من عام على حادثة الهروب تلك وان سقوط الموصل قد استدعى حربا شاملة وتحالفا دوليا لاخراج الارهابيين بعد ثلاثة اعوام.(11)

ومن الطبيعي في مؤسسة يضرب فيها الفساد بكل مفاصلها ان يشمل ذلك عقود التسليح التي تشكل مصدرا هاما للرشاوي والصفقات المالية التي تتم مع الشركات المجهزة والإطراف الوسيطة.اذ لم يمض على تأسيس وزارة الدفاع في “دولة علي بابا” سوى اشهر معدودات حتى تكشف ان وزيرها حازم الشعلان وطاقمه القريب قد وقعوا على نحو اربعين صفقة سلاح كانت اغلبها تشوبها عمليات فساد بلغت اكثر من مليار دولار وهي الفضيحة التي وصفت بانها الأكبر في تاريخ الفساد في العالم يومئذ.(12)

وتكشف وقائع هذه الصفقات وملايين الدولارات التي تم سرقتها من قبل حفنة صغيرة من هؤلاء اللصوص الكثير عن قصة الفساد في العراق، اولا، بسبب حجم الأموال التي تم الحصول عليها وتهريبها، وثانيا لانها لم تكن لتتم لولا معرفة ودراية ادارة الاحتلال الامريكي التي كانت لاتزال تدير العراق، وثالثا لانها جرت في وقت مبكر جدا من عمر الاحتلال مما يوضح العقلية الفاسدة التي كانت تتحكم بزمر المعارضة التي كانت في المنفى والتي جاء بها الغزاة ونواياها المبيتة.تم الحكم على الشعلان بالحبس 25 عاما بعد فترة طويلة من هروبه الى لندن وظل هناك يتمتع بالأموال التي سرقها والاستثمارات التي اقامها تحت حماية الجنسية البريطانية والأمن البريطاني.ولعل قصة الشعلان هي التي سنت السنة التي مضى على طريقها من جاء بعده حيث استمر الفساد وتعاظم في المؤسسة العسكرية حتى انه لم يكن هناك صفقة واحدة من صفقات الأسلحة التي اجريت بعد ذلك لم يطالها حديث الرشاوي والعمولات والتكسب غير المشروع.(13)

ان كل هذه الوقائع بدت يومها اشبه بقصص خيالية لكنها في الحقيقية كانت قصص واقعية من حكايات الفساد في عراق ما بعد صدام، ومع الاسف الشديد ستكتب تفاصيلها لاحقا بالدم والدموع والرماد.لقد كانت كلفة هذا الفساد المالية والمادية في المؤسسات العسكرية والأمنية باهظة جدا حيث بلغت تكاليف العمليات العسكرية لاخراج ارهابي داعش من المدن بين عامي 2014 و 2017 نحو 100 مليار دولار أمريكي، كما اعلن العبادي نفسه، هذا طبعا غير المليارات الاخرى التي تكفلها الخراب الذي حل بالمدن والبنى التحتية وبالاقتصاد العراقي.اما الخسائر البشرية سواء ممن ضمتهم مقابر داعش الجماعية او الشباب والرجال الذين قدموا حياتهم ودماءهم قربانا لدحر الارهاب والمعانات الانسانية التي تكبدها ملايين العراقيين الآخرين فبالتأكيد انها لاتقدر بثمن.ولم يكن كل ذلك ليتحقق لولا تفاقم الفساد وسؤ الادارة في المؤسسة العسكرية والأمنية الذي ادى منذ البداية الى الفشل في تحقيق الأمن والاستقرار، ثم مكن بعد ذلك داعش من الوصول الى تلك المناطق التي احتلتها وتطلب اخراجها منها كل تلك الأثمان الباهظة من التضحيات البشرية والمادية الجسام.(14)

 

 

 

                         هوامش ومصادر ومراجع الفصل السادس

 

 

1-انظر:”كيف دمر المالكي العراق”،مجلة فورن بولسي،19/6/2014 بالانكليزية

http://foreignpolicy.com/2014/06/19/how-maliki-ruined-iraq/

2-انظر:تقرير معهد ستوكهولم لابحاث السلام،29/1/2016

https://www.sipri.org/commentary/essay/2016/international-responses-isis-and-why-they-are-failing

3-انظر:”حقائق وارقام عن الجيش العراقي”، وكالة انباء رويترز،11/12/ 2011

https://www.reuters.com/article/us-iraq-withdrawal-military/factbox-iraqs-military-strength-idUSTRE7BA0GS20111211

انظر كذلك:”لماذا انهار الجيش العراقي”، جريدة الاخبار اللبنانية، 13/6/2014

http://www.al-akhbar.com/node/208484

وايضا:تقرير معهد ستوكهولم لابحاث السلام، 29/1/2016 المذكور اعلاه

4-انظر:”فساد ام عدم كفاءة؟”، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 9/5/2013

http://weekly.ahram.org.eg/News/2549.aspx

انظر ايضا:”محنة تسليح العراق”، صلاح التصراوي، الاهرام ويكلي،6 /8/2015

http://weekly.ahram.org.eg/News/12928.aspx

 5-انظر:”بعد 1.6 مليار دولار من المساعدات الأمريكية الجيش العراق يعاني”، واشنطن بوست، 10/6/2016

https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/iraqs-army-is-still-a-mess-two-years-after-a-stunning-defeat/2016/06/09/0867f334-1868-11e6-971a-dadf9ab18869_story.ht

6-انظر:”قصة تسليم الموصل إلى داعش، الحياة اللندنية، 1/7/ 2014

http://www.alhayat.com/m/story/3342425#sthash.7ug06REh.dpbs

7-انظر:”تقرير لجنة سقوط الموصل يتهم المالكي بالمسؤولية بعد ثلاث سنوات”، الصباح نيوز، 10/6/2017

http://www.assabahnews.tn/article/152637/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84-%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-3-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA

8-انظر:”العبادي يكشف عن الغاء 50 الف جندي “فضائي خلال شهر واحد”، موقع السومرية، 30/11/2014

http://www.alsumaria.tv/news/117654/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7-50-%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%AC%D9%86%D8%AF%D9%8A-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%AE/ar

9-انظر:”فضائيو العراق.. جيش من الفاسدين تحت الأرض، الشرق الاوسط، 10/12/ 2014

http://archive.aawsat.com/details.asp?section=45&article=797602&issueno=13161#.WjABZYaWbIU

انظر ايضا:”بإعتراف علي غيدان :المالكي كان يسرق رواتب نحو 20 الف منتسب وهمي في وزارة الدفاع”، موقع باسنيوز، 4/12/2014

http://buyerpress.com/?p=13796

10-انظر:”الفساد وراء هروب 4000 متطرف من السجون العراقية”، صحيفة الناشنال (بالانكليزية)،3/5/2011

https://www.thenational.ae/world/mena/corruption-blamed-for-escape-of-4-000-militants-from-iraq-prisons-1.414743

11-انظر:”فرار قرابة 1000 سجين من أبوغريب بعد هجوم للقاعدة”، موقع العربية 22 /7/2013

https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2013/07/22/%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B3%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A1-.html

12-انظر:”الفساد في العراق يولد الارهاب”، صلاح النصراوي، الاهرام ويكلي، 26/7/2017

http://weekly.ahram.org.eg/News/22027.aspx

انظر ايضا:”وزير الدفاع العراقي السابق مطلوب بتهم فساد بقيمة مليار دولار” الغاردين، (بالانكليزية) 20/9/2005

https://www.theguardian.com/world/2005/sep/20/iraq.michaelhoward

انظر كذلك:”حازم الشعلان في قفص الاتهام”، موقع ايلاف، 29/9/2005

http://elaph.com/Web/AsdaElaph/2005/9/94048.htm?sectionarchive=AsdaElaph

13-انظر:” ملف تسليح الجيش العراقي: فساد بحجم موازنات دول”، موقع العربي الجديد، 24/2/2016

https://www.alaraby.co.uk/politics/2016/2/24/%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D8%AD%D8%AC%D9%85-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%88%D9%84

14-انظر:”المسائلة المتسحقة”، جريدة المدى، 13/11/2017

http://www.almadapaper.net/ar/news/538695/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%82%D8%A9#.WgiBQlxrtl4.facebook