في الصميم
                       تحليلات ومتابعات
     ينبغي العمل بجد لجعل الفساد في العراق جريمة ضد الانسانية وجريمة ابادة جماعية
                                                          صلاح النصراوي
يكثر بعض المسؤولين والسياسين العراقيين هذه الايام الكلام عن الفساد ويتحدثون احياناً بالاسماء او المناصب عن سرقات ونهب لاموال الدولة او رشى تحصل بها زملائهم من اعمال وصفقات تجارية او مقاولات وغيرها كما يغمزون احياناً في تصريحات وبيانات اخرى من قنوات قادة سياسيين بانهم مشاركين او متواطئين في الفساد.
معظم العراقيين لا يصدقون ما يسمعونه لانهم يعلمون من خلال التجربة العيانية المعاشة ان هؤلاء السياسين الذين يرفعون عقيرتهم بالكلام عن الفساد ليسوا اقل فسادا ممن يوجهون لهم سهامهم ان لم يكونوا اكثر تلوثاً بهذا الداء الذي جعل العراق ليس واحدا من اكثر دول العالم فسادا، كما تقول تقارير منظمة الشفافية العالمية، بل وايضا اكثر دولة فاسدة اقيمت على ارض الرافدين منذ ولادة الدولة فيها قبل خمسة الاف عاما.
في الايام الاخيرة انطلقت التصريحات عن الفساد في صفقة الاسلحة مع روسيا ولم يكن من بدأ الكلام سوى مستشار رئيس الوزراء ورئيس لجنة النزاهة البرلمانية ثم كرت السبحة وبدأت حناجر مسؤولين أخرين تصرخ بما تعرف او تهرف عن الصفقة ومن تورط فيها ومن تفاوض بشأنها ومن قبض العمولات منها.
قبلها بايام كانت الحناجر تتحدث عن الغاء البطاقة التموينية وتم تبادل الاتهامات ايضا حول ربما مليارت الدولارات التي تهدر في نظام توزيع المواد التموينة والتي تذهب الى جيوب مسؤولين وقيادات سياسية مرتبطين بشبكة هائلة من الفاسدين داخل مؤسسات الدولة وخارجها يعتاشون منذ سنين على نهب قوت الناس.
وقبل ذلك بقليل كان نفس المسؤولين يجترون الكلام عن فساد محافظ البنك المركزي وحفنة من موظفيه عن طريق التلاعب بمزاد البنك من العملات الصعبة واسعار الصرف وتبيض الاموال وغيرها من جرائم تتعلق بادارة النظام المالي والنقدي للبلد الذي يتحكم باكثر من مائة مليار دولار من واردات النفط سنويا.
هذه التصريحات ليست الا من باب ذر الرماد في العيون وتختفي ورائها مصالح سياسية واقتصادية وطائفية وهي مجرد اداة من ادوات الصراعات والابتزاز والحصول على نصيب من كعكعة اموال النفط الهائلة ولا تعكس اية نوايا حقيقية للمحاسبة او مقاومة هذا الداء العضال.
السياسيون الذين يزعقون بالكلام عن الفساد معرفون انفسهم بتورطهم هم ورفاقهم في الجماعات والاحزاب التي ينتمون اليها في فساد مواز او اعظم ويقفون ضد اية محاولة حقيقية من الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني لكشف الفساد وجلب المفسدين امام القضاء.
لجان النزاهة والقضاء اخفقت في وقف هذا السيل العارم من الفساد والشبهات تحوم حولها في حين ان هناك ايضا من اقام واجهات اعلامية بحجة مواجهة الفساد معروف ان من يقف ورائها يستخدمها كأداة للابتزاز والارتزاق.
المؤسف ان المرجعيات الدينية لا تقوم بدورها المنوط بها في محاربة الفساد والمفسدين في الارض ووقفه بل ان هناك من يتستر باسم المرجعيات ويشارك بدوره في سرقة اموال المسلمين وارزاقهم.
الارقام التي تشير الى فساد المسؤولين العراقيين مهولة ولا يوازيها فساد في اي بلد في العالم نظرا لجسامة الموارد وانعدام الحكم الصالح العادل والرشيد وفقدان الشفافية والرقابة والمحاسبة.
الفساد في العراق يرتقي الى سلاح تدمير شامل يقوض اية فرصة لاعادة بناء الدولة والمجتمع بل يزيد من خرابهما مما يتطلب جهود استثنائية وافكار بارعة لمقاومته وايقافه فورا انقاذا للاجيال القادمة من مصير قاتم.
لابد من العمل فورا على دعم الحملة التي تدعو لجعل الفساد جريمة ترتقي الى مصاف الجرائم ضد الانسانية وحتى جرائم الابادة الجماعية لانها بالفعل كذلك بل ان نتائجها البشعة تفوق بكثير نتائج انتهاكات حقوق الانسان المعروفة او حتى اي مذبحة ترتكب في سياق الحروب والصراعات.
ان معظم الاموال المنهوبة اصبحت خارج العراق وينبغي ملاحقتها وملاحقة سراقها ومن يعاونهم في ذلك من اشخاص ومؤسسات واجهزة ودول وجلبهم امام القضاء واسترداد الاموال المنهوبة لاعادة استثمارها في بناء البلد المدمر وهي مهمة منوطة بالعراقيين اينما كانوا، ومهما طال الزمن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *